داعش ما بعد الإستشراقية

محمد محسن عامر

الحوار المتمدن-العدد: 4971 - 2015 / 10 / 31 - 11:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

جرب أن تفكر في حكايات ألف ليلة و ليلة , سيشيخ الذهن في خيالات موسيقى مقطوعة شهرزاد الشهيرة-;- لا يبدو هذا غريبا إلاّ إذا فكرنا للحظة أن المقطوعة التي لحنها الموسيقار الروسي ريمسكي كورساكوف في عام 1888 لا علاقة لها عزفا و تلحينا والات بالحكاية أو المشرق . هكذا شكل الإستشراق الغربي الصورة السحرية المفارقة عن المشرق العربي , ذلك المكان الغارق في ضباب المجهول السحري الذي يختزن الكثير من الغموض المفارق و لكن المختزن للعنف والبربرية أيضا, إنه في المخيلة الغربية امتداد اجرد يبعث على الرهبة و الحذر بسكان غير حضر وغير متحضّرين محترفين في القتل والسلب .
قيمة ألف ليلة و ليلة في أنها جمعت كل العناصر الأسياوية و الفارسية والمصرية بنكهة عربية جعلت كل هذا المجال في مرمى سلاح الفكر المسيطر يشكله كما يريد من أجل انتاج فكر “ملائم للثقافة السائدة الطاغية” بتعبير مهدي عامل يشكلنا في الوعي الغربي والأهم , أنه يشكل موقفنا من أنفسنا و ثقافتنا .. نعم نحن من يتشرب شرقيتنا استشراقيا ليتحول إمرأ القيس و حرب البسوس و القدس و السبي البابلي إلى يقينيات تاريخية غير قابلة للدحض بل و حتى للتشكيك .. و تتكلس الذهنية الجماعية عند تلك اليقينيات و تتوقف عن الحركة ..على هذه الثقافة ركب المستعمر الأول للشرق قبل أن يمتطي سفينة الغزو و يذخر المدفع و البندقية .
داعش التي يغلب عليها الهوليودي نشأت و ترعرعت وشرعن وجودها بالمنطق الواقعي داخل هذا الجو , إنها خلق إجرامي مبني على ما أراده المستعمر أن نراه و نتعامل معه لا هو في ذاته . إنه تنظيم يختزن في باطنه كل العناصر الثقافية التي بناها الإستشراق الأول وأكملها الإستشراق الما بعد إستشراقي. الشرق المليئ بالقتل و التوحش و صورة الشرقيين المتخمين بالعنف و القتل بصور اللحي واللباس الأفغاني و الشكل المخيف و التكبير والجهاد و النحر و الدبح و الرايات السود, كلها عناصر أوجد لها قاعدتها المادية و الفكرية لأن توجد , ما تبقى أي ولادتها أمر ثانوي داخل هذا السياق..
داعش وليد في بنيته ووظيفته لموجة الإستعمار الجديد , تم انتقائها بعنياة من صخب الصراع و التفكك في المشرق الذي خلقه الإستعمار ذاته .داعش مسيرة طبخت على مهل وسيقت بتئدة من معسكر هيرات في أفغانستان لتجد حضن الأم في العراق ليشتد عودها في الأخير و تصبح يافعة في سوريا. إنها في الثقافة الغربية طالبان سورية في قندهار سورية .. أحمد فضيل الخلايلة المكنى بأبي مصعب الزرقاوي هو الأب الروحي لداعش , ابتدأ الطبخ في مجموعة صغيرة للتدريب في أفغانساتان لينتقل الفعل الحقيقي بعد سقوط نظام صدام حسين باسم التوحيد و الجهاد في أيلول 2003 لتبايع القاعدة فيما بعد في 8 أكتوبر 2004 , و لتنتهي إلى تأسيس دولة العراق الإسلامية في 14 أكتوبر 2006 تحت قيادة أبو عمر البغدادي ووزير حربه أبو حمزة المهاجر .هذه المجموعة قليلة العدد شديدة الشراسة و التنظيم من أشد المقاتلين العرب و العراقيين بئسا و تطرفا ممن نجى من الأمريكيين و الصحوات . العراق كان المطبخ الحقيقي لداعش ,مستنقع انتهت فيه الدولة لصالح الكلاشنكوف القبلي و الطائفي و المشحون بالقتل و اللاتعاقد السياسي بمعنى خصاء التعبيرات السياسية المواطنية التي و نقول تكون صمام أمان في مواجهة التفكك و التطاحن الطائفي المبرمج سلفا و مدفوع الأجر . انتعشت هناك داعش و فرخت انصارها و مقاتليها و استوعب ما تبقى من حزب البعث الذي ارتد بدوره عن وجهه العماني ليتماهى مع المشهد الطائفي , لا نستغرب مثلا حين نجد أن جل القيادات المحاربة الكبرى و الأمراء هي نفسها قيادات و عقداء الجيش العراقي السابق .
الغاية من سرد وقائع التأسيس هو تأكيد أن توليد التطرف الديني مر من نفس الطريق الذي مرت منه حكايات ألف ليلة و ليلة و جاس فيها السندباد و طار فيها مارد علاء الدين . إنها بنت التشكيل الثقافي المسيطر للثقافة العربية المهيمنة على العالم الذي يواصل أسطرة الشرق و تصويره بمشهد العنيف المجنون . هليود المستعمر الذي تطبخ فيه الأكاذيب الكولونيالية جسد جبار جاثم على أدمغتنا ووعينا و حتى رؤيتنا لأنفسنا هو الأسرع من الرصاصة و الأكثر فتكا من طائرة الأف 16 و السوخيو و أكثر تدميرا للشعوب من صواريخ سكود.

#محمد_محسن_عامر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات