أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - نجيب محفوظ... لقاء أول... لقاء أخير














المزيد.....

نجيب محفوظ... لقاء أول... لقاء أخير


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5012 - 2015 / 12 / 13 - 20:31
المحور: الادب والفن
    



المكان: ڤ-;-يلا الدكتور يحيى الرخاوي بحي المقطم. الزمان: خريف 2003. هذا الشيخ الجليل الذي لا يكاد يُبصر، ومازالت قواه خائرة بعدمت اخترقت عنقَه قبل عشر سنوات، طعنةٌ جهول من خنجر جهول في يد أُميٍّ جهول؛ شخصتُ فيه أتأمله وهو يجلس في هدوء بين حرافيشه ومريديه مُطرقًا برأسه متوكئًا على عصاه بيسراه. أما أصابعُ يمناه، الراقدة على ركبته، فكأنما تجمّدت على وضع واحد ثابت لا يتغير. قلت للجالس إلى جواري: "انظر! يا إلهي! كأن أصابعَه تقبض على قلم!”. والقلم غير موجود! أصابعه تقبض على فراغ على هيئة قلم ليس هناك. كأنما لا يريد أن يترك رفيقَ عمره حتى بعدما ذهب البصرُ وخارت قوى القبض على القلم. هذا كاتبٌ كبير حقًّا.
ليلتها كتبتُ قصيدة "الطريق" التي نُشرت في ديواني الرابع: “فوق كفّ امرأة" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2004، ويقول مطلعُها: “لن أصفحَ/ برغم أصابعِك التي تجمّدتْ على قبضةِ القلمْ/ عند سفح المقطم.”
أما لقائي الأخير به فكان في ربيع 2006، قبل رحيله بشهور قليلة. المكان: فندق شبرد الذي يُطلُّ على نيل مصر. قاعةٌ ضوءُها الخافتُ رفيقٌ بشبكية رجل جاوز التسعين، بينما فرادةُ عقله وقوةُ إبداعه قد أثبتتا أنهما تحييان خارج الزمن. تحدث معنا بمحبة كعادته مع كل مريديه وحوارييه. أخذني الإنصاتُ كالعادة، وفجأة تذكّرتُ شيئًا! معقول على كل ما أقتني من روايات لنجيب محفوظ، لم أحظَ بعدُ بتوقيع منه على أيّ منها؟!
نهضتُ من مقعدي وخرجت مسرعةً من القاعة وسط دهشة الجميع وركضتُ على سلم البهو نزولا ثم خروجًا من شبرد ثم دخولا لفندق سميراميس المواجه ثم ارتقاء الدرج حتى الطابق الأول حيث المكتبة التي تضم معظم أعمال الكاتب الكبير. لم أتحيّر كثيرًا أمام الاختيارات، لأنني أعلم أن أصابعي رأسًا سوف تقع على "الطريق". الرواية الأقرب إلى قلبي. حيث "البحث عن هوية"، "البحث عن حُلم”، البحث في ذاته هدفٌ، وليس الوصول إلى الضالة. كلنا ينتظرُ شيئًا ما، بصرف النظر عما ننتظر، ولو تحقق ما ننتظر اختفى سببُ وجودنا. عدتُ إلى صالون الأستاذ ركضًا وكان الأستاذُ ينتظر بقلمه كي يوقّع باسمه على الرواية وعلى "الطريق”: نجيب محفوظ،........
بعد حادثة الخنجر، أصبح يكتب ببطء شديد وبخط كبير الحجم. بعدما كتب اسمه حاولت سحب الرواية من بين يديه وأنا أشعر بالخجل لما سببته له من جهد وتعب دقائقَ طوالا كأنها الدهرُ. لكنه رفع عينيه نحوي ونظر مباشرة في عيني قائلا: “أوعي توقعي اسمك دون تاريخ، أبدًا.” وكان درسًا لم أخلفه أبدًا كلما وقّعت أحد كتبي لقارئ.
لم ينس أن يكتب تاريخ يومئذ، 2 أبريل 2006 ولو استغرقتْه كتابةُ التاريخ خمسَ دقائق أخرى مضافة إلى الخمس الأولى التي كتب فيها اسمه بخط مرتعش، لكن ذلك التوقيع المرتعش غدا اليوم أحب توقيع لدى المصريين، والعرب. دسستُ كتابي/ الكنز، الذي غدا ثروةً قيّمة، في حقيبتي ثم أخذني الصمتُ الطويل. أستمع له وأستمتعُ بخفة ظلّه وقفشاته السياسية وإلماحاته الذكية التي تشير إلى نصاعة وعي لم يستطع أن ينال منه تراكمُ العقود وغزارة العمل. هذا لقائي الأخير به. فيا تُرى متى كان لقائي الأول به؟ يا إلهي! ثلاثون عامًا تفصل بين اللقائين!
لقائي الأول به كان في كازينو "قصر النيل". النيل أيضًا؟ ترى ما الرابط بين النيل ومحفوظ؟ كان عمري وقتها تسع سنوات.
"لن أصفحَ /برغم أصابعِكَ التي تجمّدتْ على قبضةِ القلمْ/عند سفح المقطم./لأن تعثري/في سنواتي التسعِ/بين مقاعدِ مقهىً مقصوصٍ من العاصمة/و بين أميالِك التسعة/من النهرِ إلى البحر/أفلتَ التاجَ من الوجوديين/ليستقرَّ في يدِ صبيتيْنِ/تحملانِ لقبَ العائلة."
حين أشارت إليه أمي قائلة: “اللي قاعد هناك ده هو نجيب محفوظ، واللي حواليه اسمهم الحرافيش"، رحتُ أشبُّ" على أطراف أصابعي لكي أراه بوضوح وأتأمل تلك "الحَسَنَة" الكبيرة جوار أنفه. يسمونها "زبيبة". أمي تشير إلى طاولته من بعيد وتقول لي ولأخي: "ده كاتب كبير.” وأنا أحاول أن أربط بين الحسنة الكبيرة وبين الكاتب الكبير. كان هذا في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، قبل عقد من حصوله على نوبل. أدفسُ وجهي في كأس الكاساتا بالفراولة والڤ-;-انيليا، وأشبُّ بين الحين والآخر على قدمي كي أحدّق في الكاتب الكبير. هل يختبئ الإبداعُ الكبيرُ داخل هذه الزبيبة الكبيرة؟ عند المساء، أفحصُ وجهي في مرآة غرفتي ، فلا أجد أية زبيبة. هذا يعني أنني أبدًا لن أكون كاتبة كبيرة!
أول أمس، 11 ديسمبر، كان عيد ميلاد نجيب محفوظ، فكل عام وأنت بيننا بقلمك وحُلمك وإبداعك، ونم ملء جفونك عن شواردها، أيها النجيبُ الجليل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسعد امرأة في العالم
- ضد مجهول ضد الإنسانية
- المرأة وخلط الدين بالسياسة
- حكاية الرجل الشرير
- في ذكراها الأولى: صباح الخير يا صبوحة
- إنهم يكرهون المادة 53
- الشاعر والبرلمان... الطيارة والقطار
- مشاهداتٌ من دفتر الانتخابات
- الشارع لنا... يا مسز نظيفة!
- خيط رفيع بين الضحية والإرهابي
- سقطة الكردوسي
- صوتُ الرئيس ونفيرُ البارجة
- طفلٌ أصمّ في الجوار
- هَدْرُه علَّمَ الجشَع
- أصل الحدوته
- مصر زعلانة منك
- شاهدْ الهرم... ثم مُتْ
- مَن كان منكم بلا إرهاب، فليضربنا بحجر
- محاضرة من القرون الوسطى
- تعليم خفيف الظل


المزيد.....




- باللغة العربية.. موسكو وسان بطرسبورغ ترحبان بالوفد البحريني ...
- انهيار منزل الفنان نور الشريف في السيدة زينب.. وابنة تعلق! ( ...
- كيف أعاد شفيق البيطار بادية بني سعد إلى البيوت بلغة عربية فص ...
- قتلى أو شهداء أو ضحايا؟ عن مفهوم التضحية ما بين اللغة والفلس ...
- الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...
- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - نجيب محفوظ... لقاء أول... لقاء أخير