مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4944 - 2015 / 10 / 3 - 14:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نريد من "النظام" أن يعمل كما "يجب" , هكذا يردد الكثيرون في ساحة رياض الصلح , يحلمون بلبنان "جديد" , "أفضل" , ليس للزعماء وحدهم .. يعتقد هؤلاء أن مشكلتهم هي أن "النظام" قد تم تهكيره , الاستيلاء عليه من قبل "الزعماء" , فأصبح يخدم هؤلاء بدلا من أن يخدم اللبنانيين جميعا , كما تفعل الفيروسات في الجسم الذي تصيبه , و أن مهمة ثورتهم أو حراكهم , أن تقوم فقط بفرمتة هذا النظام لكي يعمل كما يجب , البروغرام منيح بس فيه فيروس اسمه زعماء , بنمسحه و "خلصت" .. لم يكتشف هؤلاء بعد ما اكتشفه جيرانهم السوريون من أن "النظام السوري يعمل بالفعل كما يجب" , و لا الإيرانيون من أن "النظام الإيراني يعمل كما يجب" , و أن النظام السعودي "يعمل كما يجب" , و أن النظام الروسي "يعمل كما يجب" , أو كما اكتشف الأمريكان ذات صباح"أسود" ( أسود هنا لا علاقة لها ببشرة باراك أوباما ) عندما ضاعت مدخراتهم و فقدوا منازلهم فجأة أن "النظام الأمريكي هو أيضا يعمل كما يجب" .... يعتقد أكثر هؤلاء صادقين , كما اعتقد كثير من ناشطي "الربيع العربي" , أن القضية هي في شراء النظام المناسب , ماركة جيدة , نظام معروف أو مشهور في السوق و دعاياته منتشرة في كل مكان , أن كل القصة هي في استخدام البرنامج المناسب بالشكل الصحيح : انتخابات , صناديق اقتراع , تلفزيونات و صحف خاصة , الخ , عندها سيعمل النظام كما يجب : سيختار الناس سادتهم , سيراقبوهم , سيحددون لهم خطوطا حمراء لن يتجاوزوها و سيحاسبوهم إذا تجاوزوها , سيتمتع الجميع بقدر "معقول" من "الحرية" , "نسبي" دون شك لكن أليس كل شيء في هذه الحياة "نسبي" , فالحرية "المطلقة" مجرد يوتوبيا , حمانا الله و إياكم منها , تماما كما أن "القضاء على الفقر" مجرد يوتوبيا , و لا بأس بوجود فقراء إذا لم نكن من بينهم , فنحن في الآخر متعلمين , أولاد عالم و ناس , "سندبر أمورنا" بمجرد أن يتوقف زعماء الطوائف عن التهام البلد لوحدهم , و ستسير دائرة الأعمال و ستمتلئ جيوب الجميع , لا الزعماء فقط كما هو الحال الآن , هذه هي اليوتوبيا السعيدة التي يمنون أنفسهم بها , و التي يرددها على مسامعنا ليل نهار أغلب المثقفين , بمن فيهم المنتقدين "للنظام القائم" .. يقول هؤلاء أن البرنامج الذي يقوم على الانتخابات و صناديق الاقتراع و خصخصة الحق في التعبير ( وسائل الإعلام ) الخ , من الآخر : خصخصة الحرية , هو ما يعنيه أن يعمل النظام كما يجب , و أنه هو الذي سينجح : الحرية ستباع , لكن لسبب ما سيستطيع الكل أن يشتريها , نحن على الأقل , و ليس فقط من يملك الملايين أو المليارات أو السلاح .. على الرغم من أنه كانت هناك "انتخابات" في أيام مبارك و زين العابدين الخ , و أن بعضها كان "نزيها" بالفعل , أو أن أحد أكثر الانتخابات "نزاهة" في العالم هي انتخابات نظام الملالي في إيران , أو أن الأمريكان و غيرهم في الدول "الديمقراطية" يمكنهم "انتخاب" رئيسهم لكن لا مدير شركتهم أو حتى مديرهم المباشر , و أن الأخيرين كانوا هم من سرقوا كل شيء , "شرعا" أو "قانونا" , "حلالا" "زلالا" و أمام أعين الجميع , أفرغوا كل ما في جيوب الناس ثم انصرفوا بهدوء تاركين الجميع يتخبط بحثا عن منزل أو عمل أو حياة , لكن هذا هو النظام الذي ما أن يتم تحريره من هيمنة ملوك الطوائف و أمراء الحرب حتى يحول البلاد إلى جنة للعباد , ستصبح بيروت نيويورك , أو ستعود باريس الشرق , كل مكان سيصبح نيويورك أو باريس , علينا فقط أن نتأكد من أن "النظام سيعمل كما يجب" ... "لا بد من النظام" , هذا ما يردده الجميع , وحدهم "الفوضويون" من يعترضون على "النظام" و يطالبون "بالحرية المطلقة" , لا أحد يتحدث عن "الحرية المطلقة" إلا كمرادف للفوضى و اليوتوبيا .. صحيح أنهم جميعا عندما يكونون في المعارضة يتصرفون كفوضويين فقط , يتحدثون عن فساد السلطة و ظلمها و ضرورة و إمكانية تغييرها و يطالبون بتحرير الجماهير من قمع و فساد الطغمة الحاكمة , لكنهم ليسوا فوضويين أبدا , فما أن يصبحوا في السلطة أو يصبحوا جزءا منها حتى يعودوا للحديث عن أن الصبر مفتاح الفرج و يحذروا من الفوضى في حال سقوط "نظامهم" و أن الفساد ينبع أساسا من المجتمع و ليس من السلطة الخ .. عندما اختلف الحريري ( الأب ) مع ديكتاتور دمشق الشاب ( الأسد الابن ) "اكتشف" هو و صحافته و تلفزيونه فساد و قمعية الحكام المباشرين و الفعليين للبلد , لكن عندما أصبح الحريري الابن رئيسا للوزراء عاد , هو و صحافته و صحافييه , للحديث عن فضائل النظام و أن الفساد المنسوب إلى السلطة التي كان رئيسها و ما يزال جزءا أساسيا فيها إما أنه فساد ضروري أو يعود إلى الناس أنفسهم أو أنه ليس بفساد أصلا أو أنه مرض لا سبيل لعلاجه و أنه بنفس الوقت مرض حميد لا يؤذي الخ الخ , هذا ما يقولونه اليوم دفاعا عن المشنوق و سوليدير و سوكلين .. و عندما كان السنيورة أو خصوم حزب الله في السلطة كانت صحافة حزب الله تنتقد الحكومة و "تعري" فسادها , و عندما تم التوافق بين كبار الطوائف و أمراء الحرب بمن فيهم "سماحة السيد" , اكتشفت هي أيضا فضائل نفس النظام الذي كانت تنتقده أو على الأقل مخاطر إسقاطه أو تغييره .. عندما كان العالم خاضعا لتحالف الكنيسة - الملك المطلق , دعت البرجوازية الفلاحين للثورة على استبداد الكنيسة و الملك المطلق , مبشرة بالحرية و رافضة فكرة الخطيئة الأصلية اللاهوتية و مزاعم الكنيسة و الثقافة التقليدية من أن الناس لا يمكنهم العيش بحرية , لكن عندما أصبحت في السلطة "اكتشفت" أن الناس ليسوا جيدين بما يكفي ليعيشوا أحرارا دون وصاية من أحد و أنهم بحاجة للمراقبة و التوجيه و العقاب عند اللزوم .. و عندما كان لينين في المعارضة كان ينتقد بكل قوته جرائم القيصر و قمعه الهمجي للمظاهرات السلمية المطالبة بالخبز و السلام ( حقن دماء الفقراء ) و الأرض , لكنه عندما أخذ مكان القيصر رد على انتفاضة كرونشتادت المطالبة بالخبز و الحرية و الأرض بالحديد و النار ... قبل أن يصل إلى السلطة كتب لينين كتاب الدولة و الثورة كواحد من الفوضويين داعيا إلى إعطاء كل السلطة للسوفيتيات لكنه عندما سيصل إلى السلطة سيفعل كل ما بوسعه لتكون السلطة فقط لحزبه و قيادته تاركا للسوفيتات وظيفة التصفيق الحاد عند رؤية الزعيم و أثناء و بعد خطاباته "التاريخية" .. عندما كان في المعارضة كان يشهر بقمع القيصر للعمال و بعد أن أصبح في السلطة قمع العمال بزعم تحريرهم , قبل أن يصل إلى السلطة تحدث عن سيبيريا مقبرة الأحرار الروس و بعد أن أصبح في السلطة أرسل كل من خالفه الرأي , هذا إن بقي على قيد الحياة , إلى سيبيريا , و أخيرا قتل ستالين ملايين الفلاحين الروس ليعرفهم على ميزات أن تصبح أرضهم ملكا "لدولة العمال و الفلاحين" .. إذا أردنا الاستمرار في هذا : عندما كان فلان في المعارضة ثم عندما أصبح في السلطة , فإن اللائحة تطول و لن ننتهي .. ليست المشكلة في الحرية , و لا في عدم قابلية الناس لأن يكونوا أحرارا , المشكلة في أن كل النخب لا ترى أي شيء صالح إلا في حكمها هي بالذات , هذا هو بالتعريف معنى السلطوية , نقيض الفوضى كما يقول هؤلاء ... بالنسبة لأية نخبة حاكمة , النظام يعمل جيدا عندما تكون أمورها هي بخير , ديكتاتوريتها بخير , مصالحها مصانة و فوق الجميع , لا توجد أية وظيفة أخرى لأي نظام أو سلطة أو نخبة حاكمة .. عندما يتحدثون في ساحة رياض الصلح عن "ضرورة جعل النظام يعمل كما يجب" , فإنهم لم يكتشفوا بعد أن "النظام" بالفعل : يعمل "كما يجب" , و أنهم لكي يصبحوا أحرارا و لكي يعيشوا حياة تليق بالبشر عليهم أن يتأكدوا من أن "النظام لن يعمل أبدا كما يجب" ..........
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟