دوديسكادن 1970:حتى لانظلم كيراساو

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4789 - 2015 / 4 / 27 - 17:08
المحور: الادب والفن
    

دوديسكادن 1970:حتى لانظلم كيراساو
يفتتح الفيلم على عبادة أو طقوس على الطريقة البوذية،ومن ثم صبي يعاني من علة عقلية (تأخر عقلي) ويمارس هواية التخيل مستخدما الانقاض التي يعيش من حولها كمحفز ودافع للمخيلة.
فهو يقلد صوت شاحنة تطلق صوت يطلقه الصبي اثناء القيادة المتخيلة (دوديسكان)،وعنوان الفيلم مقتبس من هذه العبارة،وكيراساو الفنان هنا يمارس الايماء النظري ومن خلفه موسيقى لصوت (ترام حقيقي) محاكاة لما يفعله الصبي ولكن النتيجة كانت ضئيلة جدا مهما حاولنا المجاملة....يقول موقع ويكيبيديا:
كان العمل جديدا على تلك الفترة ولاقى فشلا ذريعا نظرا لعدم تفهم المشاهدين لرسالة المخرج،وصاحب هذا الاخفاق دحول كيراساو في فترة من أكلح فترات حياته وبلغ احباطه لدرجة حاول فيها الانتحار.
ويقسم موقع ويكيبيديا حياة كيراساو الى مراحل ويعتبر أن هذا هو الفيلم الوحيد في المرحلة الصعبة،ولكن لنتوقف ولنتابع هذه الجملة على لسان الموقع:
اصبح النقاد يرون في فيلم(دوديسكان) عملا محوريا ليس فقط في حياة كيراساو انما في تاريخ السينما العالمية..
من قال ذلك؟
يصور الفيلم بطريقة مؤثرة وقاتمة الحياة اليومية في البيوت القصديرية في احدى ضواحي طوكيو بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (العشوائيات)،ويتبين من خلال الفيلم ايضا مدى تأثر المخرج بموجة الواقعية الجديدة...
الموضوع له علاقة بالواقعية نعم...وهو متأثر بالواقعية نعم....واقعية تشبه واقعية فليني وانتونيوني في افلامهم التي اعلنوا فيها محاكاتهم للواقعية بشكل خاص(ليالي كابيريا فليني)،ويبدو لي ان الواقعيين لايطرحون مواضيعهم بهذه الطريقة سوى ان تكون كابيريا هي الصبي في هذا الفيلم...
إذا مع هذا الحضور لمجتمع البيوت القصديرية فالفيلم يبدو عبارة عن سردية لمقطع أو لمقاطع حياتية عن الفقر والجوع،فبالاضافة الى الصبي هناك إمرأة تحب أن يلاحقها الرجال،وعن اب وابنه مشردين يعيشان في سيارة مهجورة يمارسان الايماء النظري عن الحلم بمنزل فخم وكيراساو يعمل على التقاط هذه الاحلام وطبعها مباشرة على الشاشة فهما عندما يضعان تفاصيل عن ذلك المنزل على شاكلة باب فخم أو حديقة فخمة يظهر ذلك الباب و تلك الحديقة على الشاشة مباشرة...
هذا الاسلوب يستخدم بكثرة ومن الممكن أن ندعوه :المخيلة التي تطبعها الكاميرا على الشاشة...
لكنهم يقولون ايضا ان الفيلم يحتوي على اقتباسات أدبية من روايات شهيرة كلاسيكية...لنلاحظ هذا المشهد:
الضحية تخبر اللص عن مكان تواجد النقود بل وتعطيه المزيد من النقود...؟
هل هذا اقتناص أدبي من رائعة فكتور هيجو...البؤساء؟
الصورة ناقصة في الفيلم،ومن المستحيل التصديق أن كيراساو عبقري الصورة هو من صنع هذا الفيلم،والواقع مختلط في هذه السينما مع بعض الوثائقية التي نستطيع تجاهلها بسهولة،إلا أن الفيلم مع ذلك الكم العاطفي الهائل الذي يحمله داخل مشاهده،يبدو أحيانا كتصوير اجتماعي بحت قائم على نماذج أكثر منه على قصص مرتكزة على حبكة مركزية أو بطل مركزي،والنتيجة ان الفيلم بدا مشوشا جدا غير قادريين على الحكم عليه،ولكننا في نفس الوقت قادريين على القول ايضا أن هذه النوعية من الأفلام ليست بحاجة الى مثل هذه الكنايات الأدبية أبدا.
إذا فيلم واقعي مكثف استفاد من النظريات الحديثة الطبيعية،مع تكثيف حاد ايضا لمشاعر بشرية يوازي احيانا التكثيف الذي يصنعه كيسلوفسكي مع كنايات أدبية،والنتيجة كانت فيلما جيدا ولكنه مصطنع فيه روح كيراساو الفنية مفتقدة الى درجة كبيرة،والاصطناع بالمناسبة هي صفة اطلقها واتفق عليها كل من قرأت لهم عن الفيلم....كيراساو ليس اله
يقول أحد الأشخاص:
عندما أحضر الفطور في الصباح فأنا اعلم بأني أحتاج أن اقوم بنفس الشيء...أشعر بتعب ولااستطيع تذوق الطعام...شعور بفقدان وكنا على وشك القول غثيان سارتر
يعطي ذلك الرجل العجوز- وهو الضحية التي تحدثنا عنها سابقا واعطت اللص النقود- ذلك الشخص سما ويقول له ستموت بعد ساعة،ولكن عندما يذكره العجوز في نفس الوقت بمعاني محتملة للبقاء على قيد الحياة،على شاكلة أولاده مثلا الذين لازالوا على قيد الحياة يتراجع عن الانتحار....
هل هذا الموقف حقيقي أم مصطنع...؟
مع كل هذه النماذج لمواقف بشرية طارئها موقف لاينسى في الحياة،بل يشكل أزمة الحياة برمتها على شاكلة الموقف السابق،أو مثلا فتاة تحاول الاعتذار عن جريمة زنا لوالدها الصامت،ولكن كل هذا لايعطي مبررا أن روح كيراساو وعبقرية الفنان غائبة عن الفيلم،وعلينا أن نذكر مرة أخرى ان الفيلم سبب انتكاسة لكيراساو بسبب فشله الذريع محققا بعده مباشرة محاولته الشهيرة للأنتحار....
ولكن كيراساو قد توفي الآن فنحن لن نساهم هنا بشيء من قليل ولاحتى من كثير بهذه الانتكاسة من خلال هذه المراجعة التي وضعناها مطولة حتى لانظلم كيراساو...
إذا هو فيلم عن شخصيات تقريبا عالقة بين الموت والحياة وكلها ترغب بالموت والانتحار بالنسبة لها بين قوسين أو أدنى،وباستثناء الرجل العجوز المذكور فليس هناك اعتبار كبير للأخلاقيات في هذا المجتمع...
هو فيلم عن مآسي انسانية حقيقية،وبالتأكيد فهؤلاء البشر لاينفعهم شيء سوى الصلاة لبوذا...
بلال سمير الصدّر 17/1/2015

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات