أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العلم والفكر ودورهما فى نشأة النهضة المصرية















المزيد.....

العلم والفكر ودورهما فى نشأة النهضة المصرية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5294 - 2016 / 9 / 24 - 02:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العلم والفكر ودورهما فى نشأة النهضة المصرية
طلعت رضوان
ساهم المنهج العلمى للتعليم (منذ نهاية القرن التاسع عشر) فى ترسيخ قواعد النهضة، فإذا كان التعليم والإعلام يعتبران من أهم وأخطر مؤسستيْن فى العصر الحديث ، وبهما تنهض الشعوب أو تتخلف، لذلك يتوقف الباحث الموضوعى منبهرًا أمام مستوى التعليم فى مصر فى تلك الحقبة الزمنية التى أعقبت انقشاع ظلمات العصور الوسطى مباشرة ، وعلى سبيل المثال ذكر (محمد لطفى جمعة) أنه أتقن اللغة الإنجليزية منذ أنْ كان فى السنة الرابعة الإبتدائية. وأنّ التدريس باللغة الإنجليزية كان يشمل الرياضيات والكيميا والطبيعة والجغرافيا والتاريخ. وكتب ((لقد خدمتنى اللغة الإنجليزية أجل خدمة لأننى إطلعتُ بواسطتها على الكتب والمجلات والجرائد التى تــُـطبع فى أوروبا)) وعن أساتذته – من مصريين وأوروبيين – كتب ((وأقول وأشهد أنّ مجموعة الأساتذة فى مدرسة ابتدائية ريفية فى أواخر القرن التاسع عشر، كانت أرقى من مجموعة أساتذة مدرسة عليا أو جامعة فى أواسط القرن العشرين)) (مذكرات محمد لطفى جمعة- هيئة الكتاب المصرية- سلسلة تاريخ المصريين- رقم 183- الصفحات64، 65، 83، 103، 108)
وذكر الأديب نجيب محفوظ أنه عندما كان طالبًا فى كلية الآداب ، فإنّ عميد الكلية (طه حسين) كان ينبه على الأساتذة ألاّ يسمحوا للطلاب بكتابة المحاضرات ، إنما يكتبون أسماء المراجع ، لأنه كان يرفض أنْ ( يحفظ ) الطالب ما يقوله الأستاذ ، وكان يقول للطلبة (( أكتبوا المحاضرات مما استوعبته عقولكم ولديكم المراجع فى مكتبة الجامعة )) ويؤكد هذا المعنى بل ويعمّقه د0 عبدالحميد العبادى فى رسالة منه إلى طه حسين بتاريخ 25/8/1930 يُعبّر فيها عن نظام التعليم الذى يتمناه ((عاوز أبث فى الطلبة روح طه.. روح البحث والجدل و( الخناق العلمى ) كما يقول أستاذنا لطفى السيد )) (إبراهيم عبد الحميد – رسائل طه حسين – هيئة الكتاب المصرية- عام 2000- ص12، 109)
وفى المؤتمر الذى عقده المسيحيون فى أسيوط عام 1911 طالبوا بإزالة (( الصبغة الدينية لمعاهد التعليم التى تـُـنفق عليها مجالس المديريات من واقع الضريبة التى تـُـفرض على المصريين جميعًا (مجموعة أعمال المؤتمر المنعقد عام1911- نقلا عن صابر نايل- العلمانية فى مصربين الصراع الدينى والسياسى: 1900- 1950- مركزالدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان- عام1997- ص45)
وبفضل الدور الوطنى الذى أداه الليبراليون المصريون ، تقرّر فى عام 1928 (عندما صدر قانون المدارس الابتدائية والثانوية ) أنْ تكون مادة الدين عامة (إسلامى ومسيحى) دون تأدية إمتحان فيها (المصدر السابق – ص46)
وكتب لويس عوض أنه عندما كان فى مدرسة المنيا الثانوية ، لم تكن هناك دروس دين ، وإنما حلّت محلها مادة (الأخلاق) وكذلك أُستجدتْ مادة أخرى اسمها (التربية الوطنية) كنا نتعلم منها مبادىء المساواة فى الحقوق والواجبات فى المجتمع. وكتب أيضًا ((وحتى فى مرحلة التعليم الابتدائى كانت مادة الدين اختيارية لا يجوز مساءلة التلميذ فيها فى الامتحان ولاتدخل بتاتــًا فى تقدير تحصيله ، لأنّ فى ذلك معنى القهر والإكراه فى شىء يُـفترض أنّ الإنسان يعتنقه بمحض اختياره واقتناعه. وقد تدهور الأمر فى مصر بعد نصف قرن إلى درجة أنّ أول قرار إتخذه د0 محمد حلمى مراد حين عيّنه عبدالناصر وزيرًا للتعليم بعد هزيمة 1967 فى وزارة ( الأساتذة ) كان أنه جعل مادة الدين مادة رسوب فى المدارس)) أما عن الكتب المقررة على الطلبة فى الفترة من 1926 – 1930 فكتب أنه درس فى السنتين الأولى والثانية الثانوية كتاب شفيق غربال (تاريخ مصر القديمة) وفى السنة الرابعة الثانوية درس تاريخ أوروبا فى القرن التاسع عشر. وفى إحدى السنوات وزّعت الوزارة على الطلبة كتاب (أميل) أو التربية الاستقلالية ل جان جاك روسو، وكتاب (قادة الفكر) ل طه حسين. ولكن أهم من كل ذلك هو جو العلمانية والاستنارة العام فى مقررات التعليم، إلى جانب جدية المقررات وخلوها من اللغو واغتصاب عقول النشء. ((ولم نكن فى جيلى فرائس مستباحة لذلك المصل الوقائى ضد الشيوعية والاشتراكية والديموقراطية، الذى يسمونه التعليم الدينى، وهو الذى يحيل مدارسنا اليوم – الابتدائية والثانوية وبعض كلياتنا الجامعية – إلى معامل تفريخ للجماعات الدينية)) (لويس عوض– أوراق العمر- سنوات التكوين- مكتبة مدبولى– عام1989- من ص256- 264)
وكتبت د0 سهير القلماوى أنه عندما تولى طه حسين وزارة المعارف سنة 1950 كان أهم أعماله توحيد المرحلة الأولى فى التعليم ، فلم يعد هناك تعليم دينى متخلف وآخر مدنى ، وإنما أصبح التعليم واحدًا ، يضمن الوحدة الفكرية بين مواطنى الوطن الواحد (مجلة الكاتب - مارس 1975)
وللدلالة على جدية مناهج التعليم التى تراعى المصلحة القومية للوطن المصرى ، أنه فى امتحان موضوع (التعبير) للسنة الرابعة الثانوية فى دمنهور فى العام الدراسى 1934 جاء السؤال التالى : فى هذا العام أرسلت جريدة الأهرام بعثة تجوب صحراء مصر الغربية 0 فما فائدة الجريدة من ذلك ؟ وما فائدة أعضاء البعثة ؟ وما فائدة الأمة ؟ وحصل التلميذ مراد حلمى بطرس على 13 درجة من 15 كما أنّ الجريدة أقامت احتفالا خاصًا لتكريم هذا الطا لب ( د. يونان لبيب رزق- ديوان الحياة المعاصرة- أهرام 4مارس2004) هذا الوعى بأهمية أنْ يرتكز التعليم على منهج علمى يستهدف تقدم الوطن ، كان نتيجة دور الليبراليين المصريين، فكتب أحمد لطفى السيد (( إنّ الهدف من التعليم الجامعى أساسه حرية التفكير والنقد على وجه الاستقلال ، لا الحفظ والتصديق لكل ما يقال)) (المنتخبات- ج2- ص38) أما إسماعيل أدهم فقد دعا إلى أنْ ((تحيا مصر حياة فكرية صحيحة وتنشىء لنفسها ثقافة تقيم عليها أساس دولتها. وإنْ كان يربطها بالأزهر ذلك الماضى الذى خرجتْ منه مقيدة ، فليس معنى ذلك أنْ تنقطع عن موجة الفكر الإنسانى وروح العصر وتبقى مربوطة بالماضى ، فلا تعمل على تلقيح الفكر المصرى بالأفكار الجديدة فى العلوم والفلسفة والتاريخ والأدب ، بجانب هذا لابد من برنامج للتعليم يقوم على أساس علمانى لجميع طبقات الشعب)) (قضايا ومناقشات- ج3- دارالمعارف المصرية- عام1986- أكثر من صفحة- تحرير وتقديم د. أحمد إبراهيم الهوارى)
أما عميد الثقافة المصرية (طه حسين) فإنّ إيمانه العميق بأنّ التعليم الذى يستبعد حرية البحث لا قيمة له. وأنّ الثمرة النافعة للتعليم لا تأتى إلاّ من خلال تأصيل ملكة النقد لدى الطلاب ، لذلك نجده رغم الآلام والجروح النفسية التى أصابته بعد معركة كتابه (فى الشعر الجاهلى) يواصل منهجه النقدى ، ويُملى على طلبته فى العام الدراسى 27/ 1928 ((نقدًا تحليليـًا لمتن القرآن من الوجهة الأدبية )) وفى المحاضرة التالية قال لطلبته ((فى المحاضرة الماضية تطرّقنا إلى موضوع اختلاف الأساليب فى القرآن وقرّرنا أنه ليس على نسق واحد. ولا شك أنّ الباحث الحر لا يـُـفرّق فى نقده بين القرآن وبين أى كتاب أدبى آخر، حيث يُلاحظ أنّ فى القرآن أسلوبيْن متعارضين ، لا يربط الأول بالثانى صلة ولاعلاقة ، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأنّ هذا الكتاب قد خضع لظروف مختلفة وتأثير بيئات متباينة.. إلخ)) (مضبطة مجلس النواب- جلسة 28/3/1932- نقلا عن صابر نايل – مصدر سابق- ص78)
تبدو أهمية دور الليبراليين المصريين فى النهضة وفى وضع أسس الدولة العصرية ، إذا وضعنا فى الاعتبار، أنّ التعليم فى مصر كان حتى السنوات الأولى من القرن التاسع عشر يعتمد على (الكتاتيب) وأنها كانت الشكل الوحيد للتعليم الذى يهتم بالتعليم الدينى فقط ، وهو أحد أهم الأسباب التى جعلت المجتمع المصرى غارقــًا فى الغيبيات ، وبالتالى كانت مهمة ترسيخ قواعد النهضة وتأسيس آليات الدولة الحديثة التى تقاوم الغيبيات، بمرجعية العقل واحترام العلم ، مهمة شاقة تولاها جيل من الليبراليين المصريين. وتمثــّـلت المشقة فى أنهم كانوا البداية. ولم يسبقهم أحد فى التمهيد لزرع بذور الفكر العالمانى ، فكانوا أشبه بالفلاح الذى أصرّ على تحويل الأرض الصحراوية إلى أرض تصلح للزراعة.
كان الصراع بين الغيبيات والعقل صراعًا حادًا ، وكان الطرفان غير متكافئيْن ، حيث تغلغل تراث الغيبيات فى العقول منذ عدة قرون ، بينما محاولات الليبراليين فى مصر هى المحاولات الأولى ، فكان المثقف الليبرالى أشبه بمن يريد أنْ يـُـفتــّـتْ الصخرة بريشة الكتابة.
ولعل الواقعة التالية التى ذكرها أحمد لطفى السيد ( 187 – 1965) والتى حدثتْ فى السنوات الأولى من القرن العشرين ، أنْ تكون مدخلا لبيان مدى تغلغل الفكر الغيبى على عقول المصريين إذْ كتب (( زرت كــُـتابـًـا فى إحدى القرى فوجدتُ عدد التلاميذ قليلا جدًا ، فقلتُ للمعلم أظن السبب فى هذه القلة تنقية الدودة فقال كلا ، ليس فى بلدنا دودة. فإنى قد أذّنتُ الأذان الشرعى على أركان البلد الأربعة ، فذهبتْ الدودة بإذن الله. قال ذلك والتلاميذ يسمعون ، ولعلّهم كانوا يُكذّبون أعينهم التى ترى الدودة فى الغيطان)) (المنتخبات ج2 – ص7)
أما د0 محمد حسين هيكل فذكر أنه بعد أنْ عاد سعد زغلول من منفاه فى جبل طارق ، فإنّ المصريين استقبلوه استقبالا حافلا ، وكتب (( وأحيط سعد بعد عودته بهالة من جلال ، امتزج فيها الخيال بالواقع وارتفعتْ باسم سعد إلى مستوى الأساطير. كانت صحف الوفد تروى أمورًا هى الخرافة بعينها ، لكنها كانت تلقى مع ذلك من يصدّقها من الجماهير. قالوا إنهم رأوا قرون الفول نابتة فى إحدى مديريات الصعيد ، وقد كتبتْ الطبيعة على بعضها عبارة " يحيا سعد" وقالوا إنّ طبيبًا استمع إلى جنين فى بطن أمه قبل أيام من مولده ، فإذا هذا الجنين يقول "يحيا سعد" وأنّ الطبيب دعا غيره ليسمع ما سمع ، فكرّر الجنين " يحيا سعد " (مذكرات فى السياسة المصرية- مكتبة النهضة المصرية- عام1951- ص169)
عن الواقعة الأولى يُوجه لطفى السيد نقده الحاد للفكر الغيبى 0 ويُـلفت النظر إلى خطورة أنْ ((نترك أولادنا (جيل المستقبل) إلى نموذج الفقهاء هذا )) وينتقد السلوك التربوى فى الكــُـتــّـاب حين يقول (( نجد الصبيان فى غرفة ضيقة عتيقة كسجون القرون الوسطى )) (لطفى السيد – مصدر سابق – ص7) أما عن التعليم فى تلك الكتاتيب ، أو ما يُطلق عليه المواد الدراسية ، فبشهادة أصولى عتيد ، هو محمد رشيد رضا ، فإنّ المعلمين فى تلك الكتاتيب ((كانوا لا يعرفون شيئـًا سوى حفظ القرآن)) (رشيد رضا- تاريخ الأستاذ محمد عبده- مطبعة المنار- ج2- ص543)
ويعلّق د0 هيكل على الواقعة الثانية قائلا (( إنّ ما حدث هو تضليل يجب إنقاذ الأمة منه. وأنه استخفاف بحكم العقل ، والعقل وحده فى نظرنا هو كل شىء0 وهو صاحب الإملاء بالحق0 فإذا لم نقاوم نحن هذا الضلال وقعت الأمة فى براثن الطغيان 0 وهيهات يومئذ أنْ تبرأ منه أو تبلغ من أغراضها فى الحرية أى مبلغ 0 وكنا نحن محررى السياسة ( يقصد جريدة السياسة ) أشد الأحرار الدستوريين إيمانــًا بذلك كله. فقد تلقى أكثرنا علمه وثقافته فى أوروبا 0 وفى فرنسا خاصة. كنتُ أنا ود0 طه حسين ود0 سيد كامل قد درسنا فى جامعة باريس ، ونلنا درجاتنا العلمية منها 0 وكنا جميعًا مؤمنين بأنّ العلم هو الذى يُصور مصير العالم 0 وأنّ منطق العقل يجب أنْ تكون له السيادة )) (د. هيكل – مصدر سابق – ص170)
وعن عقلية شيوخ الأزهر كتب طه حسين أنّ صبيًا سأل معلم الكتــّاب ذات يوم عن معنى قول الله تعالى " وخلقكم أطوارًا " ؟ فأجاب هادئـًا مطمئنـًا : خلقكم كالثيران لا تعقلون شيئًا . وسأل طه جده عن قول الله تعالى (( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإنْ أصابه خير اطمأن به وإنْ أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة )) فقال : ((على حرف دكة. على حرف مصطبة. فإنْ أصابه خير فهو مطمئن فى مكانه. وإنْ أصابه شر انكفأ على وجهه )) (طاها حسين – الأيام 0 دارالمعارف المصرية- ط 47- عام1971- ص87)
طريق النهضة إذن لم يكن سلسًا أو ممهدًا لخلق مناخ ليبرالى فى تلك الحقبة الزمنية. كما أنّ قراءة التاريخ الثقافى لتلك الحقبة ، توضح أنّ تيارًا أصوليًا تم زرعه فى مصر. وأنّ هذا التيار الأصولى كان (يجاهد) كى تظل سلاسل العصور الوسطى فى أقدام المصريين 0 ومن هنا تولّد ذلك الصراع الدراماتيكى بين التيارين : الأصولى والليبرالى 0 وبدأتْ الهجمة الأصولية الأولى على يد جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى (1838 – 1897) فهو فى رسا لته المعنونة (الرد على الدهريين) يُهاجم العلوم الطبيعية ويصفها بأنها " جرثومة الفساد وخراب البلاد وبها هلاك العباد" (كتاب : الثائرالإسلامى جمال الدين الأفغانى ورسالة الرد على الدهريين- تأليف الشيخ محمد عبده- كتاب الهلال المصرى- أكتوبر1973- ص118وما بعدها) والمثل الأعلى عند الأفغانى هو من ((يتبع الأوامر الإلهية)) وبالتالى فإنه (( لا يحتاج إلى بذل النفقات ولا تكثير الجيوش ولا مظاهرة الدول العظيمة ولا مداخلة أعوان التمدن وأنصار الحرية ويستغنى عن كل هذا بالسير على نهج الخلفاء الراشدين)) (رشيد رضا- ج1- ص209- نقلا عن لويس عوض- تاريخ الفكرالمصرى الحديث- من عصر إسماعيل إلى ثورة1919- المبحث الثانى ج1- ص211- مكتبة مدبولى عام1986)
كما كان الأفغانى يطلب من المسلمين أنْ ((يعتصموا بحبال الرابطة الدينية التى هى أحكم رابطة، اجتمع فيها التركى بالعربى والفارسى بالهندى والمصرى بالمغربى ، وقامت لهم مقام الرابطة الجنسية)) (العروة الوثقى- 24/8/1884) وكتب أيضًا ((لاجنسية للمسلمين إلاّ فى دينهم)) (العروة الوثقى- 26/7/1884) وكرّر ذات المعنى فكتب ((وعلمنا وعلم العقلاء أجمعين أنّ المسلمين لايعرفون لهم جنسية إلاّ فى دينهم واعتقادهم)) (العروة الوثقى- 14/8/1884) أما أخطر ما روّج له الأفغانى فهو اقناع الشعوب بقبول الإحتلال وعدم مقاومة الغزاة تأسيسًا على قاعدة (الرابطة الدينية) التى ألحّ كثيرًا فى الترويج لها فكتب ((هذا ما أرشدنا إليه سير المسلمين من يوم نشأة دينهم إلى الآن. لا يتقيدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس، وإنما ينظرون إلى جامعة الدين . لهذا نرى المغربى لا ينفر من سلطة التركى. والفارسى يقبل سيادة العربى. والهندى يذعن لرياسة الأفغانى. لا اشمئزاز عند أحد منهم ولا انقباض)) (العروة الوثقى – 28/8/1884)
وإذا كان تعميق الانتماء الوطنى يعتبر الرافعة الأساسية لأية نهضة ولأى تحرر من الغزاة المحتلين ، فإنّ الأفغانى يُعلن عن عدائه المتأصل للشعوب بسبب تمسكه ب (الرابطة الدينية) فيصل به الأمر إلى درجة أنْ يكتب ((يجب على المسلمين أنْ يرفضوا كل ولاء وطنى وكل انتماء وكل إخلاص للوطن الأصلى ، لينطووا تحت لواء الدين الإسلامى ، بوصفه المصدر الوحيد للقوة والوحدة. فإنّ المتدين بالدين الإسلامى متى رسخ فيه اعتقاده يلهو عن جنسه وشعبه ويلتفتْ (مكتوبة هكذا) الرابطة الخاصة إلى العلاقة العامة. وهى علاقة المعتقد ، ومع ذلك ربما وُجد بينهم أفراد يتشدّقون بألفاظ الحرية والوطنية والجنسية وما شاكلها ، ووسموا أنفسهم زعماء الحرية)) (العروة الوثقى نقلا عن د. أنورعبدالملك الذى لم يذكرتاريخ العدد- فى كتابه نهضة مصر- هيئة الكتاب المصرية- عام1983- ص421)
وبعد الأفغانى جاء رشيد رضا وعبدالعزيز جاويش ، حتى نصل إلى محطة الإخوان المسلمين، أى أن الأصولية الإسلامية كانت تـُـشكل خطرًا حقيقيًا على مشروع النهضة المصرية. ولم تكن مصادفة أنْ يعمل المحتل الإنجليزى على وأد أية ثورة شعبية ، تكون شبيهة بثورة شعبنا فى برمهات/ مارس 1919التى هى أعظم وأخطرثورة فى منطقة الشرق الأوسط ، باعتراف معظم المراسلين الأوروبيين الذين عاصروا أحداثها، وباعتراف كتاب أوروبيين أيضًا. ولم تكن خطورتها المطالبة بخروج الإنجليزمن مصر فقط ، وإنما الأخطر من ذلك (من وجهة نظر الإنجليز) هو شعار الثورة الذى وحّد شعبنا تحت راية الوطن ((الدين لله والوطن لكل المصريين)) لذلك لم تكن مصادفة أنْ يُساعد المحتل الإنجليزى كل من يعمل على تقويض وحدة شعبنا الذى آمن بأنّ الولاء للوطن يسبق الولاء للدين ، وكان التطبيق العملى لذلك هو الدعم المعنوى الذى قدّمه الإنجليز لجماعة الإخوان المسلمين ، بل والدعم المادى أيضًا، ويعترف حسن البنا بأنّ شركة القنال الإنجليزية تبرعت بمبلغ خمسمائة جنيه (بسعر الجنيه المصرى فى العشرينات من القرن العشرين والذى كان أغلى من الجنيه الإسترلينى) عند بناء أحد المساجد بالإسماعيلية (طارق البشرى- الحركة السياسية فى مصر: 1945- 1952- دارالشروق- ط 2- عام1983- ص43)
وحسن البنا لايعترف بأبسط حقوق الإنسان : حقه فى اختيار صديقه. فالأخوة من وجهة نظره ((من وحى السماء، ومن أقامها على أساس صنع الإنسان كفر بمشيئته)) (طارق البشرى- المصدرالسابق – 170، 171)) وردّد مقولات الأفغانى المعادية للانتماء الوطنى ، وإنْ كان قد غيـّـر فى الكلمات إلاّ أنه حافظ على المعنى، فقال ((إننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وليس بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية. فكل بقعة فيها مسلم ، وطن عندنا ، له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد فى سبيل خيره)) وأكثر من ذلك ما ذكره عن هدم الشعور القومى، حيث أضاف ((الإخوان المسلمون لايؤمنون بالقومية ولا بأشباهها. ولا يقولون فرعونية وعربية وفينيقية وسورية. ولا شيئـًا من هذه الألقاب والأسماء التى يتنابز بها الناس)) (هالة مصطفى- الإسلام السياسى) ولعلّ هذا التوجه من الإخوان المسلمين يُـفسّـر دعمهم ل إسماعيل صدقى فى محاربة اللجنة التنفيذية للطلبة والعمال التى تشكــّـلت فى فبراير 1946 0 فقد وصل استغلالهم للدين أسوأ استغلال ، عندما أعلن زعيمهم فى الجامعة أنّ إسماعيل صدقى حينما يعد فهو صادق الوعد 0 وقرأ عليهم الآية " واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيًا " (عبدالعظيم رمضان- الفكرالثورى فى مصر قبل يوليو1952- هيئة الكتاب المصرية- عام 2004- ص274)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملاحم اليونانية وهل أفادت البشرية
- التشابهات داخل شُعب الديانة العبرية
- الأنظمة الاستبدادية والمرجعية الدينية والمآسى البشرية
- بداية النهضة المصرية
- ما مغزى أن يكون رئيس الوزراء أحد اللواءات؟
- لماذا يتجاهل المستشرقون والإسلاميون (المعجزات) المصرية؟
- الصراع النفسى داخل الضابط (المثقف)
- أليس نظام الكفيل عبودية عصرية ؟
- هل دوافع المستشرقين المدافعين عن الإسلام بريئة؟
- الديانة العبرية والأساطير والتضحية بالأبناء
- أردوغان يطالب باسترداد الأهرام
- تواصل حوار القرآن مع الواقع
- هل يمكن إنهاء زواج رجال الأعمال برجال السلطة؟
- هل الحضارة المصرية حضارة موت ؟
- ما سر الولادة المتعسرة لقانون بناء الكنائس ؟
- لماذا ارتدى بوكاى عمامة المسلمين ؟
- لماذا يسعى الأصوليون للتدخل فى كتب التراث ؟
- العلاقة المُضادة بين الميتافيزيقا والعقلانية
- هل مصر ينطبق عليها مصطلح (دولة فسادكو) ؟
- حوار الواقع والقرآن


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العلم والفكر ودورهما فى نشأة النهضة المصرية