أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - شحاذ العمّ نجيب














المزيد.....

شحاذ العمّ نجيب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5036 - 2016 / 1 / 6 - 19:35
المحور: الادب والفن
    


في إحدى مدن اسكتلندا القديمة يقف تمثالٌ من البرونز لفارس مدجّج بالأسلحة والدروع. يضعُ فوق كتفيه شالا طويلا من الرقائق المذهّبة ويعتمر خوذةً فضيّة برّاقة. وجهه برونزي لامعٌ جامدُ الملامح عَبوسُها كما يليق بمحارب من العصور الوسطى. ينتصب الفارس المصقولُ أمام بوابة خشبية عتيقة مغلقة بلوحين متقاطعين من الخشب مثبتتين بمسامير وصواميلَ حديدية ضخمة وسلاسل. وهناك سلّة من الخوص تقبع تحت قدمي الفارس بها بعض العملات المعدنية من فئة الجنية الإسترليني ومضاعفاته! لماذا يهبُ الناسُ قروشَهم لتمثال؟! تنظر في عيني الفارس فلا ترى إلا خواءً يرنُّ صداه في عمق الأزمنة السحيقة فتتساءل كم قتيلا قتلَ هذا السيفُ وكم طعنةً ردّها درعُه؟ أردد مقولة علي بن أبي طالب: "لا تستحِ من إعطاء القليل فإن الحرمانَ أقلُّ منه"، فأقرر أن أجازفَ وأضع جنيها استرلينيا في السلة تيمنًّا بعصر الأبطال القدامى الذي ولّى إلى الأبد. فأفاجأ بالفارس يبتسم وتتحرك ذراعُه اليمنى يلتقط كفي الأيمن ويطبع قبلة عليها بعدما ينحني أمامي كما يليق بچنتل مان من النبلاء الكلاسيكيين! شحاذ!؟ نعم شحّاذ. فالأوروبيون يتفننون في طرائق الشحاذة فتفوقوا على مخرجي الأفلام. واحدهم يعزف على ڤ-;---;--يولين أو أكورديون، وأخر يطلي جسده بالبرونز وبودرة الذهب ليصير تمثالا لا تدخله الحياةُ إلى حين تدفع. ولنا في الشرق فنون أخرى. مثل ترويض الثعابين وابتلاع النار والنوم على المسامير كالحواة والسحرة في الهند والمغرب ومصر وغيرها.
ومفردة شَحَذَ في اللغة تعني أحدَّ السكينَ أو صقلَه، أو شحَذَ البصرَ فأحدّه وحدّق جيدًا، وشحذَ الناسَ أي ألحَّ عليهم بالسؤال والتسوّل. وأحد الشعراء الصعاليك قال في ذلك بيتا شعريًّا موحيًا: "وإني لأستحي من الله أن أُُرى/ أجرجرُ حبلاً ليس فيه بعيرُ/ وأن أسألَ الخبَّ اللئيمَ بعيرَه/ وبُعران ربّي في البلاد كثيرُ".
وثمة شحاذةٌ من نوع آخر يعرفها الفلاسفة. كما عرفنا عن الإغريقي ديوچين الذي كان يحمل مصباحًا في رابعة النهار، وهو الأعمى، ليبحث عن الحقيقة. ثم ينام في صندوق قذر بملابس رثّة غير عابئ بالدنيا. ولما جاءه الإسكندر الأكبر عارضًا أن يطلب أي شيء يريد فيحققه له في الحال، أجابه ديوچين بصلف وكبرياء: "فقط اِبعدْ، فإنكَ تحجبُ الشمسَ عني!"
وأما أشهر الشحاذين في الأدب العربي المعاصر فهو "عمر الحمزاوي" بطل "الشحّاذ" لنجيب محفوظ. وهي، عندي، أجمل رواياته. محام لامع ثري متحقق وناجح على صعيد الصحة والعمل والحياة والأسرة. كان شاعرًا في شبابه وأصدر ديوانًا ثم هجر الشعر بعدما انخرط في المحاماة والحياة. وفجأة، في منتصف العمر، يفقد الحماس لكل شيء وتخمل قواه وتخمدُ طاقته دون سبب مفهوم. يضيق بالعمل وبالناس وبالحياة وبنفسه. يبحث عن الرضا دون جدوى. ويظلُّ يطارد السعادةَ في شتى مكامنها ومظانّها: اللهو، الخمر، النساء، المخدرات، السفر، دون جدوى. يقول لأصدقائه وأهله إذا زاروه في الحلم: "زولوا لأرى النجوم". ثم راح يبحث عن الله. فيتردد في عمقه السحيق قولٌ يختم الروايةَ: "إن كنتَ حقًّا تريدُني فلمَ هجرتني!؟
في عيد ميلاده، أقول لعم نجيب محفوظ: كل عام وأنت مبدع وطيب، حيث تكون.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذبحة 2016
- أنتم تحاكمون الخيال!! 2/1
- شجرةٌ صنوبر وشيءٌ من الفرح
- دبي الجميلة.... سلامتك!
- أسوأ صورة في 2015
- قُبلةُ حبيبي
- الموءودة
- كيف قرأ الغيطاني الخديوي إسماعيل
- مثل الزهور سرعان ما يذبل
- شهاداتُ الفارس محمد أيمن
- داعش أمام المحكمة الأوزورية
- الغيطاني ونوبل
- حينما الفقرُ والبطالة طريقُك للبرلمان
- هذا نجيب محفوظ، وهذه جدتي
- نجيب محفوظ... لقاء أول... لقاء أخير
- أسعد امرأة في العالم
- ضد مجهول ضد الإنسانية
- المرأة وخلط الدين بالسياسة
- حكاية الرجل الشرير
- في ذكراها الأولى: صباح الخير يا صبوحة


المزيد.....




- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - شحاذ العمّ نجيب