أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - جورج حداد - ماذا يراد من لبنان الجديد في الشرق الاوسط الكبير الاميركي؟















المزيد.....


ماذا يراد من لبنان الجديد في الشرق الاوسط الكبير الاميركي؟


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1381 - 2005 / 11 / 17 - 10:51
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


سنة 1904، اي بعد سبع سنوات فقط من عقد المؤتمر الصهيوني العالمي في بال بسويسرا، اطلق نجيب العازوري قولته النبوئية بأنه توجد في المشرق حركتان "قوميتان"، هما الصهيونية والقومية العربية، يتوقف على الصراع فيما بينهما مصير المنطقة.
ونجيب العازوري هو مسيحي لبناني من رواد الفكر القومي العربي.
وفي منتصف القرن، بعد صدور قرار تقسيم فلسطين وانشاء اسرائيل، نهض مفكر مسيحي لبناني رؤيوي آخر، هو ميشال شيحا، ليقول:
ـ ان قرار انشاء اسرائيل هو جريمة ضد الطبيعة، ضد الاخلاق والتاريخ والجغرافيا والدمغرافيا.
ـ وان الصيغة التوافقية والتفاعلية الحضارية اللبنانية هي النقيض للصيغة العنصرية الاسرائيلية.
ـ وان اسرائيل هي "سوبر ـ دولة" (اي دولة متفوقة، او فوق دولة)، تدعمها قوى عالمية كبرى.
ـ وانها لا يمكن ان تكون الا دولة توسعية.
ـ وان نموها لا يمكن ان يتم الا على حساب جيرانها.
ـ وان صراعها مع جيرانها، وفي مقدمتهم لبنان، هو صراع وجود وصراع حدود معا.
ـ وان الصهاينة يريدون ان يجعلوا الشرقين الادنى والاوسط منطلقا للهيمنة الدولية.
اي ان ميشال شيحا لم يكتف بتأكيد و"تثبيت" فكرة نجيب العازوري، بل انه "يطورها" ليقول ان الصراع بين الصهيونية والقومية العربية يتوقف عليه لا مصير المنطقة وحسب، بل ومصير العالم.
وفي سنة 2003 ، وفي كتابه الجديد "البروتوكولات واليهودية والصهيونية" فإن الدكتور عبدالوهاب المسيري، المتخصص في الشؤون اليهودية وصاحب "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.."، يقول: ان الحركة الصهيونية ليست جزءا من تاريخ اليهودية، بل هي جزء من تاريخ الامبريالية الغربية، وان قوة الحركة الصهيونية تنبع من انها تخدم المصالح الاميركية.
في حين يعتقد كثيرون ان الصهيونية هي التي تخدع وتستغل المجتمع الغربي، ولا سيما الاميركي.
وسواء كانت الصهيونية تستغل وتستخدم المجتمع الغربي والاميركي، او كانت الامبريالية، الاميركية بخاصة، هي التي تستغل وتستخدم الصهيونية واسرائيل واليهود، فمما لا شك فيه ان "الشرق الاوسط الكبير"، كما سمي في الهجمة الاميركية الجديدة على المنطقة، هو الان على مفترق طرق مصيري، حيث تبرز لنا بشكل ناتئ لوحة سوريالية يعجز عنها خيال سلفادور دالي نفسه، ولكنها لوحة تنوء بالاشلاء وتنضح بالدماء واكثر مأساوية بما لا يقاس من لوحة غورنيكا لبيكاسو. ومن "خطوط" هذه اللوحة:
ـ كانت الحملة الصليبية لبوش قد "بشرت" بوضع حد لمآسي العراق، عن طريق الخلاص من نظام صدام حسين. وها ان العراق كله وصدام حسين شخصيا اصبحا في قبضة الاميركيين وحلفائهم، ولكن الحرب في العراق مستمرة، وتزداد استعارا ووحشية وفظاعة يوما عن يوم.
ـ التفجيرات اليومية في العراق تشمل الكنائس المسيحية والمساجد الاسلامية، والاحياء والتجمعات الاهلية، وترسم حدودا دموية بين الاتنيات والمذاهب والطوائف، تحت نظر قوات الاحتلال واجهزة التجسس والمراقبة العصرية الارضية والفضائية الاكثر تطورا.
ـ المسؤولون الاميركيون ومعهم الوزراء العراقيون المعينون من قبل الاحتلال يشتكون يوميا من ان الارهابيين يتسللون من دول الجوار، وفي الوقت ذاته يقوم الزرقاوي (الاردني الجنسية) المقيم "سعيدا" في العراق، بـ"تصدير" الانتحاريين العراقيين الى الاردن.
ـ يتحدث العاهل الاردني عن خطر "الهلال الشيعي" في المنطقة. ويتحدث غيره من المسؤولين العرب عن الخطر الايراني في العراق والخليج. اي ان الاميركيين وحلفاءهم الاقليميين يستعيدون "قاموس" صدام حسين، الذي هاجوا وماجوا كي يخلعوه.
ـ تحت الشعارات الاميركية البراقة لنشر الدمقراطية ومكافحة الارهاب، تتنقل التفجيرات بين السعودية واليمن والاردن وسوريا وغيرها، ناهيك عن العراق.
ـ تتحول مباراة لكرة القدم في القامشلي السورية الى نزاع واعمال شغب عنصرية، كردية ـ عربية، يرفع فيها بعض "الصبية" الاكراد شعارات "دمقراطية" و"كبيرة" جدا مثل "لا عرب ولا سريان، هذه كردستان".
ـ تقوم اعمال الشغب والمظاهرات والمظاهرات المضادة، الطائفية، في مصر، بدون "اسباب" او بـ"اسباب وجيهة" مثل نشر اخبار النزوات الجنسية لقس قبطي في صحيفة فضائحية، او عرض مسرحية في حرم كنيسة مسيحية قيل انها تمس الدين الاسلامي.
ـ تتوالى التفجيرات والاغتيالات ومحاولات الاغتيال في لبنان، قبل ميليس وبعد ميليس.
ـ يتم تحريك مسرحي للسلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية في لبنان، من قبل تنظيمات فلسطينية مرتبطة تاريخيا بالمخابرات العربية والسورية، ولا سيما في بعض مجاهل الحدود "غير المرسومة" السورية ـ اللبنانية. ويقوم الملحق العسكري الاميركي في بيروت، خلافا لجميع الاعراف والتقاليد الدبلوماسية، بزيارة واستطلاع المناطق المعنية، على الارجح بدون اذن السلطات اللبنانية المعنية.
ـ وفي الوقت نفسه، تخرج على الملأ من جديد العصابة الاسرائيلية المسماة "حراس الارز"، لتدعو الى طرد اللاجئين الفلسطينيين من لبنان.
ـ ومثلما فعل الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد في اذار 1976، حينما القى خطابا نصب فيه نفسه "حاميا للمسيحيين"، لتبرير التدخل السوري لحماية الطابور الخامس الاسرائيلي في لبنان، يقف وريثه الدكتور على مدرج جامعة دمشق، ليلقي خطابا استفزازيا جديدا ضد لبنان والسلطات اللبنانية، تمهيدا وتبريرا لاي فوضى او اعمال معادية للبنان، داخليا وخارجيا.
ـ يقوم "جحوش" الاميركان في فيدرالية برزانستان بالعراق، الذين كان بعضهم حتى الامس القريب "جحوشا" عند صدام، بقمع اي معارضة كردية، ومن ذلك اعتقال وتعذيب الكاتب الكردي والباحث في القانون الدولي، كمال سيد قادر، لانه انتقد فساد السلطة البرزانستانية، التي تدعي الدمقراطية، وفضح علاقاتها العضوية الوثيقة بالموساد الاسرائيلي.
ـ يقوم "جحوش" البشمركه اياهم، بمباركة وبحماية ارباب الحملة الصليبية الاميركية على "الارهاب" و"الاصولية الاسلامية"، بحملة عنصرية ـ طائفية مدروسة ومتواصلة ضد المسيحيين العراقيين (السريان والاشوريين والكلدان) لاجبارهم على احد امرين: اما "التكرد"، واما الرحيل.
هذا غيض من فيض من خطوط والوان اللوحة التي سمتها الدبلوماسية الاميركية "الفوضى البناءة"، والتي يتم فرضها فرضا على منطقة "الشرق الاوسط الكبير" الذي تريد الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية اعادة رسم خارطته السياسية من جديد.
ومن ضمن هذه الدراما المأساوية، بل الكارثية، التي يتردى فيها الوطن العربي الكبير خاصة والشرق الاوسط الكبير عامة، يبرز سؤالان مصيريان:
ـ إلام تهدف الامبريالية الاميركية، والصهيونية، كحالة واحدة متراكبة، من وراء هذه "الفوضى البناءة"؟
ـ وماذا يراد من "لبنان الجديد" في الخريطة الجديدة، الاميركية ـ الصهيونية، لـ"الشرق الاوسط الكبير"؟
XXX
من اجل الجواب على السؤال الاول، نعود للانطلاق من مقولة نجيب العازوري حول الصراع المصيري بين الصهيونية والقومية العربية، فنقول:
ـ ان الهدف الاول، الاساسي، الذي تنشأ عنه وتشترط به كل الاهداف الاخرى للامبريالية والصهيونية في المنطقة هو: تحطيم وتفكيك القومية العربية، ليس نظريا ومعنويا كفكرة وكرابطة وجدانية وثقافية وحسب، بل وعمليا على ارض الواقع وباي شكل من اشكال الوعي والوجود والوحدة الوطنية والقومية للعرب.
ـ وتحت هذا العنوان الاساسي، يندرج الهدف الرئيسي للمخطط الامبريالي ـ الصهيوني، وهو ضرب الوحدة التاريخية المسيحية ـ الاسلامية، العربية، وإلغاء الحضور المسيحي في القومية العربية. لقد نجحت الامبريالية والصهيونية سابقا، وللاسف، وعلى الاقل في المرحلة التاريخية الراهنة، في إلغاء الحضور اليهودي في القومية العربية. وتم ذلك طبعا بالمساعدة المباشرة للرجعية العربية، و"المساعدة" غير المباشرة للتخلف الفكري والسياسي لقيادات وتنظيمات الحركة القومية العربية ذاتها. ومع ان الغاء الحضور المسيحي في القومية العربية هو اصعب بما لا يقاس من الغاء الحضور اليهودي، الا ان الامبريالية والصهيونية تعملان على تحقيقه. فاذا تم تحقيق هذا الهدف، وقـُصرت "العروبة" قسرا على المسلمين فقط، فسيكون ذلك بمثابة خطوة حاسمة نحو نزع الصفة التعددية، القومية ـ الحضارية، عن الامة العربية، وتحويلها الى امة ـ دين ، على الطريقة الاسرائيلية "وطن قومي ديني = يهودي". وهذا يعني ليس فقط التبرير التاريخي لوجود اسرائيل، بل وتبرير منطق "صراع الحضارات"، اي تبرير الحملة الامبريالية على الامة العربية، باسم الحملة على "الاصولية الاسلامية".
واكثر من ذلك: نظرا لان الدين الاسلامي هو متفرع الى مذاهب شتى، فالنتيجة المنطقية لذلك هو السعي اللاحق نحو انشاء "اوطان قومية مذهبية" متخالفة، متصارعة: سنية، شيعية، علوية، درزية الخ. الخ. وهذا هو فحوى "الشرق الاوسط الكبير" كما تريده اميركا.
وهذا يعني انه، بعد تفكيك القومية العربية، فإن الامبريالية والصهيونية تخططان لتفكيك الاسلام ايضا، من ضمن مقوماته ذاته.
والشيوخ "الاسلاميون" الذين يفتون بضرب المسيحيين في العراق وغير العراق، والبارزانيون والطالبانيون الذين يعملون الان لتكريد المناطق المسيحية السريانية تاريخيا، انما هم جميعا ينفذون، عن وعي او غير وعي، المخطط الامبريالي ـ الصهيوني.
فلمثل هؤلاء "الاسلاميين" نقول: ان المركز الديني المقدس لمكة المكرمة والمدينة المنورة هو محفوظ تاريخيا والى يوم الدين. ولكنه ليس من "الصدفة" في شيء ان النهضة العربية ـ الاسلامية تبدأ مع الخروج من الاطار الصحراوي، وان عظمة الاسلام، وبرغم جميع الانحرافات الاستبدادية لمختلف السلاطين والحكام، قد استطاع ايجاد الاطار او البوتقة الوجدانية والانسانية والحضارية لتعايش وتفاعل الشعوب التي دخلت في اطار الدولة العربية ـ الاسلامية، ولا سيما الشعوب القديمة ـ ام الحضارات في ما بين النهرين وفينيقيا ووادي النيل. وليس من "الصدفة" ان التفاعل القومي والحضاري العربي والنهضة الحضارية العربية ـ الاسلامية يرتبطان ببغداد ودمشق وما بين النهرين وسوريا ولبنان وفلسطين، التي كانت كلها ارامية، اشورية، سريانية، كلدانية، فينيقية، مارونية، مسيحية. فلم توجد حضارة عربية ـ اسلامية بدون المسيحيين. وبالتالي فمثلما انه لا حضارة اسلامية ـ عربية، ولا اسلام ولا مسلمين بدون العرب والعروبة، فإنه لا عرب ولا امة عربية بدون المسيحيين العرب، سواء كانت اصولهم من الغساسنة او من السريان او غيرهم.
ولمثل هؤلاء "الاكراد" نقول: اذا ضاعت الامة العربية، لضاعت شعوب الشرق كلها، واولها شعب صلاح الدين الايوبي، ولتحققت ارادة الجنرال غورو حينما سار فوق جثة البطل الوطني (الكردي الاصل) يوسف العظمة، وذهب الى قبر صلاح الدين الايوبي ليهتف شامتا: عدنا يا صلاح الدين.
انه لمن سوء حظ الحركة التحررية العربية، انه بعد تحقيق الانتصار على الاستعمار التقليدي وانتزاع الاستقلال السياسي للدول العربية، جاءت الى السلطة في تلك الدول قوى "قومية" متخلفة سرعان ما دب فيها الفساد ولجأت الى الدكتاتورية والاستبداد والقمع، فمرغت الفكرة القومية العربية وفكرة الوحدة العربية في الوحل. وابشعها كان النظام البعثي العراقي الذي اغتال القيادات والقوى الوطنية والتقدمية العراقية، العربية وغيرها، والنظام البعثي السوري، الذي اغتال القائد العربي التقدمي التاريخي كمال جنبلاط ومارس ساديته وفساده ضد الشعب اللبناني البطل مدة ثلاثين سنة كاملة، جنبا الى جنب الاحتلال الاسرائيلي.
وهذا الانحراف السلطوي في بعض قيادات وتنظيمات الحركة القومية العربية يفسر جزئيا، ولكنه لا يبرر بتاتا اي انحراف شوفيني معاد للقومية العربية او اي انحراف عن الخط الوطني المعادي للامبريالية.
XXX
ومن اجل الجواب عن السؤال الثاني، نعود للانطلاق من مقولات ميشال شيحا عن صراع الحدود وصراع الوجود مع اسرائيل، وعن خطرها الخاص على لبنان، لنقول:
ـ ان ما تريده الامبريالية والصهيونية في المرحلة الراهنة من لبنان، هو التخلص نهائيا من صيغته التوافقية ـ التفاعلية الحضارية، "الرسالية" حسب تعبير "الارشاد الرسولي" للبابا الراحل، وتحويله الى رقعة جغرافية عديمة الهوية الوطنية والقومية معا، والى كيان "فدرالي" مصطنع ومجمع لكتل بشرية متنافرة، ليس له من دور الا كجزء وكحوش خلفي من الخريطة الجديدة لـ"الشرق الاوسط" الاميركي، ويمكن تفكيكه في اي لحظة.
وعمليا، تعمل الامبريالية الاميركية والصهيونية حاليا على تحقيق الهدفين التاليين: توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتجنيس السريان، في لبنان.
ولننظر الى ذلك عن قرب:
أ ـ توطين اللاجئين:
تعتبر مسألة اللاجئين الفلسطينيين، من وجهة النظر الامبريالية ـ الصهيونية، مساوية في الاهمية لمسألة وجود اسرائيل ذاتها، لان تطبيق القرار 194 للامم المتحدة حول عودة اللاجئين يعني عمليا نسف اسرائيل ديمغرافيا، لان عدد اللاجئين، بالاضافة الى الفلسطينيين "الاسرائيليين"، يزيد عن عدد الاسرائليين اليهود. واسرائيل، وحاضنتها الاميركية، لا يمكن بأي صورة ان يقبلا بعودة اللاجئين، التي تعني الحكم بالاعدام "دمغرافيا" على اسرائيل. واميركا تضغط بكل وزنها من اجل حل مسألة اللاجئين على حساب القضية العربية عامة والفلسطينية خاصة. وطبعا ان اللاجئين في لبنان ليسوا كل اللاجئين الفلسطينيين، ولكن "مشكلتهم" هي الاهم والاخطر: اولا، لانه لم يجر دمجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية الخ للبنان، كما في البلدان العربية الاخرى، بسبب الوضع الطائفي الخاص للبنان. وثانيا، لقربهم "الخطر" من الحدود مع اسرائيل. وثالثا، للضعف التقليدي للنظام اللبناني، وعدم قدرته بقواه الخاصة على "ضبطهم"، حيث دون ذلك تفجير الوضع اللبناني برمته. ورابعا، لانه كانت توجد معارضة شديدة للتوطين من طرفين رئيسيين: الطرف الفلسطيني نفسه، والطرف المسيحي، ولا سيما الماروني اللبناني.
الان توجد ظروف جديدة، تساعد على التوطين، واهمها:
1 ـ اليأس العميق لدى الفلسطينيين من شعار تحرير فلسطين، وهو ما عبرت عنه "اوسلو"، ومن ثم الانقسام العميق في صفوف الفلسطينيين، بعد "اوسلو".
2 ـ ازاحة عرفات الذي لم يكن حاسما في السير بـ"اوسلو" حتى نهايتها المنطقية، اي التخلي عن قضيتي اللاجئين والقدس. والمجيء بسلطة "فلسطينية" "متعاونة"، موالية تماما لاميركا، وتأتمر بأوامر مراكز القرار الاميركية.
3 ـ ان الدولة اللبنانية، الرازحة تحت دين عام بعشرات مليارات الدولارات، هي اضعف من السابق بكثير في احتمالات ممارسة الممانعة.
4 – ان الطرف الطائفي المسيحي، الذي كان يعارض بشدة توطين اللاجئين الفلسطينيين، لعدم الاخلال بالتوازن الطائفي، هو الان اكثر قابلية لـ"التعاون"، اولا، لانه اصبح اضعف. وثانيا، لانه سيتلقى "مكافأة" تتمثل في العمل على تجنيس السريان المطرودين من العراق وسوريا.
5 – ان توطين الفلسطينيين وتجنيس السريان يمكن ان يحظى برضى الطائفية السنية، لانه يعزز الحضور العسكري للسنة، والحضور الدمغرافي للمسيحيين، مقابل الحضور الدمغرافي الكبير للشيعة، والحضور العسكري القوي لهم، بشخص "حزب الله".
6 ـ ان صفقة توطين الفلسطينيين وتجنيس السريان يمكن ان تحظى بموافقة "حزب الله" خاصة والطائفية الشيعية عامة، مقابل ايجاد صيغة مقبولة للاحتفاظ بسلاح "حزب الله" وبالمكانة الخاصة التي احرزتها الطائفية الشيعية في النظام الطائفي اللبناني.
7 ـ ان النظام السوري المتهافت، الذي قدم لاميركا "خدمة" ازاحة رفيق الحريري بسبب تفضيله السير في "الخط الاوروبي" على "الخط الاميركي"، هو جاهز، من اجل تجنب اسقاطه، لتقديم اي "خدمة" اخرى لاميركا، ومن ذلك المساعدة في مسألة التوطين والتجنيس، وخاصة عن طريق تحريك جيوبه "الكردية" و "العربية" ضد السريان في الجزيرة السورية وجيوبه "الفلسطينية" لافتعال المشاكل في لبنان وابتزاز مختلف الاطراف فيه.
ب ـ تجنيس السريان:
1 ـ ان الحضور السرياني (بمختلف تسمياته الدينية والاتنية) في العراق وسوريا، كجزء من الحضور المسيحي في الشرق، هو مصدر ازعاج اساسي للدول الاستعمارية والامبريالية الغربية، في مدى تاريخي. ذلك ان هذه الدول، ومنذ الحروب الصليبية ـ على الاقل، كانت تتاجر بالمسألة الدينية وترفع شعار "تحرير" الاماكن المسيحية المقدسة من المسلمين "الكفار". فوجود المسيحيين الشرقيين والعرب، والتآخي الاسلامي ـ المسيحي، كان ولا يزال ينسف هذه الاطروحة من الاساس. وكان يجعل الاستعمار الغربي استعمارا عاريا من اي ورقة توت. وقد اكد المسيحيون الشرقيون والعرب وطنيتهم وعروبتهم، من ايام البيزنطيين حتى ايام جورج بوش. وكان السريان والمسيحيون العرب عموما في اساس النهضة العربية الحديثة، مثلما كانوا في اساس النهضة الحضارية العربية ـ الاسلامية. وكانت الدول الاستعمارية تقدم الرشاوى المالية والسياسية للعثمانيين وللاغوات الاكراد من اجل اضطهاد المسيحيين الشرقيين وذبحهم. وهذا ينطبق بشكل خاص على السريان. وفي الحرب العالمية الاولى تواطأ الانكليز والسلطة الايرانية مع زعيم العشيرة الكردية اسماعيل الشكاكي (سيمكو، الذي يعتبره بعض الاكراد زعيما وطنيا!!) للغدر بضيفه البطريرك الاشوري مار شمعون، بسبب تأييد الاخير للثورة البولشفية الروسية. وحتى الان، فإن السمة المميزة للسريان والاشوريين والكلدان في العراق وسوريا، هي الانتماء للاحزاب القومية والتقدمية، وخاصة الاحزاب والمنظمات الشيوعية واليسارية. ولذلك فإن مهمة "التخلص" من السريان في العراق وسوريا تعتبر جزءا اساسيا، "تاريخيا"، في الخطة الاستعمارية الغربية لـ"تطهير" المشرق من المسيحيين، وخصوصا لتفصيل القومية العربية على القياس الطائفي الاسلامي فقط.
2 – ان المناطق التي يعيش فيها السريان في العراق وسوريا هي جزء من ارضهم التاريخية. وخلال الغزوات والفتوحات الخارجية تحمل السريان الويلات. ومنذ غزوة تيمورلنك الوحشية، وخصوصا في العهد العثماني، استفاد الاغوات الاقطاعيون الاكراد من الوضع المأساوي للسريان، للمشاركة في نهبهم والتوسع على حسابهم. والان، فإن القيادات العشائرية الكردية ـ السائرة في ركاب الاميركيين والاسرائيليين، تتابع هذا الخط التوسعي الكردي على حساب السريان. وفي المقابل، فإن الاميركيين يريدون "مكافأة" الاكراد، اولا، لتمتين كسبهم الى جانب الحملة الاستعمارية الاميركية، وثانيا، لضرب الاتجاه الوطني والقومي والدمقراطي الحقيقي في صفوف الجماهير الكردية، وثالثا، لاضعاف العرب والقضية العربية، ورابعا، لايجاد "حل نهائي" للسريان، بالتخلص من وجودهم في العراق وسوريا واستقبالهم واستخدامهم مطايا سياسية وطائفية في "لبنان الجديد".
3 – ان السريان المقتلعين من جذورهم، والمستقدمين الى "لبنان الجديد"، سيكونون مهيأين، من جهة، ومضطرين، من جهة ثانية، للسير في الاطر الطائفية المشبوهة بقيادة سمير جعجع وميشال عون واشباههما. والا ـ فإن الشركة المساهمة للسي آي ايه والموساد ومخابرات آصف شوكت ستكون جاهزة للاستعانة بخدمات الزرقاويين لمطاردتهم. ولا يبقى سوى خطوة واحدة لرميهم في البحر كي يتيهوا في اربع زوايا الارض.
XXX
تبقى ملاحظة اخيرة وهي: خلافا لما يبدو ظاهريا من العنجهية الاميركية والاسرائيلية، وغبار المعارك في العراق وفلسطين، والتفجيرات والاغتيالات في لبنان والبلدان العربية الاخرى، فان هذا المخطط الجهنمي يجري تنفيذه بهدوء، وبدون استفزازات للقوى والاطراف السياسية المعنية. فـ"سرينة" المسيحيين في لبنان تسير على قدم وساق منذ تسعينات القرن الماضي. وقد عقد "المؤتمر الارامي الاول في لبنان" برعاية البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في ايار 1997. كما اقيم الاحتفال بالذكرى الثلاثين للشهيد السرياني وحضره الاستاذ رفيق شلالا ممثلا رئيس الجمهورية العماد اميل لحود. وخطة توطين الفلسطينيين يمكن ان تستبعد التجنيس الفوري، وتبدأ بمنح الحقوق الانسانية والاجتماعية المشروعة للفلسطينيين، واعتبارهم "جالية" مثل المصريين والسوريين والسريلانكيين الخ. وتجنيس السريان يمكن ان يبدأ بجمع شمل العائلات للسريان المجنسين سابقا في لبنان. وكل ذلك في اطار من "السلم الاهلي" والتفاهمات المسبقة بين مراكز القرار الدولي ومختلف الاطراف الطائفية والسياسية و"المسلحة" المعنية.
فهل ستسمح القوى الوطنية والتقدمية والقومية والدمقراطية الحقيقية، بتمرير هذه المؤامرة على القضية الفلسطينية والقضية الانسانية والوطنية للسريان والقضية القومية العربية، وعلى القضية الوطنية في لبنان خاصة؟؟



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الفأر الميت- للمعارضة السورية
- العالم العربي والاسلامي ودعوة ديميتروف لاقامة الجبهة الموحدة ...
- هل تنجح خطة فرض تركيا وصيا اميركيا على البلاد العربية انطلاق ...
- الحرب الباردة مستمرة بأشكال جديدة بين -الامبراطورية- الروسية ...
- حرب الافيون العالمية الاولى في القرن 21: محاولة السيطرة على ...
- هل يجري تحضير لبنان لحكم دكتاتوري -منقذ!-؟
- أسئلة عبثية في مسرح اللامعقول
- الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي
- وليد جنبلاط: الرقم الاصعب في المعادلة اللبنانية الصعبة
- القيادة الوطنية الجنبلاطية والنظام الدكتاتوري السوري
- القضية الارمنية
- سوريا الى أين؟
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق2
- سنتان على الحرب الاميركية ضد العراق
- وماذا بعد الانسحاب السوري من لبنان؟
- جنبلاط، القضية الوطنية والمسيحيون الدجالون
- المفارقات التاريخية الكبرى في الازمنة الحديثة وتحولات المشهد ...
- المسيحية العربية والاسلام في المشهد الكوني
- من هم مفجرو الكنائس المسيحية في العراق؟! وماذا هم يريدون!؟
- الامبريالية الاميركانو ـ صهيونية و-شبح الارهاب-: من سوف يدفن ...


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - جورج حداد - ماذا يراد من لبنان الجديد في الشرق الاوسط الكبير الاميركي؟