أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - إبن خلدون ... واقراره بالسحر















المزيد.....

إبن خلدون ... واقراره بالسحر


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 4819 - 2015 / 5 / 27 - 11:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع ، ويُعد من الفلاسفة ، بفضل مقدمته التي ورد فيها ذكر كثير من العلوم وتعرض لها ، اذ لم يسبقه احدا في هذا الفن او المضمار ، وفي مقدمته فند كثير من الخرافات ، حتى انه نفى قضية المنقذ . لكنني استغربت كثيرا لما رأيته يؤمن بالسحر ، والسحر خرافة قالها القدماء وصدقها الجهلاء ، اذ يقول ابن خلدون : ((واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه ، وقد نطق به القرآن)) وانقل للقارئ الكريم نص ما قاله في مقدمته ، تحت عنوان ((علوم السحر والطلسمات)) . (المقدمة ص 551، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الثالثة سنة الطبع 2006) .
قال (( هي علوم بكيفية استعدادات ، تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر: إما بغير معين ، أو بمعين من الأمور السماوية، والأول هو السر، والثاني هو الطلسمات. ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع، لما فيها من الضرر، ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره، كانت كتبها كالمفقودة بين الناس. إلا ما وجد فى كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام، مثل النبط والكلدانيين ، فإن جميع من تقدمه من الأنبياء لم يشرعوا الشرائع ولا جاؤوا بالأحكام، إنما كانت كتبهم مواعظ وتوحيداً لله وتذكيراً بالجنة والنار. وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين والكلدانيين ، وفي أهل مصر من القبط وغيرهم. وكان لهم فيها التآليف والآثار. ولم يترجم لنا من كتبهم فيها إلا القليل، مثل الفلاحة النبطية لابن وحشية من أوضاع أهل بابل، فأخذ الناس منها هذا العلم وتفننوا فيه. ووضعت بعد ذلك الأوضاع، مثل مصاحف الكواكب السبعة، وكتاب طمطم الهندي في صور الدرج والكواكب وغيرها. ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة، فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة، وغاص في زبدتها واستخرجها ووضع فيها عدة من التآليف. وأكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء، لأنها من توابعها، ولأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما تكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر كما نذكره في موضعه.
ثم جاء مسلمة بن أحمد المجريطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات، فلخص جميع تلك الكتب وهذبها، وجمع طرقها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم، ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده.
ولنقدم هنا مقدمة يتبثين لك منها حقيقة السحر، وذلك أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع، فهي مختلفة بالخواص. وهي أصناف، كل صنف مختص بخاصية واحده بالنوع لا توجد في الصنف الآخر. وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها. فنفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لها خاصية تستعد بها للانسلاخ من الروحانية البشرية إلى الروحانية الملكية، حتى يصير ملكاً في تلك اللمحة التي انسلخت فيها.
وهذا هو معنى الوحي كما مر في موضعه ، وهي في تلك الحالة محلة للمعرفة الربانية ومخاطبة الملائكة عليهم السلام عن الله سبحانه وتعالى كما مر. وما يتبع ذلك من التأثير في الأكوان. ونفوس السحرة لها خاصية التأثير في الأكوان واستجلاب روحانية الكواكب، للتصرف فيها، والتأثير بقوة نفسانية أو شيطانية. فأما تأثير الأنبياء فمدد إلهي وخاصية ربانية. ونفوس الكهنة لها خاصية الاطلاع على المغيبات بقوى شيطانية. وهكذا كل صنف مختص بخاصية لا توجد في الآخر.
والنفوس الساحرة على مراتب ثلاثة يأتي شرحها: فأوله المؤثرة بالهمة فقط من غير آلة ولا معين، وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة السحر، والثاني بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواص الأعداد، ويسمونه الطلسمات، وهو أضعف رتبة من الأولى، والثالث تأثير في القوى المتخيلة. يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة، فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقي فيها أنواعاً من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك، ثم ينزلها إلى الحس من الراؤون بقوة نفسه المؤثرة فيه، فينظرها الراؤون كأنها في الخارج، وليس هناك شيء من ذلك، كما يحكى عن بعضهم أنه يري البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك. ويسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة.
هذا تفصيل مراتبه. ثم هذه الخاصية تكون في الساحر بالقوة شأن القوى البشرية كلها. وإنما تخرج إلى الفعل بالرياضة. ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الافلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلل، فهي لذلك وجهة إلى غير الله وسجود له. والوجهة إلى غير الله كفر. فلهذا كان السحر كفراً والكفر من مواده وأسبابه كما رأيت. ولهذا اختلف الفقهاء في قتل الساحر، هل هو لكفره السابق على فعله، أو لتصرفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان، والكل حاصل منه. ولما كانت المرتبتان الأوليان من السحر لها حقيقة في الخارج، والمرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها اختلف العلماء في السحر: هل هو حقيقة أو إنما هو تخييل، فالقائلون بأن له حقيقة نظروا إلى المرتبتين الأوليين ، والقائلون بأن لا حقيقة له نظروا إلى المرتبة الثالثة الأخيرة. فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر، بل إنما جاء من قبل اشتباه هذه المراتب. والله أعلم.
واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه، وقد نطق به القرآن. قال الله تعالى: " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل، هاروت وماروت، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " . وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، وجعل سحره في مشط ومشاقة وجف طلعة ودفن في بئر ذروان، فأنزل الله عز وجل عليه في المعوذتين: " ومن شر النفاثات في العقد " . قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرا على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت.
وأما وجود السحر في أهل بابل، وهم الكلدانيون من النبط والسريانين فكثير، ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار. وكان للسحر في بابل ومصر أزمان بعثة موسى عليه السلام أسواق نافقة. ولهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون ويتناغون فيه وبقي من آثار ذلك في البرابي بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك. ورأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه وحاوله موجودة بالمسحور، وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التآليف والتفريق. ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عيناً أو معنى. ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء، ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلاً بالعقد واللزام، وأخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك، استشعاراً للعزيمة بالعزم. ولتلك البنية والأسماء السيئة خبيثة، تخرج منه مع النفخ، متعلقة بريقه الخارج من فيه بالنفث، فتنزل عنها أرواح خبيثة، ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر. وشاهدنا أيضاً من المنتحلين للسحر وعمله من يشير إلى كساء أو جلد، ويتكلم عليه في سره، فإذا هو مقطوع متخرق. ويشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج، فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الارض. وسمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه ويقع ميتاً وينقب عن قلبه فلا يوجد في حشاه، ويشير إلى الرمانة وتفتح فلا يوجد من حبوبها شيء. وكذلك سمعنا أن بأرض السودان وأرض الترك من يسحر السحاب فتمطر الأرض المخصوصة. وكذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة، وهي: رك رف د، أحد العددين مائتان وعشرون، والآخر مائتان وأربعة وثمانون، ومعنى المتحابة أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف وثلث وربع وسدس وخمس وأمثالها، إذا جمع كان مساوياً للعدد الآخر صاحبه، فتسمى لأجل ذلك المتحابة.
ونقل أصحاب الطلسمات أن لتلك الأعداد أثراً في الألفة بين المتحابين واجتماعهما إذا وضع لهما تمثالان. أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها أو شرفها، ناظرة إلى القمر نظر مودة وقبول، ويجعل طالع الثاني سابع الأول، ويوضع على أحد التمثالين أحد العددين والآخر على الآخر. ويقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه، أعني المحبوب، ما أدري، الأكثر كمية أو الأكثر أجزاء، فيكون لذلك من التآليف العظيم بين المتحابين ما لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر. قاله صاحب الغاية وغيره من أئمة هذا الشأن، وشهدت له التجربة.
وكذا طابع الأسد، ويسمى أيضاً طابع الحصى، وهو أن يرسم في قالب هند إصبع صورة أسد شائلاً ذنبه، عاضاً على حصاة، قد قسمها بنصفين، وبين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه فاغرة فاها إلى فيه، وعلى ظهره صورة عقرب تدب. ويتحين برسمه حول الشمس بالوجه الأول أو الثالث من الأسد، بشرط صلاح النيرين وسلامتهما من النحوس. فإذا وجد ذلك وعثر عليه، طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب، وغمس بعد في الزعفران محلولاً بماء الورد، ورفع في خرقة حرير صفراء فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم وخدمتهم وتسخيرهم له ما لا يعبر عنه. وكذلك للسلاطين فيه من القوة والعزعلى من تحت أيديهم ذكر ذلك أيضاً أهل هذا الشأن في الغاية وغيرها، وشهدت له التجربة. وكذلك وفق المسدس المختص بالشمس، ذكروا أنه يوضع عند حلول الشمس في شرفها وسلامتها من النحوس، وسلامة القمر، بطالع ملوكي يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة وقبول، ويصلح فيه ما يكون في مواليد الملوك من الأدلة الشريفة، ويرفع في خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب. فزعموا أن له أثراً في صحابة الملوك وخدمتهم، ومعاشرتهم. وأمثال ذلك كثير.
وكتاب الغاية لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدونة هذه الصناعة، وفيه استيفاؤها وكمال مسائلها. وذكر لنا: أن الإمام الفخر بن الخطيب وضع كتاباً في ذلك وسماه بالسر المكتوم، وأنه بالمشرق يتداوله أهله ونحن لم نقف عليه، والإمام لم يكن من أئمة الشأن فيما نظن، ولعل الأمر بخلاف ذلك. وبالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون بالبعاجين، وهم الذين ذكرت أولاً أنهم يشيرون إلى الكساء أو الجلد فيتخرق، ويشيرون إلى بطون الغنم بالبعج فينبعج. ويسمى أحدهم لهذا العهد باسم البعاج، لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام، يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم متسترون بذلك في الغاية خوفاً على أنفسهم من الحكام. لقيت منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك، وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية وإشراك لروحانية الجن والكواكب، سطرت فيها صحيفة عندهم تسمى الخزيرية يتدارسونها وأن بهذه الرياضة والوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم، وأن التأثير الذي لهم إنما هو فيما سوى الإنسان الحر من المتاع والحيوان والرقيق، ويعبرون عن ذلك بقولهم إنما نفعل فيما يمشي فيه الدرهم أي ما يملك ويباع ويشترى من سائر المتملكات، هذا ما زعموه. وسألت بعضهم فأخبرني به. وأما أفعالهم فظاهرة موجودة، وقفنا على الكثير منها وعاينتها من غير ريبة في ذلك.
هذا شأن السحر والطلسمات وآثارهما في العالم، فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر والطلمسات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية، واستدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية، بأن لها آثاراً في بدنها على غير المجرى الطبيعي وأسبابه الجسمانية، بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح، تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح والسرور، ومن جهة التصورات النفسانية أخرى، كالذي يقع من قبل التوهم. فإن الماشي على حرف حائط أو على جبل منتصب، إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك. ولهذا تجد كثيراً من الناس يعودون أنفسهم ذلك بالدربة عليه حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب ولا يخافون السقوط.
فثبت أن ذلك من آثار النفس الإنسانية، وتصورها للسقوط من أجل الوهم. وإذا كان ذلك أثراً للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية، فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها، إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة، لأنها غيرحالة في البدن ولا منطبعة فيه، فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام.
وأما التفرقة عندهم بين السحر والطلسمات، فهو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين، وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر، كما يقوله المنجمون، ويقولون: السحر اتحاد روح بروح، والطلسم، اتحاد روح بجسم، ومعناه عندهم ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية. والطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب، ولذلك يستعين صاحبه، في غالب الأمر بالنجامة. والساحر عندهم غير مكتسب لسحره، بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير. والفرق عندهم بين المعجزة والسحر، أن المعجزة قوة إلهية تبعث في النفس ذلك التأثير، فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك. والساحر إنما يفعل ذلك من عند نفسه وبقوته النفسانية، وبإمداد الشياطين في بعض الأحوال، فبينهما الفرق في المعقولية والحقيقة والذات في نفس الأمر، وإنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة وهي وجود المعجزة لصاحب الخير، وفي مقاصد الخير، وللنفوس المتمحصة للخير والتحدي بها على دعوى النبوة. والسحر إنما يوجد لصاحب الشر، وفي أفعال الشر في الغالب، من التفريق بين الزوجين وضرر الأعداء وأمثال ذلك، وللنفوس المتمحصة للشر. هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين.
وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأئير أيضاً في أحوال العالم وليس معدوداً من جنس السحر، وإنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم ونحلتهم من آثار النبوة وتوابعها. ولهم في المدد الإلهي حظ عظيم على قدر حالهم وإيمانهم وتمسكهم بكلمة الله. وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر فلا يأتيها لأنه متقيد فيما يأتيه ويذره للأمر الإلهي. فما لا يقع لهم فيه الإذن لا يأتونه بوجه ومن أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق وربما سلب حاله. ولما كانت المعجزة بإمداد روح الله والقوى الإلهية، فلذلك لا يعارضها شيء، من السحر.
وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا يأفكون، وذهب سحرهم واضمحل كأن لم يكن. وكذلك لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في المعوذتين، ومن شر النفاثات في العقد. قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرؤها على عقدة من العقد التي سحر فيها إلا انحلت. فالسحر لا يثبت مع اسم الله وذكره بالهمة الإيمانية. وقد نقل المؤزخون أن زركش كاويان وهي راية كسرى كان فيها الوفق المئيني العددي منسوجاً بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق. ووجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس وشتاتهم.
وهو فيما يزعم أهل الطلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب، وأن الراية التي يكون فيها أو معها لا تنهزم اصلاً. إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمسكهم بكلمة الله، فانحل معها كل عقد سحري ولم يثبت، وبطل ما كانوا يعملون. وأما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات والشعبذة وجعلته كله باباً واحداً محظوراً. لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا، أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا، وما لاديهمنا في شيء منهما. فإن كان فيه ضرر أو نوع ضرر، كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع، ويلحق به الطلسمات، لأن آثرهما واحد، كالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير، فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله، فيكون حينئذ ذلك الفعل محظوراً على نسبته في الضرر. وإن لم يكن مهماً علينا ولا فيه ضرر، فلا أقل من تركه قربة إلى الله، فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات والشعوذة باباً واحداً لما فيها من الضرر، وخصته بالحظر والتحريم.
واما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر، فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي، وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه. قالوا: والساحر مصروف عن مثل هذا التحدي، فلا يقع منه. ووقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور، لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية، لأن صفة نفسها التصديق، فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصادق كاذباً وهو محال، فإذاً لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق. وأما الحكماء فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه، فرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين. فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير، وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر ولا يستعمل في أسباب الشر، وكأنهما على طرفي النقيض في أصل فطرتهما. والله يهدي من يشاء، وهو القوي العزيز، لارب سواه.
ومن قبيل هذه التأثيرات النفسانية الإصابة بالعين وهو تأثير من نفس المعيان، عندما يستحسن بعينه مدركاً من الذوات أو الأحوال، ويفرط في استحسانه وينشأ عن ذلك الاستحسان حسد يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به، فيؤثر فساده. وهو جبلة فطرية، أعني هذه الإصابة بالعين. والفرق بينها وبين التأثيرات النفسانية أن صدوره فطري جبلي لا يتخلف ولا يرجع اختياز صاحبه ولا يكتسبه، وسائر التأثيرات، وإن كان منها ما لا يكتسب، فصدورها راجع إلى اختيار فاعلها، والفطري منها قوة صدورها لا نفس صدورها، ولهذا قالوا: القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل، والقاتل بالعين لا يقتل. وما ذلك إلا لأنه ليس مما يريده ويقصده أو يتركه، وإنما هو مجبور في صدوره عنه. والله أعلم بما في الغيوب ومطلع على ما في السرائر)) .



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا الغزالي يكفّر الفلاسفة ؟!
- هل كان ابن كثير تكفيري؟
- السحر في فكر الرازي المفسر
- لبيد يسحر النبي !
- تعدد الزوجات نظام جاهلي
- الشذوذ الجنسي في الجاهلية والاسلام
- ما حقيقة وأد البنت التي اشار لها القرآن ؟
- ماذا يقولون عنه لو كان اينشتاين اسلامي ؟!
- كيف نثبت (عذاب القبر) عقلا ؟
- حول زواج المتعة
- التصفيات الجسدية في الاسلام (7)
- البغاء في الجاهلية والاسلام (1)
- الحلاج يُقتل بفتوى الدواعش
- التصفيات الجسدية في الاسلام (5)
- التصفيات الجسدية في الاسلام (6)
- التصفيات الجسدية في الاسلام (4)
- اواعدك بالوعد واسكيك يا كمون
- التصفيات الجسدية في الاسلام (3)
- التصفيات الجسدية في الاسلام (1)
- التصفيات الجسدية في الاسلام (2)


المزيد.....




- عمليات المقاومة الاسلامية ضد مواقع وانتشار جيش الاحتلال
- إضرام النيران في مقام النبي يوشع تمهيدا لاقتحامه في سلفيت
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- إيهود أولمرت: عملية رفح لن تخدم هدف استعادة الأسرى وستؤدي لن ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة 2024 بأعلى ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل المنتخب الوطني لكرة قدم الصالات ...
- “نزلها لطفلك” تردد قناة طيور بيبي الجديد Toyor Baby بأعلى جو ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مصر.. هيئة البث الإسرائيلية تكشف اسم رجل الأعمال اليهودي الم ...
- كهنة مؤيدون لحق اللجوء يصفون حزب الاتحاد المسيحي بأنه -غير م ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - إبن خلدون ... واقراره بالسحر