|
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 30
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 10:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مؤتمر لندن 14 – 16/12/2002 كان واضحا للجميع أن الولايات المتحدة جادة في إسقاط نظام صدام، وكان يراد لمؤتمر لندن أن يضع الخطوط العريضة لما بعد صدام، ولدور قوى المعارضة، بالذات الإسلامية الشيعية منها، والكردية، والعلمانية. وكان الجميع متحمسين للمشاركة في هذا المؤتمر، باستثناء حزب الدعوة الإسلامية، والحزب الشيوعي العراقي. ومقاطعة حزب الدعوة جاء بقرار أكثرية أعضاء القيادة العامة، الذين كان عددهم أحد عشر عضوا، خمسة من إيران، وأربعة من أورپا، واثنان من سوريا. بينما كان ميل أكثر (دعاة) أورپا نحو المشاركة، وأنا كنت من هؤلاء الذين يرجحون المشاركة. لم يكن ذلك من قبيل تأييد خيار الحرب، ولا ترجيح أن يجري إسقاط النظام على يد الأمريكان بدل أن يكون بأيد عراقية، ولكن لتشخيصنا أولا أن أمريكا جادة هذه المرة في قرار إسقاط النظام، ولتشخيصنا ثانيا لعجز المعارضة والشعب العراقي عن إسقاطه، وثالثا لقناعتنا بأن ليس من المصلحة أن نكون غائبين، فالقرار متخذ ونهائي. ومن المتحمسين للمشاركة في مؤتمر لندن من الدعاة كان أيضا إبراهيم الجعفري نفسه، وصادق الركابي، وعبد الرزاق الكاظمي، وعدنان الكاظمي، وعدنان الأسدي، وكمال الساعدي، ومن الدعاة السابقين أو المنقطعين كان حسين الشامي، وموفق الربيعي، وسامي العسكري، من الداعين للمشاركة. وفي عام 2002 بدأت أكتب بكثافة على موقع «كتابات» بشكل أساسي، لكن أيضا على «عراق الغد»، التي غير اسمها لاحقا إلى «الجديدة»، ومواقع أخرى. ولكون مقالاتي بهذا الخصوص بالذات، كانت لا تتفق مع قرار قيادة الحزب، اتصل تلفونيا بي في أحد الأيام حسن شبر، الذي كانت تربطني به علاقة حميمة، ليعاتبني: كوني أكتب بخلاف موقف الحزب، فأجبته بما ألخصه بثلاث نقاط هي، أولا: أني أرى أن تنوع الرؤى داخل الحزب هي نقطة قوة للحزب، وليست نقطة ضعف، ثانيا: إني لا أكتب فقط عن وجهة نظري الشخصية لوحدي، بل هي وجهة نظر شريحة واسعة داخل الحزب، ثالثا: إني أذكر مع هذا قرار القيادة باحترام، لكني أبين لماذا يرى الكثير من (الدعاة) خلاف ذلك. عندها اعتذر الرجل وانتهت المكالمة، والتي علمت لاحقا أنها جاءت بتحريض من گاطع الركابي (أبو مجاهد) للقيادة في طهران، حيث كان قد اتصل بهم من مكان إقامته في أستراليا، لينبههم إلى أن الشكرجي يكتب بخلاف مواقف الحزب. والغريب أن الجعفري أثناء الحملة الانتخابية لمجلس النواب في نهاية عام 2005، وعندما كان ما زال في حزب الدعوة، وكان الحزب ما زال ضمن قائمة (الائتلاف العراقي الموحد) التي حملت الرقم (المقدس) 555؛ من الغريب أنه استخدم قرار حزب الدعوة بعدم المشاركة في مؤتمر لندن للمزايدة الوطنية، من أجل دغدغة عواطف الصدريين، متناسيا حقيقتين، الأولى أنه كان من الراغبين وبشدة في المشاركة، إنما احترم كرجل يؤمن آنذاك بالحزب قرار القيادة، بالرغم من مخالفته لقناعته الشخصية، والحقيقة الثانية التي تناساها وهو يزايد بقرار عدم المشاركة، أن الحزب لم يكن نازلا في الانتخابات لوحده، بل ضمن ائتلاف، يضم أطرافا شاركت في مؤتمر لندن وبحماس، وعلى رأسها المجلس الأعلى الذي كان بخلاف حزب الدعوة والحزب الشيوعي، يؤيد الحصار الاقتصادي، ويدعو للخيار العسكري الأمريكي لإسقاط النظام، والمجلس كان يومها العمود الفقري للائتلاف العراقي الموحد (الشيعسلاموي)، قبل أن ينجح المالكي في سرقة الاضواء، والأصوات، والنفوذ، من المجلس الأعلى لصالح شخصه (نوري المالكي)، ولصالح حزبه (حزب الدعوة الإسلامية)، ولصالح ائتلافه (ائتلاف دولة القانون). فالمالكي أصبح بحق فنانا في التآمر، وفي (زحلگة) و(زبلطة) خصومه من خارج الصف الشيعسلاموي، ومنافسيه من داخل التحالف الوطني.
الإسلاميون العراقيون والديمقراطية عقدة الإسلاميين من الديمقراطية والعلمانية العلمانية كانت تعتبر سُبّة، والديمقراطية مخالفة شرعية. وهنا أتذكر كيف كنا [في مطلع الثمانينات] كـ(دعاة) [أي كمنتمين إلى حزب الدعوة] نتأذى من إلصاق تهمة العلمانية بنا، كما ذهبت منظمة العمل الإسلامي إلى إشاعته عنا في أوساط الإيرانيين، في سني ما بعد الثورة (الإسلامية)، إذ كانوا يروّجون بين الإيرانيين إن حزب الدعوة ما هو إلا حزب علماني في حقيقته، وإسلامي في ظاهره، شأنه شأن (المنافقين)، ويقصدون منظمة مجاهدي الشعب (سازمان مجاهدين خلق)، هذه المنظمة التي كان يعتبرها الإيرانيون العدو الداخلي الأول للثورة. وكانوا يضمنونها ضمن هتافات (الموت) التي تعقب التكبيرات، بديلة التصفيق حسب (فقه الثورة)، فكان التكبير كالآتي: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، خميني رهبر [بمعنى قائد]، مرگ بر أمريكا [مرگ بر: الموت لـ...]، مرگ بر إسرائيل، مرگ بر منافقين [المقصود منظمة مجاهدي خلق، و"خلق" بمعنى (الشعب) في أدبيات اليسار، بينما "ملت" تعني (الشعب) في الأدبيات الإسلامية والمحافظة]، مرگ بر صدام، مرگ بر ضد ولايت فقيه [تُلفَظ بالفارسية: مَرگ بَر زِدَّ ڤ-;-ِلايَتَ فَقيه]». وبسبب التحسس من العلمانية، كان ينظر حتى إلى رجال الدين غير المتبنين للإسلام السياسي، المسمى عندهم بالإسلام الحركي، وبما في ذلك الحركات الشيعية غير الإسلامية نظرة ريبة. هكذا كان الموقف مثلا من موسى الصدر، وحركة أمل، ومن الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الذي كان حزب الدعوة يتحسس منه كثيرا، وكم أظهر نوري المالكي لي شخصيا استنكاره لما كان يطرحه (الشيخ) [في النصف الثاني من عقد التسعينات] من نصيحته لأحزاب الإسلام السياسي أن تترك السياسة، وتتوجه للنشاط الديني، وتتصالح مع الأنظمة. وعلى ذكر موسى الصدر، أتذكر في إحدى زياراتي في الفترة بين 1977 و1980 لمحمد باقر الصدر في النجف، أنه كان في زيارته موسى الصدر، وكان برفقتي نوري حمودي الشقيق الأكبر لهمام حمودي، فقال لي إن السيد (يعني محمد باقر) غير راض عن توجه السيد موسى. وفي التسعينيات. عندما كنت أتردد على الدانمارك، أحيانا لوحدي، وأحيانا مع إبراهيم الجعفري، ولكون (الدعاة) القائمين على النشاط الإسلامي هناك كانوا على علاقة إيجابية بغالب حسن الشابندر، وغالبا ما كانوا يدعونه لإلقاء المحاضرات، وجدنا الجعفري يتحسس كثيرا من استدعائهم له، ويعتبر ذلك ضعفا في وعيهم، لكونهم يعطون الفرصة للشابندر أن يؤثر في جمهورهم، رغم أن فكره مشوب بالعلمانية. طبعا هناك سبب آخر لهذا التحسس، على ما أظن، وحسب تحليلي لشخصية الجعفري عبر المعايشة الطويلة، وهو تحسسه من انشداد الناس إلى غيره. أما العقدة تجاه مفردة الديمقراطية، فلي كلام أكثر تفصيلا عنها. لكني أحب ذكر حادثة لنا في ألمانيا في بدايات نشاطنا الإسلامي، هذه البدايات التي كنت ما أزال في مرحلة السذاجة والسطحية. في الذكرى الأولى لإعدام محمد باقر الصدر، أو الثانية، وهو الأرجح على ما أتذكر؛ نظّمنا مسيرة في مدينة هامبُرڠ-;-، فأبدى عراقيون علمانيون رغبتهم في مشاركتنا في المسيرة. وعندما رأيناهم يحملون الشعار الرائع «الديمقراطية للعراق والفيدرالية لكردستان»، امتعظ أحد أعضاء الحلقة الرأسية لحزب الدعوة آنذاك أمجد طبلة (أبو يوسف)، والذي تحول لاحقا إلى مندكّ في المشروع الإيراني، فطلب منهم أن يجعلوا فاصلا من مسافة بيننا وبينهم، كي لا يتلوث نقاء إسلاميتنا بلوثة شعاراتهم العلمانية. فيا له من تعصب أعمى وسذاجة وسطحية، بل وتطرف. [لا أدري قد يكون الرجل قد تغير.]
وحادثة أخرى أتذكرها، وهي إن أحد (الدعاة) الذي ترك تنظيم حزب الدعوة لاحقا بسسب ولائه لإيران، ثم تحول مؤخرا إلى ليبرالي، كان قد دعاني لندوة مشتركة مع شيوعيين عراقيين في فرانكفورت، كانوا هم الذين اقترحوا إقامة هذه الندوة المشتركة. وكانوا قد قاموا بشيء، لا أدري ما إذا كان مقصودا، من أجل إحراجنا، وفضح تطرفنا، أو لم يكن مقصودا، إذ كانوا قد دعوا ممثلين للحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذين لم يشاركوا في الندوة، بل كل ما في الموضوع، نصبوا طاولة كتب ومنشورات لهم. يفترض أن يكون الأمر عاديّا، ولكني كنت محرَجا، لا لحساسية لديّ للالتقاء بإسرائيليين، لاسيما وهم شيوعيون ومعارضون لسياسات إسرائيل، ومتضامنون مع الفلسطينين، لكني خشيت أن يستخدم ذلك لتسقيط حزب الدعوة، فاعتذرت عن مواصلة النشاط، فسمعنا كلمات لاذعة في نقدنا من قبل الشيوعيين العراقيين، كالشوفينية على ما أتذكر. هذا كان في الثمانينيات، ربما في أواخرها، أما في التسعينيات، بعدما عُرف عني طرحي لموضوعة الديمقراطية، وأصبحت ممثلا لحزب الدعوة في لجان تنسيق قوى المعارضة في ألمانيا، فقد تكونت صداقة متميزة بيني وبين الشيوعيين بشكل خاص، وعموم العلمانيين العراقيين، فنشر الشيوعيون عدة مرات مقالات لي في مجلتهم (الثقافة الجديدة)، وكتبوا عني يمتدحون طروحاتي، ودعوني لأكثر من ندوة ومؤتمر ونشاط. وهذا لا يحسب لي فقط، بل لهم أيضا، من ناحيتي لاعتدالي وانفتاحي الصادقَين رغم إسلاميتي، ولطروحاتي في موضوعة الديمقراطية، وفي خطابي المتجرد من الأدبيات الإيديولوجية في مجال المشتركات، ولهم لانفتاحهم عليّ رغم إسلاميتي.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 29
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 28
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 27
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 26
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 25
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 24
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 23
-
تركيا - روسيا - فرنسا - سوريا - داعش
-
مع مقولة: «الدولة المدنية دولة كافرة»
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 22
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 21
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 20
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 19
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 18
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 17
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 16
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 15
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 14
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 13
-
داعش وما قبله وما بعده: الإسلام هو المشكلة
المزيد.....
-
وسائل إعلام إيرانية: أكثر من 10 آلاف حاج عالقون في السعودية
...
-
مصدر عسكري إيراني: أكثر من 70% من الصواريخ أصابت أهدافها بدق
...
-
مصر.. القبض على -المذيع الفرفوش- بسبب فيديوهاته المخلة
-
الجيش الأردني: سقوط طائرة مسيرة وانفجارها بكامل حمولتها
-
الحرس الثوري الإيراني يعين خلفا لرئيس استخباراته الذي اغتالت
...
-
مدفيديف: الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية خطيرة وقد ت
...
-
نوفاك: روسيا مستعدة لبدء إمدادات الغاز عبر المسار السليم من
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء لمنطقة صناعية في إيران (خر
...
-
من هو -الغوريلا- الذي يؤثر على استراتيجية ترامب تجاه إيران و
...
-
ابتكار درع صيني جديد فائق المقاومة للحرارة
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|