|
جنبلاط، القضية الوطنية والمسيحيون الدجالون
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
جوابا على بعض مقالاتي السابقة، المتعلقة بالعراق، ولا سيما مقالة "العراق على طريق "اللبننة" الاميركية"، تلقيت من احد المثقفين اليساريين العراقيين رسالة الكترونية (إيميل) خاصة، يرد فيها على آرائي. ومما جاء في تلك الرسالة: " انك لا تزال تُحمّل الأحزاب المارونية مسؤولية كل ما حصل في لبنان، في حين أن المسؤولية الرئيسية - برأيي- تقع على الفريق اللبناني المقابل والمحيط العربي الإسلامي". و" كشخص يساري كنت أفكر بنفس طريقتك عند إندلاع الأزمة اللبنانية، وقد كنت أُؤيد بقوة موقف المقاومة الفلسطينية المتحالفة مع الحركة الوطنية اللبنانية، لكني الآن أعتبر هذا الموقف طفوليا وغير ناضج؛ ذلك أنه لو تمكن الطرف الآخر من هزيمة الطرف الماروني، فإن ذلك كان سيعني لا محالة التمهيد لإقامة الدولة الإسلامية في لبنان. وبهذا الخصوص أود أن أُذكرك بموقف المفكر التونسي، العفيف الأخضر، الذي كان يعيش في حينها في لبنان. لقد كان العفيف الأخضر يعيش في حينها في لبنان، إلا أنه ترك لبنان بسبب إختلافه مع الحركة الوطنية بزعامة كمال جنبلاط حيث انه بنظرته الثاقبة للأمور رأى ان سياسة تلك الحركة القصيرة النظر ستؤدي الى القضاء على الدولة الوحيدة في العالم العربي التي تتمتع ببعض مظاهر الديمقراطية والليبرالية. أعتقد ان الأزمة التي يعيشها العالم العربي الآن، يعطي الطرف الماروني التبرير والحق في الكثير، وليس كل، من مواقفه وطروحاته". للاسف، ان هذا الطرح من قبل المثقف اليساري العراقي، صاحب هذه الرسالة، ليس طرحا فرديا، بل هو طرح اخذ يشمل، باتساع متزايد، قطاعا واسعا من اليسار (ولا سيما اليسار الشيوعي) اللبناني والعربي، استنادا الى "موضة" اطروحة "الدمقراطية"، وخصوصا في العراق ولبنان، بمواجهة التسلط، وإجمالا السياسة الحربائية المتعددة الوجوه والمعايير، والمتعددة الارتباطات والاهداف، التي تنتهجها النظم الدكتاتورية "العروبية"، ومنها النظام البوليسي السوري، الذي ـ منذ تحرير الارض اللبنانية المحتلة في 25 ايار 2000، في مقابل "الاستكانة" السورية الى احتلال الجولان ـ بدأت تسقط عنه بسرعة ورقة التوت "التحريرية"، والذي ـ منذ احتلال العراق في 9 نيسان 2003 ـ بدأ يفقد بسرعة اكبر آخر رصيده "العروبي". ولا بد من الاعتراف الصريح (واستطرادا التفكير بعمق وشمول في تعقيدات الوضع الراهن!) ان المشهد السياسي اللبناني قد اختلط كثيرا في المرحلة الاخيرة، لا سيما بعد التحالف الجنبلاطي ـ "المسيحي"، بشكل خاص، والتقاء قسم واسع من اليسار اللبناني مع "المعارضة المسيحية" بشكل عام. وجوابا على هذا الدفاع المتأخر عن المارونية السياسية في لبنان لا بد من ايراد الملاحظات التالية: أ ـ بهذا الشكل او ذاك، لقد هزمت المارونية السياسية في لبنان شر هزيمة، ولا اقول قضي عليها تماما (وهذا طبعا ما اتمناه)، ولكن ذلك لم يؤد ابدا الى قيام دولة اسلامية في لبنان، بل ان الصحيح هو العكس، اي ان لبنان ابتعد اكثر عن مثل هذا الاحتمال، ذلك ان "حزب الله" ذاته (الذي سبق لبعض الاوساط التي انبثق عنها، او التي كانت على حواشيه في بداية ظهوره في مطلع الثمانينات، ان طرحت شعار "الجمهورية الاسلامية" في لبنان ونشرت خريطة لبنان مكتوبا عليها "الجمهورية الاسلامية اللبنانية") ـ ان "حزب الله" هذا نفسه، الذي اصبح اكبر قوة سياسية جماهيرية واكبر قوة مقاومة شعبية مسلحة ضد اسرائيل في لبنان (وضد اميركا اذا "جاءت بجيوشها اليه" مجددا، لا سمح الله)، هو نفسه اليوم يمثل اكبر ضمانة لعدم قيام جمهورية اسلامية في لبنان. وقد اكد ذلك زعيمه السيد حسن نصرالله، وكبار المرجعيات الشيعية في لبنان كالسيد محمد حسين فضل الله والامام الراحل محمد مهدي شمس الدين رحمه الله. وانا لا اظن ان مثل هؤلاء القادة الفكريين والسياسيين الكبار، على المستويات اللبنانية والاسلامية والعربية، كانوا او هم الان "يمزحون"، او "يلعبون" بالتاريخ، في عدم تأييدهم اقامة "جمهورية اسلامية" في لبنان. كما ان "حزب الله" خاصة، والقوى الاسلامية الفاعلة عامة، في لبنان، هي الضمانة الرئيسية لاستمرار الوجود المسيحي الكريم في هذا البلد، القائم على التعددية الاتنية والمذهبية والثقافية. وعلينا ان نتذكر هنا، انه حينما قام السيد محمد خاتمي، رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، بزيارة لبنان، أشاد بشكل خاص بالصيغة التعددية اللبنانية، متفقا بذلك تمام الاتفاق مع نظرة الفاتيكان الى الصيغة اللبنانية. واكد الرئيس الخاتمي ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تطمح هي نفسها للاقتداء بالصيغة التعددية اللبنانية. ب ـ وخلافا لكل ما قيل ويقال عن ان الحركة الوطنية اللبنانية كانت قد هددت في يوم من الايام او هي تهدد اليوم الوجود المسيحي في لبنان، انا اشدد هنا على القول: إن الوجود المسيحي لم يكن يوما موضوع خلاف او حتى مجرد نقطة بحث، من اي طرف جدي، ايا كان، في لبنان. والقوى الوطنية اللبنانية والقومية العربية عامة، بما فيها الاسلامية الشريفة، خاصة، لا تجد اي غضاضة في الاعتراف بالدور النهضوي العربي الذي اضطلع به الكتاب والشعراء والمثقفون المسيحيون في القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين. كما ان تلك القوى تصر على إعطاء المسيحيين اللبنانيين والعرب دورهم في البناء الوطني المستقل، بمواجهة مخطط التفتيت الاميركي ـ الصهيوني، الذي "يستولد" هو نفسه بعض الانحرافات "الاسلامية" المريضة، المتطرفة والمشبوهة، او "يستخدم" و"ينفخ" الموجود منها. ج ـ ولكن الخلاف، والصراع الشديد، في لبنان، نشأ مع قسم، قسم وحسب، من المسيحيين خاصة، ولكن ليس المسيحيين فقط، الذين ارتضوا العمالة لاسرائيل والسير في ركابها، والقتال معها ولمصلحتها، باسم "لبنان" و"السيادة اللبنانية"، وبحجج مختلفة كمواجهة "التجاوزات الفلسطينية" الخ الخ. د ـ ولا ادري ماذا كانت اوجه اعتراض الاستاذ العفيف الاخضر على اطروحات الشهيد الكبير كمال جنبلاط. فالبرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية، الذي سبق وطرحه كمال جنبلاط عشية الحرب اللبنانية في 1975، كان برنامجا اصلاحيا معتدلا جدا، ولم يكن موضع اختلاف عدائي حتى مع حزب الكتائب نفسه (الذي انا شخصيا اعتبر انه نشأ على المتاجرة بالمسيحية والمسيحيين، وانه "البؤرة الجرثومية" الاولى والرئيسية في لبنان خاصة، وفي الوسط المسيحي العربي عامة، للخيانة الوطنية والعمالة للغرب الامبريالي واسرائيل، ولمعاداة الوطنية والوطنيين، العروبة والعرب، الاسلام والمسلمين. وقد كان هذا الحزب، منذ نشوئه، احدى "تركات" او مخلفات الانتداب الفرنسي. وفي ما يشبه رمزية سوريالية، تأسس هذا "الحزب اللبناني" في الـ”base navale” (القاعدة البحرية) الفرنسية، التي "ورثها" حزب الكتائب عن الانتداب، وأسس فيها "بيت الكتائب المركزي" في محلة الصيفي قرب مرفأ بيروت، وهو "البيت" الذي عششت فيه الموساد وفرخت، وادارت منه الحرب اللبنانية لسنوات طويلة). هـ ـ وفي اثناء حرب السنتين (1975 ـ 1976) حينما توغلت قوات الحركة الوطنية، التي كان يقودها كمال جنبلاط، في جبل لبنان، ووصلت الى عمق ما يسمى "المناطق المسيحية"، وكانت على وشك الانتصار، دخلت القوات السورية الى لبنان، بدعوة من "الجبهة اللبنانية" "المسيحية!!" وبموافقة ضمنية من الاميركيين، لا بل حسب بعض المعلومات او المعطيات: بتحريض من الاميركيين لهؤلاء "المسيحيين الدجالين" كي يقبلوا بـ"الحل السوري"، بوصفه الوسيلة الوحيدة المتاحة حينذاك لانقاذهم، وذلك طبعا تحت الشعار الكاذب حول "حماية المسيحيين". وحينذاك لم يكن المسيحيون هم المهددين، بل "عملاء اسرائيل" واذنابها اللبنانيين، من كل الطوائف، الذين ارتكبوا المجازر ضد انصار "الحزب القومي السوري" وغيرهم من المسيحيين الوطنيين، ابناء تلك "المناطق المسيحية" بالذات. وفي جميع المناطق التي دخلتها قوات الحركة الوطنية، كانت تحرص، بالرغم من كل المخططات المعادية والشوائب والانحرافات، على معاملة الجماهير المسيحية، وحتى "الكتائبيين" العاديين والمعتدلين انفسهم، بكل رعاية. وهذا ما تشهد به الوقائع التاريخية، ويشهد به اليوم ابناء تلك المناطق الذين عايشوا احداث تلك الفترة (ومثال واحد وحسب، وهو: ان الاستاذ ميشال سماحة، وهو من الكتائبيين القدماء البارزين، وشغل منصبا وزاريا في "عهد اتفاق الطائف"، جرى اعتقاله من قبل القوى الوطنية، ولكنه عومل باحترام، ثم اطلق سراحه وترك يذهب حيث يشاء مقابل الوعد بعدم التشويش واطلاق التصريحات الكاذبة). وعلى العموم، ظلت مناطق سيطرة الحركة الوطنية مناطق مختلطة طائفيا، على عكس منطقة سيطرة اوباش "الكتائب" و"القوات اللبنانية". وللاسف ان اسرائيل ذاتها كانت اكثر "لبنانية!" واكثر "دمقراطية!" من "الكتائب اللبنانية" و"القوات اللبنانية". حيث ان المناطق التي كانت اسرائيل تحتلها سابقا في الجنوب والبقاع الغربي، ظلت مختلطة طائفيا وحزبيا، على عكس مناطق "الكتائب" و"القوات"، التي تم "تطهيرها" من المسلمين والعرب والمسيحيين الوطنيين . و ـ لم يكن همّ "المسيحيين المتصهينين" الدفاع عن المسيحيين كما كانوا يدعون، بل كان مشروعهم يقوم على تحويل المنطقة التي سيطروا عليها عسكريا الى "اسرائيل مسيحية"، وذلك ضد ارادة غالبية اللبنانيين: المسلمين، والمسيحيين الوطنيين الذين اضطهدوا وقتل بعضهم وشرد البعض الاخر من منازلهم حتى قبل اندلاع الحرب بسنوات (وانا واحد من هؤلاء)، بل والمسيحيين العاديين غير المتصهينين، بما في ذلك رجال الدين المسيحيين الشرفاء والمعتدلين. حتى البطريرك انطونيوس خريش، ابن بلدة عين ابل الجنوبية التي كانت تحت الاحتلال الاسرائيلي، لم يسلم من اذيتهم، وجرت محاربته واهانته، لأنه رفض مسايرة الاحتلال، ورفض بشكل خاص تنفيذ رغبة "المسيحيين المتصهينين" انفسهم بالطلب الى الشباب المسيحيين في المناطق المحتلة ان يتجندوا ويحملوا السلاح مع عملاء اسرائيل. وانتقاما من موقفه ذاك، قام هؤلاء "المسيحيون الدجالون" المتصهينون بخطف سكرتيره الخاص، وهو ابن عمه المونسنيور خريش، رحمه الله، وقتلوه بخسة ورموا جثته في احد الوديان. كما نظموا مظاهرة استفزازية ضد البطريركية وقذفوا ابوابها بالحجارة وشتموا غبطة البطريرك. وتابعوا استفزازاتهم ضد هذا الشيخ الجليل ورجل الدين الصادق حتى اجبروه على الاستقالة سنة 1986. ولم يكن كمال جنبلاط يتحمل اي مسؤولية في كل ذلك، لسبب بسيط هو أنه، و"بفضل" هؤلاء "المسيحيين الدجالين" وحلفائهم "العرب" واسيادهم الاميركيين والاسرائيليين، لم يكن "موجودا". ولا شك ان الاستاذ العفيف الاخضر كان يعرف تماما ان التفاهم مع اسرائيل ذاتها كان اسهل من التفاهم مع هذه العصابة الاجرامية العميلة. ومع كل "دمقراطيته" وليبيراليته وسلمويته ومعارضته للتطرف الاسلاموي، فإنه ـ اي العفيف ـ حينما كان في لبنان، كان من غير الممكن له ان يخطو خطوة واحدة لزيارة اي كان في منطقة سيطرة تلك العصابة، والا لكان الان في ذمة الله، لا لشيء الا لانه "ولد" مسلما او عربيا. ز ـ ولو قدر لمخطط كمال جنبلاط (اذا صح اطلاق هذا التعبير)، الذي كان يقوم على "العصرنة الدمقراطية" و"التعريب الوطني" للنظام الطائفي اللبناني، وعلى "التعريب الشعبي" للمقاومة ضد اسرائيل، ـ لو قدر لهذا المخطط ان ينجح، لكان مسار الاحداث اللبنانية كلها، والاوضاع الفلسطينية والعربية برمتها (بما في ذلك زيارة السادات المشؤومة للقدس المحتلة وتوقيع اتفاقية كامب دايفيد وبقية المسبحة المشؤومة) قد اتخذت منحى آخر تماما. ولكن الاوضاع العربية المتردية لم تكن لتسمح بهذا "النشاز" للحركة الوطنية اللبنانية. وقد تم التدخل الرسمي العربي في لبنان، بأداته "السورية"، وليس بدون مباركة اميركية ـ اسرائيلية، لوقف هذا "النشاز اللبناني". وكان رأس كمال جنبلاط، ورأس الامام موسى الصدر، ورؤوس العديد من القادة والشخصيات اللبنانية، واخيرا رأس الحركة الوطنية اللبنانية، بعض الثمن. واذا كان للعفيف الاخضر من اختلاف مع كمال جنبلاط في ذلك الوقت، فأنا على ثقة ان الاستاذ العفيف، وامثاله من "الدمقراطيين" "التجريديين" و"البرجعاجيين"، يتوجب عليه ان يراجع حساباته بدقة، اذا لم يكن قد فعل الى الان. ح ـ اما بخصوص الديمقراطية في لبنان، فإن ضمانتها الرئيسية كانت على الدوام، ولا تزال الى اليوم وستبقى غدا: الحركة الوطنية اللبنانية، بما في ذلك او بالاخص في ذلك: المقاومة الوطنية والاسلامية. وهذا ما تثبته بامتايز تجربة قيادة وليد جنبلاط، وتجربة "حزب الله". ط ـ اما اولئك "المسيحيون الدجالون"، المشبوهون والمرتزقة والعملاء، فقد برهنوا بالممارسة انهم ألد أعداء استقلال لبنان، وألد اعداء الدمقراطية، في وقت واحد. فهم انفسهم الذين "جمعوا الصيف والشتاء على سطح واحد"، إذ انهم هم الذين أدخلوا اولا الى لبنان الدبابات والمخابرات السورية، ليس لأي هدف وطني حقيقي، بل لحمايتهم هم، كطابور خامس عميل، باسم "حماية المسيحيين". وبعد ان حققوا غرضهم، لم يكتفوا بأن اداروا ظهرهم للسوريين، لمجرد كونهم عربا ومسلمين، بل انهم غدروا بالضباط والجنود السوريين المساكين، وقسم كبير منهم كانوا من المسيحيين السوريين ـ الذين كانوا حتى "الامس" قد قاموا بحمايتهم، وكانوا يعسكرون آمنين في "مناطقهم" ـ وذبحوهم غدرا كالنعاج في 1978. كما ان هؤلاء المسيحيين الدجالين ساروا نهارا جهارا في ركاب الاجتياح الاسرائيلي للبنان، وصعدوا الى الجبل لتهجير الوطنيين الدروز، بعد ان رفض وليد جنبلاط الانصياع لـ"وصفات" فيليب حبيب ولم "يبايع" الجزار العميل "الرئيس" بشير الجميل، وشاركوا في تدمير بيروت والجبل والبقاع وغيرها من المناطق اللبنانية، بهدف تحويل لبنان الى محمية اسرائيلية وإخضاعه لحكم دكتاتوري عميل، يكونون هم على رأسه. ي ـ والان يبدو بوضوح، على ارض الواقع، ان تحقيق الهزيمة العسكرية لهؤلاء "المسيحيين الدجالين"، وانتصار المقاومة الوطنية والاسلامية على الاحتلال الاسرائيلي للبنان، كانا شرطين مسبقين ومقدمتين ضروريتين لتحقيق الانجازات الوطنية التالية: اولا ـ اعادة الوفاق والوحدة الوطنية الى جبل لبنان، كأساس وشرط تاريخي لاعادة الوفاق والوحدة الوطنية الى لبنان ككل، وهي الوحدة التي يتحمل "المسيحيون الدجالون" واسيادهم الاميركيون والاسرائيليون المسؤولية الاولى عن زعزعتها. ثانيا ـ طرح موضوع الوجود العسكري والامني السوري في لبنان، بهدف رفع هيمنة الاجهزة الاستخبارية والجماعات المستفيدة من الفساد والتهريب والارهاب والتسلط على لبنان، ولكن ليس على قاعدة العداء لسوريا والشعب السوري الشقيق، والانجرار في مخطط الارهاب الدولي الاميركي ـ الصهيوني ضد البلدان العربية والاسلامية، بل على قاعدة التآخي القومي بين الشعبين الشقيقين اللبناني والسوري، ومواجهة مخططات الهيمنة الدولية لاميركا. ومرة اخرى يدفع التوجه الوطني اللبناني، الدمقراطي والعروبي، ثمنا غاليا تمثل هذه المرة برأس رئيس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري، الذي سقط ضحية المؤامرة الدولية على لبنان، التي يعتبر الوجود السوري في لبنان جزءا لا يتجزأ منها، والتي ارادت باغتيال رفيق الحريري ترويع المعارضة الوطنية والدمقراطية اللبنانية، وتبرير بقاء قوات النظام السوري، بحجة حماية "السلم الاهلي" في لبنان. واذا كان هناك ذرة من المصداقية في "العروبة" التي يتاجر بها النظام البوليسي السوري، فإنه سيكون من المفيد، لسوريا وللبنان وللعروبة، ان يأخذ هذا النظام معه، حينما يرحل قريبا باذن الله من لبنان، قيادات وكوادر اولئك المسيحيين الدجالين الذين سبق واستدعوه الى لبنان، ولا يزالون يتمسكون به، مثلما اخذت اسرائيل معها فلول جيش سعد حداد وانطوان لحد. ثالثا ـ اعادة بعض ملامح الدمقراطية الى لبنان، بالرغم من الهيمنة السورية الحالية. وها ان المسيحيين اليوم، في السلطة وفي المعارضة، وعلى رأسهم جبهة "قرنة شهوان" التي تنضوي تحت جبة البطريرك الماروني مار نصرالله صفير، يقولون ما يشاؤون. كما ان مجلس المطارنة الموارنة يصدر ما يشاء من البيانات التي تتناول كل الحياة السياسية اللبنانية، بما في ذلك الاعتراض الصريح والصارخ على الوجود والممارسات الدكتاتورية لاجهزة النظام السوري في لبنان. وهم يلقون التفهم والاحترام التام، محليا واقيليميا ودوليا. وإنه لمن سخرية القدر ان وليد جنبلاط، ابن كمال جنبلاط ووريثه سياسيا، هو الذي يقف اليوم على رأس معارضة الوجود الدكتاتوري السوري في لبنان، وهي المعارضة التي تضم، فيما تضم، قطاعا واسعا من الجماهير المسيحية المضللة، التي سبق لقياداتها المشبوهة ان "ادخلت الدب" السوري الى "الكرم اللبناني"، وهللت وقرعت الاجراس احتفالا بقتل شهيد الامة العربية كمال جنبلاط. ك ـ ان دم كمال جنبلاط يقع على هؤلاء "المسيحيين الدجالين"، مثلما يقع على قتلته المباشرين، واكثر. وان وليد جنبلاط، من موقعه المسؤول تاريخيا، الشخصي والفئوي والوطني والعربي، قد "عض على الجرح" سنوات طويلة، وساير وناور مع القتلة انفسهم، كي لا يسهل عملية قتل "كمال جنبلاط ـ القضية" بعد ان قتلوا "كمال جنبلاط ـ الشخص". وهو الان "يعض على الجرح" مرة اخرى حينما يسعى لقطع الطريق نهائيا على حجة "حماية المسيحيين"، والهيمنة على لبنان تحت غطاء هذه الحجة، وذلك بالمناورة والمسايرة حتى مع "المسيحيين الدجالين" انفسهم. ل ـ ان هؤلاء "المسيحيين الدجالين" هم أشبه شيء بالافاعي، فهم الذين اغتالوا بكل غدر وخسة المرحومة ليندا جنبلاط، وقرعوا الاجراس فرحا حينما "خلصهم" "العروبيون العاقون والمزيفون" من كمال جنبلاط، وهم الذين حاولوا ايضا اغتيال وليد جنبلاط. وهذا غيض من فيض من سجلهم "اللبناني!" و"المسيحي!" غير المشرف. وبعد كل هذه المعاناة السيزيفية لوليد جنبلاط وللشعب اللبناني بكل فئاته، فلا شك انه سيأخذ العبرة اللازمة من "لبنانية" و"اخلاقية" هؤلاء "المسيحيين الدجالين" وغدرهم بالسوريين الذين جاؤوا هم بهم ليحموهم، ولن يسمح لهم ـ بعد كل هذه المعاناة ـ ان يلدغوا اليد الممدودة اليهم، وان يقتلوا قضية كمال جنبلاط عن طريق احابيلهم ومؤامراتهم. فنكون كمن "يهرب من الدب، ليقع في الجب" الذي تعشش فيه تلك الافاعي. م ـ اذا كان من خطر يتهدد او يمكن لا سمح الله ان يتهدد لبنان عامة والمسيحيين اللبنانيين خاصة، فهو ـ تماما مثل الخطر على العروبة من بعض ابنائها العاقين والمزيفين، كما كان نظام صدام حسين في العراق، وكما هو النظام الدكتاتوري في سوريا ـ سيتأتى من اولئك "المسيحيين الدجالين"، عملاء اسرائيل واميركا، الذين، مثلهم مثل جميع العملاء، ليسوا سوى افاع ناعمة الملمس، تشكل خطرا على كل من يقربها او "ينام" بقربها، وفي "احسن الحالات" ليسوا سوى قميص قذر وموبوء، ينبغي التخلص منه ورميه بعيدا في النار وفي مزبلة التاريخ. ن ـ واخيرا لا آخرا: يبرز الان بشكل ملح، اكثر من اي وقت مضى، التساؤل التاريخي والمصيري: الى متى سيبقى لبنان الوطني والدمقراطي مهددا: اما من الاحتلال الاسرائيلي والعنصرية الصهيونية والخيانة الوطنية "للمسيحيين الدجالين"، واما من الدكتاتورية "العروبية المزيفة" في سوريا؟ وليس من الصدفة ان هذين الخطرين على لبنان الوطني الدمقراطي، يتعاونان مباشرة، او يتناوبان، على حماية ودعم الطابور الخامس الذي يمثله "المسيحيون الدجالون" في لبنان؟ ان الحركة الوطنية اللبنانية، بقيادة وليد جنبلاط، والمقاومة الوطنية والاسلامية، بقيادة السيد حسن نصرالله، تقف الان امام تحد تاريخي مضاعف يتمثل في ما يلي: اولا ـ تمتين التعاون مع الاوساط المسيحية الشريفة والمخلصة، وعلى رأسها البطريرك الماروني مار نصرالله صفير، وفي الوقت نفسه اخذ كل اشكال الحيطة لقطع الطريق على غدر وخيانة الطابور الخامس "المسيحي الدجال" و"اللبناني المزيف"، بل ولقطع دابر هذا الطابور، الذي سيكون من السذاجة القاتلة ان يعتقدن احد انه "تاب" عن الخيانة الوطنية التي ولد فيها ورضع منها ونما وترعرع عليها، والتي لا وجود له بدونها. ثانيا ـ التحرر من النظام الدكتاتوري السوري، الذي تاجر طويلا بالشعارات "العروبية"، على طريقة "حق يراد به باطل"، والذي دخل ومكث في لبنان فوق جثث الشهداء والقادة امثال كمال جنبلاط ورفيق الحريري، وطعن في الصميم اخوة الشعبين الشقيقين السوري واللبناني (كما لم يفعل حسني الزعيم نفسه الذي سبق له وسلم للاعدام ـ فقط سلم!! ـ مؤسس وزعيم الحزب القومي السوري انطون سعادة، رحمه الله). ثالثا ـ ومن اجل تثبيت هذا "التحرر"، التعاون الفعال مع جميع القوى الوطنية والدمقراطية الحقيقية في سوريا للوقوف بوجه الهجمة الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية، وفي الوقت ذاته لتحرير سوريا من هذا النظام الدكتاتوري، على يد الجماهير الشعبية ذاتها. رابعا ـ اعادة التلاحم الكفاحي الفلسطيني ـ اللبناني ـ السوري، على قاعدة "الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية" كما كان يريد كمال جنبلاط، والتوجه نحو "فتح جميع الحدود للمقاومة الشعبية العربية"، وزعزعة الكيان الصهيوني بالشروع في معركة تحرير الجولان المحتل، على "الطريقة اللبنانية"، والعمل الدؤوب لتخليص المعارضة السورية الشريفة من زاوية الهامشية والتفاهة التاريخية التي تحشر نفسها فيها، بزجها في تلك المعركة، كي تثبت "وطنيتها" كشرط مسبق لاثبات "دمقراطيتها". ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ كاتب لبناني مستقل مقيم في بلغاريا
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المفارقات التاريخية الكبرى في الازمنة الحديثة وتحولات المشهد
...
-
المسيحية العربية والاسلام في المشهد الكوني
-
من هم مفجرو الكنائس المسيحية في العراق؟! وماذا هم يريدون!؟
-
الامبريالية الاميركانو ـ صهيونية و-شبح الارهاب-: من سوف يدفن
...
-
العراق على طريق -اللبننة- الاميركية!
-
أضواء على انشقاقات الستينات في الحزب الشيوعي اللبناني: الاضا
...
-
مؤامرة اغتيال فرج الله الحلو
المزيد.....
-
اليونيفيل ترصد -توغلات إسرائيلية في كل مكان- على طول الخط ال
...
-
روسيا: الغرب يقامر بآلام ومعاناة الملايين ويستخدمهم -أوراق م
...
-
إصابة أرملة روبرت كينيدي بسكتة دماغية
-
ليبيا.. الإفراج عن العقيد العجمي العتيري بعد احتجاجات واسعة
...
-
احرص على تناولها في وجبة الإفطار.. -أطعمة خارقة- تمنحك الطاق
...
-
الحرب بيومها الـ369: حملة عسكرية دموية و400 ألف تحت الحصار ش
...
-
عاصفة عنيفة تقتل أكثر من عشرين شخصا في البوسنة والهرسك
-
أول محادثة بين بايدن ونتنياهو منذ سبعة أسابيع.. ترامب سبقه و
...
-
حرب إسرائيل بغزة ولبنان.. فشل أمريكي ذريع
-
حليفا مصر.. رئيس الصومال يصل إريتريا لبحث تحديات القرن الإفر
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|