أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محسن عامر - تعويذات الصحراء : التسامي الموسيقي الزنجي














المزيد.....

تعويذات الصحراء : التسامي الموسيقي الزنجي


محمد محسن عامر

الحوار المتمدن-العدد: 5154 - 2016 / 5 / 6 - 23:31
المحور: الادب والفن
    


فكرة العبور السماوي نحو العالم الأخروي مع فكرة الموت هما معطيان مؤسسان للقلق الإنساني تجاه الهزيمة الحتمية في مواجهة الفناء.فما تقاليد التحنيط المصري و النظام التضحوي في الديانات الإغريقية و أساطير باب القديمة إلاّ أحد تمظهرات هذا القلق. في ترحال الأفكار و الحكايات الأسطورية بين الشعوب و اصطباغها بعاداتها و لغتها ولدت فكرة الدين و تلونت الأساطير و أنتجت في تمازجها أشكالا جديدا من الوعي الديني التي من أبرز تجلياتها فكرة التصوف الزنجي.
في أقصى صحراء الجنوب التونسي أين يقيم السراب الحد الفاصل بين الواقع و الهذيان و بين صفار رمل الصحراء و بياض لمح شط الجريد , يقبع مزار أحد الزعماء الروحيين الكبار للزنوج هو "مرزوق العجمي" الذي تحوم حول ضريحه قداسة غامضة و تقال له كل عام طقوس الرقص المقدس في جو كرنفالي شيق في طبيعتها السحرية إعادة محاكاة لواقعة أسطورية و في عمقها الثقافي تتويج للتزاوج التاريخي الثقافي بين العناصر الثقافية الإفريقية و التراث الديني الإسلامي .
تقول الأسطورة: أن مرزوق العجمي كان عبدا لأبي علي السني أحد معلمي الصوفية الكبار في الجريد (و كلاهما شخصيتان تاريخيتان) , طلب منه معلمه و شيخه إعداد الطعام في يوم ماطر فلم يجد العبد حطبا فأوقد قدميه ووضع عليهما التنور.عندما اكتشف شيخ الطريقة هذه الكرامة أخذه من قميصه و رماه قائلا "شيخ ما يخدم شيخ" فوقع مرزوق العجمي على بعد كيلومترات في قلب الصحراء أين بنى زاويته و أحاط به المريدون من كل مكان إلى أن مات و أصبح ضريحه مزارا لكل الزنوج.
في الخميس الأول من كل فصل صيف عندما تعجز الأقدام على وطئ الأرض من الحرارة تعاد هذه الواقعة من جديد و تبعث شخصياتها و تحيى الحكاية من جديد. ينطلق عازفو الصطمبالي في مشية موسيقية تتبع نفس الطريق الذي أخبرتها بها المروية الأسطورية بطريقة تدفع الأحداث نحو الإنبعاث . من ضريح المعلم الأول أبا علي السني "الأبيض" في قلب الواحة حتى الوصول هرولة و عزفا إلى مقام الولي الزنجي في قلب الصحراء على ضفة شط الجريد. حتى الكرنفال الأخير الذي يتخلله الرقص و النواح و ذبح التيس و تلطيخ المريدين لأنفسهم بدمه وشربه .
موسيقى الصطمبالي الزنجية ذات الطابع الصوفي كان تاريخيا حالة توحد و تمازج ثقافي بين العادات و التقاليد الدينية الوثنية الإفريقية و التعاليم الإسلامية الصوفية . فمع أن العبيد اعتنقوا ديانة أسيادهم إلاّ أنهم حافظوا على هويتهم الثقافية و مخزونهم الروحي كاملا بل أنهم أسلموه أفرقوا إسلامهم و في كلتا الحالتين تم صب الهوية على المعتقد الجديد فخرج الرقص الإفريقي ذو المنشأ الوثني و المفردات الإفريقية في منطوق الأغاني جزأ من وصلة سحرية دينية مسلمة . إنه حقّا لتمازج شيق بين هويتين , بين تقاليد الرقص الديني و فكرة التسامي الصوفي الإسلامية .
موسيقى الصطمبالي على ما يبدو حافظت على ركائزها و الغاية منها مع انه غادرت منشأها في غياهب غابات إفريقيا و اسمها الديني الحقيقي . ففكرة التصوف تقوم على أن الحقيقة أكبر من الشريعة و الحق أكبر من أن يوصل له بالتعبد الطقوسي العادي , و الإيمان الظاهري لا يوصل للجوهر أبدا . بالتالي فالطريق إلى الحقيقة يحتاج الولوج إلى الجوهر , أي إلى الباطن بحثا عن الحلول . هكذا يكون الرقص الإفريقي بإيقاعاته و مفرداته و حكاياته التي يرويها وسيلة الوصول نحو "التخميرة" و التخميرة خروج عن الوعي إلى اللاوعي من المحسوس إلى التجلي الخالص في المطلق .
هذا النوع الموسيقي الذي كان من المفروض أن يكون محل جهد معرفي للباحثين حول تاريخ الشعوب و الكم الكبير من المعلومات التي قد تمنحها الدراسات التشريحية للمرويات الزنجية عن تاريخ ثقافة كاملة يطويها النسيان و الإهمال و تتراجع لتندثر و تندثر معها حكايات مشوقة عن تاريخ السود و ثقافتهم في تونس . إنها حقّا معضلة ..



#محمد_محسن_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلّوا سبيل ناقة -الباجي قايد السبسي- فإنها مأمورة
- قانون منع النقاب في تونس: القانون والخلفيات السياسية
- النزوع العرباني و عشق النكوص نحو المستنقعات
- الوهابية تأكل نفسها من جديد: التحالف الدولي في مواجهة داعش ا ...
- موسيقى الشارع في تونس : نحو تنظّمات ثقافية مقاومة
- من إبن المفروزة محسن عامر إلى كبير فارزي جمهورية الواي أوف ل ...
- التراجيديا الندائية : محسن مرزوق زعيما لخوارج نداء تونس
- في صناعة المظلومية الامازيغية : من الظالم و من المظلوم
- أطياف أسامة من بن لادن : حول الانبعاث الجديد -للاممية الإسلا ...
- محمد محسن عامر: اليعقوبية الفرنسية في مواجهة سؤال تهرم حداثت ...
- ليسوا عليا و ليسوا معاوية : آليات الإنهاك في صراع النهضة و ن ...
- داعش ما بعد الإستشراقية
- إدارة التوحش و إدارة البكاء
- السقوط قبل البداية:المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب في تونس
- عن ال سعود و احترام حقوق الانسان
- لقاء بوتين و أوباما اليوم ومخاطر خسارة داعش :
- قانون المصالحة الإقتصادية مع رجال الأعمال في تونس :المآلات
- تضامنا مع مناضلي النهج القاعدي في المغرب
- بورقيبة و نظرية الحلول في فكر سبسي الله الثوري : أنا بورقيبة ...
- الجنّ هو المسؤول عن الإرهاب في تونس


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محسن عامر - تعويذات الصحراء : التسامي الموسيقي الزنجي