لبيد يسحر النبي !

داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 4815 - 2015 / 5 / 23 - 14:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

قال ابن سعد في طبقاته : (( لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَدَخَلَ الْمُحَرَّمُ . جَاءَتْ رُؤَسَاءُ يَهُودَ الَّذِينَ بَقُوا بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ يُظْهِرُ الإِسْلامَ وَهُوَ مُنَافِقٌ إِلَى لَبِيدِ بْنِ الأَعْصَمِ الْيَهُودِيِّ . وَكَانَ حَلِيفًا فِي بَنِي زُرَيْقٍ. وَكَانَ سَاحِرًا قَدْ عَلِمَتْ ذَلِكَ يَهُودُ أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ بِالسِّحْرِ وَبِالسَّمُومِ . فَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا الأَعْصَمِ أَنْتَ أَسْحَرُ مِنَّا وَقَدْ سَحَرْنَا مُحَمَّدًا فَسَحَرَهُ مِنَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَلَمْ نَصْنَعْ شَيْئًا. وَأَنْتَ تَرَى أَثَرَهُ فِينَا وَخِلافَهُ دِينَنَا وَمَنْ قَتَلَ مِنَّا وَأَجْلَى . وَنَحْنُ نَجْعَلُ لَكَ عَلَى ذَلِكَ جُعْلا عَلَى أَنْ تَسْحَرَهُ لَنَا سِحْرًا يَنْكَؤُهُ . فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَسْحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَمَدَ إِلَى مُشْطٍ وَمَا يُمْشَطُ مِنَ الرَّأْسِ مِنَ الشَّعْرِ فَعَقَدَ فِيهِ عُقَدًا وَتَفِلَ فِيهِ تَفْلا وَجَعَلَهُ فِي جَبِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. ثُمَّ انْتَهَى بِهِ حَتَّى جَعَلَهُ تَحْتَ أُرْعُوفَةِ الْبِئْرِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرًا أَنْكَرَهُ حَتَّى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلا يَفْعَلُهُ. وَأَنْكَرَ بَصَرَهُ حَتَّى دَلَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَدَعَا جُبَيْرَ بْنَ إِيَاسَ الزُّرَقِيَّ . وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا. فَدَلَّهُ عَلَى مَوْضِعٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ تَحْتَ أُرْعُوفَةِ الْبِئْرِ فَخَرَجَ جُبَيْرٌ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى لَبِيدِ بْنِ الأَعْصَمِ فَقَالَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَى سِحْرِكَ وَأَخْبَرَنِي مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: حُبُّ الدَّنَانِيرِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ! )). { الطبقات الكبرى ، ج2 ص 197، طبع بيروت دار صادر}
وهذا الحديث ذكره البخاري ايضا في صحيحه ، وغيره من ارباب المسانيد ، فهو عندهم حديث صحيح لا غبار عليه . وقد ذكرنا في مقال سابق هذا الحديث وعلقنا عليه ، وهذا المقال اكمالا لما قلنا من قبل .
*ما حقيقة السحر ؟
إن للباحثين والكتاب عدة آراء واقوال حول السحر ومفهومه وطرقه وتعلمه وتاريخه وتأثيراته . ونحن هما نستعرض بعض هذه الاقوال والآراء ولنا ايضا رأي .
أولاً: قال الشيخ رشيد رضا : كان السحر فنا من فنون قدماء المصريين يتعلمونه في مدارسهم العالية مع سائر علوم الكون ، وكان كذلك عند اقرانهم من البابليين ، وكذا الهنود وغيرهم ، ولا يزال يؤثر عن الوثنيين منهم اعمال سحرية غريبة اهتدى علماء الانكليز وغيرهم من الافرنج الى تعليل بعضها او كشف حقيقته ولا يزالون يجهلون تعليل بعض . وبيان حقيقة السحر انه ثلاث انواع :
أ-ما يعمل بالأسباب الطبيعية من خواص المادة المعروفة للعامل المجهول عند من يسحرهم بها ، ومنها الزئبق الذي قيل ان سحرة فرعون وضعوه في حبالهم وعصيهم .
ب- الشعوذة التي مدار البراعة فيها خفة اليد في اخفاء بعض الاشياء واظهار بعض ، وآراء بعضها بغير صورها ، وغير ذلك .
ج- ما مداره على تأثير النفوس ذوات الارادة القوية في النفس الضعيفة ذات الامزجة العصبية القابلة للأوهام والانفعالات التي تسمى في عرف علماء هذا العصر بالهستيريا .
اقول : بأيها نوع اصيب النبي ، من هذه الانواع الثلاث ؟!.
ويضيف الشيخ : والسحر في اللغة طرف الحلقوم والرئة وقيل انتفخ سحره وبعير سحر عظيم السحر . والسحر يقال على معان :
أ-الخداع وتخيلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الابصار عما يفعله لخفة يد .
ب- استجلاب معاونة الشياطين بضرب من التقرب اليهم .
ج- ما يذهب اليه الاغتام وهو اسم لفعل انه من قوته يغير الصور والطبائع فيجعل الانسان حمارا ولا حقيقة لذلك عند المحصلين .
{مجلة الموسم العدد 98، سنة 2012 م ، عدد خاص بالسحر ، ص 15- 16}.
ثانيا: ملخص كلام الكاتب الكبير جرجي زيدان الذي انقله بالحرف الواحد : على ان انكار السحر وامثاله ليس بالأمر الحديث فقد انكرها اعلم علماء المسلين واخطبهم واشرف ائمتهم ، نعني به الامام علي بن ابي طالب ، فقد عزم مرة على المسير الى الخوارج فقال له بعض اصحابه : يا امير المؤمنين ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم . فأجابه ( اتزعم انك تهدي الى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر . فمن صدق بهذا فقد كذب بالقرآن واستغنى عن الاعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه ) . ويضيف زيدان وجملة القول ان النواميس الطبيعية المعروفة حتى الآن تنفي السحر واشباهه مما يراد به معرفة الغيب او كشف السرائر أو اتيان المعجزات من قبيل ما ينسبونه الى التنجيم او السحر او الطلسمات او علم الحروف او نحوها .{ المصدر السابق} .
ثالثا : قال الرازي : ((المسألة الثانية : اعلم أن لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع ، ومتى أطلق ولم يقيد أفاد ذم فاعله . قال تعالى : { سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ } ( الأعراف : 66 ) يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى وقال تعالى : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } ( طه : 66 ) . { راجع مفاتيح الغيب ، ج الاول تفسير الآية 102من سورة البقرة } .
واضاف الرازي : المسألة الثالثة : في أقسام السحر : اعلم أن السحر على أقسام . الأول : سحر الكلدانيين والكسدانيين الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ، ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة وهم الذين بعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام مبطلاً لمقالتهم وراداً عليهم في مذهبهم . أما المعتزلة فقد اتفقت كلمتهم على أن غير الله تعالى لا يقدر على خلق الجسم والحياة واللون والطعم ، واحتجوا بوجوه ذكرها القاضي ولخصها في تفسيره وفي سائر كتبه ونحن ننقل تلك الوجوه وننظر فيها . أولها : وهو النكتة العقلية التي عليها يعولون أن كل ما سوى الله إما متحيز وإما قائم بالمتحيز ، فلو كان غير الله فاعلاً للجسم والحياة لكان ذلك الغير متحيزاً ، وذلك المتحيز لا بد وأن يكون قادراً بالقدرة ، إذ لو كان قادراً لذاته لكان كل جسم كذلك بناء على أن الأجسام متماثلة لكن القادر بالقدرة لا يصح منه فعل الجسم والحياة ، ويدل عليه وجهان . الأول : أن العلم الضروري حاصل بأن الواحد منا لا يقدر على خلق الجسم والحياة ابتداء ، فقدرتنا مشتركة في امتناع ذلك عليها ، فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة ولا مشترك ههنا إلا كوننا قادرين بالقدرة ، وإذا ثبت هذا وجب فيمن كان قادراً بالقدرة أن يتعذر عليه فعل الجسم والحياة . الثاني : أن هذه القدرة التي لنا لا شك أن بعضها يخالف بعضاً ، فلو قدرنا قدرة صالحة لخلق الجسم والحياة لم تكن مخالفتها لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض ، فلو كفى ذلك القدر من المخالفة في صلاحيتها لخلق الجسم والحياة لوجب في هذه القدرة أن يخالف بعضها بعضاً ، وأن تكون صالحة لخلق الجسم والحياة ، ولما لم يكن كذلك علمنا أن القادر بالقدرة لا يقدر على خلق الجسم والحياة . وثانيها : أنا لو جوزنا ذلك لتعذر الاستدلال بالمعجزات على النبوات لأنا لو جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية لم يمكنا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي الأنبياء عليهم السلام صدرت عن الله تعالى ، بل يجوز فيها أنهم أتوا بها من طريق السحر ، وحينئذ يبطل القول بالنبوات من كل الوجوه . وثالثها : أنا لو جوزنا أن يكون في الناس من يقدر على خلق الجسم والحياة والألوان لقدر ذلك الإنسان على تحصيل الأموال العظيمة من غير تعب ، لكنا نرى من يدعي السحر متوصلاً إلى اكتساب الحقير من المال بجهد جهيد ، فعلمنا كذبه وبهذا الطريق نعلم فساد ما يدعيه قوم من الكيمياء )). (المصدر نفسه) . الى آخر ما قاله الرازي وهو كلام طويل.
رابعا : ما نريد قوله في هذا المضمار ، وهو كالآتي :
أ-لا نريد ان نتجاوز على ما ذكرنا من هذه الاقوال ، ولا ننفيها ، بل نؤيدها ونقول بصحتها وصدقها .
ب- ان حديث السحر الذي اورده ابن سعد حديث موضوع ومكذوب ولا صحة له ، وواضع الحديث يريد ان يؤكد لنا بأن السحر حقيقة وله وجود وتأثير ، بحيث حتى النبي المرسل المسدد من الله لم يستطع صده او مقاومته حتى اثر به وفعل ما فعل .
ج- واذا سلمنا بصحة الحديث ، وانه فعلا حدث هذا للنبي وان لبيدا استطاع ان يسحره ويؤثر به ، حتى جرى له ما جرى من اثر السحر ، فأنها لكارثة ، اذ حتى النبي لم يسلم من السحر ، فما بالنا نحن المساكين ، ثم كيف ان النبي المسدد والمعصوم وجبريل عونه في السراء والضراء ، لم يصمد او يقاوم .
د- أي نوع من انواع السحر التي استخدمها لبيد مع النبي بحيث جعله هل فعل هذا الشيء او لم يفعله ، وكم يوم ظل النبي مسحورا ؟ وهل اقام الصلاة في تلك الاوقات ام انه لا يدري من تأثير السحر ؟.
و- وحتى نحل هذا المعضلة او المشكلة ، وننزه ساحة النبي ، نقول ان الرواية موضوعة ولا صحة لها ، ولا يوجد شيء اسمه سحر كما قال الامام علي حينما اراد ملاحقة الخوارج ، وقالوا له اصحابه ما قالوه . وخير ما قال النبي بهذا المعنى: ( إن من البيان لسحراً ). فالفلسفة والحكمة والشعر والمنطق هي السحر لأنها تأخذ تسحر العقول وتجذب القلوب .

#داود_السلمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات