أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد محسن عامر - حكومة السيدة كرستين لاجارد















المزيد.....

حكومة السيدة كرستين لاجارد


محمد محسن عامر

الحوار المتمدن-العدد: 5193 - 2016 / 6 / 14 - 00:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مما لا شكّ فيه أن البنيان السياسي التونسي وصل من التصدع و الاهتراء إلى درجة استحال معه إمكانية الحلول الترقيعية . إمكانية وجود "ركيزتين" حزبيتين على الشاكلة الأمريكية مثلا تؤسس إلى منطق التداول على السلطة ضمن دينامية انتخابية ديمقراطية قادرة على خلق حالة ديمومة سياسية مستقرة و متوازنة غائبة في تونس أو فشلت لأن كل "المجال" السياسي مازال في لحظة تراكمه البدائي داخل بنية اجتماعية تخلفية ما تفتأ تحاول النهوض حتى تسقط من جديد داخل انهيارها الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي المتجدد. قد يكون هذا سمة تميز البنى الاجتماعية في بلدان العالم الثالث التي ظلت عاجزة لأسباب تاريخية معروفة على الخروج من مستنقعات التبعية الاقتصادية و تقليدية بناها الاجتماعية لتأسس لمجتمعات الحداثة و الرفاه الاجتماعي .
لقد طرحت الانتفاضات العربية معضلة حقيقية , إذا كيف يمكن إسقاط النظام بمعناه الهيمني المافيوي الذي يميز الأنظمة العربية و الإبقاء على الدولة بمعناها الإداري التنظيمي . لقد أصبح المثال السوري و الليبي و إن بأقل حدة دليلا قاطعا على لا واقعية شعار إسقاط النظام ضمن معطى اجتماعي ما قبل مواطني و معطى إقليمي يستثمر في الدم من أجل منع الانتفاضات من التشكل دولتيا ضمن معطى وطني ديمقراطي قد تتحول نسائمه إلى إعصار ديمقراطي هادر . هذا من جهة , الوجه الاخر للمعضلة يتمثل في كون التجربة النضالية للشعوب العربية في الانتفاض التحرري أثبتت أن النظام مرادف للدولة : هذا الترابط المعقد الذي يحول الدولة بكل عناصرها جهازا خادما للنظام لا بمعنى الحكومة و السلطة بل بمعنى الكتلة المهينة على المجتمع التي في سياق تحولها المسيطر تتماهى مع الدولة و هذا ما يعبّر عنه البعض مع الاحتراز عليه كمصطلح بالدولة العميقة. هذا ما حدث في المثال التونسي و المصري بتفاوت لا يخرجهما من نفس القاعدة , نجت الدولة كجهاز إداري متخم بقوى النظام القديم من السقوط و وقع تغيير ديمقراطي أتى بالإسلامية كأكثر تعبيرة "مدنية" منظمة في العالم العربي. الإسلاميون فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق أهداف الانتفاضات بل و اتجهوا نحو إنتاج نفس النظام و لكن بإضافة لمسة فاشية دينية أعادت للأذهان التجربة السودانية و الصومالية. في خضم ذلك خلق تناقض بين قوتين مهيمنتين داخل المجتمع بين الإسلاميين الذين يسعون إلى وراثة النظام القديم بما فيها امتيازاته الاقتصادية و بين النظام القديم نفسه الذي بقي على قيد الحياة و اتجه نحو لملمة نفسه من جديد . في غياب قوى علمانية ذات وزن جماهيري قادر على قلب الموازنة و هامشية اليسار العربي اقتصرا التطاحن على السلطة بين هاذين الفاعلين الاجتماعيين الذي مثله العسكر في مصر و حزب نداء تونس و انتهى الأمر في مصر بخلع الإخوان خلعا و قبول إخوان تونس باقتسام السلطة عبر تنازل تكتيكي طوعي فرضته الظروف الداخلية و الإقليمية .
بعد ستّ سنوات من الانتفاضة التي أطاحت ببن علي مازال سؤال ما العمل مطروحا بشدة. لم تتجه الدولة مع الإسلاميين إلا لمزيد الغوص في مستنقع الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية ذاتها قابلة بنفس التمشي الاقتصادي الذي يدور داخل منظومة عولمية متوحشة تتأسس على قاعدة التراكم عبر النهب . لقد تم تمييع جوهر المأزق التونسي بعزل تناقضاته الاقتصادية و الاجتماعية داخل الغمامة الأيديولوجية التي نشرها الإسلاميون حول هوية تونس ونجح النظام القديم للقفز من خلالها لحلبة نزاع على السلطة قومه الحداثة التونسية أو ما سمي النمط المجتمعي . الحكم الجديد الذي يعبر على توليفة طبيعية يراها البعض طريفة قامت على تنازل الإسلاميين الواقفين على تربة اجتماعية رخوة لجزأ من السلطة لصالح بقايا النظام السابق الذي أوجد لنفسه دكانا حزبيا عجيب التكوين و عديم التجانس من أجل خلق تعاقد اجتماعي جديد ديمقراطوي قوامه إدامة شكل النظام و تمشيه التنموي و تقاسم الامتيازات و الدعم الإقليمي و الدولي .
في هذا المناخ الذي لا يقوم في أحسن الأحوال إلا بتدوير و رسكلة الأزمة من الطبيعي أن تعجز كل الحكومات و كل التوليفات الحزبية على تأجيل الإنفجار الإجتماعي و المأزق السياسي. حكومة السيد حبيب الصيد تأسست داخل الوفاق الإضطراري بين الخصميين القويين المتناحريين و بدعم كبير من حركة النهضة و كما هو معلوم . منذ إمساك الحكومة بزمام إدارة البلاد و هي في مواجهة الأزمة تلو الأخرى و الأهم من ذلك القرض تلو القرض و الإملاء. أمام هذه الأزمات أصبحت النخبة السياسية أمام حقيقة بازغة هي أن الدولة تتجه نحو أزمة اقتصادية و اجتماعية مدمرة قد تدفع البلاد نحو المجهول و حقيقة فشل ذريع لنداء تونس في تجربته في الحكم و الأهم , الفشل المتكرر لحركة النهضة الفاعل ألقوى في البلاد في تجربته الثانية في إدارة الشأن السياسي و الاقتصادي .
الباجي قايد السبسي لم يقم سوى باستباق الأزمة لخلط الأوراق السياسية من أجل إيجاد حل لأزمة حكمه لا لأزمة البلاد . إذا لا معنى واقعي لشعار حكومة الوحدة الوطنية بدون خطة إنقاذية حقيقية للبلاد قادرة على انتشاله من توجهه نحو الانهيار الاقتصادي و السياسي. حقا إنه لمن السخرية الحديث عن حكومة وحدة وطنية و البلاد تتجه نحو قبض أكبر قرض في تاريخها من صندوق الدولي بقيمة 2.8 مليار دولار بشروط و "املاءات" مدمرة للاقتصاد .إذ أن شروط البنك الدولي التي قدمتها رئيستها تقوم أساسا على تحرير القطاع البنكي عبر رسملة البنوك العمومية و القانون الخاص بالبنك المركزي و تقليص الدعم على المحروقات و تجميد الإنتدابات في القطاع العمومي و قانون الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص. كل هذه الشروط ذات الإستتباعات الكارثية عدى كونها لا سيادية هي ما ينظر حكومة الوحدة الوطنية في المستقبل إن نجحت و رأت النور . بالتالي بعملية ربط بسيطة للوقائع نحن في مواجهة استعداد سياسي من النظام التونسي لاستقبال الكارثة الاقتصادية بمعنى حكومة تصريف قرض البنك الدولي .
في المقابل لا يبدو أن لصوت المعارضات البرلمانية أو خارج قبة البرلمان أي صدى او قوى لترجمة هذا الرفض لضغط سياسي حقيقي. إذا أن مبادرات من قبيل حكومة إنقاذ وطني او مؤتمر للإنقاذ الوطني أو أي مبادرة وسمت بالإنقاذ على لا واقعيتها العملية تفتقد للإتساق المنطقي في حساب موازين القوى الحالية . مبادرة رئيس الجمهورية بدأت و كأنها زكام صيف مزعج شغلت الجميع في نقاش جدواها من عدمه و هنا مكمن الأزمة. هذا منطق مقلوب سيدفع القوى السياسية داخل بلبلة سياسية تبتعد على جوهر المأزق الذي يقول أن البلاد في اخر لحظات طبخ أكبر مأزق في تاريخها المعاصر و أن قبة البرلمان لا تتسع لتكون حلبة صراع قادر على الحسم .
السيدة كرستين لاجارد في نهاية المطاف بترسانة القروض التي تملكها هي الوحيدة داخل الرمال المتحركة تملك سفينة النجاة و أولويات البلاد باعتبار أنها الماسك بمسكنات الإقتصاد الذي أدمنه الاقتصاد التونسي . إن مرت الحكومة و قرضها الضخم إلى "برّ الأمان" بذلك ستكون البلاد في مواجهة لحظة انتشاء سريع بمادة المورفين المالي لصندوق النقد الدولي ما يفتأ أن يذهب سريعا ليستفيق التونسيون من جديد على واقع الكارثة .. حاضر قديم يتجدد و جديد لم يولد بعد هذا هو راهن البلاد في ضل حكومة السيدة كرستين لاجارد.



#محمد_محسن_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبادرة حكومة الوحدة الوطنية و كرنفال توزيع الفشل الحكومي
- ملاحظات حول تأسيس الجبهة العربية التقدمية
- نحو إعادة النظر في الموقف من الطائفة اليهودية في تونس
- القلم على منصة المشنقة : تضامنا مع الكتاب الموريتاني محمد ال ...
- تعويذات الصحراء : التسامي الموسيقي الزنجي
- خلّوا سبيل ناقة -الباجي قايد السبسي- فإنها مأمورة
- قانون منع النقاب في تونس: القانون والخلفيات السياسية
- النزوع العرباني و عشق النكوص نحو المستنقعات
- الوهابية تأكل نفسها من جديد: التحالف الدولي في مواجهة داعش ا ...
- موسيقى الشارع في تونس : نحو تنظّمات ثقافية مقاومة
- من إبن المفروزة محسن عامر إلى كبير فارزي جمهورية الواي أوف ل ...
- التراجيديا الندائية : محسن مرزوق زعيما لخوارج نداء تونس
- في صناعة المظلومية الامازيغية : من الظالم و من المظلوم
- أطياف أسامة من بن لادن : حول الانبعاث الجديد -للاممية الإسلا ...
- محمد محسن عامر: اليعقوبية الفرنسية في مواجهة سؤال تهرم حداثت ...
- ليسوا عليا و ليسوا معاوية : آليات الإنهاك في صراع النهضة و ن ...
- داعش ما بعد الإستشراقية
- إدارة التوحش و إدارة البكاء
- السقوط قبل البداية:المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب في تونس
- عن ال سعود و احترام حقوق الانسان


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد محسن عامر - حكومة السيدة كرستين لاجارد