|
قانون المصالحة الإقتصادية مع رجال الأعمال في تونس :المآلات
محمد محسن عامر
الحوار المتمدن-العدد: 4937 - 2015 / 9 / 26 - 00:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
المشهد السياسي الراهن متحرك يأبى الثبات ؛فبعد ان اعتلى الإسلاميون صهوة السلطة في تونس عجزوا على مدار ثلاث سنوات على تثبيت المشهد السياسي و الإجتماعي بل اتجهوا نحو تركيز هيمنتهم داخل مؤسسات الدولة من إدارة و أمن و ألقوا من حساباتهم الملفات الإجتماعية السبب الرئيسي لاندلاع الإنتفاضة .إضافة إلى محاولة تفكيك النسيج الإجتماعي بإطلاق يد المنظمات الفاشية كرابطات حماية الثورة و التواطئ مع المنظمات ذات الخلفية الجهادية المتطرفة كأنصار الشريعة. الإسلاميون المتلهفون للسلطة بعد عقود من الإقصاء السياسي و الواثقون حد اليقين في ثبات وضعهم المسيطر و دعم الفاعليين الإقليميين ؛ هيؤوا البلاد لتدخل في نفق اجتماعي و سياسي أعاد للأذهان عشية العشرية السوداء الجزائرية مع تفجر للإحتجا ج الإجتماعي ضد التمشي الإقتصادي النيوليبيرالي و الفاشية التي بدأت تركز في البلاد . هذا المشهد السياسي و الإجتماعي أمام ضعف القوى السياسية ذات التوجه المعادي للنيوليبيرالية جعل اللحظة مناسب ليطل النظام القديم برأسه من جديد و يطرح نفسه بديلا قديما جديدا للإسلاميين . السقوط المفزع للإخوا ن المسلمين و صمود النظام السوري و تغير المعطى الدولي و الضغط الداخلي جعل الإسلاميين يعيدون النظر في حساباتهم يتلافون السقوط بقبول تقاسم امتيازات السلطة مع النظام القديم الأكثر تجانسا و الأكثر قوة ؛ و تم خلق توليفة سياسية من أجل توازن رأى كل الفاعلين أنه في حكم الظروري .
هذه التوليفة السياسية الغير متجانسة الحاكمة في تونس التي وضعت النهضة و النداء على كرسي حكم واحد على قاعدة تقاسم الغنيمة السياسية و الإمتيازات الإقتصادية على قاعدة لا غالب و لا مغلوب و المثل التونسي "يمين الأخرس في قلبه" . توازن بين المهيمنين في إطار نفس التمشي الإقتصادي اليبيرالي العاجز في بنيته التبعية على حل المغضلات الإجتماعية المتفجرة ؛بالتالي كان التوافق أساسه إدارة أزم النظام الحاكم و حقنه من جديد بمهدئ يمنعه من التفتت و الموت . تسوية تركة الماضي و ترتيب الوضع القديم الجديد: الأحزاب السياسية في حقيقتا الإجتماعية أعوان اجتماعية معبرة عن مصالح الإجتاعية المتحركة داخل بنية اجتماعية محددة و المدافعة عن امتيازاتها. وجدت تكتلات رجال الأعمال في نداء تونس معبرا عن مصالحها في مقابل صعود تعبيرات رأسمالية جديدة مهيمنة قد تكون وجت في الإسلاميين معبرا و مدافعا عن مصالحهم . وصل السجال في ما بينها إلى تقاسم امتيازاتها الإقتصادية و بالتالي ضرورة خلق توازن سياسي و إن كا هشا. قانون المصالحة الإقتصادية يصب في هذه السياقات . قدم رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي مبادرة تشريعية من ثلاث أجزاء على إثنا عشر فصلا سميت "مشروع مصالحة وطنية" تتمحور حول مفاهيم ثلاث "العفو" و "الصلح"و "تسوية الوضعيات".مبادرة من منطلقها تقني تتناقض مع أحكام الدستور الذي يلزم في فصله ال١-;-٤-;-٨-;- الدولة بتطبيق منظومة العدالة الإنتقالية في إطار هيئة مستقلة هي هيئة الحقيقة و الكرامة ؛بالتالي خلق آلية موازية لها نفس الصلاحيات و أدوار هيئة الحقيقة و الكرامة . حقيقة الخروقات ليست دستورية و إن كانت منها ؛ الأهم انها خرق تاريخي و سياسي و أخلاقي لمبادئ انتفاضة أردت مئات الشهداء . إنها في عمقها الإجتماعي و السياسي مكافية لرجال المال على دعم نداء تونس و حركة النهضة .فالقانون في مضامينه تهرب من المحاسبة و ترتيب لوضع اجتماعي يعترف للمهيمنين اقتصاديا و بالتالي سياسيا بهيمنتهم و يضمن لهم وضعهم ذاك .إذ كيف يكون حاميها حراميها كما يقول المثل المصري ؛ كيف يمكن ان يقوم المسيطر بأمر رجال الأعمال بتصفية نفسه عن طريق محايبة الفاسدين الذين يمثلون عموده الفقري حزبيا و اقتصاديا . كيف ينتظر من الإسلاميين التراجع عن صفقات التسوية مع رجال الأعمال التي ملأت الجيوب بملايين الدنانير ؟ هكذا يرتب الحاكمون والساسة أمر الدولة و المجتمع مقابل تفاقم المعضلات الإجتماعية التي أنتجت البطالة و الفقر و الإرهاب. أزمة ضعف المجابهة السياسية و الشعبية للقانون رغم أن القانون لاقى رفضا كبيرا من القوى السياسية داخل البرلمان إلا أنها فشلت في تحويل هذا الرفض البرلماني إلى بركان شعبي عارم . الأسباب هي ضعف التنظمات السياسية الإجتماعية داخل البرلمان و تواضع وزنها الجماهيري . هذا الضغف أفشل محاولة خلق ارتداد من قبة البرلمان نحو الشارع و فشلت بذلك محاولة تحكيم لشعب بقي أمام موقف الأخرس الحنق . الشارع التونسي يمر بأسوء لحظاته ؛ إنه يبدوا كتلة هامدة غيبي صماء تختزن إحباطا صامتا يربوا بنفسه عن تصديق كل السياسيين و يقبل منهم رغم ذلك بكل غرابة ما يقولون .إنه يصدقهم و يكذبهم في ذات الوقت . الأسباب النفسية و الإجتماعيةالتي خلق هذا الوضع الشعبي غاية في التعقيد. مجمل القول أن الفاعلين الكبار م أحزاب حاكمة و منظمات ذات وزن كاتحاد الشغل و اتحاد الأعراف أجمعت على تسوية ءجتماعية تبقي على دار لقمان على حالها و ترضي الجميع في فعل غفران كاذب في مقابل شهادة خرساء لشارع محبط و صامت أو مسكت . يبقى خيار الرفض عاجزا على التجذر يبقى الطاعون الليبيرالي سيدا للمشهد محددا فيها بإرادة نداء تونس و مبازكة مقدسة من شيخ النهضة راشد الغنوشي .إنه مشهد مجهول المآلات .
#محمد_محسن_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تضامنا مع مناضلي النهج القاعدي في المغرب
-
بورقيبة و نظرية الحلول في فكر سبسي الله الثوري : أنا بورقيبة
...
-
الجنّ هو المسؤول عن الإرهاب في تونس
-
العولمة و الأصولية الإسلامية الجزأ الأوّل
-
ملاحظات سريعة حول مسألة المثلية الجنسية
-
المأزق التونسي :الإنتفاضة و الإرهاب و الحرب الأهلية
-
تأملات نقدية حول تجربة -الشباب العربي البعثي- في تونس
-
مأزق الحركات القومية التقليدية أم مأزق البورجوازية الصغيرة
-
قضية -التخلّف- في فكر مهدي عامل
-
من رابطة حماية الثورة إلى رابطة حماية الوطن و المواطن و صعود
...
-
حول تصريحات الصحبي عتيق :مأزق الإخوان في تونس و خيار العنف
-
الإستثناء في اللغة و الإستثناء في السياسة
-
الجبهة الشعبية : طريق العودة مسدود إمّا الثورة أو الإنتحار
المزيد.....
-
اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض
...
-
غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
-
السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك
...
-
صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره
...
-
الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
-
الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة
...
-
وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن
...
-
أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا
...
-
وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو
...
-
مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|