أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - الجمالي السياسي التونسي















المزيد.....

الجمالي السياسي التونسي


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5017 - 2015 / 12 / 18 - 04:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الكاف ـ الاربعاء 16 ديسمبر 2015 : ايقاف فتاة ناشطة تبلغ من العمر 17 سنة صاحبة حملة حاسبوهم التي تدعو لمحسابة البوليس الفاسد المرتـشي و التعذيب في مراكز الأمن.
يعتبر المشهد السياسي في تونس جميلا خاصة و ان تم مقارنته بالتاريخ السياسي البائس في المنطقة العربية. هذه الجمالية كانت منذ النضال السياسي ضد الاستعمار الفرنسي، ثم انبثـق مشهد يعبر عن جمالية خاصة تعرب عن قيمة و معنى انسانيـين بين المعارضة و الحكومة. حكومة البناء الاقـتصادي للسيد احمد بن صالح. مجلة الاحوال الشخصية التي خطت خطوات مهمة في تحرير المرأة التونسية. القضاء على ازدواجية التعليم و اغلاق جامع الزيتونة كمؤسسة تعليمية دينية. اعطاء الاولوية للتعليم الحكومي المجاني بمضامين علمية عصرية بما فيها ادراج مادة الفلسفة كمادة رئيسية في السنة الختامية من الثانوية. بناء دور الثـقافة و الشباب في اغلب المدن التونسية و التي قامت بنـشر ثـقافة المسرح و السينما و الانـشطة الحوارية و الرياضية( باعتبار العقل السليم في الجسم السليم).
من جهة اخرى حركة العامل التونسي في الستينات، تـنامي نشاط الاتحاد العام التونسي للشغل كأكبر منظمة مستـقـلة عن الحزب الحاكم، بل منظمة يسارية شاملة لجميع الفاعلين السياسيـين من اليسار الماركسي و العروبي في اطار العمل النـقابي المتضامن ذو البعد الوطني و العربي. فالاتحاد ليس مجرد تجميع للنقابات بل شدها الى مستوى ارفع متجاوز لها و يعبر عنها جميعا من خلال الرؤية الوطنية الشاملة للقضايا التي يتوجب الدفاع عنها. كذلك فالاتحاد يتجاوز الاطار الوطني نحو بعض القضايا التي كرسها كثوابت و هي التي تهم الوطن العربي و اهمها قضية التحرر الفلسطيني، كما ان مسيرات المساندة للعراق في حرب الخليج الثانية كانت تـنطلق من مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل.
كانت الجامعة التونسية ساحة معارك سياسية كبرى مع الحكومة. ممارسات البوليس التونسي كانت رحيمة مقارنة بما نعرفه في بقية الانظمة العربـية. هناك انـتهاك للكرامة الانسانية و لكن ليس قـتلا لإنسانية الانسان مثلما هو حال بقية الانظمة العربية.
فالفكرة الاساسية التي تـتطلب دراسة شاملة فيها من التحليل و المقارنة هو ان الحالة التونسية المعاصرة مختلفة جدا بل هي فريدة من نوعها في العالم. العوامل الفاعلة المتصارعة و المنسجمة حسب الواقع و الحالات و حسب استبدال المواقع، كانت كلها تـقوم بولادة حالة سياسية فيها جمالية و صناعة لجمالية سياسية. الاثر الواضح لهذه الجمالية هي الانـشطة السياسية اليسارية في المعاهد و الجامعة و في الاتحاد العام التونسي للشغل و في الحوار مع الشارع و خلق حالة من التحدي و الاستجابة المتبادلتين. في هذه الحركية شهدت الساحة اعتبارا للكلمة السياسية التي يتم اعتبارها فعلا سياسيا. حالة من الارتـقاء الانساني من حيث عيش الكلمات و فعل الكلمات في الاحداث الخاصة و العامة. من ذلك طبعا تجد عبارات التخوين المتبادلة، و تجد الاحترام المتبادل و ان كان خجولا لا يتم التعبير عنه، فالتونسي بشكل عام لا يجامل لأن له حساسية كبرى ضد النفاق حتى انه يقوم بسلوكيات ينافق بها نفـسه ليظهر بغير المنافـق.
فالمحصلة هي شخصية احتجاجية تكونت بفضل الثـقافة و التعليم و المد اليساري الذي كان طاغيا في الجامعة التونسية، قبل ان يتم حقن الجامعة بتيار الاتجاه الاسلامي و بدفع من حكومة نويرة و مزالي و شخصيات نافذة في الحزب الدستوري الحاكم انذاك. كان الامر في فترة الضعف الشخصي و السلطوي لبورقيبة لما اصبح هدفه الرئيسي ليس بناء وطن سعيد ناهض و انما المحافظة على كرسي الحكم.
فأحداث 1978 الدموية التي قـتل فيها البوليس ما يزيد عن الثلاثمائة نـقابي حين انفجر الصراع بين اتحاد الشغل و الحكومة، ثم احداث انتـفاضة الخبز الشعبية في جانفي 1984 ،التي قمعها النظام الحاكم بقوة، قـتلت النظام البورقيبي سياسيا برغم كون الزعيم لازال يعتبر حبيب الشعب. حين قام الجنرال "بن علي" بانقلابه سنة 1987، عمت الفرحة الجميع باستـثـناء "حزب العمال" الذي اعتبره تحولا الى نظام عسكري اشد استبدادا و دكتاتورية كما اعتبره صناعة امبريالية امريكية.
العهد النوفمبري نكسة ثـقافية و تعليمية و فتور للآلة التي تصنع المناضلين السياسيـين اي الجامعة التونسية التي غدت كرياض الاطفال. طبعا هذا وصف مجازي عام قائم على ملاحظة الانتـكاسة الكبرى. فمن حكم المثـقـف الكبير صاحب المشروع التحرري النهضوي التـنويري الى حكم البوليس الجاهل الذي لا يحمل ثـقافة تـنويرية و لا رؤية فكرية سياسية عميقة. و رغم ذلك كان الفعل السياسي ينـتـشر من خلال الزوايا الاخرى عبر النشاط المجتمعي الحي. ثـقافة الاستهلاك و الاقـتراض من البنوك و المنافسة على الماديات فتحت كذلك افاق الاحتكاك المباشر بالعنصر الاوربي. كان تهديم جدار برلين كأنه في تونس و كانت ثورات اوربا الشرقية ضد الانظمة الشمولية الشيوعية كأنها في تونس. في الوقت الذي انشغل فيه العالم بمهاجمة الشيوعية و التـشفي فيها و مآلاتها، كانت الاجواء العامة في تونس تـتجه الى تملك نظرة اشتراكية خاصة عبرت عن نفـسها بمقولة العدالة الاجتماعية.
مقولة العدالة الاجتماعية كانت تـتخمر نتاج الفوارق الطبقية الحادة التي برزت و التي لم تكن موجودة في العهد البورقيبي. مع صعود عائلة بن علي و الطرابلسية انتعـشت مقولة العدالة الاجتماعية من ناحيتين. الناحية الاولى مضادة للإثراء السريع الغير مشروع و مظاهره من السيارات و غيرها، و الناحية الثانية عميقة في الاوعي الجمعي و هي المضادة للعصابة التي تحكم و التي تهدد وجود الدولة. الدولة كقوانين و كحقوق و واجبات. اضافة الى ذلك الاحساس العام بالسقوط و عدم استحقاق الرئيس لمنصبه الاكبر منه نظرا لقزميته الروحية الكبرى امام الزعيم بورقيبة الذي صنع منصب رئيس الجمهورية. فعلى مدى سنوات حكم بن علي كان يسيطر الاحساس العام باحتـقاره. و هو الامر المعبر عنه بالمثل الشعبي " بعد السيف علق منجل".
هذا الحكم المافيوي المستـند على الارهاب البوليسي كان يراكم مطلب التحرر منه. و كانت اللحظة النارية البوعزيزية في سيدي بوزيد في 17 ديسمبر 2011 الشرارة التي اوقدت نار الثورة. هذه الثورة التي بدت غريبة. و كل الاوصاف تـنطلق من كونها فعل منجز و انتهى في لحظته و هي باستمرار تؤكد انها اعمق من مجرد قطعة زمنية محدودة. ذاك انها حالة تجدد مستمر للروح الجمالية التونسية. الجمالية السياسية التي اعترف بها العالم بمنحه جائزة نوبل للسلام لليسار التونسي باعتباره الفاعل ليوميات الثورة. يومياتها منذ بورقيبة اليساري قبل ان يحول نفسه الى صنم، و قبل بورقيـبة فرحات حشاد و صالح بن يوسف و الطاهر الحداد و ابو القاسم الشابي و غيرهم كثيرون..
فالجمالية السياسية هي ما يتعلق بالعقل و المعنى و الروح التحررية، و هي مضادة للقبح السياسي المتعلق بالمال و الشهوة و الغرائـزي المنحط في الكيان البشري. الجمالي السياسي هو ما هو بناء حضاري شامل. الجمالي السياسي هو اغاني اليسار في الجامعة و تحركاته الاحتجاجية حول المطالب الحقوقية و الإنسانية و ندواته الفكرية و الثـقافية المختلفة و اشتغاله على ايقاد نار التحرر ضد المظالم التسلطية و الظلامية الانحطاطية بكل وجوهها. اليسار الذي لا يخاف لومة لائم في الحق لأنه اخشى ما يخشاه هو ان يبدو قبيحا امام نفسه و بالتالي امام الله. الله الذي يشعل قلبه برغم انه لا يحمل بعد العبارات المناسبة للتعبير عنه. كل ما يدركه جيدا ان التعابير الموجودة بائسة و تحجب ذاك الدفء و الغبطة في الـقـلب. غبطة التحرر و الحرية و الكرامة و الوقوف في الحق كهو الحق واقف على قدميه يشعل العالم بلسانه الصائح المرتـفع في وجه العالم القـذر القبيح. اليساري الرافض للقبح، الرافض لابتـذال الانسان حتى عند القـذرين الحاجبة اطماعهم الانانية الضيقة عنهم تلك السعادة الروحية التي في القلب.
و في اليوم الموالي اي الخميس تم اطلاق الفتاة "عفراء" من الإيقاف بتدخل من وزير الداخلية. المشهد في تحركاته التصاعـدية و التـنازلية بين السلطة و الفاعل السياسي في حوار جميل يحاكي الجمالية السياسية التونسية..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من رعود -شكري بالعيد- الى سيدني
- بين الدائرة الجهنمية و المائية عالميا و عربيا
- القيامة السعودية
- برامجنا تعليمية ام تجهيلية
- لمن تبكي سيدي الرئيس؟
- في مواجهة اوكار الارهاب الممتدة
- اسقاط المقاتلة الروسية في تونس
- ما وراء احداث باريس
- عمال صفاقس يؤكدون الثورة
- اتحد يا يسار العالم
- الاحتمال المفقود في هجمات باريس
- - حمه الهمامي- ، الزعيم النبيل
- اللحظات الحتفية على عتبات المطلق
- العنف و العاطفية
- بؤس الغد على وجوه الأطفال
- ورطة اسرائيل
- حكمة الزعيم بورقيبة
- العداء التركي للعرب
- حلم العراق
- جائزة نوبل للسلام تمنح لتونس


المزيد.....




- تحديث مباشر.. دخول الصراع يومه التاسع وترامب: إسرائيل لا يمك ...
- على وقع الضربات المتبادلة مع إسرائيل.. زلزال في شمال إيران
- -فتاح 2-: الصاروخ الإيراني الذي يصل إلى تل أبيب في أقل من 5 ...
- الدويري: المقاومة تعمل بعمق قوات الاحتلال وحرب إيران لا تؤثر ...
- شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لخيام تؤوي نازحين غرب مدينة غزة ...
- شاهد.. أفضل ضربة قاضية هذا العام
- هل ستقبل إيران بما يطرح على طاولة الأوروبيين؟ وما موقف إسرائ ...
- ترامب يكشف سبب -صعوبة- مطالبة إسرائيل بوقف ضرباتها على إيران ...
- تظاهرة في ماليزيا دعماً لإيران وفلسطين ورفضاً للدعم الأميركي ...
- مظاهرات حاشدة في بغداد دعمًا لإيران ورفضًا للحرب


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - الجمالي السياسي التونسي