|
ألوجبة الأخيرة ..
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4904 - 2015 / 8 / 22 - 15:29
المحور:
الادب والفن
ألوجبة الأخيرة .. (مُهداة لروح أُمي وأختي الكُبرى ). تستلقي على السرير الذي وُضع خصيصا لها ، في احدى زوايا غرفة الضيوف ، وحولها على الفراش في ارضية الغُرفة جلست بعض القريبات والجارات ، يتهامسن ويبكين بصمت ، لئلا يقلقن "راحة" المريضة ، والتي بدورها تغفو لدقائق ثم تستفيق ، لتجول في الوجوه ، تتفحصها وتقرأُ تعابير وجوههن . وقف باسم على عتبة الغُرفة ، صامتا حزينا ، ينظرُ الى أُخته والتي كانت أمه بالتبني ايضا وسرح بخياله بعيدا في الزمان ، وتخايلت أمامه حياة طفولته التي لعبت فيها أُخته الكبرى دورا بالغ الأهمية . تذكر كيف كانت تستقبله بالأحضان والقبلات وبعض الدموع ، لكنها وخلال لحظات تستعيد "رباطة جأشها" ، وتبدأُ بطقوسها المعتادة ، كلما قدم لزيارتها . تضع على النار تنكة ماء لتسخين الماء ، وما هي إلّا دقائق ، حتى يسخن الماء ، فتحمله الى الحمام ، وتُناديه : -هيا إخلع ملابسك !! تأمره بصوت حنون -لكنني إستحممتُ قبل أيام قليلة فقط !! يقول لها متذمرا مُتمَنِعا. - يلا بلا دلع ..!! فينصاع لاوامرها بسرور . تكون قد حضّرت المنشفة ، الصابون ، وبعض الملابس .. وكل مَرّة ومن جديد ، كانت قضية الملابس الملائمة ، تُشغلها .. فلا أولاد ذكور لها ..!!ومع ذلك كانت تتدبر الأمر ، فمن ملابس بنتها البكر تختار بنطلونا وقميصا غير أنثويين كثيرا . -لقد انجبتُ ابنتي الكبرى ، بعد اسبوع من مولدك ..!! كُنتُ وأمي نحبل ونلد في نفس الوقت تقريبا !! تنشغلُ كثيرا في عملية الإستحمام ، تفرك كل بقعة من جسد أخيها" باسم" بليفة خشنة ، ترغي كثيرا من الصابون وخاصة على رأسه ، حتى يبدأ بالصراخ من لسعة الصابون في عينيه ، تُنشفه بعناية ،وتأمره بارتداء الملابس النظيفة .. تغسل ملابسه المتسخة ، وتنشرها لتنشف ..!! والى حينه ، تحضر له طعاما ، وجبة دسمة .. -كُل ..كُل .. فلعلك لم تتناول شيئا منذ الصباح ..!! تشجعهُ بصوت حنون . وبعدها تُحضر بعض الفواكه ، والحلويات ليأكلها .. يقضي النهار كُله في بيتها في لهو مع ابنتها والعابها ،وبين قبلة ودمعة منها ، حتى تنشف ملابسه المنشورة على حبل الغسيل ، فيرتديها ويَهِم بالمغادرة . تناديه ، - إنتظرْ !! وتضع في يده بضعة قروش حتى يصرف على نفسه ،إلى أن يزورها مرة أُخرى ، بعد أيام .. أيقظه من "سَرَحانه " صوت واحدة من الجالسات ، التفت نحو أخته على السرير ، فإذا بها تُشير بيدها إليه ليقترب .. دنا منها ، متخطيا "كومة " النساء الجالسات ، أمسك بيدها ، فضغطت عليها بنعومة ، ونظرت في وجهه مليا .. طلبت منه الدنو أكثر ، فأدنى رأسه من رأسها لتطبع قبلة على خده .. وسَحّت الدموع من عينيه .. -هل ترغبين في شيء ما ؟ سألها - لا ، أردتُ رؤيتك عن قرب فقط ..!! - ولكنك لم تأكلي منذ فترة ..!! هل أُحضر لك الغداء ؟؟ لقد تحسنت قليلا ، قال مُخاطبا نفسه ، فهي ومنذ يومين في غيبوبة ، لا تفيقُ منها إلا للحظات ، ثم "تغفو " . -لقد تناولتُ الغذاء قبل قليل .. أجابتهُ . - وأينَ تناولتِ الغداء ؟؟ وماذا أكلتِ ؟؟ سألها مستغربا مندهشا . - لقد كُنتُ في زيارة أمي ، قبل قليل ، وتناولتُ معها الغداء المفضل عليّ ، لقد طبخت أمي رز وفاصولياء..!! ولم تمضِ ساعات ، حتى فارقت الحياة ... بنفس المرض الذي تُوفيت من جراءه ، والدتُها ، قبل ثلاثين عاما بالضبط ..!!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حَوَّة ..
-
إبن المجنونة .
-
ألكرافة (ربطة العُنق )
-
ألتعدد واْلتَعديد .
-
إنتقام ..
-
بين العبرانية واليهودية ..
-
الأول من جوشي للعام 104 ..!!
-
أيُها ألأصدقاء ، تَحَتْلَنُوا ..
-
بين طفولتين ..
-
ألمُجاهدون أليهود ..
-
تَأَسْرَلُوا أو إِرْحَلُوا ..!!
-
-ألضباع- ..تنتشي -بالنصر- ..!!
-
خراب الهيكل
-
خَرابُ حَلَب ..
-
عنصرية -مشروعة ولطيفة - ..
-
قهوة وعنصرية ..
-
-نقاشٌ- مع حمار .
-
دولة أم دولتان ؟!
-
-مجاهدو - المنابر
-
- الترجمة - على أُصولها ..!!
المزيد.....
-
-موسم طانطان- في المغرب يحتفي بتقاليد الرُّحل وثقافة الصحراء
...
-
“احداث قوية” مسلسل قيامة عثمان الحلقة 164 عبر قناة Atv الترك
...
-
ناقد مغربي يدعو إلى تفعيل -سينما المقاومة- ويتوقع تغييرا في
...
-
بعد جدل الصفعة.. هكذا تفاعل مشاهير مع معجبين اقتحموا المسرح
...
-
-إلى القضاء-.. محامي عمرو دياب يكشف عن تعرض فنان آخر للشد من
...
-
إلغاء حبس غادة والي وتأييد الغرامة في سرقة رسومات فنان روسي
...
-
اعلان 2 الأحد ح164.. المؤسس عثمان الحلقة 164 مترجمة على قصة
...
-
المجزرة المروّعة في النصيرات.. هل هي ترجمة لوعيد غالانت بالت
...
-
-قد تنقذ مسيرته بعد صفعة الأوسكار-.. -مفاجأة- في فيلم ويل سم
...
-
-فورين بوليسي-: الناتو يدرس إمكانية استحداث منصب -الممثل الخ
...
المزيد.....
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
المزيد.....
|