أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - مشاريع تقسيم العراق















المزيد.....

مشاريع تقسيم العراق


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 5043 - 2016 / 1 / 13 - 15:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مشاريع تقسيم العراق
جعفر المظفر
لا مقدس في الجغرافيا فهي غالبا ما تتبع المتغير السياسي ولا تسبقه. لقد شهد العالم على مر التاريخ نشوء اوطان وأمم وأمبراطوريات سرعان ما كُتِب لها بالمقابل ان تنهار وتتلاشى ليبقى منها بعض آثار. إن أوطان اليوم وأممه ليس في مقدورها التمرد على هذا القانون, والجغرافيا تتبع السياسة هنا ولا تسبقها, ويوم يحدث المتغير السياسي وخاصة على مستوى الحرب, التي هي أعلى شكل من اشكال السياسة, فإن المتغير السياسي الحاد, الذي ياتي به النصر أو تأتي به الهزيمة, غالبا ما يعبر عن نفسه من خلال توسع دولة أو تقلص أخرى, او حتى زوال دولة ونشوء اخرى, والعراق ليس إستثناء من هذه القاعدة.
لقد تسنى للعراق ان يكون مركزا لدولة عظمى هي الدولة العباسية التي كانت قد شملت ضمن أراضيها كل الدول العربية الحالية إضافة إلى بلدان آسيوية أخرى. قبل الإستيلاء على إيران كان العراق قد قد خضع للإحتلال الفارسي وقبلها كانت أراضيه مراكز لإمبراطوريات تقاسمت العالم القديم ثم عاد هو نفسه ليتقسم في ظل إلإحتلال العثماني إلى ولايات ثلاث هي ولاية الموصل وولاية بغداد وولاية البصرة التي كانت تشمل إضافة إلى محافظة البصرة الحالية كل من الكويت وقطر والمنطقة الشرقية والبحرين.
علينا أن نستذكر أن جغرافية العراق الحالية هي وليدة لإتفاقية سايكس بيكو (1916) التي وقعها عن يريطانيا العظمى وعن فرنسا كل من وزيري خارجية البلدين مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو. هذه الإتفاقية هي نفسها التي قسمت سوريا الكبرى المسماة ببلاد الشام والتي كانت تضم كل من سوريا بحدودها الحالية إضافة إلى لبنان والأردن وفلسطين. بالنسبة لنا نحن العراقيون فقد إعتبرنا هذه الإتفاقية, ابان فترة المد القومي والتحرري, عبارة عن مشروع إستعماري علينا أن نرفضه ونغيره, ثم إذا بنا في هذه المرحلة التي تشهد مشاريع التجزئة والتفتيت بتنا نعتبرها أساس الوطنية العراقية ذاتها, أما القوميون السورين فقد ظلوا يناضلون من أجل إعادة بناء دولة سوريا الكبرى أو بلاد الشام قبل أن تصبح الخارطة الوطنية بحدودها الحالية عرضة للتمزق من جديد.
صحيح ان علينا أن لا نفكر بعقلية الماضي ولا نسقط تجاربه على الحاضر وكأنها تحولت إلى قوانين سياسية ثابتة, غير ان العودة إلى تلك التجارب غالبا ما تلهمنا المعرفة المطلوبة بقوانين نشوء وتأسيس الدول. أول تلك القوانين أن الدول لا تتأسس لمجرد رغبة أهاليها, سواء أكان ذلك عن طريق الإستفتاء الديمقراطي أو عن طريق الحل العسكري, لأن الجغرافيات السياسية عادة ما ترسمها الدول الكبرى التي يتسنى لها حسم الحروب والتمكن من الهيمنة على مراكز القرار الدولية وخاصة العسكري منها. واليوم فإن هناك من بات يتحدث عن مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث دول وكأنه على الأبواب أو صائر إلى التنفيذ غدا. في حمأة ذلك يجب علينا أن نتذكر أن التقسيم لا يحدث هكذا لمجرد رغبة أهله فيه كما هي الحال بشان مشروع الدولة الكردية التي قد يدعو البارزاني للإستفتاء عليه في اية لحظة.
أتذكر ان صديقا لي, من قادة أحد الأحزاب الكردية التي تأسست بعد إنهيار الحركة الكردية عام 1975, كان قال لي أن أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية آنذاك كان أخبره, بعد حوار حول أحقية الأكراد في تأسيس دولتهم المستقلة, أنه سيضع توقيعه بعد توقيع الرئيس الأمريكي على وثيقة الإستقلال لو تمكن البارزاني من الحصول على ذلك التوقيع. ولسنا هنا في معرض مناقشة نوايا البكر نفسها بهذا الخصوص, غير أن الذي عناه البكر حينها أن قرار تأسيس الدول لا يقوم على رغبات أهلها فقط وإنما على موافقات دول عظمى مسؤولة عن حفظ الجغرافيات السياسية, وإن الأحرى بالكورد أن يكونوا في مقدمة من يعلم ذلك. بريطانيا مثلا التي تبدي تعاطفها مع حق الأكراد في تقرير مصيرهم كانت هي التي تغافلت عن هذا الحق يوم تأسيس العراق الحديث وهي التي ساهمت بضربهم في أحايين عدة, أما أمريكا فقد أوصلتهم بالتعاون مع الشاه إلى حافة تأسيس الدولة ثم تخلت عنهم عام 1975 ودعمت قرار الشاه بسحب تأييده العسكري, لا بل وكانت وراء قرار السحب ذاك . صدام حسين نفسه كان أكد على أن المدفعية العراقية في عام 1975, وهو عام إنهيار الثورة الكردية الكبير, لم يتبقَ لها غير إطلاقة واحدة وأن الأكراد كانوا على مقربة من إعلان السليمانية عاصمة لدولتهم الجديدة لولا إتفاقية شط العرب مع إيران.
ويوم إحتل العراق عام 1980 عشرين بالمئة من الأراضي الإيرانية فلربما راهن صدام على إمكانية أن تقف أمريكا معه بشأن إستعادة أراض عراقية كانت في حوزة إيران أو أراضي عربية مثل إمارة الأحواز التي إحتلتها إيران عام 1926 بعد أسر شيخها خزعل الكعبي الذي كان تطلع لتقلد عرش العراق بدلا من الملك فيصل الأول. غير ان أمريكا بطبيعة الحال لم تستجب للأماني غير المعلنة لصدام رغم أن ثورة الخميني كانت قد سلبت منها واحدة من البلدان التي كانت تعتبر واحدة من إمتدادتها العسكرية والسياسية والإقتصادية إضافة إلى الطعنة التي وجهها الإيرانيون للكبرياء الأمريكي بعد إحتلالهم للسفار الأمريكية في طهران وإحتجازهم لثلاثة وخمسين رهينة دبلوماسية أمريكية طيلة فترة بلغت 444 يوما لأن أمريكا لا تفكر بعقلية قبلية ملتزمة بقيم الثأر والإنتقام, بل من خلال مصالحها بالدرجة الأولى.
ولربما يقال أن حق الشعوب لطلب الإستقلال وتأسيس الدول الجديدة هو حق مضمون في لوائح الأمم المتحدة تمشيا مع حق تقرير المصير, وإن اية قومية قادرة بالتالي على تأسيس دولتها الخاصة فيما إذا إستطاعت أن تبلغ بمستوى مطالبتها بالإستقلال إلى درجة الإستفتاء على حق تقرير المصير, غير ان تصريف الأمر لا يأتي بهذه السهولة, اي بمعزل عن تأثير عوامل مهمة أخرى قد تجعل حق تقرير المصير مجرد حبر على ورق. والسؤال الذي يتعلق بحق تقرير المصير الكردي العراقي ينطلق من ذات الإعتبارات الإساسية التي تتعلق بالحق (الشيعي) مثلا في تأسيس دولة الجنوب العراقي أو الحق (السني) في تأسيس دولة غرب العراق أو مجموع الأراضي العراقية ذات الأغلبية السنية. وبكل تأكيد فإن وصول اية مجموعة إلى مطالبة ناضجة بهذا الحق هو شرط يسبق مسألة اٌلإقرار الدولي به.
إن تأسيس الدول في أوقات السلم العالمي يتطلب إذن سعيا من أهلها أولا ثم إعترافا دوليا بهذا الحق, أما حق تقرير المصير فيبقى مجرد قرار دولي نظري ما لم يحضَ بموافقة دولية حينما يتطور الأمر إلى المطالبة بتأسيس دولة مستقلة وليس السعي لإقامة منطقة للحكم الذاتي فحسب. ولهذا حينما إستدعينا من الذاكرة قضية الدولة الكردية التي كانت على وشك التأسيس في عام 1975 فقد شئنا أن نُذَّكر بواحد من أهم العوامل الأساسية لنشوء الدول في العصر الحديث ثم نطالع من خلال ذلك فكرة التقسيم الحالية التي يدور الحديث عنها في هذه الأيام وكأنها صارت على الأبواب أو أنها تحولت إلى مشروع قرار على أساس تصريح السيد بايدن نائب الرئيس الأمريكي بهذا الشأن.
إن قرار إعتراف الغرب, المسؤول الأول عن جغرافية العالم, وأمريكا بالذات, بالدولة الكردية على أراضي عراقية لا يتأسس لمجرد التعاطف مع المطاليب الذاتية للشعب الكردي بجزئه العراقي الحالي ولا يرتبط بمعايير إنسانية مجردة عن تعبيراتها السياسية, بل اراه يرتبط بمصالح الغرب أكثر من إرتباطه بالمعايير الإنسانية أو بمصالح الشعوب المطالبة بافستقلال, وهو بالتالي يخضع إلى تساؤلات هامة ذات تأثير حاسم ومتأسس على طبيعة تناغم هذه الدولة ومصالح أصحاب القرار. ولعل من أهم الأسئلة التي تطرح قبل إصدار القرار هي الأسئلة التالية وماذا عن تأثير الدولة الجديدة على الدول الإقليمية ذات المشاكل المتشابهة مثل تركيا وإيران وسوريا, ثم ما إذا كان قيام هذه الدولة سيؤدي بشكل سياقي, وبتغذية من الصراع المذهبي الحالي, إلى قيام دولتين أخريتين واحدة شيعية وأخرى سنية قد تتطلعا بالنتيجة إلى الإنضمام لدول مجاورة مثل إيران والأردن وحتى تركيا التي تضع عينا على الموصل.
صحيح أن المراهنة على الموقف التركي, كونه رافضا لفكرة قيام دولة كردية على اية أرض مجاورة, لم تبقَ بمعزل عن تأثير المتغيرات الدولية والإقليمية وطبيعة المردود الذاتي التي ستحصل عليه نتيجة تأسيس الدولة الكردية وتشظي الدولة العراقية وخاصة على صعيد التمني لإعادة الموصل إلى الهيمنة التركية, غير أن الأمر يبقى أيضا متأثرا بشكل حاسم بمصلحة أصحاب القرار الدولي الذين لا يهتمون بالمصلحة التركية بمعزل عن مصالحهم التي ترتب المصالح التركية في سياقاتها لا في سياق هذه الأخيرة. أما على صعيد إيراني فقد يتغير رفض قيام الدولة الكردية بقسمها العراقي على واقعية المصالح التي يمكن أن تجنيها من خلال قيام دولة شيعية ملتحقة بإيران سياسيا أو جغرافيا, لكن هذا أيضا خاضع بالدرجة الحاسمة إلى مصالح أصحاب القرار العالمي الذي يرتب المصالح الإيرانية ذاتها ضمن دوائره لا ضمن دوائر الأخيرة.
أما إسرائيل فليس من الحكمة تصور أنها تملك تأثيرا حاسما على الدوائر الغربية بمعزل عن إعتبار يضع مصلحة هذه الأخيرة في سياق المصلحة الغربية ذاتها حيث نلاحظ إن إسرائيل لم تتمكن حتى هذه اللحظة إلى إعتبار قسم كبير من الأراضي العربية المحتلة بعد حرب الستة أيام في عام 1967 جزءا من أراضيها
فكيف يمكن لها أن تفرض قرارالإستقلال الكردي أوتؤثر بشكل رئيسي على تصنيعه.
بطبيعة الحال لسنا الآن بصدد الإشارة إلى موقفنا من تأسيس الدولة الكردية وإنما الذي شئنا أن نبينه هو أن تأسيس الدول يحتاج إلى أكثر من الرغبة الذاتية فيه, أو من الحقوق المشروعة لأصحاب الطلب, وإنما هو يخضع إلى عوامل دولية وإقليمية هي أهم بكثير من العامل المحلي الذي تضعه في خدمة مصالحها, ولهذا لا نعتقد أن تقسيم العراق سيكون سهلا بالشكل الذي يطرحه البعض او يتمناه أو يؤسسه على تصريح هنا وتصريح هناك.







#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة الحرشة في ألمانيا وما قاله شيخ المفكرين العراقيين عنها
- إعدام الشيخ نمر النمر في السعودية
- الناسخ والمنسوخ بين التراتبية الأخلاقية والتراتبية الزمنية
- غسان أبو المولدة
- لكي لا نموت في الأرض الحرام
- صدام والأسد .. هل كان أحدهما طائفيا (2)
- صدام والأسد .. هل كان أحدهما طائفيا (1)
- أرقام حنا بطاطو ... الرقم سمكة
- سوريا والعراق .. الثابت المبدئي والمتغير السياسي
- هل يتحول القيصر إلى شيخ قبيلة كذلك الذي كان عندنا في بغداد
- قضية المهاجرين المسلمين إلى الغرب
- الله ليس جنرال حرب
- القضاء علىى الإرهاب بالطائرات أشبه بالقضاء على الإيدز جويا.
- شهداء باريس .. الرقم سمكة
- البكاء عند أسوار سنجار
- نقلا عن فلان
- السيدة (العاصي) الزوجة الثانية أو الثالثة للجلبي .. حروب الم ...
- الشعب .. ما هو الشعب
- معركة الجوامع لا الشوارع . عائدية الإسلام لمن : للمعتدلين أم ...
- من أجل أن لا نفشل أمام الأغراب


المزيد.....




- مشاهد جديدة من إنقاذ حصان علق فوق منزل بسبب فيضانات البرازيل ...
- مصر.. يوسف زيدان يرد على علاء مبارك مع استمرار جدل -زجاجة ال ...
- طريقة بسيطة لتحسين صحة الرجال في منتصف العمر
- خبير: روسيا والصين تبنيان عالما بديلا يضعف الغرب
- حصان بلا رأس وكلب بلا عينين.. لقطات طريفة لحيوانات أليفة في ...
- احتفالاً بالموسم الجديد للزراعة.. الثيران المقدسة في تايلاند ...
- البنتاغون جهز مسبقا دفعة من الأسلحة لأوكرانيا قبل الإعلان عن ...
- البيت الأبيض: لا مؤشرات لدينا تؤكد نيّة إسرائيل اجتياح رفح
- نائب فنزويلي: بوتين يعيد بناء العلاقات الدولية وسيدفن هيمنة ...
- -شجار- فريد من نوعه خلال حفل زفاف.. شقيقة العروس تنقض على أف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - مشاريع تقسيم العراق