منال شوقي
الحوار المتمدن-العدد: 5080 - 2016 / 2 / 20 - 15:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سورة يوسف و التي تنفرد بكونها السورة الوحيدة التي تحكي قصة أحد أنبياء بني إسرائيل من من البداية للنهاية و بتسلسل يصح أن نطلق عليه قصة ، إذ أنها - و علي خلاف - باقي سور القرأن لا تحتوي منه سوي قصة يوسف .
و رغم أن يوسف ليس نبيا في الكتاب المقدس بل قديسا في قومه إلا أننا لا نجد كبير فرق بين قصته في الكتاب المقدس و تلك في القرأن بخلاف بعض التفاصيل الصغيرة و الغير مؤثرة في مجري الأحداث .
و من العجيب أن تبدأ السورة بقول الكاتب : نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرأن و إن كنت من قبله لمن الغافلين .
فالقصة مشهورة جدا في في العهد القديم و لم يكن اليهود يعتبرون سيرة و قصص أسلافهم أسرارا بل كانوا يفاخرون بها و من البديهي أن يعرفها عرب شبه الجزيرة العربية بفعل إختلاطهم باليهود .
و من الغريب أيضا أن تكون قصة القديس يوسف أو النبي يوسف هي الأحسن عند إله الإسلام واصفا إياها بقوله ( أحسن القصص ) علي الرغم من أنه لم يعضد يوسف بالمعجزات و الخوارق الي تُثبت ألوهيته و قدراته كما فعل مع غيره من أنبياء بني إسرائيل ، فلم يشق يوسف بحرا و لا أحيا ميتا .
.
تبدأ القصة بحوار بين يعقوب و إبنه يوسف الذي يقص عليه حلما رأي فيه أن إحد عشر كوكبا و الشمس و القمر يسجدون له و بالطبع فقد إستنتج يعقوب أن الأحد عشر كوكبا هم أشقاء يوسف أما هو فالشمس بينما أم يوسف قمر ،
و تدهشني جدا الكيفية التي قد تسجد بها الكواكب و النجوم الكروية الشكل فلطالما حاولت أن أتخيل كرة تسجد و لكن كانت محاولاتي دائما ما تبوء بالفشل
.
يستبشر يعقوب خيرا و يعلم أن لإبنه سيكون شأنا كبيرا و لعل إلهه قد إختار يوسف إبنه ليرث منه النبوة و لكنه في ذات الوقت يستشعر خطرا فيحذر يوسف من أن يقص الحلم علي إخوته كي لا يمعنوا في الكيد و الحسد له و الحقد عليه .
يقول القرأن علي لسان إخوة يوسف : و إذ قالوا ليوسف و أخيه أحب إلي أبانا منا و نحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين .
نستنتج من القرأن نفسه أن أحداثا سابقة قد جرت و أوصلت أخوة يوسف لهكذا إعتقاد و مما لا شك فيه هنا أن يعقوب كان يُفضِل و يُقرب إليه يوسف و أخيه بنيامين .
و لكن دعونا نحاول أن نفهم لماذا أرتكب نبيا هكذا أفعالا غير سوية و هكذا سلوكا مشين هو أبعد ما يكون عن العدل و الحكمة ! و المفروض في الأنبياء أنهم معصومون و لا يُغَلِبون أهوائهم الشخصية الي قد تدفع للظلم و خاصة إذا وقع هذا الظلم و الإجحاف علي الأبناء .
أيكون السبب كون الأحد عشر إبنا من ليئة الزوجة الدميمة و التي تزوجها يعقوب مرغما و من جاريتها و جارية أختها راحيل بينما كان يوسف و بنيامين ولديه من راحيل حبيبته و التي سعي للزواج منها فخدعه أبوها و زوجه أختها فاضطر يعقوب بذلك أن يخدمه لمدة أربعة عشر عاما ؟
هذه القصة لم ترد في القرأن بالطبع و لذا فنحن - و من وجهة نظر قرأنية - غير مُلزَمين بها .
أيكون السبب لحُسن يوسف الذي ورثه عن أمه و الذي قال فيه محمد أنه - أي يوسف - كان له شطر الحُسن ؟
أي منطق يقول بتقريب إبن و تدليله لجمال خلقته و إقصاء أخيه لقبح فيه أو لأن حُسنه ليس بمستوي حُسن أخيه ؟
إن الحال هنا لا يختلف عن نبذ أبوين لإبن لهما من ذوي الإحتياجات الخاصة و إهماله بينما يقربان أخيه السليم المعافي و يدللانه !
أن هذا السلوك الشائن ليس من شيمة الأنبياء أبدا و لا ينبغي أن يكون لمعصومبن .
.
و من الجائز أيض أن يكون السر في تنبؤ يعقوب بنبوة يوسف و لكن إخوته لم يكونوا كفارا أيضا بل هم أسباط بني إسرائيل و إختيار الله لأخيهم كي يخلف أباه في وراثة النبوة ليس مدعاة ليُميزه عليهم فعاطفة الأبوة لا تُفرّق و لا يجب أن تُفرّق بين الأبناء علي خلفية درجة الإيمان و خاصة إن ان هذا الإيمان كان إختيارا من الله و ليس لإجتهاد شخصي من يوسف فالمسألة مجرد إختيار عشوائي ، هذه في الجنة و هذه في النار لا أبالي .
أما السبب المُوحي ظاهريا بأنه منطقيا فلكون يوسف صغيرا مازال يحتاج لرعاية بينما كان إخوته كبارا و مردود عليه بأن إخوة يوسف إختصوه هو تحديدا بالحسد و الحقد لدرجة أن فكروا في قتله وـاقوا به بالفعل في البئر بينما لم يفعلوها مع أخيه رغم أنه كان أصغر من يوسف أي بحاجة لعطف و حنان أبيه أكثر .
.
إن يعقوب كان يُميز يوسف بالتحديد علي جميع إخوته و كان هذا التمييز واضحا صارخا لدرجة أن يفكر إخوته في قتله أو علي الأقل في إبعاده و لم يكن الذنب ذنب الطفل يوسف بالفعل و لم يكن كله لإخوته بل ان لأبيهم ذو السلوك الأعوج و المنافي للفطرة السليمة و للأبوة بمعناها السوي و هو ما يتنافي بالتأكيد مع أخلاق نبي يُفترض فيه أنه أُختِير دونا عن سواه لخلقه الرفيع و عدله و كمال عقليه نسبيا مقارنة بالبشر العاديين ، فما بالنا بكون هكذا سلوك مُلام و مكروه عند غير الأنبياء .
.
أما المفارقة أو بمعني أدق الكارثة فمرور القرأن أو الله علي هذا السلوك الشائن و كأنه أمر طبيعي و مقبول و لم يسلزم من الله تقريعا و لو بكلمة مما يُكرس في للقبول به و عدم أستنكاره عند المسلم المُطلع علي دينه و الفاهم لربه .
و حي بين العوام و الذين لا يخطون خطوة إلا بفتوي نجد التفريق بين الإخوة في المعاملة و في الحب غير مُستهجن دينيا و لا سيما أن مرت عليهم قصة مشابهه و لم يٌعلق الله عليها .
.
علي جانب أخر يدهشني أننا لم نجد ليوسف أثارا تُثبت نبوته أو حتي تقربه من الله كعبد صالح و ما يُضاعف الدهشة هي خطة الله في تصديره للمصريين ليكون بذلك نبيا لهم و لليهود معا و كأن سبحانه كان لديه أزمة في الأنبياء أو في الرجال الصالحين فخلقه يهوديا ثم رسم خطة بيعه في مصر ليهدي المصريين ، و بالتالي يمنح يوسف لبني جلدته حق اللجوء لمصر ليضطر الله للعب عسكر و حرامية مع المصريين كي يُنقذ بني إسرائيل من الإستعباد و ذبح الأطفال و اغتصاب النساء !
.
ثم هل كان يوسف يتحدث لغة المصريين في ذلك العصر ؟
و مهما قلنا أنه تعلمها ، هل كان ليُجيدها أهلها ؟
ألم يكن من الأفضل أن يبعث الله فيهم نبيا بلسانهم ؟
ثم معروف أن النبي لا يأتي برسالة خاصة به بل ليُحيي تهاليم رسالة سبقته بدأ الناس بنسيانها و إهمالها علي عكس الرسول الذي يُبعث برسالة جديدة تُحيي بعضا من رسالة سبقتها فتؤكد علي بعض الشرائع و تنسخ بعضا أخر .
فأي رسالة جاء ( النبي ) يوسف ليُحييها عند المصريين القدماء ؟
.
لقد قيل أن علي إبن أبي طالب قال عن سورة يوسف : لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ، ولا تقرؤهنّ أيّاها ؛ فإنّ فيها الفتن ، وعلموهنّ سورة النور ؛ فإنّ فيها المواعظ » ، و علي الرغم من تضعيف الرواية عند السنة فهي مُعترف بها عند الشيعة و بصرف النظر عن كونها صحيحة أو موضوعة فقد أوحت السورة أو القصة لقائلها - أيا كان - بشئ !
و لا عجب أنها السورة المُفضلة عند المُتدينين من العوام و أنصاف المتعلمين فهي ليست عصية علي الفهم كباقي لوغريتمات القرأن و مُسلية أيضا إذ إنك تسمعها و كأنك تستمع لمسلسل إذاعي شيق فصدق الله - الذي لم يصدق قط - حين وصفها بأحسن القصص .
#منال_شوقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟