الإرهاب الاليكتروني نمط جديد من الإرهاب العابر.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 5029 - 2015 / 12 / 30 - 22:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الإرهاب الاليكتروني نمط جديد من الإرهاب العابر.

تطل علينا المواقع الإليكترونية يوميا بسيل من الرسائل والمنشورات والدعايات المختلفة والتي تعبر بوجه حقيق عما يسود المجتمع من أخلاقيات وممارسات فكرية وأجتماعية ومعرفية وعلمية , وهذا نابع من طبيعة النظام التواصلي الحديث المعتمد على حقائق ثلاث هي :.
• سرعة في التواصل والأتصال والقدرة على بلوغ قراء ومتلقين على مساحة واسعة بل وغير محددة بكل يسر وسهولة , مما يضمن لتلك الرسائل أن تصل إلى قاعدة قارئة ومتلقية بمختلف المستويات , وبموجب الدراسات والنظريات الإحصائية الرياضية فأحتمال قدرتها على التأثير تزداد بأتساع القاعدة التي تصل لها .
• تنوع وتعدد الأشكال وأستخدام التقنيات الفنية العالية التي تجعل منها منشورات جاذبه بأستخدام مختلف صنوف فعاليات التأثير , جعل من هذه الرسائل والمنشورات تتصدر نسبة المشاهدة والقراءة , عكس تماما بالأفكار المعرفية والعقلية والعلمية والفلسفية التي تبدو للكثير وكأنها جافة ولا تدع للتفاعل .
• القدرة على التخفي عن أجهزة المراقبة والكشف والإدانة من قبل الأجهزة الأمنية من خلال الدخول بأسماء وهمية أو أستعارة أسماء مختلقة وصور للتخفي , وهذا العنصر مهم سمح للكثير من النشطاء العقائديين والفكريين التواصل مع جمهور واسع بقليل من الخبرة والحذر .
هذه الحقائق في الواقع مدخل أساسي ومهم في أنتشار الكثير من القيم التواصلية المشتركة بين جمهور متعطش للتواصل والمتابعة وبالذات في منطقتنا العربية والإسلامية , وهي تعاني من الكبت السياسي ومنوع العمل السياسي الديمقراطي ,ولا تعرف الحكومات والسلطة الأجتماعية أن التضييق وحرمان الشباب بالذات من الوصول للمعرفة الحقيقية والعمل الحر والمنظم تحت سقف القانون المدني الديمقراطي يجبرها على الانسياق خلف أفكار وأهداف تمثل في ظاهرها خطاب تعبوي تحريضي ضد الظلم والقهر السياسي , في حين أن أهدافها الحقيقية تنطوي على التمرد والتخريب ضد المجتمع نفسه وبتحريض من جهات ذات أسماء وشعارات براقة لكنها بالغالب غير معلومة الأهداف والدوافع .
لقد نجحت أفكار ومعتقدات وأراء سوداء من الوصول إلى قطاعات واسعة من الشعب العربي والإسلامي وبالذات الشريحتين الأكثر تأثرا من فساد النظام السياسي والفكري في مجتمعاتهم , وهم الشريحة العاطلة عن العمل أو التي تعاني من مشاكل في سوق العمل أو تعاني من ظلم وتمييز , وهذه الشريحة التي تمثل قنبلة موقوتة داخل كل المجتمعات وتسعى الأمم الحية والبلدان التي تحرص على أمنها الأجتماعي أن تتجنب زيادة الضغط والتأثير عليها لما تشكله من تهديد مستمر للسلام الأجتماعي , والشريحة الثانية والتي تأت بالأهمية من حيث عددها والأكثر خطورة من حيث تأثيرها المستقبلي شريحة الطلبة في مرحلتي الدراسة الثانوية والمعاهد والجامعات .
هذا الاختراق المهم والخطير لم يكن ناشئ فقط من كن هذه الأفكار جاذبة وحقيقية وتمثل أستجابة لتطلعات ذات أهمية خاصة , ولكن النجاح هذا يعتمد على عنصرين هما فشل السياسة الأجتماعية والفكرية المتفشية في ظل سلطات أرتبطت بمصالح وتوجهات لا تمثل إنعكاس حقيقي لمصلحة بلدانها ومجتمعاتها , وتحولت إلى أدوات بيد قوى وأفكار دولية وإقليمية لتؤمن لها بقاء أطول في السلطة , والعنصر الثاني أن هذا التغلغل لا يمثل إلا برنامج واسع ومدروس وممول وله خبراء ومختصين في التسويق الفكري والأيديولوجي المنظم , وهنا تقع المخاطرة حين تكون المجتمعات تتلقى سيول من الأفكار والروى والعقائد دون أن تستطيع أن تحصن نفسها من التأثيرات الخطيرة والماحقة لها ودون أن تختط لنفسها برنامجا ثقافيا وفكريا أجتماعيا , بل مارست الكثير من القهر والقمع وبأستخدام أقسى ما أنتجته آلته القمعية نزولا للشارع الشعبي ليتقاتلا في ما يسمى بالربيع العربي .
الإرهاب الاليكتروني عالم جديد وفد مع التكنولوجيا التواصلية وإن لم يكن وليدها الشرعي ولكن الحقيقة أن هذه الولادة كانت قبل أنتشار التواصل الاليكتروني بطيئة وصعبة وغير متناسبة مع طموح روادها الأساس الذين كانوا ينتقلون بالفعل من مكان لأخر لنقل الفكرة , في حين أنهم اليوم يشكلون مجموعات تعد بمئات الآلاف من الأشخاص يعملون بتوجيهات محددة وبأماكنهم دون أن يضطروا للتحرك وهذا ما سهل لهم أن يطرحوا كم كبير ومتواصل من الضخ الأعلامي الذي جند الكثير من أفراد الشريحتين الأكثر أهتزازا والأكثر تأثرا بالوضع السياسي والأجتماعي ليكونوا دعاة وأدوات تنفيذية لهذا الإرهاب الأعمى العابر للمكان والزمان والذي يستهدف الإنسانية بوجودها وللثقافات البشرية في التسامح والعمل المشترك والحضاري أن تداس تحت أقدام الأفكار الظلامية العبثية دون أن ينجح أحد في وقف هذا المد وهذا التوسع الرهيب .

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل