أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - فنانة














المزيد.....

فنانة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5108 - 2016 / 3 / 19 - 02:07
المحور: الادب والفن
    


عربة الأجرة، كانت قد تناهت إلى عطفة " الملّاح " عندما جَدَّ حَدَثٌ داهم.
من نافذة سيارة التاكسي، المُشرَعَة لنسيم المساء، سَمِعَ الرجلُ الغريبُ أولاً أصواتَ أطفالٍ مرددةً: " قحبة، قحبة..! ". السيارة، كانت عندئذٍ تتحرك ببطء تمهيداً للإلتفاف يساراً. فتسنّى للرجل رؤية أولئك الأطفال، الأشبه بالمتشردين. كانوا يحيطون بفتاةٍ تقفُ على الرصيف، مُطلقين لازمة شتيمتهم مُرفقة بالضحك. ثمّ بدا رجلٌ عجوز إلى جانب الفتاة، كأنما هوَ والدها، وكان منفعلاً للغاية.
" من فضلك، تريَّثْ لحظة! "، قال الغريبُ للسائق من مكانه في المقعد الخلفيّ. فَهِمَ هذا الأخيرُ معنى النداء، فما كان منه سوى التوقف. ثمّ فَتَحَ بابَ السيارة، داعياً العجوزَ والفتاة إلى الركوب. ذلك الفصل، عليه كان أن ينتهي بموقفٍ مُحزن. إذ ما أن استوى العجوز بمقعده إلى جانب السائق، إلا وأحد الأطفال يندفع كي يبصق في وجهه. الصبيّة المليحة، المُرتدية ثياباً أنيقة ومكشوفة، كانت قد دلفتْ إلى المقعد الخلفيّ مُحيية الغريب: " بونسوار..! ". على ذلك، نفهمُ علامةَ دهشتها حينما سمعت من اعتقدت أنه كَاوري ( أوروبي )، وهوَ يُخاطب عجوزها بالعربية: " لا تهتم لهؤلاء الأطفال.. إنهم أشقياء مشرّدون ". إذاك، تأملتْ هيَ الرجلَ الغريبَ بعينين باسمتين قبل أن تقول له بنبرة تأييد: " نعم، نعم. لقد سبقَ وطلبتُ منه أن يدعهم وشأنهم ". بقيَ العجوز يُهمهم مُتأثراً. السائق، يبدو أنه رآها سانحةً للكلام بدَوره. قال للفتاة، فيما كان ينظر إليها خِلَلَ المرآة الصغيرة أمامه: " منذ مدّة وهم على هذه الحال دونما أن يردعهم أحد ". ثم أضافَ بطريقة مُتملقة، يُجيدها ككثير من أبناء مهنته: " والفضل يعود لهذا الأخ، الذي بادرَ إلى حثّي على التدخل ".
" كلّ الشكر لك، أيها الأخ..! "، التفتت الفتاة ثانيةً إلى الغريب وقد انبعثَ عَبَقُ عطرٍ نفّاذٍ من كلّ جوارِحِ جَسَدِها. لما دخلت العربة تحت القنطرة الأولى للدرب، تذكّر ربّانها سؤالَ الراكبين الجديدَيْن عن وجهتهما المقصودة. فخرجَ الرجلُ العجوز عن صمته، مُجيباً أنهم بصدد الذهاب إلى " سيدي يوسف ". عند ذلك، ارتسمت صورة السائق في المرآة الصغيرة ليُخاطب الأخ الغريب هذه المرة: " هل من مشكلة في أن يطول طريقكَ قليلاً..؟ "، قالها ثمّ استدركَ مُتبسّماً بخبث للفتاة: " اللهمّ إلا إذا كنتم ستدعونه إلى الطاجين! ". رنّتْ الضحكة الأنثوية عالياً، قبل أن تقول صاحبتها فيما هيَ تربت على فخذ الرجل الغريب بحركة حميمة: " مرحباً به..! وحقّ الله إن أمّي خابرتنا للتوّ، وأنها أعدّت طاجينَ الحوت مع الخضار ".
ما جرى على الأثر، كان يمتُّ للفضول أكثر منه المغامرة. لم يَدْرِ الرجلُ الغريب، حقاً، أيّ شيطانٍ دفَعَهُ إلى مرافقة الفتاة وعجوزها. وإذاً ما كان له أن يشعُرَ بعشرات العيون وهيَ تتأثر خطاه، طالما أنه يتجهُ دونما مبالاةٍ نحوَ المجهول. ثمّة، في منتصف دربٍ ضيّق، كان يقومُ منزلُ مضيفَيْه. بابٌ خارجيّ، محروسٌ بحوضين مُدججين بالخمائل المتناعسة. ثمّ بضع درجاتٍ ضيّقة تُفضي إلى بابٍ آخر، داخليّ. ردهة صغيرة، سلّمته إلى صالةٍ فسيحة نوعاً. كانت هناك امرأة حنطية البشرة، متوسطة العمر، تجلس بتثاقل على أريكةٍ مُدبّجة بالخمل الأزرق اللون. ألقتْ هذه نظرة عابرة على الضيف الغريب، دونما أن تردّ على تحيته، ومن ثمّ عادت إلى حالة الاسترخاء. مَضَتْ به الفتاة إلى صالة أخرى أصغر حجماً، وما عتمتْ أن قعدت بمواجهته: " تلك هيَ أمي، أما العجوز فهوَ رَجُلها.. "، قالت له وقد عادت البسمة لتنطبعَ على فمها المنمنم. ثمّ خيّمَ الصمتُ مطوّلاً، إلى أن قطعه دخول العجوز مع الشاي والحلوى ـ كما هيَ العادة المحلية. قالت الجميلة مُشيّعةً الآخرَ: " إنه بمثابة أبي. طيّب ولا يعرف التذمّر أو الطمع. وبما أنني فنانة، فإنه يصحبني كلّ يوم إلى الفنادق والرياضات كي أرقصَ للزبائن ". وما لبثت أن استأنفت القولَ بدون تمهيد أيضاً: " لو عادَ عجوزنا، فما عليكَ سوى أن تدفع له خمسمائة درهم ". الرجل الغريب، من ناحيته، ما كان ينتظر عودة أحد. يبدو أنها تحققتْ بلا متاعب، رغبتُهُ بالإطلاع. بيْدَ أنه، في المقابل، كان مُجبراً على اتباع سبيل الخداع حتى يتمكن من الانسحاب بهدوء ورويّة. قال للفتاة مُظْهِراً الحَرَج: " مع الأسف، فإنني لا أملك حالياً هذا المبلغ ". ثمّ تابعَ فوراً " إلا أنني، لو سمحتِ لي، سأكون مسروراً بمرافقتك غداً إلى سوق الذهب طالما أننا صرنا صديقَيْن! ". اتّسَعَتْ بسمة البنت، وبدا من لألاء عينيها العسليتين أنها كانت تُفكّر بِحِلْيَةٍ لا يقل ثمنها عن عدة آلاف من الدراهم.
خارجاً، اختلط النسيمُ الربيعيّ مع مَشاعر مُتضاربة من الرضى وتأنيب الذات.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة صداقة
- في المتحف
- سيرَة أُخرى 21
- أمثولة وحكاية
- أقوال غير مأثورة 3
- سيرَة أُخرى 20
- غرائب اللغات
- قلب أبيض
- نبع
- سيرَة أُخرى 19
- الإنسجامُ المعدوم
- سيرَة أُخرى 18
- ( اسمُ الوردة )؛ الرواية كفيلمٍ فذ
- لقطة قديمة
- سيرَة أُخرى 17
- امرأة سمراء
- سيرَة أُخرى 16
- المتسوّلة
- سيرَة أُخرى 15
- درهم


المزيد.....




- مثقفون مغاربة يطلقون صرخة تضامن ضد تجويع غزة وتهجير أهاليها ...
- مركز جينوفيت يحتفل بتخريج دورة اللغة العبرية – المصطلحات الط ...
- -وقائع سنوات الجمر- الذي وثّق كفاح الجزائريين من أجل الحرية ...
- مصر.. وفاة الأديب صنع الله إبراهيم عن عمر يناهز 88 عاما
- -وداعًا مؤرخ اللحظة الإنسانية-.. وفاة الأديب المصري صنع الله ...
- الحنين والهوية.. لماذا يعود الفيلم السعودي إلى الماضي؟
- -المتمرد- يطوي آخر صفحاته.. رحيل الكاتب صنع الله إبراهيم
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن 88 عاما
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عاما
- وزارة الثقافة المصرية تعلن وفاة -أحد أعمدة السرد العربي المع ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - فنانة