أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد محسن عامر - فكرة الله الثوري و الربيع العربي















المزيد.....

فكرة الله الثوري و الربيع العربي


محمد محسن عامر

الحوار المتمدن-العدد: 5303 - 2016 / 10 / 3 - 17:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صحيح أن الثورات العربية منذ اندلاعها لم تكن ذات مضمون ديني , أي أنها لم تنطلق من خلفيات أيديولوجية دينية . و لم تستقي م الإسلام السياسي سواءا بوجهها الإخواني أو السلفي شعارات الحاكمية أو الشريعة . كان الثورات ردات فعل عفوية ذات طابع ديمقراطي اجتماعي ضد الطابع المافياوي الذي طبع الأنظمة العربية و التوتاليتارية في نظم الحكم و قمع حرية التعبير و حق التنظم . لم تجد الهبات الشعبية مرتكزا أهلويا سواء كأحزاب سياسية أو منظمات مدنية أهلية بوزن قادر على احتواء التحركات و توجييهها عدى المثال التونسي الذي لعبت الهياكل الوسطى لاتحاد الشغل دورا نوعيا كقاعدة انطلاق انتفاضي نحو شوارع المدن التونسية .
مع فقدان المرجعية الواضحة و الطابع العفوي للإحتجاج كان من الطبيعي أن تحاول الحركة الجماهرية استعمال مخزونها النفسي و الثقافي الخاص الذي يعتبر الدين مكونه الأساس . كانت التظاهرات تنطلق في مصر من المساجد و كان شعار "مالنا غيرك يا الله " السوري شعارا مركزيا في مظاهرات درعا و المدن السورية الاخرى . من الطبيعي أن يكون الدين كمكون نفسي جمعي موجها و ذا لسان فصيح داخل الإحتجاج الإجتماعي للجماهير المنتفضة بل و عنصر دعم و تقوية و حشد وجداني يضمن للمجموعات المنتفضة هوية و راية يلتفون تحتاها .
و كما سبق القول كان عقود الإستبداد السياسي كفيلة بضرب كل محاولة لتشكيل نواتاة لتكوينات مدنية سياسية علمانية بمرجعيات حداثية . و فشل ربيع دمشق و حركة كفاية في مصر و التقاء 18 اكتوبر للحقوق و الحريات في تونس على تشكيل النقيض الديمقراطي العلماني في مواجهة نظم الإستبداد السياسي و النهب الإقتصادي و التفقير الإجتماعي .
رغم أن التيارات الدينية بتلويناتها و نحلها وضعت أمام لحظة ارباك بداية الإنتفاضات و لم تلحق بها إلا عند عشية حسم معركة الإنفاضة و اضطرارها من أكثرها اعتدالا إلى متطرفي القاعدة إلى مباركتها و مسايرتها رغم أنها لا تحمل مضامينها الأديولوجية إلا أنها كانت الأكثر قدرة على استعياب الفعل الإنتفاضي و تحويل مضامينه الاجتماعية و الديمقراطية لمطية للسلطة مدعومة بمعطى دولي و إقليمي مواتي . في صحراء المجتمع الأهلي وجدت التيارات الدينية أرضية سانحة فقط لدمج شعاراتها الأيديولوجية في طينة مجتمعية سلطوية محافظة .. أي صنع انعكاس سرابي للمجتمع يحول شعاراتها الأيديولوجية إلى تكثيف صادق للوعي المجتمعي السائد و وهكذا تتحول الحركات الدينية لا لمعبر رجعي على مصالح اجتماعية تخلفية غير ديمقراطية , بل إلى صورة نقية للمجتمع و المنتفضين .
المثال السوري أكثر تعقيدا باعتبار تعقيدات فصوله و كثرة الإرادات و الفاعلين و نزول العالم بكل قواه لفض نزاع فرعي على جماجم المنتفين السوريين . الممانعة السعودية للإنتفاضات العربية و الطموح القطري التركي المتأخون و التخوف الصهيوني و التناقضات الإقليمية و الدولية بين روسيا و إيران و الولايات المتحدة و تناقض إيران و مجلس التعاون الخليجي , كل هذه الإرادات شديدة التعقيد قابلت مجتمع سوري يرزح تحت نظام عاش أكثر من أربعين عن طريق الشمولية السياسية و التحشيد الطائفي في سطاتيكو الحكم . داخل هذا الوقع لم يكن أمام المعطى الإقليمي سوى استغلال غياب البدائل الديمقراطية إلا انعاش مراكز الرفض الرجعية للنظام و دمج المعطى الديني الأيديولوجي المدعم بالتمويل و التسهيلات داخل الفعل الإنتفاضي المستعد سلفا لتبني الخط الديني الراديكالي كمعبر و فاعل تحشيدي للفعل الحربي ضد النظام . هكذا تم تحويل الفعل الإنتفاضي إلى حرب أهلية دموية بين معارضة /معارضة و معارضة نظام و تحولت سورية من وطن كامل إلى مجالات سيطرة لأمراء الحرب .
في الأقطار العربية التي حكمها الإسلاميون كان التوجه كما هو معلوم , ليبيرالية أكثر توحشا من الأنظمة السابقة مع مسحة دينية فاشية مقبولة و مباركة من السواد الأعظم للشعب . كانت المهمة هي دفع كل المنحزات الحداثية الموجودة باسم التدين الثوري نحو الإنحصار و التفتت من حرية الإبداع وصولا للحق في حرية التعبير . لم تكن هذه المهمة شديدة الصعوبة على الإطلاق إذ كان كافيا إطلاق القدرات السلطوية للمجتمع التقليدي حتى أصبحت الحركات الراديكالية شديدة التطرف الموالية للقاعدة كأنصار الشريعة تجمع أكثر من عشرة ألاف شاب في مدينة القيروان تحت راية العقاب . أي كان كافيا فسح المجال للتدين المتجانس مع المجتمع التقليدي و وقوف الدولة للحياد للتحقيق طفرة نوعية للتدين المؤدلج في المجتمعات العربية .. هذا يقول أن البيئة خصبة لتحويل الله و أنماط التدين السائدة إلى بؤر توتر راديكالي هدفها إدامة الهيمنة القديمة .
من المهزلة القول أن تتحول بقايا النظم الإستبدادية التي لم تتفكك إلى خنادق مقاومة للراديكالية الدينية . مع انه من الوجاهة القول أن إعادة تدوير المنظومة القديمة اقتصاديا و اجتماعية بعد الإنتفاضات أوجد قوى رفض اجتماعي و سياسي و ثقافي أيضا و لكنه ضل عاجزا أمام تمترس النظم الجديدة الدينية خول المتاريس المجتمعية القديمة . إذا أن استحظار الله السائد في المخيال الشعبي المحافظ الرافض لكل أشكال العلمنة و الحداثة و التغير مع لمسة أيديولوجية سياسية كان كافيا للوقوف بقوة و تحوله إلى حصن دفاعي أمام المقاوميين المواطنيين و تحويل المدن التونسية مثلا إلى ساحات حرب من أجل الدفاع عن حق التظاهر لا في وجه النظام فقط هذه المرة بل في مواجه ميليشيات غير دولتية مدعومة بترسانة من الدعاة و الأيمة المتطرفين الذين حولوا المساجد إلى ثكنات تجميع شبه حربي للشباب و مراكز تعبئة أيديولوجية .
إسقاط الإخوان في مصر و فرض شروط النظام القديم عليهم في تونس لم يكن كنتيجة لكفاح مواطني ديمقراطي علماني , بل تحت ضربات النظام القديم الذي مثله العسكر في مصر و تحالف لوبيات المال و جرحى الإنتفاضة من المتنفذين السابقين في تونس الذين كونوا حزب نداء تونس .
من الطبيعي أن هذا التغيير التجميلي لن يكون بحال محاولة لتغيير البنى الإجتماعية السائدة حتى لو حملت شعارات ديمقراطية علمانية مثل "النمط المجتمعي" و الدفاع عنه في تونس . إذا أن كلى القوتين أي الإسلاميون و النظام القديم مطالبون بالمحافظة على نفس العلاقات و التراتبات الإجتماعية و الأيدولوجية السائدة ياعتبار أنها القاعدة الطبقية المساعدة على الحكم .
تصريح مفتي الجمهرية التونسي هذه الأيام المثير للسخرية حول تحريم الإحتجاج الإجتماعي يتحرك في هذا السياق و يقيم الدليل عن توجه النظام لاستعمال هذا السلاح السلطوي التخلفي ضد محاولات الرفض و الإحتجاج الإجتماعي . إنه محاولة دمج الله و عناصر التدين و سطوة الجملة الدينية أيديولوجيا و سياسيا من أجل ضرب النقيض و محاولة التغيير .
إنها أزمة السائد المجتمعي و المرجعية و لكنه أيضا مأزق لقوى التغيير السياسي المواطني الجذري و تشوه ما يسمى منظمات المجتمع المدني و عجزهما على تحويل فكرة الحق و الحرية إلى أدوان نضال سياسي لا ضد النظام السياسي الحاكم فقط بل ضد هذا البنيان التقليدي المجتمعي الذي يحاصر فكرة التغير .. سيبقى المعطى الديني إلى حين هو قوة الدفع " الثوري" للقوى الإجتماعية الفاعلية و القادرة خوض المعارك الاجتماعية .



#محمد_محسن_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أن نقرأ عبد الناصر لآن
- جبهة الضدّ ضدّ نظام الضدّ : أي جبهة شعبية نريد
- حكومة يوسف الشاهد : توحيد الفشل و تفتيت المعارضات
- شباب -مانيش مسامح- في مواجهة -النومونكلاتورا- التونسية
- عن سؤال ماذا بعد؟
- عندما يطبّع العرب ..تحيا الجزائر
- حكومة السيدة كرستين لاجارد
- مبادرة حكومة الوحدة الوطنية و كرنفال توزيع الفشل الحكومي
- ملاحظات حول تأسيس الجبهة العربية التقدمية
- نحو إعادة النظر في الموقف من الطائفة اليهودية في تونس
- القلم على منصة المشنقة : تضامنا مع الكتاب الموريتاني محمد ال ...
- تعويذات الصحراء : التسامي الموسيقي الزنجي
- خلّوا سبيل ناقة -الباجي قايد السبسي- فإنها مأمورة
- قانون منع النقاب في تونس: القانون والخلفيات السياسية
- النزوع العرباني و عشق النكوص نحو المستنقعات
- الوهابية تأكل نفسها من جديد: التحالف الدولي في مواجهة داعش ا ...
- موسيقى الشارع في تونس : نحو تنظّمات ثقافية مقاومة
- من إبن المفروزة محسن عامر إلى كبير فارزي جمهورية الواي أوف ل ...
- التراجيديا الندائية : محسن مرزوق زعيما لخوارج نداء تونس
- في صناعة المظلومية الامازيغية : من الظالم و من المظلوم


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد محسن عامر - فكرة الله الثوري و الربيع العربي