الوهم الكبير 1937(جين رينوار):رينوار يصيغ وهما كبيرا

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4846 - 2015 / 6 / 23 - 00:20
المحور: الادب والفن
    

الوهم الكبير 1937(جين رينوار):رينوار يصيغ وهما كبيرا
الوهم الكبير هو أحد أفضل الأفلام التي حققها جين رينوار على الاطلاق،والسبب يكمن في الحبكة وفي الرؤية المتفردة والخاصة بل الخاصة جدا لموضوع الحرب،والحرب ان كانت تحمل على المعنى العام ولكن هذا يتم على استحياء كبير،لأن الحرب هي الحرب بين الأوروبيين أنفسهم،والرؤية نفسها التي وضعها رينوار للفيلم ليست سوى وهما كبيرا بحد ذاتها تخص رؤية بشرية تبدو مثالية أحيانا للمجتمع الأوروبي برمته.
فالرسالة المختفية المبطنة بين ثنايا الفيلم أتهمت أحيانا بالألتباس وهي ليست سوى رسالة بشرية لمخرج يشك أصلا بل متأكد من عدم قبولها قبل أن يطالب بتطبيقها حين يقول على لسان أحد الشخصيات مع نهاية الفيلم أن انتهاء الحرب بين الأمة الأوروبية هو ضرب من ضروب الوهم الكبير.
إذا رينوار الذي كان يساريا منتميا الى الجبهة الشعبية في فرنسا(ائتلاف اليسار)- التي كانت في أوج انتصاراتها في زمن انتاج الفيلم الذي لاقى قبولا نقديا واسعا بين الأوساط السياسية –يحقق فيلما بالتعاون مع كاتب السياريو (تشارلز سباك) ذو حبكة سهلة وسلسلة والنظرة الأولى له-أي للفيلم-تقول انه مجرد دراما عن السجون ونستطيع القول أيضا أن هذا الفيلم كان ملهما للعديد من المخرجين وسبب في تحقيق عدة أفلام كبرى لاحقا،وهذا النوع من الحبكة سيمارسه رينوار لاحقا مع فيلم قواعد اللعبة 1939،والذي على سهولته كان انتقاديا حادا وعلى الضجة التي رافقت عرضه إلا انه اعتبر افضل فيلم حققه رينوار على الأطلاق،وبالتالي سيكون الوهم الكبير هو ثاني أفضل فيلم حققه رينوار على الاطلاق،وكلاهما سينافس دائما على قائمة أفضل الأفلام في تاريخ السينما،وهناك قصة طويلة عن ضياع النسخة الأصلية للفيلم حيث كان يعتقد أن النيجاتيف الأصلي ضاع في غارة شنتها طائرات الحلفاء ومن ثم سيمر بمراحل عدة قبل اعادة احيائه.
مارسيل الضابط الفرنسي(Jean Gabin) مع الضابط بولديو سيقعان في الأسر لدى القوات الألمانية اثناء مهمة استطلاعية ..يقول الضابط الألماني:لقد اسقطنا للتو مقاتلة فرنسية...ويتابع:إذا كانوا ضباطا فادعهم الى الغداء
والثيمة السابقة هي أكبر وأهم ثيمة يركز عليها رينوار طوال أحداث الفيلم،وهي البشرية التي تجمع كل فئات وجنسيات المجتمع الأوروبي،فالجندي الألماني ليس جنديا شريرا كما أعتادت السينما على تصويره وتقديمه،بل هو جندي يحترم الآخر ويقدره،وبالتالي كل الشعوب مدفوعة بأوامر خارجية للأعتداء على الآخر الأوربي.
هذا الآخر مشترك في نفس الشيفرة الأخلاقية الأوربية ومشترك بالموت في خنادق الحرب العالمية الأولى،وحين يخاطب مارسيل أحد الضباط الألمان قائلا له:أنت تتكلم الفرنسية بطلاقة
يرد الضابط الألماني:لقد كنت أعمل ميكانيكيا في ليون.....
هذه الفكرة الأخلاقية مضمونها وحدة العرق الأوروبي ككل،بل أن الطبقية تنصهر داخل هذا السجن الحربي،وليس الطبقية الاجتماعية وحسب بل الطبقية الفكرية ايضا والتي تتعلق بالأفكار والدين والعادات والتقاليد فالمصير الأوروبي هو مصير واحد...ولكن هناك شيء آخر
حين يعلق مارسيل:لقد استعدنا حصن داومونت من الألمان والخبر في الصحف الألمانية
هذا الخبر يقطع عرض مسرحي ترفيهي يقام داخل السجن حيث يقوم الضباط الفرنسيين بغناء النشيد الوطني الفرنسي..
هل هذه اللقطة نشير الى نوع من الوطنية أو القومية الزائدة عن الحد...؟!
بالتأكيد لا...الحرب هي التي تفرض القوميات وهي التي تفرض التفرق والأنتماءات لأنه وفي النهاية وفي المحصلة أن الحرب قائمة بين أمة واحدة انقسمت الى امم وكل منها بدأ بمحاربة الآخر.
من خلف هذه الحبكة التي تركز على المضمون الأخلاقي هناك قصة غير مركزية على الأطلاق عن محاولة مارسيل مع عدد من السجناء عن محاولة الهرب من المعتقل الألماني.
موضوع الهروب وان كان ملهما لعدد كبير من الأفلام،ولكنه في الحقيقة ليس الا صيغة أخرى في المناقشة تعود بنا الى الحبكة الرئيسية للمضمون الفيلمي وهي الرسالة الأخلاقية...
الهروب هو توق واشتيلق للحرية قبل كل شيء،ولكنه ومن ناحية عملية لن يؤدي الى أي شيء مفيد حيث يقول رينوار صراحة بأن هذا الهروب سيعيد كل شيء الى مكانه الطبيعي،بحيث سيعود المجند مجندا والطيار طيارا وكل شيء خارج هذا النطاق عبارة عن وهم،وهذه الحبكة التي يصيغها رينوار بمثالية وشعرية خارجة عن المألوف وربما تكون بتمامها عبارة عن وهم كبير...
يتلقى الهاربان (مارسيل وروسينال اليهودي) بعد هربهما المساعدة من امرأة المانية قروية تعيش وحيدة بل وتنشأ قصة حب سريعة عابرة بين مارسيل وهذه المرأة الألمانية...
الحقد غير موجود على الأطلاق وصرخة شعبية كبيرة ضد الحرب وضد القيادات السياسية التي اصبحت بالية الآن فحتى الاحتجاج موجود بين افراد الطبقة العسكرية.
يقول بوليدو(الضابط في الجيش الفرنسي):لماذا قمت باستثناء معي؟
لأن اسمك بوليدو وانت ضابط في الجيش الفرنسي،وأنا روزنشتاين ضايط في الجيش الأمبراطوري الألماني.
روزنشتاين المعجب بالتراث الساحر للثورة الفرنسية قام بدوره مخرج الأفلام الصامت الألماني (Eric von Storhiem) الذي يكن له رينوار اعجابا واحتراما كبيرا والبعض اعتبره ملهم رينوار الأول.

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات