أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حكاية الرجل الشرير














المزيد.....

حكاية الرجل الشرير


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5008 - 2015 / 12 / 9 - 10:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا لم ينصُّ أيُّ دستور في أي بقعة من بقاع الأرض على مادة تقول: “من حقّ كل مواطن أن يتنفس الهواء، أو أن يشرب من المياه إن ظمأ، أو أن يخلد إلى الراحة الأبدية إن انتهى أُجلُه"؟
لأن الهواء منحةٌ أبدية من السماء لسكّان كوكبنا، من حقّ كل بشريّ فوق هذا الكوكب أن يملأ به رئتيه ليحيا؛ تلك طبائع الأمور. كذلك الماء منحةٌ من الله لعباده يرزق به أرضهم ليرتوي الظِّماء من الإنسان والحيوان والنبات، وحتى الحجر الأصم؛ تلك أحكام البيولوچيا. أيضًا، إن انتهى أجلُ إنسان بأمر الله، فله أن يخلد للراحة دون أن يزعجه أحدٌ؛ ذلك منطق الأشياء. لهذا لن نجد مادة في أي دستور تناقشُ أمورًا بدهية مثل تلك، وإلا صار هذا الدستور طفوليًّا يشير إلى الوردة ويقول: “هذه وردة"، مثلما كنّا نقول في طفولتنا السعيدة: I have two eyes, and I can see.
لكنْ، يحدث أن ينسى الناسُ طبيعةَ الأشياء، نتيجة عوامل كثيرة مثل سيطرة تيار فاشيّ على عقول البسطاء، أو نفوذ حكومات تسلطية على مقاليد الحكم في مجتمع ما، أو مصالح بعض الطوائف التي تتعارض مع البديهيات الأولية التي استقرّ عليها العالم منذ بدء الخليقة وفجر التاريخ. هنا يضطر حكماء ذلك المجتمع أن يُذكّروا الناسَ بالبديهيات الأولى فيكتبون قواعدَ نبيلةً يسير عليها الناس. فتأتي مادة في الدستور (مثل المادة 53 من الدستور المصري) تتكلم عن المساواة التامة بين المواطنين دون النظر إلى العرق واللون والجنس والعقيدة والمستوى الاجتماعي. وتلك بديهية ما كان يجب أن ينصّ عليها دستور، لكننا نفعل لأن الناس تنسى البديهيات.
لنعُد إلى أصل الحكاية. كان هناك كوكبٌ. وحدث أن وُجِد رجلان اثنان على هذا الكوكب. فكان من الطبيعي أن يتقاسم الرجلان كل خيرات الكوكب بالتساوي، دون أن يجور واحدٌ على حق أخيه. أما إن تغلّب الأقوى منهما على الضعيف وانتزع حقه في الهواء والماء والثمر، نكون أمام ظاهرة حيوانية همجية لا إنسانية تعتمد مبدأ: “البقاء للأقوى". فإن وُجِد رجلٌ وامرأة على هذا الكوكب. يجب أن تتساوى حقوقهما وواجباتهما دون تمييز في الحقوق مع احترام الاختلاف النوعي بين الطرفين. فإن كان على ذاك الكوكب بشريان أحدهما صحيحُ البدن مفتول العضلات، والآخر سقيمٌ كسيح، أو أعمى، أو أصمّ، هنا نقف أمام مبدأين علينا الاختيار بينهما: 1- العدلُ الأعمى والمساواة بليدة القلب، وتقضي بأن يتساوى الاثنان في الحقوق والواجبات، دون النظر إلى قوة الأول وضعف الثاني. 2- العدل الواعي والمساواة المثقفة، وتقضي بأن يحتوى القويُّ السقيمَ ويحميه من جبروت الطبيعة وشراسة الضواري، دون أن يجور على حقه في الثمر وطيبات الأرض. فإن حدث وكان أحدهما أخضرَ اللون، وكان الثاني أزرق البشرة. هل يجور لون الإنسان على حقوقه أو واجباته؟ مبدأ الحق والخير والجمال يقول: "لا دخل للون المواطن في حقوقه وواجباته." فإن حدث أن اختار أحدهما أن يقدّس الشمسَ، وأختار زميله أن يقدّس القمرَ، فهل يقتتلان من أجل هذا؟ هل يطمع أحدهما في أن يقتص من حقوق أخيه لاختلاف الفكرة والرؤية؟ أم يخلو كلٌّ إلى قدسه في خلوته، ثم يخرج إلى صاحبه يصافحه ويتشارك معه الحياة في سلام وتوادّ؟
فإن حدث وظهر فوق هذا الكوكب رجلٌ ثالث، جاء ليتشارك مع صاحبينا السابقين حياتهما. في البدء كان الرجل الثالث لطيفًا مسالمًا، وقد اتفق الرجلان الأولان أن يُعاد تقسيم الأرض والثمر والطيبات على ثلاثة أنفس بدلا من اثنين، وفق مبدأ العدل الجميل الذي أقرّاه منذ البدء. ومرّت الأيام في هدوء إلى أن قرر هذا الثالث أن يزرع بين الصديقين فتنة، ليستلب منهما الكوكب، فراح يوغر صدر واحد منهما على الآخر، ويوهمه أن له حقوقًا تفوق حقوق صاحبه، ماذا يحدث آنذاك؟ إن استسلما له حدث الاقتتال واختل التوازن وخسر الجميعُ إلا صاحب الفتنة الشرير. أما لو احتكم كلاهما لصوت العقل والضمير والفطرة السوية، فإنهما سوف يتحدان معًا ضد هذا الثالث الشرير.
ويحدث أن يأتي للكوكب شخصٌ رابع ينادي بكل ما سبق من مبادئ الجمال والعدالة والخير والمساواة. ويحدث أن يحبّه كثيرٌ من الناس لأنه ينادي بطبائع الأمور الأولى البديهية، ويكرّس في الأرض الفطرةَ الإنسانية السليمة. ويحدث أن يمقته بعض الناس لأن لهم مآربَ ومصالحَ في إشعال الفتن بين الناس لأغراض في نفوسهم.
في المجتمعات المثقفة المتحضرة، يُحمل على الأعناق ذلك الرابعُ المنادي بمبادئ الإنسانية والحق والخير والجمال، ويوضع الشرير رقم 3 وراء القضبان حتى تتطهر روحه من دنايا العنصرية والطائفية والعرقية. بينما في المجتمعات الظلامية الرجعية، يُحمل الثالث الشرير فوق الأعناق، ويحارَب ويُقتل الرابع المسكين الذي راح ينادي بمبادئ الإنسانية والمساواة والحق والخير والجمال.

فاطمة ناعوت



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكراها الأولى: صباح الخير يا صبوحة
- إنهم يكرهون المادة 53
- الشاعر والبرلمان... الطيارة والقطار
- مشاهداتٌ من دفتر الانتخابات
- الشارع لنا... يا مسز نظيفة!
- خيط رفيع بين الضحية والإرهابي
- سقطة الكردوسي
- صوتُ الرئيس ونفيرُ البارجة
- طفلٌ أصمّ في الجوار
- هَدْرُه علَّمَ الجشَع
- أصل الحدوته
- مصر زعلانة منك
- شاهدْ الهرم... ثم مُتْ
- مَن كان منكم بلا إرهاب، فليضربنا بحجر
- محاضرة من القرون الوسطى
- تعليم خفيف الظل
- أيوا مصر بتحبك
- السيسي وحده لا يكفي!
- رحلة جمال الغيطاني الأخيرة
- لماذا تسمونها: معركة انتخابية؟


المزيد.....




- ماما جابت بيبي.. ثبتها الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي نايل س ...
- أعداد محدودة في انطلاق الحج اليهودي لكنيس الغريبة في جنوب تو ...
- الصفقات المالية الرقمية المعاصرة: آفاق جديدة للابتكار في الق ...
- جمهورية موردوفيا الروسية: قرابة نصف تجارتنا هي مع الدول الإس ...
- أخر تحديث لـ تردد قناة طيور الجنة للاطفال TOYOUR EL-JANAH TV ...
- الصفقات المالية الرقمية المعاصرة: آفاق جديدة للابتكار في الق ...
- إصابة مواطن جراء اعتداء قوات الاحتلال عليه في سلفيت
- مجموعة من اليهود الحريديم تهاجم بن غفير بسبب -العلم الفلسطين ...
- موريتانيا.. فتوى تحرم الدجاج المستورد من الصين
- هتفرّح أولادك كل ثانية حدثها اللآن.. قناة طيور الجنة تعود بت ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حكاية الرجل الشرير