|
الإنسجامُ المعدوم
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5087 - 2016 / 2 / 27 - 03:38
المحور:
الادب والفن
الفضول، أعقبَ شعورَهُ بالدهشة. إذاك، لم يتردد في تعقّب المرأة المتسوّلة. قبل قليل، كان الرجلُ الغريب يقفُ في مبتدأ الشارع، متأمّلاً على أضواء مصابيحه مسجداً جديداً يُجاور كنيسة عتيقة. لقد رآه مَنظراً على شيءٍ من عدم الإنسجام؛ على الأقل، من الناحية المعمارية. فإذ استولى عليه العَجَبُ لمرأى كنيسةٍ في بلدٍ يخلو من أتباعها، فإنه استدركَ بأنّ الأمرَ متواشِجٌ مع كون " كَيليز " حيّاً يقطنه العديدُ من أفراد الجاليات الأجنبية. فما أن مشى قُدُماً، إلا وتلك المتسوّلة تعترض طريقه: " مسيو..! تعاون معي الله يحفظ لك ميمتك! "، قالتها كمن اعتاد دوماً على تكرار ذات اللازمة. ملامحُ المرأة، علاوة على علاماتٍ أخرى، كانت تشي بأن حالتها أكثر من ميسورة. إنها في حدود سنواتها الخمسين؛ أي في مثل سنّه تقريباً. كانت مُتبرّجة نوعاً، مُتوشّحة بمنديلٍ مُزيّن برسوم تقليدية وقد أُسْدِلَت أطرافُهُ على قفطانٍ من جوخ بنيّ اللون. البُلْغَة الأنيقة في قدميّ المرأة، فضلاً عن كيس البلاستيك بيَدها والمُرَقَّش بشعار مخزن carrefour، ضافرا ظنّ الرجل الغريب بحالتها المعيشية الحَسَنة. أيضاً، بدتْ أنها في الطريق إلى مأوىً يقعُ في هذه المنطقة الراقية. بطبيعة الحال، فإنه تجاهلَ يَدَها الممدودة. لحُسن الحظ، بحَسَب تفكيره دوماً، كان شكله يوحي لأهل البلد بأنه أوروبيّ ( كَاوري ). ذلكَ، كان يُجَنّبه غالباً تمادي المحتاجين بالإلحاح والملاحقة: " بيْدَ أنّ هذه المرأة، مثلما يُنبي شكلها، لا يُمكن أن تكون مُحتاجةً بحال "، خاطبَ الغريبُ داخِلَهُ. على ذلك، دَبَّ فيه الفضولُ لمعرفة ما خَفِيَ من أمرها. ما أن تجاوزته المتسوّلة بخُطاها النَشِطة، حتى استدارَ على عقبيه وبدأ بتأثّر سيرها. المساء، المُستَهِلّ بنشر ظلاله الكثيفة على الأشياء والكائنات، من المُفترض أنه يُسهّل مهمّةَ مُتعقّب الآثار. لقد كان علينا الإشارة قبلاً، بأنّ هذا الرجلَ الغريبَ مهتمٌّ بدراساتٍ ذاتَ طابعٍ علميّ. " السلام عليكم..! "، حيّاهُ بوّابُ العمارة المُنيفة والفخمة. هؤلاءُ المُمتهنين هكذا عمل، عادَ الشابُ ليُخاطبَ نفسه، يستطيعون بحُكم احتكاكهم الدائب بالأجانب تمييزَ الشرقيّ منهم عن الأوروبيّ. ردَّ إذاً تحيّة الرجل، فيما كان يَضعُ بيَدِهِ ورقة مالية هيّنة القيمة. ثمّ بادرَ حالاً لسؤاله عن تلك المرأة، التي دَلَفَتْ للتوّ خِلَلَ مدخل البناء. أساريرُ البوّاب، شعّتْ عندئذٍ بما يوحي بإمتلاكه لأسرار ساكني المكان: " أنتَ تقصُد، للا أسماء..؟ هيَ من أوائل المقيمين في هذه العمارة. امرأة معروفة بالغنى والشحّ في آنٍ واحد "، أجابَ الرجلُ مُطلقاً ضحكةً مُقتضبة. ثمّ أردفَ على الفور وهوَ يغمزُ بعينه المُحَوَّطة بالتجاعيد " أم أنك تسعى إلى معرفة ابنتها الفتيّة، الوحيدة؟ ". " أعتمدُ عليك في ذلك..! ولكنني أريدك في البدء أن تحدثني عما تعرفه عن والدتها "، قال له الغريبُ وهوَ ينفحه ورقة مالية أخرى. فما لبثَ الآخرُ، راضياً تماماً، أن أخذ يتكلم عمّن دَعاها " للا أسماء ". كانت سيرة مألوفة، في آخر المطاف، وقد سَبَقَ للرجل الغريب أن سَمِعَ ما يُشابهها: امرأةٌ متشردة، قادمةٌ من قريةٍ قصيّة في جبال الأطلس، امتهنتْ التسوّلَ عُمْراً. كغيرها من المتسوّلات، استعانتْ منذ البدء بطفلةٍ احتضنتها رضيعاً حدّ أنها أضحَتْ لاحقاً بمثابة ابنتها. بدَورها، البنتُ كبرتْ وما عتمَتْ أن راحتْ تُعين والدتها الصوريّة من خلال بيع جسدها الجميل للجَوْعى جنسياً. غادرَ الغريبُ المكانَ، وكانت كلماتُ البوّاب تتبعه: " هيه، يا الشريف، انتظرْ قليلاً..! ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرَة أُخرى 18
-
( اسمُ الوردة )؛ الرواية كفيلمٍ فذ
-
لقطة قديمة
-
سيرَة أُخرى 17
-
امرأة سمراء
-
سيرَة أُخرى 16
-
المتسوّلة
-
سيرَة أُخرى 15
-
درهم
-
سيرَة أُخرى 14
-
خفيفاً كعصفور
-
سيرَة أُخرى 13
-
أقوال غير مأثورة 2
-
شريحة لحم
-
إغراءُ أغادير 5
-
إغراءُ أغادير 4
-
إغراءُ أغادير 3
-
إغراءُ أغادير 2
-
إغراءُ أغادير
-
سيرَة أُخرى 12
المزيد.....
-
-الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
-
-حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
-
-لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
-
فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون
...
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|