مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5279 - 2016 / 9 / 8 - 16:25
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ديمقراطية الرجعية , 1848 - 2011 , للمجموعة الأناركية كرايم ثينك
أشار ديفيد غريبر إلى الشبه الكبير بين انتفاضات يونيو حزيران 1848 و انتفاضات 2011 . لم تنجح أيا من الحركات الثورية لعام 1848 من الاحتفاظ بالسلطة لأكثر من عامين . لكن الأهداف الأساسية التي حاربت في سبيلها تحققت إلى حد كبير في غضون عقود قليلة : في كل مكان أخلت الملكيات مكانها للديمقراطيات الدستورية بينما كان الاقتراع العام و شبكات الأمان الاجتماعي آتية في الطريق . يقوم الحديث عن هذا التشابه على التالي : رغم أن الانتفاضات التي بلغت ذروتها عام 2011 لم تحقق نجاحات فورية لكنها ستترك تأثيرا طويل الأمد على كيفية فهمنا للسياسة . النضالات من أجل دمقرطة الدولة في الشرق الأوسط و جنوب شرق آسيا و تجارب الحركات من أجل الديمقراطية المباشرة في أوروبا و الولايات المتحدة خلقت وضعا أصبح فيه الناس في كل أنحاء الأرض يطالبون بديمقراطية أكثر من حكوماتهم و في حياتهم . ربما . لكن هذا الإطار لا يقدم لنا أية أدوات يمكننا بواسطتها أن نفهم كيف استطاعت القوى الرجعية , التي هزمت في عامي 1848 و 2011 من أن تعيد تجميع نفسها تحت راية الديمقراطية . في مصر بعد ثورة 2011 أعادت فكرة الدولة الديمقراطية إعطاء الشرعية لجهاز الدولة القمعي بما يكفي ليتمكن الجيش فيما بعد من العودة إلى السلطة . في أوروبا و الولايات المتحدة الأميركية صبت الحركات القاعدية في سبيل الديمقراطية المباشرة لصالح أحزاب سياسية كسيريزا و بوديموس و الترشيح الرئاسي الفاشل لبيرني سبيرز . ما حدث في مصر بين عامي 2011 و 2014 يشبه كثيرا ما حدث في فرنسا بين 1848 و 1851 . عندما تمكن تحالف عريض يضم مجموعات مختلفة من الإطاحة بالديكتاتور , العناصر الأكثر محافظة في هذا التحالف نجحت في الانتخابات , و قمعت الانتفاضات الشعبية التالية باسم حماية الديمقراطية الوليدة , و في النهاية صعد طاغية جديد إلى السلطة عن طريق الانتخابات و الانقلاب . عودة صعود الدولة العميقة في فرنسا في يونيو حزيران 1848 و في مصر في 2013 يؤكد مرة أخرى لماذا قال الأناركيون منذ 1848 أن الطريقة الوحيدة الأكيدة للمحافظة على المكاسب الثورية هي من خلال نزع الشرعية عن الدولة و تفكيكها . مشكلة الخطاب الديمقراطي أنه لأن الغالبية العظمى من النماذج الديمقراطية تقوم على الدولة فإنها تعطي الغطاء لكل يرغب بإعادة الشرعية لسلطة الدولة . بالفعل حتى أولئك الذين يعارضون الدولة صراحة قد ينتهي بهم الحال إلى تقويتها - إما بالانضمام إلى الحكومة كما فعل أناركيو الكونفيدرالية العامة للشغل أثناء الحرب الأهلية الإسبانية , أو بطريقة أكثر خفية بمنح الشرعية لأطر و أهداف تسمح لأنصار الدولة بأن يقدموا أنفسهم على أنهم الوحيدون الذين يملكون الاستراتيجية الأكثر فعالية , كما يفعل أناركيون كسيدني ميليستين و ديفيد غرايبر . لنفهم كيف حدث هذا علينا أن نعود إلى عام 1848 . في فبراير شباط 1848 أطاحت انتفاضة في باريس بالملك , انتشرت الثورة إلى أنحاء أوروبا مع أنباء الثورة الفرنسية بشكل أسرع من انتشار الاضطرابات في العصر الديجيتالي ( الرقمي ) . قوبل تحول فرنسا إلى جمهورية بالكثير من الترحيب , لكن لم يكن هناك اتفاق على ما هي الحمهورية . تماما كما وقف الأناركيون , الاشتراكيون , الليبراليون , المحافظون الجدد و الفاشيون جنبا إلى جنب تحت راية الديمقراطية اليوم وقفت الغالبية العظمى من الشعب يومها عام 1848 وراء شعار الجمهورية , منخرطين في النقاشات حول ما يمكن أن تكون الطبيعة الحقيقية لهذه الجمهورية . حتى بيير جوزيف برودون , الذي كان يعتبر نفسه أناركيا , أعلن أنه جمهوري يومها و لم تمنعه معارضته الصريحة للسلطة من المشاركة في الجمعية الوطنية إلى جانب محافظين مثل أدولفي ثاير - رجل الدولة الذي سيغرق كومونة باريس في الدماء فيما بعد باسم الجمهورية . بالفعل , فقد أتى حق الاقتراع العام للذكور , الذي طالما نادى به الراديكاليون , بحكومة رجعية إلى السلطة . أعاد الملكيون السابقون و الأرستقراطيون إنتاج أنفسهم كجمهوريين و عملوا على توظيف مواردهم الهائلة ليتلاعبوا بالنظام . يوضح لنا هذا كيف أنه ما أن يتم إنجاز الهدف حتى يصبح من الضروري التخلص من اللغة السابقة لحساب لغة تساعدنا في إيضاح المشاكل الجديدة التي نشأت . لا يمكننا اليوم أن نتخيل الأناركيين أو أي دعاة مخلصين للحرية يتحدثون عن راية الجمهورية رغم أن الكثيرين ما زالوا يقدمون أنفسهم كأبطال للديمقراطية الحقيقية . في يونيو 1848 بعد 4 شهور على الثورة ألغت الحكومة الجمهورية المنتخبة حديثا الإجراءات القليلة التي سبق أن قامت بها للتخفيف من معاناة الفقراء - عندها قام العمال الين ثاروا في فبراير شباط بالعودة لبناء المتاريس في شوارع باريس و دعوا إلى الثورة من جديد . من وجهة نظر الجمهوريين الجيدين , كان هذا أمرا غير وارد على الإطلاق : فقد حصلوا للتو على حكومة ديمقراطية , لذلك كل من يثور ضدها ليس إلا عدو للديمقراطية . هذه المرة لم يجد العمال أي حلفاء إلى جانبهم من بين جمهوريي الطبقة الوسطى . كانوا بمفردهم . فيكتور هوغو , الذي كان قد انتخب إلى الجمعية الوطنية إلى جانب برودون و ثاير , اعتبر أن واجبه كمواطن , كديمقراطي و كجمهوري , أن يرافق الجيش و هو يهاجم المدينة و يقضي على المتمردين . الرجعيون الذين لم يستطيعوا أن يقضوا على العمال باسم الملكية قاموا بذبحهم الآن باسم الجمهورية , للحفاظ على النظام الاجتماعي الذي أدى إلى اندلاع الثورة في المقام الأول . قتل الالاف في ... . و لم تفتح الكثير من المتاجر بعد ذلك لأن كل العاملين فيها كانوا قد قتلوا . بعد ذلك بوقت قصير انتخب ابن أخ نابليون رئيسا للجمهورية . و في نهاية فترته الرئاسية نظم انقلابا عسكريا لينصب نفسه امبراطورا , منهيا الفترة القصيرة من الحكم الديمقراطي . عندها دعا فيكتور هوغو عمال باريس لبناء المتاريس و الثورة على المغتصب , لكن نداءه وقع على آذان صماء . لماذا عليهم أن يخاطروا بحياتهم للحفاظ على سلطة الجمهوريين التي ذبحتهم في آخر مرة ثاروا فيها على مضطهديهم ؟ الآن لم تعد الرجعية بحاجة إلى السياسيين الذين شقوا الطريق أمامها , فأرسلوا هم أيضا إلى السجون أو إلى المنافي . لقد خدمت انتخاباتهم و وطنيتهم للمحافظة على شرعية الحكومة لما يكفي من وقت ليأتي طاغية مخادع و ينتزع القيادة . بدعوته الفقراء ليخرقوا القانون باسم الدستور , أظهر فيكتور هوغو و رفاقه التناقضات الداخلية في ثوريتهم الفاترة . في الروايات التي كتبها في منفاه اكتسب هوغو شهرة عالمية لأنه وضع الكلمات على أفواه نفس الفقراء الذين أشرف بنفسه على ذبحهم . كتب في مذكراته عن أحداث يونيو 1848 نادبا "من جهة كان هناك إحباط الشعب , و من جهة إحباط المجتمع" , متهربا من دوره في القتل الذي وصفه بكلمات الرثاء هذه . في قصته البؤساء كافح هوغو ليفسر كيف أن الناس الذين صنعوا الثورة حملوا السلاح بعد ذلك ضد ممثليها المنتخبين بشكل شرعي . "أحيانا يحدث أنه حتى على الضد من المبادئ , مبادئ الحرية , الإخاء و المساواة , و في مواجهة الاقتراع العام حتى , و في مواجهة الحكومة أيضا , عن طريق الجميع من أجل الجميع , من أعماق معاناتها , و ضعفها , و فقرها المدقع , و حماها , و آلامها , من أعماق ذلك المستنقع , من جهلها و الظلمة التي تعيش فيها , تلك التي ثار عليها ذلك الكائن العظيم و اليائس : الرعاع , عندما شن هؤلاء الناس حربا على الشعب" . "كان من الضروري محاربتها , كان ذلك واجبا , لأنها هاجمت الجمهورية . لكن ماذا كان يونيو 1848 في الحقيقة ؟ كانت ثورة الشعب ضد نفسه ... لقد هجموا باسم الثورة , لكن من ؟ الثورة نفسها . كان ذلك المتراس , الصدفة , الفوضى , الإرهاب , سوء الفهم , المجهول - في مواجهة الجمعية التأسيسية , سيادة الشعب , الاقتراع العام , الأمة , الجمهورية" . باختصار , وقف فيكتور هوغو إلى جانب المجتمع ضد الناس الذين يشكلونه , مع السيادة ضد الحرية , مع الإنسانية ضد البشر . باسم الديمقراطية و الجمهورية مارس خداع النفس ليقوم بدوره في الحفاظ على المجتمع الطبقي من خلال فوهات المدافع . و لم يكن وحيدا في ذلك : برودون و كل الاشتراكيين المعروفين تقريبا اختاروا الوقوف إلى جانب الحكومة من الخندق . في ذلك الوقت كانت الديمقراطية الجمهورية جديدة على أوروبا بحيث أن قلة فقط كانت قادرة على التنبؤ بأن الديمقراطية قد تخدم أجندة رجعية . نفس الشيء يصح اليوم على الديمقراطية المباشرة : خطر على بال القليلين فقط أن الديمقراطية الرقمية ( الديجيتالية ) الأكثر تشاركية قد تدعم أيضا شرعية الشرطة و السجون . نبوءة غريبر بأن الأهداف الديمقراطية للحركات التي هزمت عام 2011 ستتحقق بالفعل في السنوات القادمة - يمكن بالفعل أن "تتحقق" من دون أن نتقدم أية خطوات حقيقية نحو التحرر , تماما كما تم إنجاز أجندات ثورات 1848 بطريقة قمعية بواسطة سياسيين مثل أدولفي ثاير الذي ذبح الثوار الحقيقيين في سياق هذه العملية . انتصرت الجمهورية الفرنسية أخيرا عام 1871 , بذبح عشرات آلاف رجال الكومونة , مثل مجزرة عمال باريس في يونيو 1848 , و كان على أجيال الأناركيين و الشيوعيين الذين جاؤوا بعد 1871 أن يناضلوا ضد الحكومة الجمهورية دون مساعدة أولئك الذين كانوا يعارضون الملكية و الامبراطور . على العكس من تفاؤل غريبر تحققت آمال 1848 بالكلام لا بالروح - كما قد يحدث لآمال 2011 أيضا , ما لم نتمكن من تطوير نقد فعال لديمقراطية الرجعية . كيف يمكننا ألا نكرر مأساة يونيو 1848 ؟ أولا علينا ألا نسمح بحدوث تحول في مجال السياسة يستبعد التسيير الذاتي الاجتماعي و الاقتصادي . بالمثل علينا ألا نصبح متيمين بطريقة معينة لاتخاذ القرارات - سواء كانت الديمقراطية البرلمانية أو الجمعيات العامة التي تقوم على الإجماع - يمكن أن ترتكب المظالم باسمها . في كل مخيم لحركة احتلوا ( وول ستريت - المترجم ) يستخدم فيه المشاركين من الطبقة الوسطى الجمعية العامة ليحوزوا الصدارة على المشاركين الذين لا يملكون منازل , يمكننا أن نرى أثرا من يونيو 1848 . أخيرا و قبل أي شيء علينا دائما أن نفكر أبعد من انتصاراتنا , و أن نطور أدوات نقدية لمواجهة المشاكل التي ستظهر فيما بعد - أن نحارب حروبنا القادمة لا السابقة .
نقلا عن
http://www.crimethinc.com/blog/2016/06/23/the-democracy-of-the-reaction-1848-2011/
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟