أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناصر ثابت - -التطبيع- - ديكتاتورية اللغة ودورها في قمع الأفكار.














المزيد.....

-التطبيع- - ديكتاتورية اللغة ودورها في قمع الأفكار.


ناصر ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 5201 - 2016 / 6 / 22 - 23:15
المحور: القضية الفلسطينية
    


عندما كنتُ في الصفوف الثانوية، تزامنَ ذلك مع بدايات اوسلو ومؤتمر مدريد. في تلك الحقبة كان القائد مروان البرغوثي أميناً لسر اللجنة الحركية العليا لحركة فتح في الضفة والقطاع. كان البرغوثي قائداً مهماً ومعروفاً بمشاركته شخصياً في الكثير من المظاهرات والتحركات الشعبية.
ومن يتذكرُ تلك الفترة، يتذكر المسيرة الأسبوعية يوم الجمعة، والتي كان مسجد جمال عبدالناصر في مدينة البيرة يشكل نقطة انطلاق هامة لها. ولكن تلك المسيرة كانت أيضا ترتكز على قائدين هامين هما مروان البرغوثي، والشيخ حسن يوسف. كان كل منهما يضعُ يده في يد الآخر، ويتصدران المسيرة السلمية الحاشدة، بمشاركة الآلاف.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون، أن السيد البرغوثي كان مشرفاً وبشكل شخصي على إرسال الكثير من وفود الشبيبة الفلسطينية لكي تلتقي بمثيلاتها من وفود الشبيبة الإسرائيلية في القدس وحيفا وتل أبيب وغيرها من المدن والمواقع الإسرائيلية.
كنتُ أنا أحدَ المشاركين، وكنا نذهب للقاء نظرائنا الإسرائيليين على الطرف الآخر من المعادلة. بعضُهم كان ينتمي لشبيبة حزب العمل، والبعض الآخر لأحزاب أخرى. وقد وجدناهم شباناً أعمارهم مثل أعمارنا، يتابعون دروسَهم ويعيشون العصر بكامل تفاصيله، ويستمتعون بآخر ما توصلت إليه الإبداعات البشرية في التكنولوجيا وغيرها. ورغم الاختلاف في الثقافة والأسلوب، إلا أن الحوار كان بالنسبة لكلينا هاماً ومختلفاً، غالباً بلغة محايدة هي الإنجليزية، يتطرق إلى الكثير من المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية والنشاطات الشبابية.
فجأة استطاعَ بعضُ الأصدقاء من أصحابِ الأصوات العالية، والعقلية المتوثبة البعيدة عن المنطق والمليئة بالعاطفة، أن يؤثر عليَّ وأن يقنعني بالعدول عن المشاركة. مذكراً إياي بأنه لا يجوز أن أشارك في "التطبيع".
كانت لفظة "التطبيع" تواصلُ النضوجَ، لتصبحَ من التابوهات العديدة التي يفرضُها المجتمع على نفسه. أنت تذهب للقاء العدو، إذن أنت تقوم بشيء مرفوض. طيب، وما المشكلة في ذلك؟ المشكلة أنك تمارس التطبيع، والتطبيع رجس من عمل الشيطان!
واصلت الأقلام صاحبة الصوت المسموع في مجتمعنا الذي لا يقرأ، مهاجمة الكثير من الشخصيات والقيادات بحجة ممارستها للتطبيع. لم يسلم من ذلك لا محمود درويش ولا سري نسيبة ولا غيرهم. وامتد ذلك إلى الفضائيات التي كانت في بدايات عهدها، وصار الهجوم على التطبيع والمطبعين شيئاً معتاداً يسمعه العامة كل يوم.
والآن، بعد مرور كل هذه الأعوام، لم أعدْ أستسيغ مثل هذه الألفاظ. لقد وجدتُ أننا أنهكنا اللغة بتحميلها معانيَ ليست بالضرورة أن تكون مناسبة لها. وتعلمتُ أن كثرة استخدام اللفظة في السياق السلبي يحوِّلُها إلى سُبة في معناها العام وهي ليست كذلك.
أنت مُطبع، إذن أنت تعاند الإرادة الشعبية، وربما يقال عنك إنك خائن. ولكن ماذا نقول لأحد أهم المناضلين الذين أشرفوا بأنفسهم على "التطبيع" وهو الآن يقضي أجمل سنوات عمره خلف القضبان، بعيداً عن أسرته وأهله؟
لحسنِ الحظ أننا نزدادُ حكمةً عندما تُضاف السنواتُ الى أعمارنا. الحكمة، التي يمارسُها كل إنسان بمستويات مختلفة، تأخذنا إلى حدائق الوعي الجميلة.
والحكمة لا تعني أن نفقد عاطفتنا القديمة. لكنها تعني أن نمارسها بشكل بَنَّاء. أن نعرف متى تكون العاطفة سلبية ومتي تكون إيجابية.
الأجمل أن يفقد الإنسان من قدرته على الحقد والكراهية. فإن فعلَ ذلك استطاع أن يخلِّص اللغة من شوائبها الكثيرة، وصار أكثر قدرة على تنقية الألفاظ من خصائصها التي تجعلها أداة لممارسة الاتهامات ومسدساً لمهاجمة الآخرين.
ولإثبات أننا نحن من يخترع اللفظة السلبية ويعطيها بعدها القاتل، نذكِّر القارئ بأمثلة أخرى مثل "الاختلاط" و"السفور" و"التبرج" وغيرها، دون الحاجة للخوض في تفاصيلها هنا، لكنها أمثلة مهمة على قدرة المجتمع المنغلق الهائلة على تطويع الألفاظ لخدمة أغراض خطيرة. وبعدها ذلك تصبح اللفظة رصاصة جاهزة للانطلاق والاستقرار في قلب الضحية لقتلها نفسياً ومعنوياً.
عودة إلى "التطبيع". يبدو أنه من الأفضل لنا أن نتجنب استخدام هذه الكلمة من الآن فصاعداً، على الأقل في سطور هذا المقال، على أمل أن نتوقف عن استخدامها في الحياة العامة.
إن اللقاءات بين النظراء من أي شعبين يعيشان صراعاً ما، لا يجب أن يكون جريمة، ولا يجب أن يُنظر إليه كأنه أحد التابوهات المحرمة. ما المشكلة إذا التقى شاعر فلسطيني شاعراً إسرائيلياً؟ وما الغضاضة في أن يذهب سياسي فلسطيني لحضور مؤتمر إسرائيلي؟ وما هو الأمر الجلل في أن يذهب وفد فلسطيني للتعزية بوفاة ضابط إسرائيلي من الطائفة الدرزية؟
لا مشكلة في ذلك أبداً. إن اجتماع البشر على المستوى الإنساني هام جداً. الإنسانية والروح البشرية التي تجمعنا بالطرف الآخر أهم من روح العداء التي تهدم الجسور بيننا، حتى لو كان الطرف الآخرُ اسرائيلياً.
إن قدرة العقل البشري على التحلل من سطوة الألفاظ، والانطلاق في سماءٍ رحبةٍ من التسامح وقبول الآخر، تجعله سيدَ لغته، وتعطيه سيطرة تامة على وعيه وعلى أفكاره. وعليه، فأنا الآن لم أعد أجد أية مشكلة في دعوة صديقي اليهودي الإسرائيلي إلى الغداء، وعدم التردد في الذهاب إلى أفضل مطعم شرق أوسطي في منطقتي حتى وإن كان "الحمص بار"، وهو مطعم اسرائيلي ممتاز.
إن هذا لا يجعلني أنسى قضايا شعبي الهامة. ولا يمنعني من التعاطف مع أطفاله وشيوخه ونسائه. وكل ما أفعله هو أنني أسمحُ لنفسي أن أنسجَ العلاقات البشرية مع الجميع.



#ناصر_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصحيح المسار، فلسطينيا. كيف يكون؟
- لستُ صوت أي شيء
- التعارض بين العقل والإيمان، إلى أين يقودنا؟
- حجر على جنب الطريق
- الخط الفاصل بين الموج الأزرق والرمل
- آلان كردي، ومأساة ضميرنا الجمعي
- تعذيب الساعدي القذافي، على طريقة الربيع العربي.
- المدينة هي الزمان، والصباح هو المكان
- قهوة خفيفة السُّكَّر
- أحبكِ، وهذا كلُّ شيءٍ
- عن تفجيرات الكويت، وجولة سريعة مع الانتحاري القاتل!
- صباحاً، يفضُّ الإلهُ المظاريفَ
- اقبال
- ورقةٌ بيضاءُ ناصعةُ التحدي
- البندول
- غيمة الغلو
- ضد الحرب.. ولكن!
- الواقعُ يحلمُني أيضاً
- يومياتٌ على هامش المطر
- دونَ أن أنظرَ إلى الخلف


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناصر ثابت - -التطبيع- - ديكتاتورية اللغة ودورها في قمع الأفكار.