أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جورج حداد - حزب الله: الهدف الاخير للخطة -الشيطانية- لتدمير لبنان















المزيد.....


حزب الله: الهدف الاخير للخطة -الشيطانية- لتدمير لبنان


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1407 - 2005 / 12 / 22 - 11:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


"في وقت مضى، وبالرغم من المواجهة "الاسلامية" السابقة مع "الشيوعية البريجنيفية" و"العروبة الصدامية"، اطلق الامام الراحل آية الله الخميني على اميركا تسمية "الشيطان الاكبر". استنادا الى هذه التسمية نطلق توصيف هذه الخطة بـ"الشيطانية"، ونقصد "الاميركية"، بحيث تصبح صفة "الشيطانية" مرادفا لـ"الاميركية" وبالعكس.
وفي حينه ظن كثيرون، ونحن منهم، ان هذه التسمية لا تعدو كونها توصيفا دينيا يقترب من معنى "اللعنة الدينية"، التي تدل على الكره والعجز معا، ولكنها غير القابلة للصرف في قواعد السياسة الدولية.
ولكن الايام تثبت، اكثر فأكثر، ان هذه التسمية هي تسمية سياسية بامتياز، وهي تصف تماما وبمنتهى الدقة السياسة الاميركية الدولية الجديدة، التي بدأت اميركا تنتهجها بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها اصبحت سمة مميزة لها خصوصا بعد "درس فيتنام"، والتي ـ اي هذه السياسة ـ تتصف بدرجة عالية جدا من التآمرية ومن الدهاء الشيطاني، الذي يفوق باشواط دهاء الدبلوماسية البريطانية التي سيطرت في مطالع القرن العشرين على المنطقة العربية، ولا تزال جذورها الى اليوم ضاربة في تربتها، بمساعدة جواسيس من امثال "لورنس العرب" وغلوب باشا "ابوحنيك".
طبعا هذا لا ينفي عن السياسة الاميركية المتبعة صفات الصلف والعنجهية والعدوانية المفرطة، التي تتمثل اليوم بابشع صورها عبر ممارسات الاحتلال الاميركي والاسرائيلي للعراق وفلسطين. ولكن هذه الصفات "الفجة" و"الغبية" لا ينبغي ان تصرف نظرنا عن الصفة الاساسية للسياسة الاميركية وهي الدهاء "الشيطاني"، الذي اكتسبته من تجربتها الخاصة، كما ومن كل التجربة الاستعمارية والامبريالية في العالم قاطبة وفي الشرق العربي خاصة.
ففي مطلع الخمسينات من القرن الماضي، ظهر على المسرح ألن دالاس، رئيس السي آي أيه الاسبق، الذي يعود اليه "الفضل" الاول في تحويل طبيعة نشاط المخابرات الاميركية. آخذا بالاعتبار واقع "الخروج" الواسع لاميركا الى العالم، ومستندا الى التطور العلمي الفائق الذي اخذت تستخدمه التقنيات التجسسية، قال ألن دالاس: إن عهد الجاسوس ـ "المخبر"، و"العميل" ـ الذي يتعامل مع الحدث بعد وقوعه، قد اصبح "للمتحف"، وان المخابرات صارت تحتاج الى "اصدقاء" من قادة الرأي العام وصانعيه، من زعامات سياسية وعسكرية ونقابية ودينية، واعلاميين وصحفيين ومثقفين واساتذة جامعات الخ.
وفي الوقت نفسه، وحينما كان الاستعمار التقليدي الانكليزي والفرنسي يتلقى الضربات في الشرق، كان أخوه جون فوستر دالاس ـ وزيرا للخارجية الاميركية حينذاك، وهو لم يكن بعيدا عن نمط تفكيره. وحينها قال جون فوستر دالاس: إن المنطقة العربية، ذات الاهمية الاستثنائية في الستراتيجية الدولية، انما تعوم على بحرين هما: النفط والاسلام.
وبنتيجة "التجديد"، المستند الى هذه "الاكتشافات"، في السياسة الامبريالية الاميركية، رأينا ما يلي:
1 ـ كان هتلر، بجحافله المرعبة التي وصلت في حينه الى مشارف موسكو، يطمح الى ان يدك الشيوعية في عقر دارها، لمصلحة الامبريالية العالمية ككل. ولكن الآية انقلبت رأسا على عقب، وقام الجيش الاحمر باقتحام برلين ودك النازية في جحرها. وكانت النتيجة مد الشيوعية الى اوروبا الشرقية، وانتصار الثورة الشيوعية في الصين والهند الصينية. ولكن في مقابل ذلك، فإن السياسة التآمرية "الشيطانية" الاميركية، التى ارسى اسسها ألن وجون فوستر دالاس، "نخرت" المنظومة السوفياتية من "داخلها" وقوضتها بعضها ببعض. وكان التسونامي "الاسلامي!" احد العوامل التي استخدمتها السياسة "الشيطانية" الاميركية، ليس فقط لاقامة سد بوجه الشيوعية، بل وللانتصار على الجيش الاحمر ـ مخلص العالم من الهتلرية، ولتقويض النظام السوفياتي.
2 ـ استخدمت اميركا التناقضات السياسية والايديولوجية والعقائدية بين مختلف التيارات "الشيوعية" و"القومية!" و"الاسلامية!" العربية، لتضرب الجميع بالجميع، ولتقيم سدا مزدوجا، "قوميا!" و"اسلاميا!"، ضد "التمدد" الشيوعي، خصوصا بالتعاون مع "الاسلام!" التقليدي، ومن ثم لتشوه "القومية" بصيغها الناصرية والبعثية، من داخلها، ثم تقضي عليها، وتسيطر على منابع وممرات النفط الحيوية للاقتصاد الامبريالي العالمي.
والآن، من خلال الاحداث المأساوية على الساحة اللبنانية، ترتسم بمزيد من الوضوح الخطة "الشيطانية" الاميركية للهيمنة على لبنان، وخصوصا لـ"احتواء" "حزب الله" ومحاولة محوه من الذاكرة الوطنية اللبنانية والعربية، كمقاومة شعبية حققت اول انتصار تاريخي على اسرائيل، وشطبها من معادلة المواجهة المصيرية مع اسرائيل. ولننظر الى ذلك عن قرب:
1 ـ نظرا لهشاشة النظام الطائفي اللبناني، ومن ثم ضعف جيشه وقواته النظامية المسلحة، لم تكن اسرائيل تحسب حسابا للبنان في موازين القوة الاسرائيلية ـ العربية. ولكن بعد هزيمة 5 حزيران 1967 وتداعياتها على "الساحة" اللبنانية، لجهة تنامي العمل الفدائي الفلسطيني والتلاحم الكفاحي الوطني اللبناني ـ الفلسطيني، بدأت الصورة "اللبنانية" تتغير، وتتغير معها النظرة الاميركية والاسرائيلية الى لبنان. فكانت الحرب اللبنانية، وكان "التفويض الاميركي" للنظام الدكتاتوري السوري بالدخول الى لبنان و"امساك" الوضع فيه. ولكن بالرغم من اسقاط "تل الزعتر" والنبعة والكرنتينا واغتيال كمال جنبلاط و"تغييب" الامام موسى الصدر وتحجيم الحركة الوطنية اللبنانية، عجز النظام السوري عن "الامساك" التام بالساحة اللبنانية. فأصيب "التفويض الاميركي" للنظام السوري في لبنان بخلل فادح. فكان الاجتياح الاسرائيلي الجزئي للشريط الحدودي في 1978، ثم حرب 1982 واجتياح بيروت، وانزال قوات المارينز تحت غطاء "متعددة الجنسية"، وطرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا، والحرب الفلسطينية ـ الفلسطينية، والحرب الفلسطينية ـ الشيعية، ومختلف سيناريوهات حروب الصف الواحد اللبنانية، التي افتعلتها المخابرات السورية بالتنسيق مع الاميركيين. ولكن المحصلة النهائية، لكل هذه الوحشية الاميركية ـ الاسرائيلية ـ السورية المركبة، كانت: "لبننة" المقاومة؛ ضد اسرائيل، وهو ما تمثل بظهور المقاومة الوطنية اللبنانية؛ وضد اميركا، وهو ما تمثل في العملية الاستشهادية البطولية ضد قيادة قوات المارينز، والعملية المماثلة ضد وكر السي آي ايه المسمى السفارة الاميركية. وبذلك أسقط بيد الاميركيين وحلفائهم السريين السوريين و"انقلب السحر على الساحر".
2 ـ بعد فشل مخطط تحويل لبنان الى "محمية اسرائيلية"، اولا عن طريق فرض بشير الجميل رئيسا للجمهورية، وثانيا عن طريق "اتفاق 17 ايار"، وثالثا عن طريق "حرب الجبل" التي اريد بها القضاء على المعقل الوطني الجنبلاطي ومد سيطرة الطابور الخامس الاسرائيلي من الشريط الحدودي الى جبة بشري وتطويق بيروت الغربية والضاحية الجنوبية وخنقهما، ـ بعد فشل هذا المخطط، عادت السياسة الاميركية الى تجديد "التفويض الاميركي" للنظام السوري واطلاق يده في الساحة اللبنانية، خارج منطقة الاحتلال الاسرائيلي. فعادت القوات، والمخابرات، السورية للدخول من جديد وفرض هيمنتها على بيروت في شباط 1987. وكانت المهمة الاقليمية والدولية الاولى المطلوبة من النظام الدكتاتوري السوري، مقابل منحه "جائزة الترضية" اللبنانية، هي: اولا ـ منع نشاط المقاومة الفلسطينية في لبنان. وثانيا ـ خنق المقاومة الوطنية اللبنانية، التي كانت تتشكل من مختلف الفصائل والاحزاب الوطنية اللبنانية، اليسارية والقومية والاسلامية، والتي كان لظهورها مفعول اساسي، قلب رأسا على عقب الحسابات الستراتيجية الاسرائيلية.
3 – نجح النظام الدكتاتوري السوري في تجميد نشاط المقاومة الفلسطينية في لبنان وانطلاقا منه. كما نجح في تجميد "المقاومة الوطنية اللبنانية" ذات الاطار اليساري والقومي، خصوصا بعد افتعال المصادمات الشيعية ـ الشيوعية، والشيعية ـ الاشتراكية.
4 – الا ان التركيبة السكانية للاراضي اللبنانية المحتلة، ذات الاغلبية الشيعية، حتمت ضرورة وجود "متنفس" للحقد الشعبي على الاحتلال، فكان ظهور "المقاومة الاسلامية" (الشيعية) بقيادة "حزب الله" كتعبير واقعي عن هذه الضرورة. وقد ساعدت عوامل محلية واقليمية ودولية عديدة على هذا "التطييف" للمقاومة. من هذه العوامل: أ ـ السياسة الاميركية للاحتواء المزدوج للعراق وايران، في ظروف الحرب العراقية ـ الايرانية وحرب افغانستان؛ ب ـ العلاقات السورية ـ الايرانية؛ ج ـ العلاقات الدينية لحزب الله بايران. وفي ظروف حتمية وجود المقاومة، فإن وجود مقاومة ذات طابع "ديني" و"طائفي" هو اهون الشرين، بالنسبة لاميركا واسرائيل، بالمقارنة مع وجود مقاومة ذات طابع وطني وقومي شامل.
5 – كانت الدوائر الاميركية والاسرائيلية، ومعها الاجهزة السورية الفاسدة والمشبوهة، تراهن على تعميق وتجذير الطابع الطائفي اللاوطني واللاقومي لحزب الله، على الطريقة "الزرقاوية" التي نراها اليوم في العراق. وكان هذا الخطر مرتسما بجدية في لبنان حينما تم اغتيال الشخصيات الثقافية المرموقة: حسين مروة وحسن حمدان (مهدي عامل) وسهيل الطويلة. كما كان الطابور الخامس الاسرائيلي في لبنان، من امثال عصابة سعد حداد وعصابة "حراس الارز" و"جيش لبنان الجنوبي"، يرتكبون شتى الموبقات والجرائم و"تقديم الخدمات" التي تهدف الى استدراج "حزب الله" لارتكاب مجازر ضد المواطنين المسيحيين خصوصا، وغير الشيعة عموما. وفي حال نجاح هذا المخطط كان سيتم حصر "المقاومة الاسلامية" و"حزب الله" في "جيب شيعي" معزول، يسهل ـ وتكون هناك "المبررات" ـ لضربه، محليا واقليميا ودوليا، حتى في حال انسحاب اسرائيل تحت ضغط المقاومة.
6 – ولكن "حزب الله"، وبالرغم من هيكليته وايديولوجيته الدينية ـ المذهبية، وارتباطه المعنوي والمادي بالقيادة الدينية الايرانية، اجتاز بامتياز هذا الامتحان، ولم يغرق في المستنقع الطائفي، بل على العكس تصرف كمقاومة "اسلامية" التركيب، "وطنية" و"قومية" الاداء والاهداف والمسؤولية. وقد لعبت عوامل عدة دورها في ترسيخ "وطنية" و"قومية" حزب الله، اهمها ـ في رأينا ـ ثلاثة:
I ـ تراكم التجربة الكفاحية للجماهير الوطنية اللبنانية عامة، والجماهير الشيعية في الاراضي اللبنانية المحتلة سابقا، خاصة. ولا بد ان نذكر هنا ان اعدادا كبيرة من مناضلي ومقاتلي وكوادر حزب الله و"المقاومة الاسلامية" كانوا في السابق اما في صفوف منظمات المقاومة الفلسطينية او في صفوف الاحزاب اليسارية والقومية.
II – وطنية وحكمة وصدق واخلاص وتفاني قيادات حزب الله، التي تقدمت صفوف المجاهدين والشهداء الابرار.
III – العلاقة التاريخية الراسخة للقيادة الدينية الايرانية بالفاتيكان، والتفهم الشيعي لضرورة "الصيغة اللبنانية" للتعايش الديني وخصوصا المسيحي ـ الاسلامي. ومن هنا ان الحالة "الشيعية" لـ"حزب الله" لا تدخل في النوابذ، بل هي احدى اهم ضمانات "الوجود المسيحي" في الشرق عامة وفي لبنان خاصة.
7 – ان النظام الدكتاتوري السوري هو ابعد ما يكون عن تأييد خط المقاومة الشعبية المسلحة ضد اسرائيل. ويبدو ذلك في منع اي مقاومة شعبية وطنية سورية وعربية ضد احتلال الجولان، وفي التصفية الفعلية لنشاط منظمة "الصاعقة" ذاتها، وفي التصفية الفعلية لوجود المقاومة الوطنية اليسارية في لبنان. وكان هذا النظام "مضطرا" لقبول وجود "المقاومة الاسلامية" كما اسلفنا. ولكنه حتى في هذا الاضطرار كان يستغل المقاومة الاسلامية وحزب الله كورقة ضغط لا اكثر، في المساومة "السلمية" المخجلة مع اميركا واسرائيل، وفي "الحسابات الداخلية" للهيمنة على الساحة اللبنانية. ويظهر الان هذا الاستغلال السياسي بشكل فاضح في مسألة "لبنانية" مزارع شبعا المحتلة. فالنظام السوري لم يكن يأمل ان المقاومة الاسلامية يمكن ان تجبر الجيش الاسرائيلي على الانسحاب. ولكن الحكومة والجيش الاسرائيليين، المضطرين لاخذ خسائرهما البشرية والمادية والسياسية وميول الرأي العام الاسرائيلي بالحسبان، "خيبا امل" النظام الدكتاتوري السوري، واضطرا للانسحاب بدون قيد او شرط، فانهارت مقولة "تلازم المسارين"، واصبح من الضروري ايجاد مبرر لاستمرار المقاومة اللبنانية، كورقة ضغط ليس الا في يد الدبلوماسية السورية الفاشلة والمشبوهة. وحينذاك ـ فقط حينذاك ـ "تذكر" النظام الدكتاتوري السوري ان مزارع شبعا (التي كانت سوريا تسيطر عليها قبل هزيمة حزيران 1967، والتي احتلتها اسرائيل مع ما احتلته من الاراضي السورية حينذاك) هي لبنانية. ولكن النظام السوري، الذي يريد من حزب الله والمقاومة الاسلامية ان يقاتلا عنه، ولمصلحته، لم يرض حتى الان بالتنازل عن اعطاء الورقة الرسمية (حتى الورقة) لحزب الله، اذا لم يكن للحكومة اللبنانية، التي يعترف فيها بلبنانية المزارع. وهذا يفضح حتى العظم ليس فقط مدى "قومية" هذا النظام، بل ومدى صدق تحالفه مع حزب الله، او بالاحرى مدى تآمره لتوريط حزب الله وعزله اقليميا ودوليا عن طريق احراجه حول "لبنانية" او "لالبنانية" مزارع شبعا المحتلة.
8 – كان النظام الدكتاتوري السوري، والطابور الخامس الاسرائيلي في لبنان، اللذان فوجئا وارتبكا ايما ارتباك حيال اضطرار الجيش الاسرائيلي للانسحاب من غالبية الاراضي اللبنانية المحتلة في ايار 2000، يأملان بأن تقوم عناصر "المقاومة الاسلامية" وانصار حزب الله بمجازر ذات طابع طائفي في الجنوب، كرد فعل على ارتكابات زمر سعد حداد وانطوان لحد خلال فترة الاحتلال. ولكن حزب الله خيب هذا "الامل" ايضا، ووقف بحزم ووعي ضد اي انزلاق طائفي، بل على العكس تماما، فان دخوله السريع الى المناطق المحررة ومسلكيته الوطنية المسؤولة شكلا صمام الامان الاول والضمان الاول لعدم اندلاع احداث طائفية وانتقامية منفلتة في المنطقة. وكان لدور حزب الله في تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة، من جهة، وفي صيانة الوحدة الوطنية، من جهة ثانية، عاملا حاسما في التفاف مختلف القوى اللبنانية، الحريصة على استقلال ووحدة لبنان، حول حزب الله، وعلى رأسها الزعيم الوطني وليد جنبلاط، والرئيس الاسبق الشهيد رفيق الحريري، والبطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير. وكان لهزيمة الاحتلال الاسرائيلي، وحماية حزب الله للتعايش الاسلامي ـ المسيحي في المناطق المحررة، دوره الفعال في تحقيق المصالحة التاريخية في الجبل بين الزعيم وليد جنبلاط والبطريرك صفير. وهو ما ألزم العديد من القوى المسيحية، بما فيها بقايا "القوات اللبنانية"، للانضواء ـ عن قناعة او اضطرار ـ تحت جبة البطريرك صفير، والاعتراف بالدور التاريخي "الوطني" و"الوفاقي" لحزب الله. وبذلك اصبح حزب الله حجر الاساس او الركن الاساسي في الكيانية اللبنانية الجديدة، تلتف حوله كل القوى الرئيسية لهذه الكيانية، بالمعنى الطائفي والسياسي معا، وقد عبر مرة الشهيد جورج حاوي عن هذه "الحالة اللبنانية" الجديدة بالقول على الاثير "كلنا حزب الله!".
9 - ان هزيمة الاحتلال الاسرائيلي، والوحدة الوطنية التي حققها حزب الله، او تحققت حول حزب الله، هما العاملان الرئيسيان اللذان حتما ضرورة سحب "التفويض الاميركي" الثاني للوجود السوري الدكتاتوري في لبنان، الذي كان ـ ولا يزال ـ يتاجر (لتبرير وجوده السابق في لبنان) بالاحتلال الاسرائيلي وبالخطر على الوحدة الوطنية والاستقرار في لبنان. ولم يستطع النظام السوري ان يستوعب هذه الحالة، وحاول الالتفاف عليها بالتمديد بالقوة للعماد اميل لحود، بهدف وحيد هو استمرار الوجود العسكري والمخابراتي والمافيوتي السوري في لبنان. ولكن الاميركيين ليسوا بطبيعة الحال "جمعية خيرية" ولم يكونوا على استعداد لاستمرار اعطاء "التفويض" ومنح "جائزة الترضية" اللبنانية للنظام السوري، بدون ان يدفع لهم "الثمن". والثمن كان واضحا تماما، وهو ضرب حزب الله، او نزع سلاح حزب الله، او التدجين السياسي لحزب الله، في "اضعف الايمان". وهذا هو كل مغزى واهداف الاحداث الامنية والسياسية التي يشهدها لبنان، منذ إقالة او استقالة الوزارة الاخيرة لرفيق الحريري بعد التمديد، وحتى الان.
10 – في التاريخ العسكري ان احد الفاتحين (ربما هو جنكيز خان) كان حينما يستهدف موقعا معاديا لا يهاجمه مباشرة، بل يلتف حوله بحركة هجوم دائرية، يكتسح خلالها كل ما يعترضه ويضيق حلقة الالتفاف حتى يصل الى الهدف الاخير، فيهاجمه بعد ان يكون عزله عن كل محيطه وحاصره واضعفه تماما. والخطة الشيطانية الاميركية الحالية لضرب حزب الله تشبه هذه الخطة. يضربون كل القوى الحليفة لحزب الله، واحدة بعد اخرى: الحريري، جنبلاط، اليساريون، المسيحيون الملتفون حول البطريرك، وكل طرف آخر يتخذ موقفا وسطا بين حزب الله وما يسمى تيار "14 اذار"، بحيث لا يبقى في الساحة احد يدافع عن حزب الله ولا يبقى فيها الا "الحزب" (ومعه "امل") وجماعة الجنرال عون (كجوكر اميركي ـ سوري جديد). وحينذاك لا يبقى امام حزب الله سوى احد خيارين: أ ـ اما التخلي عن صفته كمقاومة شعبية والقبول (بما يسمى "الحوار") بالانضواء تحت جناح "الشرعية" والائتمار بأوامرها، برئاسة الجنرال ميشال عون، وبالتنسيق "الاخوي" بين النظام الدكتاتوري السوري والنظام الامني "اللبناني" الجديد. ب ـ واما تلقي الضربات "الداخلية" (عن طريق الاغتيالات والتصفيات الجسدية ضد مناضليه وكوادره، التي تتعاون فيها الاجهزة السرية اللبنانية والسورية والاسرائيلية والاميركية) و"الخارجية" (عبر تحريك الصراعات والاشتباكات المسلحة الفلسطينية ـ الشيعية، والسنية ـ الشيعية، والمسيحية ـ الشيعية، التي تهدف في النهاية الى نزع صفة المقاومة عن حزب الله، وصبغه نهائيا بصبغة الميليشيا الطائفية، تمهيدا لتطبيق القرار 1559 وغيره من القرارات الدولية ضده.
11 – ان كل متتبع للعلاقات الاميركية ـ السورية، وفي ظلها الاسرائيلية ـ السورية، يرى بالعين المجردة ان اميركا ليس فقط انها لم "تقطع شعرة معاوية" مع النظام السوري، بل هي تطلب بوضوح مساعدتها في الشأن العراقي وفي الشأن الفلسطيني. وهي بالتأكيد تطلب المساعدة من هذا النظام في الساحة اللبنانية، التي هو "اخبر" ما يكون ويملك مقدرات كبيرة فيها. ومرة اخرى فإن لبنان مرشح لأن يعطى كـ"جائزة ترضية" للنظام الدكتاتوري السوري، مقابل تنفيذ الخطة "الشيطانية" الاميركية لضرب "المقاومة الاسلامية" وحزب الله، ولو اقتضى ذلك هذه المرة تدمير لبنان وشطبه من الخارطة السياسية للمنطقة. والواقع ان تنفيذ هذه الخطة قد بدأ فعلا، بتنسيق اميركي ـ سوري ـ اسرائيلي واضح. وابسط تحليل "جنائي" و"بوليسي" لجريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري وغيره من الجرائم التي ارتكبت حتى الان على الساحة اللبنانية، منذ محاولة اغتيال النائب الوطني مروان حمادة، وحتى اغتيال الصحفي الحر والنائب جبران التويني، تكشف امام كل ذي عينين ان هناك تنسيقا و"تمرير خدمات" و"تغطيات متبادلة" بين اجهزة مخابراتية مختلفة، ومنها بالاخص الاميركية، بدءا من الاف بي اي التي يحضر رجالها على الارض فور كل تفجير، مرورا بالمعلومات المخابراتية الاسرائيلية وانتهاء بصور الاقمار الاصطناعية، التي رفضت كل من اسرائيل واميركا اعطاءها الى لجنة ميليس.
12 ـ ان القرارات الدولية، ولجنة فيتزجيرالد، ولجنة ميليس، وغيرهم من الخبراء الجنائيين والقانونيين الدوليين، لن تكون افضل حالا من لجان التحقيق بجريمة اغتيال جون كندي وجريمة محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني، اي انها ستكون اشبه شيء بقنابل الدخان لتعمية ابصار الرأي العام وتخديره، لاجل كسب الوقت الضروري لتنفيذ الخطة "الشيطانية" الاميركية على الارض، وهذا ما يجعل النظام الدكتاتوري السوري مطمئنا تماما على مصيره طالما انه يؤدي الدور المطلوب منه.
XXX
ونود اخيرا ان نعبر عن الثقة بأن حزب الله، الذي مر بكل ما مر به من امتحانات، سيجتاز ايضا هذا الامتحان، ولن يسمح لأن يأتي يوم اسود، قريب او بعيد، يقول فيه "قائله": "أكلت يوم أكل الثور الابيض"ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
كاتب لبناني مستقل مقيم في بلغاريا*



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ؛؛الوفاق الوطني؛؛ اللبناني ... الى أين؟؟
- ماذا يراد من لبنان الجديد في الشرق الاوسط الكبير الاميرك ...
- -الفأر الميت- للمعارضة السورية
- العالم العربي والاسلامي ودعوة ديميتروف لاقامة الجبهة الموحدة ...
- هل تنجح خطة فرض تركيا وصيا اميركيا على البلاد العربية انطلاق ...
- الحرب الباردة مستمرة بأشكال جديدة بين -الامبراطورية- الروسية ...
- حرب الافيون العالمية الاولى في القرن 21: محاولة السيطرة على ...
- هل يجري تحضير لبنان لحكم دكتاتوري -منقذ!-؟
- أسئلة عبثية في مسرح اللامعقول
- الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي
- وليد جنبلاط: الرقم الاصعب في المعادلة اللبنانية الصعبة
- القيادة الوطنية الجنبلاطية والنظام الدكتاتوري السوري
- القضية الارمنية
- سوريا الى أين؟
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق2
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق
- وماذا بعد الانسحاب السوري من لبنان؟
- جنبلاط، القضية الوطنية والمسيحيون الدجالون
- المفارقات التاريخية الكبرى في الازمنة الحديثة وتحولات المشهد ...
- المسيحية العربية والاسلام في المشهد الكوني


المزيد.....




- إسبانيا: رئيس الوزراء بيدرو سانشيز يفكر في الاستقالة بعد تحق ...
- السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟
- كأس الاتحاد الأفريقي: كاف يقرر هزم اتحاد الجزائر 3-صفر بعد - ...
- كتائب القسام تعلن إيقاع قوتين إسرائيليتين في كمينيْن بالمغرا ...
- خبير عسكري: عودة العمليات في النصيرات تهدف لتأمين ممر نتساري ...
- شاهد.. قناص قسامي يصيب ضابطا إسرائيليا ويفر رفاقه هاربين
- أبرز تطورات اليوم الـ201 من الحرب الإسرائيلية على غزة
- أساتذة قانون تونسيون يطالبون بإطلاق سراح موقوفين
- الإفراج عن 18 موقوفا إثر وقفة تضامنية بالقاهرة مع غزة والسود ...
- الى الأمام العدد 206


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جورج حداد - حزب الله: الهدف الاخير للخطة -الشيطانية- لتدمير لبنان