أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - من الأدب الكردي المعاصر - ضجر - قصة قصيرة لصبيح محمد حسن














المزيد.....

من الأدب الكردي المعاصر - ضجر - قصة قصيرة لصبيح محمد حسن


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 4897 - 2015 / 8 / 15 - 16:46
المحور: الادب والفن
    


ضجَر
قصة: صبيح محمد حسن
ترجمها عن الكردية: ماجد الحيدر

في برهةٍ وجيزة، ارتفعت حدة ضجره بقدر كبير. لو وجِدت آلةٌ لقياس الضجر (ولطالما تعجّب من عدم وجودها) لكانت قد سجّلت أعلى الدرجات!
حين بلغ سن النضوج، وصار يعرف الدنيا وصروفها كما تقول جدته، كانت أمه تقول له: كنتَ يا ولدي لا تتجاوز الثانية من عمرك، وكنتُ أحملك على ظهري ونحن نولّي وجوهنا، مع الآخرين، صوب الجبال. وعندما كانت أزيز الطائرات يدنو، كان القادرون منّا يرتمون على الأرض. والآن، ها أنتَ كأنك ترى بعينك: الوقت يقترب من الظهيرة وثمة غيوم تتكاثف وتتراصف. أمك شديدة الاضطراب، لذلك تنظرُ الى السماء بين الفينة والأخرى، ثم تضربك بيدها بغتةً وتولي هاربة. هكذا هو الأمر دوماً يا ولدي.
أحسَّ في إحدى المناسبات بانكسار عظيم. وتوصل الى نتيجة مفادها أن ناسَنا لا يؤمنون بشيءٍ خارج حدود البؤس والشقاء، أو أنهم، وهو الأصح والأرجح، غير قادرين على رؤية شيء عداهما. كان يفكر بأن هذا هو حال الدنيا على الدوام؛ البعض أقوياء وكل شيء ملك يمينهم. وفي المقابل هناك الآخرون الذين ينبغي أن يلزموا الصمت ويفرّوا على الدوام صوبَ البراري والجبال. وتوقف هنا قليلا، وتذكَرَ الفقرة التي قرأها مرةً في أحد كتب التاريخ القديمة "إذا دخلتم بلدةً صار كلّ ما فيها ملك يمينكم: النساء، الأطفال، الأغنام.. فإن لم يُسلِموا لكم القياد فأغرقوا البيوت والأزقة بالدم"
وازداد ضجره. أراد أن يوجه وجهه نحو مكان ينسيه بعضاً من ذكرياته وتجاربه المريرة، لكن لم يكن يرى، أنّى استدار، سوى تلكم الأماكن التي تذكِّره بأيام الشقاء. العجيب أن أمه فقط كانت تقصُّ عليه تلك الذكريات. إنه لا يتذكر قيام أبيه يوماً برواية إحدى الذكريات أو الأحداث العائلية. وعندما تفكّر في الأمر اكتشف السبب: في هذه البلاد ينبغي أن تكون كل الأمور الحسنة والمحمودة من نصيب الرجال، وكل ما هو مرتبط بالخيبة والانكسار من نصيب النساء. ولهذا تحولت النساء الى مخيَّمات تتكدس فيها الأخطاء والنقائص والفضائح، حبالا يعلقون عليها كلَّ خطاياهم.
في كثير من الأحيان، عندما يتجول في السوق، كان يتأمل أسماء الأطباء وتخصصاتهم. كان يتوق الى أن يرى واحداً منهم وقد كتب تحت اسمه: أخصائي بالضجر.
لم يكن هذا حاله باستمرار، فقد كان في بعض الأحيان، يتخفف من أحماله وينسى كل شيء. ولم يكن ذلك، في الحقيقة، بالأمر اليسير: أن يجلس جانباً ولا يتدخل في شيء. وكان في كل مرة يعزم على هجر الستلايت والراديو والانترنت الذين غيروا حياته وصدّعوا رأسه. اعتاد الناس على الاستفادة من هذه الأشياء لتحسين حياتهم غير أنه كلما فتح موقعاً أو استمع الى نشرة للأخبار أجفل واعتراه الصداع !
-ليلة أمس قام أحد الأشخاص بتفجير نفسه في مجلس للعزاء.
-عُثِر صباح هذا اليوم على خمسين جثة مجهولة الهوية.
-مقتل خمسين امرأة في إحدى البنايات يوم أمس.
-القصف يسفر عن مقتل مائة مسلح.
الى آخر ذلك.
كان يرغب برؤية مانشيتات أخرى:
-كيف تنام نوماً عميقاً.
-كيف تمسح ذاكرتك تماماً.
-كيف يمكنك زرع الأمل في نفسك.
-كيف تنجح في الاحتفاظ بآدميتك وسط آلاف الحمير!
لكنه لم يرَ شيئاً من هذا. كثيراً ما يقول لنفسه:
-لماذا أثقل على نفسي بهذا الشكل؟ لماذا لا أكون مثل الآخرين؟ إنهم ينظرون ببساطة الى كل ما يدور، وعندما يرون مانشيتاً متوحشاً أو كريها تراهم يسرعون الى التخلص منه والتحول الى سماع أغنية أو مشاهدة برامج التسلية أو المسابقات.
واحد من أصدقائه قال له مرة:
-لا يذهب ظنك الى أن هؤلاء الناس جهلة لا يفقهون شيئاً. كل ما في الأمر أنهم فقدوا الأمل بأي تحول كبير يغير حياتهم ويضفي عليها السعادة والهناء، لذلك تراهم يبحثون عن لذّات مؤقتة بسبب يأسهم من متع كبيرةٍ ودائمةّ!!
أدخل هذا الشرح الفلسفي الحكيم الكثير من السرور على نفسه. وتذكر من جديد كلاماً ظل في باله لأحد أبطال قصة ما، قصة لا يعرف إن كان قد قرأها حقاً في مكان ما أو أنها لم تُكتَب بعد:
"تتشكل حياة أغلب الأمم من مراحل عديدة تختلف كل واحدة عما سبقها، حتى يجد في النهاية كل رأس من رؤوسهم متكأً يستند اليه ثم يتوجه كلٌّ الى عمله، فترتفع بناياتهم الى عنان السماء، ويبلغون بعلمهم النجوم، بلدانهم نظيفة براقة وأهلها شبعون ناضرون يطوون المراحل. لكن حياة هذه الأمة تتشكل من مرحلة واحدة لا غير: تبدأ بالقتل والسلب والنهب وتنتهي بهما فلا ينتظرون تحولاً أو انعطافاً جديداً"
وطفق يفكر بعض الوقت. حسنا، لو كان الأمر كذلك، فلماذا يتعب هؤلاء المفكرون والكتّاب أنفسهم بالبحث عن حلول وأفكار ونظريات؟ إن المرء ليضحك، بل ويبكي من بيئة هذه البلاد ومن أجوائها التي لم تستنشق يوماً رائحة أطيبَ من رائحة الدخان والقتل والتهجير.
وفي لحظة مليئة بالغرابة اتخذ قراره بأن يصبح مثل غيره ولا يظل على حاله. وأخذ يتأمل الدكاكين والحسناوات، وراح يقرأ الإعلانات المعلقة على الجدران:
- لا تفوت الفرصة. أسرع انترنت في العراق!
- عباءات خليجية بأسعار مناسبة.
- جميع أجهزتنا بالتقسيط.
- لدينا جبن محلي. سعر الكيلوغرام 8 آلاف دينار.
- زوج حذاء بـ 10 آلاف دينار.
وأراد أن ينظر للسماء فوقعت عيناه على سقف اصطناعي. ثم فكر في أن يتفرج على أشياء تنسيه ضجره، لكنه لم يعرف إن كان قد أحس حقاً بأي تغيير، مؤقتاً كان أم غيره! وأخذ يقلب في رأسه القرار الذي اتخذه للتو. وغالَبَ ضحكة ارتسمت ظلالها على شفتيه، وتذكر حواراً في قصة ما:
-لا تنسَ يا صديقي.. إننا نعيش في بلاد يسهل فيها اتخاذ القرارات، لكن من العسير تنفيذها!
25-7-2014
عن مجلة (بَيف) الصادرة عن اتحاد الأدباء الكورد، فرع دهوك- العدد 69-2014



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوسترات شعرية - شعر دلبرين هالو - ترجمة ماجد الحيدر
- بشراك كردستان.. سأفوز بعرب آيدول
- أنا والناس والمدينة - شعر بدرخان السندي ترجمة ماجد الحيدر
- داعش وآذان داعش - شعر مؤيد طيب - ترجمة ماجد الحيدر
- الفخ - قصة قصيرة كردية بقلم عصمت محمد بدل
- من الأدب الكردي المعاصر- خورشيد الكاتب - قصة قصيرة لعبد الخا ...
- من الأدب الكردي المعاصر - حسن ابراهيم - التاج الذهبي- قصة قص ...
- من الأدب الكردي المعاصر - محسن عبد الرحمن -قصتان قصيرتان جدا
- عن البطل العاري وبندقيتيه - قراءة في رواية عبد الكريم يحيى ( ...
- زبيب - قصة قصيرة من الأدب الكردي
- لوي ماكنيس - قصيدة شمس الحديقة
- ثمة دائماً حرب قبل أخيرة - شعر ماجد الحيدر
- من الأدب الكردي- مكالمة هاتفية - قصة قصيرة
- انفلونزا المسلسلات التركية - القسم الثاني
- تيد هيوز - الغراب تخونه أعصابه
- تيد هيوز - قصيدة خط النسب
- يهودا عميخاي - قصيدة قطر القنبلة
- قبل النهاية - شعر مارك بيري - نيوزيلاندا
- أمة تضحك الأمم - انفلونزا المسلسلات التركية أعراضها، علاجها ...
- من الشعر النيوزيلندي المعاصر - مارك بيري - تاريخ الكذبة


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - من الأدب الكردي المعاصر - ضجر - قصة قصيرة لصبيح محمد حسن