أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جورج حداد - الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي















المزيد.....

الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1227 - 2005 / 6 / 13 - 10:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


قد لا يختلف وطنيان لبنانيان في ان كمال جنبلاط ترك اثرا لم يمحَ، وفراغا لم يملأ، في الحياة السياسية عامة، والوطنية خاصة، للبنان.
واذا تجاوزنا المجاملة السياسية الفارغة، لوليد جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي، نجد من الضروري، ولا سيما في هذه المرحلة بالذات، ان نتساءل:
ـ هل اصبح كمال جنبلاط، بالمعنى الفكري والسياسي والنضالي، صفحة مطوية من الماضي، غير قابلة للاستعادة؟
ليس من شك في صحة المقولة الماركسية المعروفة بأن التاريخ لا "يتكرر". لأنه في المرة الاولى يكون مأساة، وفي المرة الثانية يكون مهزلة.
ولكن التاريخ، بوصفه كذلك، يتجدد. والا فليس هو بتاريخ. والتجدد يعني التفعيل الذاتي، الحركي ـ الوعيي، للثوابت الحقيقية التي اكد صحتها التاريخ. وهنا يصبح السؤال كما يلي:
ـ هل التجربة الجنبلاطية، الفكرية والنضالية، قابلة للتجديد؟
الجنبلاطية والتقدمية الاشتراكية
سنترك لوقائع التاريخ ان تجيب. ولكن علينا اولا ان نلقي نظرة على اشكالية العلاقة العضوية بين الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي.
ان الاثر الاول الذي تركه كمال جنبلاط، والاصح ان نقول أبقاه، هو أنه وسم الجنبلاطية نهائيا بالتقدمية الاشتراكية.
فالجنبلاطية، التي ورثها كمال جنبلاط، هي في الاساس حزبية مركبة، عائلية ـ عشائرية ـ مذهبية، لجزء من الطائفة الدرزية، وبعض محازبيها من مسيحيي الجبل، الذين يلتحقون هامشيا بها بحكم الضرورة السلبية. والقرار في هذه الحزبية يعود تقليديا للزعيم الوارث، دون اي إلزام مسبق له، ممارساتيا وسياسيا وفكريا، لا من معاصريه من أعيان الحزبية، ولا من سلفه، ولا من خلفه. فالزعيم، بعد ما يراه هو مناسبا من مشورة حاضرة وعبرة ماضية، فهو الذي يقدّر ويقرّر، حسب الظروف والاوضاع. وما على الجماعة الا ان تلتزم. وهكذا هو الحال في اي حزبية تقليدية مماثلة.
ولكن كمال جنبلاط قلب هذا التقليد رأسا على عقب. علما بأنه لم يلغ شكلا الحزبية الجنبلاطية، كوعاء مجتمعي، فئوي، تقليدي، كان كل زعيم وارث يضع فيه، ويغيـّر ويبدّل، المحتوى الممارساتي والسياسي والفكري الذي يريد. بل يمكن القول أنه، اي كمال جنبلاط، عزز هذا الوعاء، وأعطاه وزنا وحجما ودورا، اكبر بكثير مما يمكن ان يكون له في معادلة التركيبة الطائفية، اللبنانية والعربية والاقليمية، السائرة بسرعة في عكس مصلحة الاقليات الطائفية، التي منها الدروز، اذا كان المقياس طائفيا وحسب.
فما هو سر، او جوهر"الانقلاب" الذي قام به كمال جنبلاط، في الحزبية الجنبلاطية؟
إنه الشحن الإلزامي لحزبيته التقليدية، بمحتوى حزبي جديد، فكريا وسياسيا ونضاليا. وهو محتوى، بحكم طبيعته، يحتم على الجنبلاطية ان تتجاوز ذاتها بنيويا نحو تشكيلة مجتمعية عصرية، أرفع مستوى من الحزبية التقليدية.
هذا المحتوى الجديد ذو البنية الارفع هو: التقدمية الاشتراكية.
ولادراك الاهمية "الجنبلاطية" لهذا الانقلاب نجري المقارنة التالية:
إن الست نظيرة جنبلاط، والدة كمال جنبلاط وآخر زعامة "جنبلاطية" قبله، قادت حزبيتها بحنكة وحكمة عزت لدى الكثيرين من زعماء الحزبيات العائلية ـ الطائفية المماثلة. ومع ذلك فإن نهجها السياسي والممارساتي لم يكن بالضرورة ملتزما بمن كان قبلها، ولا ملزما لمن جاء بعدها.
اما مع كمال جنبلاط فقد انقلبت الآية. وأصبحت الحزبية الجنبلاطية، زعيما وقاعدة، ملزَمة، قبلما هي ملتزمة، بالتقدمية الاشتراكية، كعقيدة فكرية ـ سياسية ـ اجتماعية. بحيث لم يعد بامكانها ـ اي الحزبية الجنبلاطية ـ ان تستمر بالوجود بدون الحزبية التقدمية الاشتراكية. فاذا كانت التقدمية الاشتراكية، في طور تأسيسها، اختيارا حرا لكمال جنبلاط، واستطرادا لكل تقدمي اشتراكي "غير جنبلاطي"، فقد اصبحت فرضا إلزاميا على زعيم "الجنبلاطية" الجديد وليد جنبلاط، واستطرادا على كل "جنبلاطي".
ولادراك الاهمية المجتمعية والوطنية لهذا الانقلاب نجري مقارنة ثانية:
ان الزعيم "الدرزي" كمال جنبلاط، بتقدميته الاشتراكية، أي بـ"جنبلاطيته" غير التقليدية، و"طائفيته" الوطنية الواعية اللاطائفية، استطاع ان يتجاوز الانقسام التقليدي الجنبلاطي ـ اليزبكي، وأن يعمل لمصلحة الدروز، من خلال التقدمية الاشتراكية، ما لم ولن يستطيع اي زعيم "درزي" آخر ان يعمله.
في حين ان الزعماء "الطائفيين المسيحيين"، بطائفيتهم العشواء التي لا ترى ابعد من انفها، قد عملوا بامتياز ضد مصلحة المسيحيين، ما لم ولن يستطيع ان يعمله ألد اعداء المسيحيين.
وكان قدر كمال جنبلاط ان ينجح في تحقيق هذا الانقلاب في الجنبلاطية، كنتيجة حتمية للاصالة الانسانية، والمصداقية التاريخية، لـ"تجربته" الفكرية والنضالية، التي كرسها بحياته، وتوّجها بموته، في ما يحاكي سيرورة حياة وموت رسالية.
فبعد كمال جنبلاط، الانسان ـ القضية، لم يعد بامكان احد ان يتصور الحزبية الجنبلاطية بدون الحزب التقدمي الاشتراكي، وبالعكس.
وفي حياة كمال جنبلاط، كانت هذه المعادلة الجدلية محلولة عبر التقاء مُعامليها بشخصه الطبيعي. وبموته الاستثنائي أريد به بالتحديد كسر هذه المعادلة، وإعادة "الجنبلاطية" الى حجمها الطائفي الصغير. وربما لا يزال البعض حتى الآن يجد في هذه المعادلة تعارضا بنويا يجب حله على حساب: اما الجنبلاطية، واما التقدمية الاشتراكية.
ولكن، وبعد اكثر من ربع قرن على الغياب المبكر لـ"المعلم"، الزعيم الاشهر للحزبية الجنبلاطية منذ ما وجدت، ومؤسس التقدمية الاشتراكية، يتأكد اكثر فأكثر، والآن اكثر من اي وقت مضى، انه لم يعد بامكان احد، حتى وليد جنبلاط ذاته، ولو ـ جدلا ـ اراد، أن يفصـّـل التقدمية الاشتراكية على قياس الحزبية الجنبلاطية، لان في ذلك نقضا لـ"وصية كمال جنبلاط"، وتنكرا لتراثه الفكري والنضالي، وحكما مبرما بالتقزيم المتزايد للدور الطائفي ذاته، ناهيك عن إلغاء الدور الوطني، في النطاق اللبناني والعربي والدولي، للحزبية الجنبلاطية خاصة، والطائفة الدرزية عامة. كما لم يعد بامكان اي من رفاق كمال جنبلاط التاريخيين غير "الجنبلاطيين" تقليديا، ولو ـ جدلا ـ ارادوا، ان يفصلوا بين الجنبلاطية والتقدمية الاشتراكية، لأن في ذلك حكما ضمنيا مسبقا بفشل ولاصلاحية التقدمية الاشتراكية. لأنه اذا كان المدماك الاول الذي اسس عليه كمال جنبلاط التقدمية الاشتراكية، اي مدماك الجنبلاطية، لم يعد صالحا، فلماذا يكون صالحا اي مدماك آخر، وبأي صفة كانت!!.
وبكلمات اخرى: لم يعد بامكان كائن من كان السير بالتقدمية الاشتراكية بدون الجنبلاطية، ولا السير بالجنبلاطية بدون التقدمية الاشتراكية!
الثوابت الجنبلاطية
ان الحل "الجبري" الوحيد الذي يطرحه التاريخ السياسي الواقعي الآن حيال هذه "الإشكالية" هو: تفعيل التقدمية الاشتراكية. وتجديد وتطوير الجنبلاطية مع، ومن خلال، هذا التفعيل. أي: العودة الى ثوابت تجربة كمال جنبلاط، وتفعيلها.
وفي رأينا ان هذه الثوابت هي ثلاث: الوطنية الدمقراطية، العروبة التقدمية، الاشتراكية الانسانية. ونحاول فيما يلي ان نعرض لكل منها، كي نكتشف ضرورتها، وضرورة تفعيلها في مرحلتنا الراهنة.
الوطنية الدمقراطية
لقد كنا على الدوام، ولا زلنا وإن اختلفت الاوضاع، امام نموذجين حزبيين رئيسيين في لبنان وسائر تشكيلة سايكس ـ بيكو:
1 ـ الاحزاب والتيارات المسماة ليبيرالية، او بورجوازية، التي تركز على اولوية الدمقراطية، في انفصال وتعارض مع الشأن الوطني، وتستخدمها كأداة سياسية مجردة، للانفتاح على الغرب الامبريالي، وحتى على اسرائيل. وكان هذا النهج "الدمقراطي" العدمي، يزرع الشقاق بمختلف اشكاله، ويؤدي الخدمات المقصودة وغير المقصودة للاعداء الوطنيين، في مرحلة تاريخية لا تزال فيها القضية الوطنية والقومية هي القضية الاولى التي تواجه جماهيرنا اللبنانية والعربية.
2 ـ الاحزاب والتيارات الوطنية والقومية، التي كانت تشدد على اولوية القضية الوطنية، بدون اعطاء الاهمية الضرورية للدمقراطية، بل وفي تعارض معها. وكان كل من هذه الاحزاب والتيارات يدعي او يمارس احتكار الحقيقة، ويماهي بين القائد او القيادة وبين الحزب، او التيار، كما بينهما وبين القضية الوطنية والقومية، وحتى الوطن ذاته. ومن هنا جاءتنا الوافدة الستالينية، التي قمعت الدمقراطية، وحرمت التعددية، وشوهت وحرفت الحياة السياسية والحزبية الوطنية العربية، بشعارات فارغة من اي محتوى تاريخي، بل مناقضة لمجرى التاريخ، تقوم على تأليه الفرد والآحادية الحزبية.
وللاسف انه حتى المقاومة الفلسطينية، وبالاخص بشخص منظمة التحرير، لم تسلم من هذا الانحراف ايضا. وهو ما ظهر بجلاء في تفرد القيادة الفلسطينية ردحا من الزمن على الساحة اللبنانية، حتى حيال كمال جنبلاط ذاته والحركة الوطنية اللبنانية برمتها.
وبالعودة الى التجربة الحزبية لكمال جنبلاط، وبالمقارنة مع غيرها من التجارب، نكاد نرى بالعين المجردة انه قدم نموذجا، او مدرسة متفردة، تجمع بشكل عفوي، عضوي وجدلي اصيل، بين الوطنية والدمقراطية.
ففي "الداخل الحزبي"، كان الحزب التقدمي الاشتراكي، بالنسبة لكمال جنبلاط، اشبه شيء بمحور فكري وعقائدي وسياسي، تتفاعل فيه مختلف الآراء والاتجاهات. فكان يضم في صفوفه الشيخ الدرزي التقليدي، الى جانب "الماركسيين الجدد"، وما بينهما من مختلف الاتجاهات. وبلغ الامر بكمال جنبلاط ان يقول لبعض الماركسيين: ادخلوا الحزب و"مركسوه!"، واضعا فكره الخاص، على قدم المساواة مع الاخرين، في التفاعل والتطوير الفكري والسياسي داخل الحزب. فلم يعلن كمال جنبلاط نفسه زعيما أوحد، ولم يجعل فكره ذاته قالبا حديديا لحزب أوحد. وفي الوقت ذاته لم يكن يجمـّع اشتاتا متناقضة، فقط وفقط كي تسير تحت زعامته. بل كان يعمل على خلق بوتقة فكرية وسياسية، دمقراطية حقيقية، تقوم على قاعدة الالتزام الحقيقي، الوطني والقومي والانساني، الذي لا فضل فيه ولا منة لا لزعيم ولا لتنظيم.
أما في "خارج الحزب"، فكان كمال جنبلاط يساوي نفسه، وحزبه، مع اي قائد او تيار او تنظيم آخرين، في الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية وحركة التحرر العربية، مهما كان حجم ووزن كل منهم متواضعا. وحتى وهو يقود الحركة الوطنية، كان لا يفرض نفسه وحزبه بالقوة، على اي طرف، بل كان يطبق، بدون اي نرجسية او تصنع او افتعال، القاعدة الذهبية الارثوذكسية: مقدم بين متساويين.
العروبة التقدمية
نعيش اليوم حملة امبريالية ـ صهيونية شعواء ضد العروبة والاسلام. والذرائع التي يتحجج بها الاعداء هي: التخلف والظلامية والاستبداد والدكتاتورية وفقدان حقوق الانسان وقمع الاقليات الدينية والاتنية والقومية الخ. والمسؤولية الاولى في هذه التشوهات في الجسم العربي انما كانت ولا تزال تقع بالدرجة الاولى على الامبريالية، والقوى الرجعية العربية المتعاونة معها، التي كانت على الدوام تقف بالمرصاد لأي حركة اصلاح وتحرر وطني ودمقراطي عربية. ولكن لا يمكن لاحد الانكار ان الانحرافات في صفوف الحركات الوطنية والقومية والاسلامية ذاتها، التي جاءت الى السلطة في العديد من البلدان العربية، تتحمل هي ايضا مسؤولية ذاتية كبيرة في تعميق وتوسيع التشوهات والانحرافات، وخلق وتبرير الذرائع للاعداء.
وآخر الامثلة على ذلك هو التجربة السلبية للسلطة البعثية في العراق وسوريا:
1 ـ النموذج الاسود الكريه لـ"النظام الصدامي" الذي، باسم حزب البعث وشعاراته القومية، جلب الويلات لحزبه ذاته ولجميع فئات الشعب العراقي خاصة، والامة العربية عامة، والشعبين الشقيقين الكردي والايراني، والذي فتح اخيرا الطريق للاحتلال الاميركي للعراق.
2 ـ النسخة البعثية السورية، التي لا تقل سوءا عن التجربة البعثية العراقية، بل تزيدها خبثا وديماغوجية. ولولا اصطدام السلطة السورية، الفاسدة والدكتاتورية، بالتجربة الوطنية الدمقراطية في لبنان، واصابتها باللطمة التي زعزعت كيانها واركانها بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، لكانت هذه السلطة استمرت في لعب دورها في خدمة المخططات الاميركية ـ الصهيونية، تحت الشعارات القومجية الكاذبة، على الساحة العربية باسرها.
وفي هذه الظروف المأساوية، تتأكد اكثر فأكثر الاهمية التاريخية للطرح العروبي التقدمي لكمال جنبلاط، الذي ربط بشكل عضوي بين العروبة والدمقراطية وحقوق الانسان، والتعايش الديني والاتني، وحق تقرير المصير للقوميات الشقيقة كالشعب الكردي، والحقوق الثقافية للبربر، الخ. والذي ايد اقامة اشكال من الوحدة العربية لا تغفل هذه الاسس، وتأخذ بالاعتبار الخصوصيات القطرية، التي تراكمت لمئات السنين، منذ بداية تفكك الامبراطورية العربية الاسلامية، وتفاقمت في العهد الاستعماري العثماني والغربي، وذلك في اتجاه التقريب والتكامل في ما بين مختلف الاقطار العربية، وليس الهيمنة القطرية لبعضها على البعض الاخر، باسم القومية الواحدة والشعب الواحد.
الاشتراكية الانسانية
قبل غيابه بوقت قصير نسبيا، حاز كمال جنبلاط "وسام لينين للسلام"، وهو ارفع وسام سوفياتي كان يمنح للشخصيات الاجنبية. فقد كان من اكبر الشخصيات العربية والعالمية، الصديقة لشعوب الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية السابقة. وكانت صداقته صداقة حقيقية بلا غرض، حيث انه لم يكن "تابعا" للاتحاد السوفياتي، على غرار بعض القيادات الشيوعية الذيلية، التي كانت تعيش كالطفيليات على حساب الشيوعية و"صداقة!" السوفيات. كما لم يكن مستغلا لصداقة الاتحاد السوفياتي، من اجل اخذ "شهادة حسن سلوك معادية للامبريالية!"، وتبرير وتوطيد سلطة هذا الزعيم الخالد او ذاك، وهذا الحزب الواحد او ذاك، على غرار بعض الانظمة الدكتاتورية "الوطنية".
ولا نكاد نشك في ان كمال جنبلاط، لو شاء القدر ان يعيش حتى التسعينات، كانت ستدمع عيناه على التدمير الرأسمالي المتوحش للمجتمع في بلدان المنظومة السوفياتية السابقة، باسم "الدمقراطية" المزيفة، وذلك بعد السقوط الفعلي للبيروقراطية، تماما كما دمعت عيناه يوم التدمير و"التطهير" الوحشي المشبوه للدامور، بعد السقوط العسكري لما يسمى "القوات اللبنانية" فيها، بحجة الثأر لتل الزعتر.
وكمال جنبلاط لم يكن طبعا ماركسيا، بل كان منفتحا عقليا على الفكر الماركسي و"قارئا" جيدا لواقع "الاشتراكية الواقعية" التي كانت مطبقة في المنظومة السوفياتية. وايا كانت المؤثرات الايديولوجية والدينية لكمال جنبلاط، وطبيعة "قراءته" للماركسية و"الاشتراكية الواقعية"، فإن اجتهاده المميز الخاص، من خلال تفهمه للواقع اللبناني والعربي والعالمي، على ضوء تلك المؤثرات و"القراءة"، تمثل في طرحه الاصيل لموضوعة الاشتراكية الانسانية.
ولعلنا لا نخطئ اذا قلنا ان الاساس الستراتيجي، الذي قامت عليه الصداقة الحقيقية لكمال جنبلاط، مع شعوب المنظومة الاشتراكية، انما كان ينطلق من تلك الموضوعة.
واستنادا الى هذه الموضوعة كان كمال جنبلاط يطمح لتطوير الصداقة الحقيقية المنزهة، بين البلدان العربية وشعوب المعسكر الاشتراكي السابق، في اتجاهين:
الاول ـ تطوير مجتمعنا العربي تطويرا وطنيا دمقراطيا، يتنافى مع الدكتاتورية والمركنتيلية سواء بسواء، باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية وصولا الى الاشتراكية الانسانية.
والثاني ـ التطوير الدمقراطي الشعبي الحقيقي لـ"الاشتراكية الواقعية"، الذي يعني تخليصها من البيروقراطية ودكتاتورية القيادة الواحدة والحزب الواحد، وتجديدها وتركيزها على الاسس الانسانية.
وها ان عودة الاستعمار التقليدي الى شرقنا العربي، بفضل "مآثر"، وعلى انقاض، الانظمة الدكتاتورية "الوطنية" من طراز النظام الصدامي السابق في العراق، من جهة، وانهيار المنظومة السوفياتية بفعل البيروقراطية و"الدكتاتورية على البروليتاريا"، من جهة ثانية، يثبتان الضرورة التاريخية لموضوعة الاشتراكية الانسانية، التي كانت ـ ولا تزال ـ تمثل اساسا لا يتزعزع للصداقة الحقيقية والعلاقة النضالية بين الشعوب العربية، وبين جميع شعوب العالم، بما فيها شعوب بلدان المنظومة السوفياتية السابقة، التي قدمت ما لا يحصى من التضحيات في الثورة الاشتراكية وتجربة بناء "الاشتراكية الواقعية"، والتي يخطئ كثيرا كل من يظن انها "استقالت" من التاريخ و"رسبت" نهائيا في مدرسته، حيث انها تتحفز الان لاخذ دورها الاوروبي والشرقي والعالمي، على مستوى افضل مما كانته في السابق.
المسألة
بعد هذه النظرة الى "ماضي" حزب كمال جنبلاط، ماذا نرى اليوم؟
نرى صورة مكبرة للحزبية الجنبلاطية، على رقعة شطرنج النظام الطائفي اللبناني، الذي كرس دستوريا في "الطائف".
ولكننا في هذه الصورة نستشعر ارهاصا ضمنيا، إلزاميا او جبريا، بـ"روح" كمال جنبلاط، التي لم يعد بامكان الجنبلاطية ان تعيش يوما واحدا بدونها، والتي تتجاوز جوهريا كل المعادلة الطائفية اللبنانية، التي يراد تقييد الجنبلاطية بها.
ومع ذلك، نجدنا مضطرين لان نحمل مصباح ديوجين، في وضح النهار، كي نبحث عن حزب كمال جنبلاط ودوره المميز المفقود:
ـ في الحركة الوطنية اللبنانية، الغائبة بغيابه.
ـ في الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية خصوصا، وفي حركة التحرر الوطني العربية عموما، التي تمر بمرحلة إحباط وضياع وزيف، بل تضييع وتزييف.
ـ في الجبهة العالمية، للنضال في سبيل الاصلاح والدمقراطية والاشتراكية، التي لا يمكن ان تواجه الهجمة الشرسة للعولمة الامبريالية المتوحشة، الاميركية بالاخص، بدون الرافعة الاساسية المتمثلة في مدرسة الاشتراكية الانسانية، التي كان كمال جنبلاط معلـّما عـَلـَما فيها.
فإلى متى، ولماذا، ولمصلحة من، غير الامبريالية والصهيونية، يبقى الحزب التقدمي الاشتراكي "قيمة في ذاتها"، ضميرا مستترا في وجدان رفاق كمال جنبلاط، الذين عايشوا شخصه، و"يعيشون" روحه، وأولهم وليد جنبلاط؟
- - - - - - - -
* كاتب لبناني مستقل مقيم في بلغاريا
- -



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وليد جنبلاط: الرقم الاصعب في المعادلة اللبنانية الصعبة
- القيادة الوطنية الجنبلاطية والنظام الدكتاتوري السوري
- القضية الارمنية
- سوريا الى أين؟
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق2
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق
- وماذا بعد الانسحاب السوري من لبنان؟
- جنبلاط، القضية الوطنية والمسيحيون الدجالون
- المفارقات التاريخية الكبرى في الازمنة الحديثة وتحولات المشهد ...
- المسيحية العربية والاسلام في المشهد الكوني
- من هم مفجرو الكنائس المسيحية في العراق؟! وماذا هم يريدون!؟
- الامبريالية الاميركانو ـ صهيونية و-شبح الارهاب-: من سوف يدفن ...
- العراق على طريق -اللبننة- الاميركية!
- أضواء على انشقاقات الستينات في الحزب الشيوعي اللبناني: الاضا ...
- مؤامرة اغتيال فرج الله الحلو


المزيد.....




- ساندرز لـCNN: محاسبة الحكومة الإسرائيلية على أفعالها في غزة ...
- الخطوط الجوية التركية تستأنف رحلاتها إلى أفغانستان
- استهداف 3 مواقع عسكرية ومبنى يستخدمه الجنود-.. -حزب الله- ين ...
- سموتريتش مخاطبا نتنياهو: -إلغاء العملية في رفح وقبول الصفقة ...
- تقرير: 30 جنديا إسرائيليا يرفضون الاستعداد لعملية اجتياح رفح ...
- البيت الأبيض: بايدن يجدد لنتنياهو موقفه من عملية رفح
- عيد ميلاد الأميرة رجوة الحسين يثير تفاعلا كبيرا..كيف هنأها و ...
- شولتس.. وجوب الابتعاد عن مواجهة مع روسيا
- مقترحات فرنسية لوقف التصعيد جنوب لبنان
- الأسد: تعزيز العمل العربي المشترك ضروري


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - جورج حداد - الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي