أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - النَّقْصُصَّافِي في ألمانيا














المزيد.....

النَّقْصُصَّافِي في ألمانيا


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4786 - 2015 / 4 / 24 - 13:49
المحور: الادب والفن
    


إذْ يقتربُ موعد السفر بالطائرة للمرة الأولى .. تبدأ بالبحث عن أكبر حقيبة سفر في السوق الشعبية .. وإذا كنتَ من المحظوظين ستجد مثيلتها في منزلِ أحد الأقرباء ممن تزوجوا حديثاً ..
ثم تبدأ طقوس تجهيز و"ضبضبة" الحقيبة .. تكتب على ورقة كل ماتحتاجه .. المناشف والغيارات الداخلية والجوارب وبيجامة نوم والبلوز والقمصان والبنطلونات وطقم وربطات عنق وبضعة أحذية .. وسرعان ما تستيقظ الذاكرة وكأنكَ في رحلة إلى معسكر طلائع البعث .. لذا تحاول أيضاً أن تجد للملعقة والشوكة والسكين والصحن والكأس مكاناً آمناً في الحقيبة ..

وتكتب على الورقة نفسها أيضاً كل النصائح المقدمة منهم كي تأخذها بعين الاعتبار .. وأنتَ لا تملك إلّا أن تصدق وصاياهم ..
يقولونَ لكَ: اشتر ذهباً .. ستربح عند بيعه في الغربة ..
يقولون: الأسعار كاوية .. نار حمراء .. خذ معك زعتر ومكدوس ومربى وزيتون وملوخية وحلويات .. ولا تنسى علب "المتة" والقهوة والدخان ..
يقولون: ليس هناك من يجيد حلاقة الشعر .. والأجور غالية .. عليك أن تذهب للحلاق قبل رحيلك .. ولا تنسى أن تشتري كل لوازم حلاقة الذقن ..
يقولون: في الغربة تتدفق ينابيع الحنين .. عليك أن تأخذ معك أشرطة "كاسيت" للغناء العربي والكثير من صور العائلة ..
ويقولون: هناك برد وثلح .. هناك ترتدي الناس معاطفَ فرو وجاكتات من الجلد .. الأسعار عالية .. اشتر معطفاً ولا تنسى جاكيت الجلد والبُوت المقاوم للبرد والصدمات ..

وأنتَ الذي لا حَوْلَ وَلا قُوَّة لك تصدقهم .. وخاصة وصية "الجاكيت" والبُوت .. فهي تبدو منطقية ..
لعلك تحسب ما تبقى لك من نقود وتذهب حالاً إلى المُهَرِّب "هشام" .. رجل المخابرات .. وتسأله عن أسعار ما ترغب شرائه ..
يتم الاتفاق سريعاً على أن تأتي في اليوم الثاني لإحضار ما طلبته .. ينتابك الإحساس بأن سعر القطعة أعلى بكثير من تصوراتك البريئة .. لكنك لن تساوم ولن تجادل طويلاً .. فأنت لا تعلم شيئاً عن سعر الملابس المصنوعة من الجلد "الأصلي" .. ثم أنّ المُهَرِّب هو ابن الضيعة ولن يغشك كم يغش الغرباء ..

فجأةً تصير الحقيبة كما في شهرها التاسع .. حينها تنشغل بأفكار بسيطة .. ما هو الوزن المسموح اصطحابه معك من المطار؟ .. كم حقيبة تستطيع أن تأخذ معك! .. هل تعرف أنت أو عائلتك شخصاً ما في المطار؟ .. أو من طاقم الطائرة؟ .. ويأتي من يقول سريعاً: العاملون في شركة الطيران السورية أولاد حلال .. ويغضون النظر عن الوزن الزائد .. وتسافر ..

بعد عدة أيام على وصولك إلى البلد/الهدف .. في يوم "أحد" .. عطلة نهاية الإسبوع ..
يقولون لكَ: لقد وصل "النَّقْصُصافي" لتّوه قادماً من سوريا .. سيكون لطفاً منك أن تساعده ..
وأنتَ الذي لم يسمع باسمه سابقاً .. تذهب إلى محطة القطار في "لايبتزغ" لتجد "كوازيمودو" السوري قارع الأجراس البعثية ..
لتجد شاباً قد اقترب من السابعة والثلاثين .. قصير القامة .. خفيف الوزن .. قروياً بسيط الملامح .. شاباً هرماً يحلم أن يختاروه ذات يوم ليكون المهرج المُحَبَّب في سفارتهم .. وبجانبه ثلاثة حقائب .. حقيبة يد في داخلها ما يعادل 15 كغ .. حقيبة متوسطة فيها ما يعادل 35 كغ .. وحقيبة عرس سوداء ضخمة فيها أكثر من 60 كغ ..

تتسائل في سرك: كيف سمحوا له .. تحييه وتتعارفا .. يقدم نفسه إليك: أنا هو "النَّقْصُصَّافِي" .. ألم تسمع بي سابقاً؟ .. يسحبُ من جيبه دفتر هواتف .. يفتحه باعتزاز ويخبرك أنّ لديه أرقام الكثير من الشخصيات المهمة في الدوائر السورية ..

ودون مقدمات .. ترفع الحقيبة الضخمة وتضعها على كتفك وجزءاً من رأسك .. وتسير بها باتجاه السكن الطلابي محاولاً تنظيم أفكارك عن الطعام ومكان النوم .. و"النَّقْصُصَّافِي" يتبعك حاملاً ما تبقى ويتحدث عن رحلته ..
فجأة يتوقف عن السير .. يرمي حقيبتيه جانباً .. يقرفص على رصيف الشارع ويديه طليقتين .. يُخرج علبة تبغه البلدي .. يدرج سيكارته بأصابع يديه الصغيرتين .. يبلل ورقتها بريقه ويقطع أطرافها بأسنانه الصفراء الصغيرة ..
ويصرخ بلغته الخبيثة كمن لَسْعه العَقْرَب:

هل هذه هي الجنة التي وعدونا بها .. أين هي؟ .. لا أرى شيئاً ..
هل هذه هي ألمانيا التي أخبرتمونا عنها .. أين النساء .. أين الصبايا العاهرات؟ .. أين هو المال المُكدَّس في الطرقات؟ .. لا أرى شيئاً على الرصيف ..

وأنت مازلت تنتظره حاملاً حقيبته السوداء .. صليب عرسه الثقيل فوق ظهرك .. تضحك وتضحك حتى الدمع .. تهز رأسك في أسى ..
وتعلم حينها فقط أنّكَ لم تعثر قرب محطة القطار إلّا على بهلوانٍ "بعثي" الصنع .. في هيئة قط خبيث .. في هيئة "دروليري" قبيحة الشكل .. "تتعربش" على حِيطان كاتدرائية نوتردام في باريس .. لِتتَدَلَّى منها باِلشَّرِّ والطَّمَع.

***** ***** ***** *****
توضيح:

"النَّقْصُصَّافِي": هو اسم عائلة .. على نمط عائلة "الرصافي" ..

"كوازيمودو": هو بطل رواية أحدب نوتردام .. هو طفل أحدب لقيط قبيح المظهر ابن عائله غجرية أتت إلى نوتردام بهدف السرقة

"دروليري" هي أشكال أو حيوانات أو كائنات كاريكاتورية "فنية" أسطورية غريبة الصفات .. يتم تصويرها في المنحوتات على الجدران الخارجية للكنائس والكاتدرائيات الأوروبية .. كمفهوم لغوي فني يختلف بالجوهر عن مصطلح .. Gargoyle .. والذي يُترجم إلى كلمة "كَرغَل" أو "غرغول" .. وتعني "المزراب البارز/الناتئ" ..



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -9-
- مقاهي دير الزور .. مشروع لم يكتمل بعد
- في الطريق من فرايبورغ إلى لندن
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -8-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -7-
- دلعونا إمرأة من بسنادا
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -6-
- رسالة إلى سحر
- آزارو مرّ من بسنادا
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -5-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -4-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -3-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -2-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -1-
- جينات بسندلية -4-
- بماذا أخبرتني تلك اللوحة؟
- لِمنْ هذهِ الرائحة القادمة من لندن؟
- ما الذي تفكرُ به إمرأة؟
- انطباعات لندنية
- نبع معلّا في بسنادا


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - النَّقْصُصَّافِي في ألمانيا