أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جورج حداد - هل يجري تحضير لبنان لحكم دكتاتوري -منقذ!-؟















المزيد.....


هل يجري تحضير لبنان لحكم دكتاتوري -منقذ!-؟


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1257 - 2005 / 7 / 16 - 12:31
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لعله من الصواب القول إن أزمة العلاقات اللبنانية ـ السورية، وبكلمات اكثر تحديدا: الازمة بين المعارضة اللبنانية والنظام السوري وحلفائه (السابقين والحاليين) اللبنانيين، قد بدأت على وجه التحديد منذ فرض التمديد للرئيس اميل لحود. وكانت هذه الازمة احد وجوه الازمة الاكبر، اي الازمة الدولية حول طبيعة الدور السوري في لبنان. وقد انتجت هذه الازمة، فيما انتجت، القرار الدولي 1559، المسلط كسيف ديموقليطس فوق لبنان.
ولقد اصبح "سرا" شائعا ان عملية التمديد، وما اعقبها، قد ترافقت مع موجة من التهديدات السورية، على مختلف المستويات، التي وجهت الى شتى شخصيات المعارضة، بمن في ذلك الرئيس الشهيد رفيق الحريري. والأسوأ من ذلك بكثير هو ان الازمة قد "تبلورت" لاحقا في سلسلة عمليات اجرامية، كانت اولاها محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حمادة، ثم اغتيال الرئيس الحريري وباسل فليحان ورفاقهما، ثم ـ بعد الانسحاب السوري واجراء الانتخابات النيابية ـ اغتيال الصحافي الدمقراطي اللامع سمير قصير والشخصية الوطنية البارزة جورج حاوي. ولا احد يدري اذا كانت هذه السلسلة ستتوقف عند محاولة اغتيال الوزير الياس المر.
بعد ما سمي "انتفاضة الاستقلال" في 14 اذار 2005، حيث وقف الجيش اللبناني موقفا وطنيا "متوازنا" بين المعارضة والسلطة، ولا سيما بعد الانسحاب العسكري السوري "السهل" من لبنان، ساد اعتقاد واسع النطاق بأن لبنان سيأخذ طريقه بذات "السهولة" نحو الحرية السياسية والدمقراطية. وفي هذه الاجواء "المريحة" نسبيا جرت الانتخابات النيابية.
وبالرغم من كل الاعتراضات المحقة حول قانون الـ2000 "السوري"، وبالرغم من الشحن السياسي ولا سيما الطائفي البغيض، الذي رافق العملية الانتخابية، والفرز السياسي واعادة الاصطفافات الجديدة، ولا سيما في صفوف المعارضة القديمة للوجود السوري، وخاصة فيما يتعلق بالتيار الوطني الحر بزعامة الجنرال ميشال عون، فقد مر "بسلام" "قطوع" هذه العملية الانتخابية، التي جرت في ظروف "السلم الاهلي" و"الحرية" في آن واحد، لاول مرة منذ اكثر من ثلث قرن. وكان للموقف الوطني "المتوازن" للجيش، والاداء الحيادي لحكومة الرئيس ميقاتي دور حاسم في "مرور" "قطوع" الانتخابات، وفي نجاح الاغلبية المعارضة، جنبا الى جنب النجاح البارز لـ"حزب الله" وحلفائه المباشرين. وقد دل ذلك بوضوح ان الطبقة السياسية برمتها، من موالاة ومعارضة، ومن اشد المعارضين السابقين للوجود السوري الى اقرب حلفاء النظام السوري، قد قررت بالاجماع او بما يشبه الاجماع إعطاء اللعبة السياسية والدمقراطية فرصتها.
ولكن اذا كانت الانتخابات وظروفها وملابساتها ونتائجها، وما افرزته من اتجاهات "دمقراطية" عززت الميل نحو تأليف حكومة "اتحاد وطني" او "وفاق وطني" او "ائتلاف وطني" واسع، يتجاوز الانقسام بين المعارضة والموالاة السابقين، فإن سلسلة التفجيرات والاغتيالات التي حدثت عشية واثناء وبعد الانتخابات جاءت لتؤكد انه من الوهم الاعتقاد ان لبنان قد خرج من عنق الزجاجة وسار فعلا في طريق النقاهة.
كلنا يذكر ان الحرب الاهلية افرزت قاموسا معينا، كان من مفرداته عبارة "الطرف الثالث"، الذي كان يعزى اليه تفجير الوضع بعد كل اتفاق لوقف اطلاق النار.
وايا كان "المرجع الاعلى"، الداخلي او الخارجي، لـ"الطرف الثالث"، فهو لم يكن شبحا لا وجود له، بل كان قوة فعلية موجودة على الارض، يعبر عن نفسه ـ رغم ارادة "جميع!" الاطراف المعنية ـ بالتفجير بواسطة الرصاص والسيارات المفخخة والقذائف والقصف "العشوائي". واذا كان القصف او التفجير، بالمعنى العسكري الحسي، عشوائيا، فإن التفجير بالمعنى العسكري ـ السياسي وبالمعنى السياسي العام لم يكن ابدا عشوائيا او بدون هدف محدد.
وها اننا نجد الان ان الاغتيالات، او محاولات الاغتيال، قد طاولت شخصية سياسية وسطية كالرئيس الشهيد رفيق الحريري، وشخصية وطنية معارضة يسارية كالشهيد جورج حاوي، وشخصية سياسية يمينية موالية للنظام الامني السوري ـ اللبناني كالوزير الياس المر.
فحتى لو طبقنا "قاعدة" العشوائية و"الطرف الثالث"، جريا على قاموس الحرب الاهلية، فإن هذه الاغتيالات والجرائم الموجهة "عشوائيا!"، في كل الاتجاهات السياسية، ليست ابدا "عشوائية" الاهداف السياسية. ويتأكد ذلك اكثر، حتى بافتراض وجود "طرف ثالث" غير المعارضة والموالاة. لأن هذا الطرف ـ في هذه الحالة الحرجة والخطيرة ـ يظهر بوضوح ان "يده طايلة" وانه بالتالي "اكبر" و"اقوى" من المعارضة والموالاة معا، وانه يعمل ليفرض اهدافه على الطرفين معا، اي على كل لبنان، وعلى سوريا ايضا، من خلال لبنان، او مباشرة.
ـ من هو هذا "الطرف الثالث!"؟ وماذا يريد؟
ان الجميع هم مطالبون الان بالاجابة عن هذين السؤالين، ومتفرعاتهما.
ليس من شك، وهذا ما يجمع عليه كل الاطراف، ان "الهم اللبناني" ليس هما داخليا وحسب، بل هو "هم" اقليمي ودولي، يرتبط ارتباطا وثيقا بأزمة المنطقة، ومن ثم بأزمة الامن الدولي للعالم.
من هنا ضرورة الجمع بين الاتهامات، وعلى الاقل الشكوك، التي عبرت عنها مختلف الاطراف حول الاسباب والمسؤولين عن التفجيرات، وبين المتطلبات الدولية التي نص عليها القرار 1559. وفي حصيلة عامة فان هذه الاتهامات والمتطلبات شملت ما يلي:
1 ـ اتهام الاصوليين الاسلاميين (ابو عدس وغيره).
2 ـ اتهام النظام الامني السوري ـ اللبناني.
3 ـ المطالبة بخروج القوات غير اللبنانية من لبنان.
4 ـ المطالبة بحل الميليشيات المسلحة اللبنانية وغير اللبنانية في لبنان (وهذ يعني نزع سلاح المخيمات الفلسطينية ونزع سلاح المقاومة الاسلامية وحزب الله، حسب التفسير الاميركي الغربي لتعبير الميليشيا).
قبل اندلاع الازمة، اي في مرحلة الوجود السوري في لبنان، كانت مهمة ضبط الاصوليين الاسلاميين، والمخيمات الفلسطينية، والمقاومة الاسلامية وحزب الله تقع على عاتق النظام السوري، بالتعاون بينه وبين حلفائه في المؤسسات اللبنانية، لا سيما الجيش والاجهزة الامنية. وذلك بصرف النظر عن طبيعة وطريقة هذا الضبط: التفاهمية والطوعية، او القسرية والقمعية، او التآمرية والتفجيرية ـ التوريطية.
ويمكن القول ان ادراك النظام السوري للاهمية الدولية لدوره هذا، هو الذي دفعه الى خيار فرض تمديد ولاية الرئيس لحود، لدواع سياسية ـ امنية ـ جيشية معروفة، وخاصة بعد تفاقم المقاومة الاسلامية الاصولية في العراق، وبعد احداث النجف الاشرف في العام الماضي و"مظاهرة الاكفان" التي نظمها حزب الله في بيروت وضمت مئات الالوف وهتفت "الموت لاميركا، الموت لاسرائيل"، حيث ان اميركا وحليفتها الستراتيجية اسرائيل اعتبرتا هذه المظاهرة تعبيرا عن وجود تهديد خطير للامن الاقليمي والامن الدولي، حسب مفهومهما.
فالنظام السوري كان يعتقد انه سيحصل على تجديد التفويض الاميركي والدولي المطلوب للاستمرار في لجم "الساحة اللبنانية".
ولكن الحسابات الاميركية لم تتطابق هذه المرة مع الحسابات السورية، انطلاقا من عدم ثقة الادارة الاميركية بالرغبة الحقيقية لدى النظام السوري، او بقدرته، في اوضاعه الحالية المهلهلة، على الاضطلاع بدور الشرطي القادر على ضبط "الساحة" اللبنانية، وبوجه قوة اقليمية كقوة حزب الله، المدعوم من ايران، والمتحالف مع المقاومة الاسلامية الفلسطينية.
ولكن هذا لا يعني ان الادارة الاميركية "سحبت يدها" من لبنان. بل على العكس تماما، ان ممارسة الضغط باتجاه اخراج القوات السورية من لبنان، بما في ذلك اجهزة المخابرات، يعني تماما ان لادارة بوش ـ رامسفيلد "خطتها اللبنانية" الجديدة، التي سيكون للنظام السوري مشاركته فيها، دون ان تكون له الكلمة الاولى، مما قد يتعارض مع تنفيذ هذه الخطة.
في المرحلة السابقة كانت الادارة الاميركية موافقة على نزع ما يسمى "السيادة" اللبنانية وتسليم "الساحة" اللبنانية للنظام السوري الذي كان له الكلمة الفصل في كل شاردة وواردة في لبنان، ولا سيما على المستوى الامني والامني ـ السياسي. واهم ما توصلت اليه الادارة الاميركية، وحليفتها الستراتيجية اسرائيل، في تلك المرحلة "السورية" للبنان، هو منع العمليات العسكرية الفلسطينية عبر الحدود اللبنانية. وهذه مسألة في منتهى الاهمية والخطورة في الحسابات الستراتيجية العليا الاميركية ـ الاسرائيلية. ونذكر هنا انه حينما قامت الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة بخرق هذا المنع، حيث اطلقت احدى مجموعاتها صاروخا في بلدة الغجر الحدودية، تم اغتيال القائد الشهيد جهاد احمد جبريل بعد اسبوع من تلك العملية. كما انه تم مرتين اغتيال مجاهدين من كوادر حزب الله، هما المجاهد الشهيد علي حسن صالح، الذي اغتيل في شهر اب 2003، والمجاهد الشهيد غالب عوالي الذي اغتيل في شهر تموز 2004. وليس من الصدفة ان كلا من المجاهدين كان على وجه التحديد المسؤول عن التنسيق مع المقاومة الفلسطينية. وكان ذلك بمثابة رسالة واضحة موجهة لحزب الله بعدم تجاوز "خط احمر" معين.
وليس من شك ان الادارة الاميركية واسرائيل تأخذان بالاعتبار التزام حزب الله بضبط النفس وعدم توسيع رقعة الاشتباكات خارج منطقة مزارع شبعا المحتلة. ولكن اميركا واسرائيل تدركان تماما ان هذا الالتزام هو ـ تجاه السياسة العدوانية الاسرائيلية القائمة على التفوق الكاسح و"حرية الحركة" الدائمة لاسرائيل ـ معلق بخيط اوهى من خيط العنكبوت، وان قرار "التدخل واسع النطاق" في وجه اي عدوان اسرائيلي على الارض اللبنانية، كما في ظروف اي تطورات درامية في المنطقة ككل، يبقى خيارا قائما، و"ممكنا"، بيد حزب الله، بالتنسيق الضمني او المباشر مع المقاومة الفلسطينية، في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة، كما بالتنسيق مع القيادة الايرانية، ومع القيادة السورية ايضا، فيما لو قررت مواجهة الضغوط الاميركية ـ الاسرائيلية بضغوط مقابلة. وقد سبق للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ان "طمأن" اميركا واسرائيل بوجود "اكثر من 12 الف صاروخ موجهة الى الكيان الصهيوني" بيد المقاومة الاسلامية، وهو لم يقل ايضا كم يوجد من "مرصاد" (الطائرة بدون طيار)، التي ارسلها حزب الله مرة في نزهة فوق شمالي فلسطين المحتلة، والتي يمكنها ان تحمل متفجرات شديدة الفعالية او متفجرات وموادا اخرى "غير اعتيادية" عند الضرورة، وفيما اذا لم يكن يوجد "مفاجآت سارة" اخرى لجهابذة الستراتيجية الاميركية ـ الاسرائيلية. وهكذا فإن ما يسمى "الحدود الشمالية" لاسرائيل هي الان الخاصرة الرخوة ليس لاسرائيل فقط، بل لكل الستراتيجية الاميركية ـ الاسرائيلية في المنطقة، وقد زادت هذه الخاصرة رخاوة، بالتأكيد، بعد نجاح المرشح المتشدد في الانتخابات الرئاسية الايرانية الاخيرة.
ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سبق له وكشف ايضا ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان على علاقة وثيقة بحزب الله، وانه لم يكن موافقا على نزع سلاح المقاومة الاسلامية وحزب الله. وربما كان هذا احد الاسباب الجوهرية التي جعلت اصحاب المظلة الامنية الاميركية يرفعون الغطاء (على الاقل!) عن رفيق الحريري.
واذا كان اغتيال رفيق الحريري لعب، داخليا، دورا رئيسيا في تعبئة الجماهير والفعاليات السياسية (وغير السياسية) اللبنانية للمطالبة (او الوقوف على "الحياد الايجابي") بخروج القوات والمخابرات السورية من لبنان؛ فإن عجز النظام الامني السوري ـ اللبناني، حتى بعد فرض التمديد للرئيس اميل لحود، هو السبب الرئيسي، خارجيا، في دفع الادارة الاميركية لسحب التفويض الاميركي لسوريا على "الساحة" اللبنانية، ولـ"الموافقة" على اخراج السوريين من لبنان.
فيما مضى اقامت اسرائيل، واميركا، الارض ولم تقعداها حينما كانت المقاومة الفلسطينية تتواجد في منطقة العرقوب الحدودية، التي كانت تسمى "فتح لاند". والان فإن اميركا واسرائيل لا يمكن ان تغمض لهما عينان فيما ان الجنوب والبقاع الغربي والضاحية الجنوبية وغيرها من الارض اللبنانية، بما فيها المخيمات الفلسطينية قد تحولت بامتياز الى "حزب الله لاند" و"مقاومة لاند". ويتم ذلك بالموافقة الضمنية او بالتنسيق او باغماض العين، عن قناعة او على طريقة "مكرها اخاك لا بطل" من قبل القيادات السياسية والعسكرية للنظام اللبناني. وهذا الواقع الملتبس لا يطمئن بأية حال اميركا واسرائيل، بل يزيدهما قلقا على قلق.
ما هي الخيارات المتاحة امام اميركا للخروج من هذا المأزق اللبناني والاقليمي؟
ان احتمالات الضربة العسكرية واسعة النطاق، او الاجتياح الجديد، من جانب اسرائيل، وكذلك ايجاد "سيناريو" لتدخل عسكري اميركي واطلسي ودولي، هي غير مستبعدة اطلاقا. والتحضيرات قائمة على قدم وساق، في هذا الاتجاه. ويمكن في هذه الحالة اعطاء دور خاص لتركيا "الاطلسية ـ الاسلامية" تحت اية ذريعة كانت. ولكن بمقدار ما يبدو هذا الخيار سهلا، من زاوية النظر الفنية واللوجستية ـ العسكرية، فإنه يبدو في منتهى الصعوبة من وجهة النظر السياسية ـ العسكرية. ويكفي ان نشير انه تجري الان في اميركا مراجعة، قائمة على النقد الشديد، لنظرية قدرة اميركا على خوض حربين (افغانستان والعراق) في آن واحد. وسيكون من الصعوبة القصوى انتزاع موافقة الكونغرس الاميركي على نظرية قدرة اميركا على خوض ثلاثة حروب (+ لبنان) في وقت واحد. لا سيما وان حزب الله (مع انه موجود على لائحة الارهاب الاميركية) الا ان سجله ليس كسجل نظام صدام حسين وبن لادن والقاعدة بالنسبة للناخب النمطي (ورجل السياسة الكلاسيكي) الاميركي. ولهذا فإن هذا الخيار ليس سهلا اميركيا. وكذلك هو ليس سهلا "داخليا" اسرائيليا، نظرا لتجربة اسرائيل الفاشلة السابقة في اجتياح واحتلال لبنان. كما ان مثل هذا الخيار يمكن ان يقلب الطاولة برمتها، ويقضي على جميع "الخطوط الحمر"، فيسقط نهائيا "طابو" الهدنة الفعلية في الجولان، وتفتح الحدود نهائيا للعمليات الفدائية من الناقورة حتى العقبة، كما يمكن ان تعود دورة من العمليات "الخارجية" للمقاومة الفلسطينية وغير الفلسطينية، الاسلامية وغير الاسلامية، في اوروبا واميركا وغيرهما، اوسع واخطر بكثير مما كان في اواخر الستينات والسبعينات. وفي السابق، ايام الثنائية القطبية دوليا، كان الاتحاد السوفياتي يقدم المساعدات لحركات التحرير بيد، ولكنه يمارس نفوذه ليمسك باليد الاخرى "قواعد اللعبة" من ان "تنفلت"! الان لا يوجد الاتحاد السوفياتي ونفوذ الكا جي بي، وبالتالي لا يوجد "تلفون احمر" بين موسكو وواشنطن وما كان يمثله من "صمام امان" لاميركا. واذا قامت اميركا باي مغامرة غير مدروسة، فإن ابواب الجحيم، بالمعنى الحرفي للكلمة، ستفتح عليها، وعلى اسرائيل، وعلى الانتشار الصهيوني في العالم.
ان هذا الخيار الصعب بالنسبة لاميركا لا يعني البتة انها تقف مكتوفة الايدي بدون خيار او خيارات اخرى.
لقد اصرت اميركا على اصدار القرار الدولي 1559، وعلى الخروج السوري من لبنان، والإف بي آي الاميركية اصبحت كالبوليس المحلي اللبناني، تحضر فورا لمراقبة ودراسة اي تفجير يحصل في لبنان، مما له "اهمية مزدوجة" وهي: 1 ـ تعقب الفاعلين. اذا كان هناك نية فعلية لتعقبهم. و/او 2 ـ استخلاص الدروس الضرورية من كل عملية لحساب الاميركيين ولحساب الفاعلين معا. هذا اذا كانا طرفين مختلفين لا طرفا واحدا برأسين.
وهذا يعني ببساطة ان لدى اميركا خيار، غير التدخل العسكري المباشر، وهي تعمل بجد لتنفيذ هذا الخيار على الارض. والتفجيرات والاغتيالات هي جزء رئيسي، الجزء التمهيدي، من هذا الخيار.
وتدل المؤشرات على ارض الواقع ان اميركا، بالرغم من كل تبجحاتها "الدمقراطية" المزيفة، تؤيد خيار اقامة دكتاتورية عسكرية في لبنان، تحقق مبدأ "السيادة" اللبنانية وتمسك الوضع الامني على الارض، بما في ذلك ـ او بالاخص ـ مسألة المخيمات وسلاح حزب الله. على ان يضفى على هذه الدكتاتورية الطابع الفولكلوري اللبناني، بحيث تكون نسخة جديدة، معدلة ومطورة، عن "الشهابية". ويجري العمل على توفير المقومات التالية لهذه الدكتاتورية:
اولا ـ ان تكون ذات "شعبية"، وان يدخل الدكتاتور العتيد قصر بعبدا على حصان ابيض كـ"عون من الله" و"مخلص للبنان".
ثانيا ـ ان تكون دكتاتورية "وفاقية"، من ضمن التركيبة الطائفية اللبنانية.
ثالثا ـ ان تكون مؤهلة للتخاطب مع السلطة الفلسطينية ومع منظمة التحرير الفلسطينية، وان تعمل لحل مشكلة المخيمات الفلسطينية بالتنسيق "الاخوي" معهما.
رابعا ـ ان تتوفر فيها المؤهلات والقدرات العسكرية والسياسية لـ"التفاهم" مع حزب الله على قاعدة "الوفاق الوطني" والاعتراف بالدور المميز للمقاومة الاسلامية في تحرير الارض اللبنانية المحتلة، ومن ثم "دمج" الجناح العسكري لحزب الله (اي المقاومة الاسلامية) في آلية عسكرية منسقة او موحدة مع الجيش اللبناني، بحيث يكون قرار التصدي لاسرائيل قرارا "وطنيا" بيد السلطة اللبنانية "الوفاقية"، ودمج حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية وإعطاؤه مكانته اللائقة فيها، كممثل رئيسي للطائفة الشيعية، وكجزء اصيل من النسيج الكياني اللبناني، في مقابل التخلي الفعلي والعملي عن "المزايدات" القومية والدينية ـ المذهبية التي تتجاوز اطار الكيان اللبناني (كيان سايكس ـ بيكو) (اما الحكي والخطابات فلا ضير من ان تبقى مشرعة ولا "جمرك" عليها، كمتنفس للاحتقان الشعبي والتضامن الثرثراوي مع الاشقاء الفلسطينيين والعراقيين والعرب، على جاري العادة في بقية البلدان العربية).
ان المتابع لنشاطات واتصالات وتصريحات السفير الاميركي في بيروت لا يفاجأ بأنه، كأم العروس، يعمل ليلا ونهارا لانجاح هذا الخيار الاميركي. ووسيلة "الاقناع" الرئيسية، الموضوعية، في هذا الخيار "السيادي" اللبناني هو التفجيرات والاغتيالات بالذات.
وبطبيعة الحال، ولا سيما بعد نجاح الانتخابات، فإن الدكتاتور العتيد قد اصبح طبعا في ساحة النجمة، ونجمه يلمع اكثر مع كل تفجير او اغتيال.
وبعد الخروج السوري من لبنان، فإن الدور السوري انما اصبح يتحدد في المساعدة على انجاح هذا الخيار. واذا تعذر نجاحه بسهولة، فإن دائرة التفجيرات ستتوسع، وربما تتخذ طابع اشتباكات واحداث مفتعلة في المخيمات، وفي الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وفي اماكن اخرى من لبنان. وهنا يأتي دور "الجيوب" و"الخلايا النائمة" التي زرعتها المخابرات الاسرائيلية والسورية وغيرها.
لقد كانت وطنية لبنان، وعروبة لبنان، امام الامتحان العسير طوال اكثر من ثلاثين سنة.
والان فإن الدمقراطية الحقيقية في لبنان، الدمقراطية التي لا تتنافى مع الوطنية والعروبة، هي امام امتحان اكثر عسرا.
فهل ينجح لبنان في هذا الامتحان ايضا؟ ام يتحول الى "جمهورية موز" اميركية ـ اسرائيلية، مهما كانت قبعة الدكتاتور العتيد واسعة ومزركشة بالاعلام اللبنانية والشعارات المطنطنة بـ"حرية، سيادة، استقلال"؟
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبناني مستقل مقيم في بلغاريا



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة عبثية في مسرح اللامعقول
- الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي
- وليد جنبلاط: الرقم الاصعب في المعادلة اللبنانية الصعبة
- القيادة الوطنية الجنبلاطية والنظام الدكتاتوري السوري
- القضية الارمنية
- سوريا الى أين؟
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق2
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق
- وماذا بعد الانسحاب السوري من لبنان؟
- جنبلاط، القضية الوطنية والمسيحيون الدجالون
- المفارقات التاريخية الكبرى في الازمنة الحديثة وتحولات المشهد ...
- المسيحية العربية والاسلام في المشهد الكوني
- من هم مفجرو الكنائس المسيحية في العراق؟! وماذا هم يريدون!؟
- الامبريالية الاميركانو ـ صهيونية و-شبح الارهاب-: من سوف يدفن ...
- العراق على طريق -اللبننة- الاميركية!
- أضواء على انشقاقات الستينات في الحزب الشيوعي اللبناني: الاضا ...
- مؤامرة اغتيال فرج الله الحلو


المزيد.....




- صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة ...
- مقتل صحفيين فلسطينيين خلال تغطيتهما المواجهات في خان يونس
- إسرائيل تعتبر محادثات صفقة الرهائن -الفرصة الأخيرة- قبل الغز ...
- مقتل نجمة التيك توك العراقية -أم فهد- بالرصاص في بغداد
- قصف روسي أوكراني متبادل على مواقع للطاقة يوقع إصابات مؤثرة
- الشرطة الألمانية تفض بالقوة اعتصاما لمتضامنين مع سكان غزة
- ما الاستثمارات التي يريد طلاب أميركا من جامعاتهم سحبها؟
- بعثة أممية تدين الهجوم الدموي على حقل غاز بكردستان العراق
- أنباء عن نية بلجيكا تزويد أوكرانيا بـ4 مقاتلات -إف-16-
- فريق روسي يحقق -إنجازات ذهبية- في أولمبياد -منديلييف- للكيمي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جورج حداد - هل يجري تحضير لبنان لحكم دكتاتوري -منقذ!-؟