أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين ح1















المزيد.....

وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5175 - 2016 / 5 / 27 - 00:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين

أتفق علماء التفسير ومتكلمي وفلاسفة الفكر الديني على أن اليقين صور وتدرجات في الوصف تبدأ وتنتهي بين طرفين أحدهما شكلي والأخر جوهري، وكلها تتجمع لتعطي معنى اليقين كدلالة على إكتساب الفكرة درجة عقلانية تشير لجوهرها في تصنيفات نظام العقل من ناحية القبول والرسوخ، فلا يقين بدون سعي لعرض ما مطلوب على شبكة نظام العقل وبالتالي فاليقين عمل مقصود ومتحصل بأسبابه ولا يأت بدون علة أو بدون جهد، ولا يأن أيضا كتحصيل حاصل لقضية خارج العقل أو أنه مرتبط بتوقيتات سالفة وحتمية.
إذن كي تؤمن يقينيا عليك أن تفعل ذلك من خلال مقدمة عملية أولا لتكون جاهزا للبدء في بسط الطريقة ومن ثم السير عليها، هذه المقدمة لا تتعلق بالقضية من حيث كونها هي موضوع خارجي، بل من حيث أنها بحاجة لنظام وألية سابقة عليها وضرورية للكشف وهو النظام العقلي القادر على ممارسة الكشف والفرز والتقرير، هذه المهمة تتعلق بمن يطلب اليقين وحده وما يجب عليه أن يعده خارج الفكرة المراد عرضها أصلا، فكلما أمتلك الإنسان من نظام وكيفية وقدرة على الإستدال والإدراك والتقرير يمكنه أن يخضع الموضوع لطلب اليقين أسرع من غيرة والعكس صحيح.
إذن فلا يقين بلا عقل وبالتالي فلا إيمان صحيح ومعول عليه ومستوجب اللزوم به بدون عقل ولا تعقل، وكل مظهر إيماني أو تعبدي قبل اليقين بعيدا عن قبول المعبود به أو رفضه لا يعدو أن يكون تقليديا حسيا خاليا من دلالته العقلية التي بموجبها تتم موازنة الإيمان ومعايرة الجزاء وفقا لذلك، هذه النتيجة ليست تفريطا بالدين بل طريقا لإكتسابه حق التعقل وبناء ما يعرف باليقين الديني بجوهرية فكرة الدين ومن ثم تعقل وتفكيك وإعادة رسم العلاقة بين العابد والمعبود على أسس عقلية علمية خارج الحس والتعبد الفطري المبسط.
الإشكال اللغوي الذي يثيره البعض في الدلالة على الانتظار وليس الإشكال العقائدي والذي سنتناوله لاحقا أن صيغة العرض وبناءها جاء بعكس المقدمة، حيث أن اليقين يأت للفرد وليس مطلوبا منا السعي الوجوبي للوصول، أي أن على الإنسان أن يستمر عابدا بلا حدود حتى تأت اللحظة المناسبة التي يكتشف فيها أنه داخل دائرة اليقين، وهذا يعني أن الأمر مؤجل وحتمي وعام ومطلق ولا فرار منه، ويتساوى فيه العاقل المتدين وذوي العقل البسيط وحتى صاحب التدين الحسي الفطري الذي لا يتحرز في تعبده شرطية عقل ما يتدين به.
هنا أخرجنا العقل من دائرة الاهتمام باليقين ووضعه في موضع المترقب الذي ينتظر أن يحكم القدر قراره، وما على الأول إلا التسليم بالقدر وحكمة بأعتبار أن حتمية الأشياء البدية لا علاقة لها بكون العقل واع أو غير ملتف إلى وعيه، هذه الشبهة المعارضة والتي يظن البعض أنها رد لا تعتمد المنطق اللغوي ولا حتى البلاغة في البناء وفنونها، فليس كل إتيان بالعام يعني حركة من الخارج للداخل أو من البعيد للقريب، ولكن كل إتيان كشرط هو تهيئة الظرف لكي يحصل الحدوث الفعلي بالصورة الطبيعية كما في النص(أتى أمر الله فلا تستعجلوه)، هنا فعل حقيقي يتمثل بطلب التعجيل ولكن مع ذلك لم تتهيأ الظروف المناسبة للحدوث ولكنه سيحدث عند تحقق شرطيتها.
إذن ما يطرحه ويروج له البعض من حتمية الإتيان سواء أعملنا له مقدمة أو لم نفعل، تعقلنا لأجل ذلك البلوغ أو تركنا الأمر للصدفة لا يؤثر بالنتيجة لأن الأمور كما يزعم هؤلاء خارج إرادة الوجود الكلي وإرادة الإنسان خاصة، يزعم هؤلاء في غالب تفسيراتهم أن الموت هو اليقين وبالتالي بما أنه هو واحدة من الحقائق التي لا تقبل النفي أو الإنكار لحتميتها التي يقر به الوجودي والعلمي والمثالي، إذا هؤلاء يشتركون في تأسيس فكرة حتمية الإتيان التي تكلمنا عليها، وما على الإنسان إلا ليستمر بالعبادة كي يصله اليقين الحتمي عندها تنتهي الحكاية بالبلوغ التام في تلبس اليقين.
هذه النظرية الفكرية تثير جملة من التساؤلات والقضايا الإشكالية التي أبرز ما فيها هي:
• إذا كان الأمر الرباني أن نستمر بالعبادة أنتظارا لهذا القدر القادم كصورة من اليقين التام، ما هو مصير من لا يستمر بالعبادة؟، بل ما مصير من لا يؤمن أصلا بالعبادة ؟، بل أيضا ما هو مصير من لا يكلف حسب القواعد العبادية بالعبادة كالمجنون وفاقد الوعي؟
• هل أن من لا يسعى لليقين ولا يعرفه غير مشمول بالعبادة كالحيوانات العجماء أو الجمادات إذا عرفنا أن الموت يعني هلاك الكائن من قائمة الوجود ككائن موصوف، مثلا لو تحول جبل إلى قاع صفصف هل يعتبر هذا موت مثلا؟
• في حالات أشرها الفكر والنص الديني أخرجت بعض الكائنات العاقلة من الموت لظرف ما مثل الخضر والشيطان والملائكة وبعض الجن وكلهم مكلفون كما يعتقد النص الديني بالعبادة للرب، ما حكم اليقين والعبادة وهم على هذا المستوى من الإستثناء خاصة إذ علمنا أنهم مرجون لوقت هلاك يعرفون به وهم كما في النصوص على أعلى درجات اليقين.
• هل هذا النص وحده كافيا وكدعوة من الرب للناس أن يكفوا عن العبادة هربا من اليقين إذا ما أخذنا تلازم الفكرتين كموضوع واحد مثلا؟، أو هل أن هذه الدعوة يراد منها أن البعض من بني آدم وخاصة الصفوة المؤمنة والتي مكلفة بدورها الإبلاغي كالرسل والأنبياء كان تدينهم تدريجي ولم يكتمل في يوم من الأيام لأنهم أيضا يشملهم الأمر بأنتظار اليقين، وبالتالي فهم على شك منه أو على أقل تقدير لم يصلوا إلى درجة اليقين الكاملة التي منحتها لهم النصوص بإعتبارهم معصومين بالاصطفاء والأنتخاب الرباني لهم.
إشكالات عديدة منها عقلي ومنها عقائدي يتعارض مع مفاهيم الإيمان بالدين لو حاولنا أن ننساق مع تفسير اليقين بالحتم الوجوبي وهو الموت ، لقد سعى المفسر للنص إلى ربط المتشابهات دون ربط الدلالات مستعيرا فكرة الإلجاء الحتمي التي تتناقض مع هدفية النص من العبادة، النص يدعو المؤمن فقط للعبادة للوصول إلى مرحلة استكشاف الذات العابدة في أمتحان عقلها لما تعبد، فإن عجز عن الوصول فهو ينفذ أمر مستلزم ناتج عن الإيمان وهو بالوقت نفسه عقد بين المؤمن ودينه، وإن نجح وأفلح في أكتشاف معان العبادة ومراميها ينتقل من جهة العبادة الفطرية الإلزامية إلى العبادة اليقينية التي تخرجه من عبودية الدين إلى عبودية الديان والدليل من نفس النص الذي يزعمون أنه يشير للموت فيه كيقين نهائي.
النص المراد هنا في وصف حال الطرف الأخر الذي لم يلتزم بالعبادة (لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) المدثر 43، هذا اعتراف صريح في عدم ترابط العبادة مع إتيان اليقين ولكنه تأكيد على حصول نتيجة لفعل أو فكرة أو سلوك، فكلاهما العابد والغير متعبد يصلون بفعل أو بأي طريقة تستخدم العقل لإكتشاف نتيجة ، هذه النتيجة مرتبطة بوعيهم العقلي لا بأصل الفرض أو خلافه، أعبد بمعنى أفعل لا بمعنى أن لا تفعل، اليقين بمعنى نتيجة ما كنا نعتقد وحسب البرهان الذي وصلنا له كانت النتيجة المؤجلة إنها تجربة العقل مع الواقع حين تغيب عنه قضية تحتاج لدليل.
يحتج البعض ممن يرون أن تأويل النص على أنه لا يراد منه كما يعتقدون أسقاط التكليف بالعبادة وأن الاستمرارية فيها شرط ضروري لصلاح الوجود، وأن ما مرتبط باليقين وحصوله وبلوغ الإنسان العابد الدرجة المناسبة منه يعني إستقراره النفسي أن الطريق الذي سلكه هو الخيار الأصوب والأصح وبالتالي عليه الاستمرار عليه وبقوه، ودليلهم أن النبي والصفوة من المؤمنين مع بلوغ درجات الموقنين لم ينقطعوا عن العبادة، هذا زعم وحجة ضعيفة لسببين أولهما أن النبي كما في العقيدة الدينية موقن أساسا ولا ينتظر اكتمال يقينه، كما في قوله ( أولا تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) هنا النبي موقن ولكن الاطمئنان كما في قصة المائدة المراد منه إلقاء الحجة على الأخر ليكفيه الرب عن المحاججة والمخاصمة معه.
النقطة الثانية إستمرار عبادة النبي والصفوة ليس بمعنى تحولها من شكل لأخر ولكن تحول في مديات التعبد ذاته كجوهر للفكرة، النبي والصفوة بالأخر وحسب النص الديني إنسان بشر مخلوق وفقا للناموس الطبيعي واحتمالية تعرضه إلى الضغوطات الوجودية واردة في النصوص( لعلك باخع نفسك ألا يؤمنوا) وغيره من النصوص الداعمة, تجربة الإيمان اليقيني تزيد ليس في مستوى إيمان النبي كعابد، بل تزيد من قدرة تأثير العبادة على الأخر الذي يراه قدوة ومثال مجسد على حقيقية وشكلية الإيمان اليقيني، وبالتالي فهو أيضا تجربة عقلية خالصة بين النبي وأتباعه يراد منها أن تكون تجربة إيجابية وداعمة لفكرة ودور العقل في صناعة اليقين الإيماني.
هنا تنكشف أعتباطية فكرة الانتظار التي نادى بها الكهنوت الديني والتي طورها البعض على نمطية أن الوصول لمرحلة اليقين بالتجربة لا تثبت ولا تنفي شيء سوى تحول في شكلية الإيمان من التسليمي الإكتسابي البسيط، إلى نمطية الإيمان بالإيمان ذاته وهو هو الأنتصار العقلي الذي يزعمونه، وكأن الله أو باعث الدين عندما أورد هذا النص لم يريد سوى إثبات ما هو ثابت وخلاف قواعد وأركان الإيمان التي وضعوها بالثالوث العروف المتداول، إقرار باللسان وعمل بالأركان وثبوت في الجنان، فمن لا يكتسب الجزء الأخير لا يعد مؤمنا بل مسلما كما في النص (قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا قُل لَّم تُؤمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم )الحجرات15.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية رأي في التفكر والجنون ح2
- قضية رأي في التفكر والجنون
- فكرة الدين والوجود تناقض أو صورة ناقصة؟.
- تنبؤات مجنونة من طفولة عاقلة
- الفكرة المهدوية وغياب رؤية النهاية
- الإرهاب بطريق الوهم
- مكابدات الحزن والفرح في وطن حزين
- آينشتاين النبي ..... مفهوم العقل في العقل
- العمل السياسي في العراق بين المهنية والتلقائية
- العشوائيات السكانية .... القنبلة التي تهدد الأمن الأجتماعي
- القبانجي الليبرالي بزي السلفيين
- العقل في دائرة الروح
- أكاذيب حول موقف الإسلام من المرأة _ الإمامة مثالا.
- الناس على دين ملوكها.
- حكاية الأربعاء
- بيان الأمانة العامة المؤقتة للتجمع المدني الديمقراطي للتغيير ...
- الفوضى الضرورية والفوضى الخلاقة
- نقد التاريخية قراءة نقدية في فكر عبد الكريم سروش ح1
- نقد التاريخية قراءة نقدية في فكر عبد الكريم سروش ح2
- من يطلق رصاصة الرحمة على نظام المحاصصة


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين ح1