أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي دريوسي - في الطريق من فرايبورغ إلى لندن















المزيد.....

في الطريق من فرايبورغ إلى لندن


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 22:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قرر في العطلة الانتصافية للجامعة إمضاء إجازة قصيرة لعدة أيام في العاصمة لندن بعد انشغاله لفصل دراسي كامل بالمحاضرات والامتحانات والإشراف والبحث العلمي .. ولأنه يمقت الانتظارات الطويلة في المطارات قرر السفر بالقطار .. حجز عبر الإنترنت تذكرة السفر من مدينة فرايبورغ في الجنوب الغربي من ألمانيا إلى مدينة لندن ذهاباً وإياباً .. وكذا حجز بطاقة الإقامة في أحد الفنادق في الشمال من لندن ..

بدأت رحلته يوم الإثنين بالقطار المسافر من مدينة فرايبورغ إلى مدينة شتراسبورغ الفرنسية على الحدود .. حيث يقوم من هناك بالركوب في القطار المسافر إلى باريس .. على التوازي من نزوله من القطار في شتراسبورغ لمحت عيناه دورية حماية الأمن .. ثلاثة رجال بكامل السلاح والعتاد والجاهزية .. خطوات قليلة ويلتقي الدورية الثانية .. ثم الثالثة .. يقولون في مدينة شتراسبورغ وحدها هناك ما يقارب 400 من العناصر الجوالة لحماية الإنسان .. انتابه الشعور بالخوف والأمان والرفض المضاعف للإرهاب ..

أمضى في المحطة دقائق معدودات .. تناول خلالها فنجان قهوة .. ثم غادرها في الساعة الحادية عشر والنصف مع القطار المسافر إلى باريس .. القطار "طويل" .. يجر خلفه ثمانية عشر عربة .. في كل منها 56 مقعداً .. تجاوز عدد المسافرين الألف بقليل .. جميع أماكن الجلوس محجوزة .. وجد مكانه دون تعب .. جلس قرب النافذة .. بعد ساعتين وبضعة دقائق يصل قلب باريس ..

القطار "سريع وهادئ" .. يسافر بسرعة 320 كم/سا .. لا تشعر بسرعته أو ارتجاجه .. تَعلمُ فقط أنه يسافر بهذه السرعة .. حين تنتبه إلى مؤشر السرعة في لوحة التعليمات الفيديوية .. أو إذا رغب الجالس بجوارك أن يبدأ حديثاً قصيراً معك .. يجلس الضيوف المسافرون في مقاعدهم المحجوزة مسبقاً بكامل الهدوء والراحة والطمأنينة .. يقرأون أو يتحاورون بصمت .. يأكلون شيئاً .. يشربون ماءً ثم يقرأون ..

وصلَ القطار في الوقت المحدد إلى محطة القطارات الشرقية في باريس .. نزلَ منه ذاهباً باتجاه أحد أبواب الخروج الذي يقوده إلى الدرب الصحيح .. رأى الدوريات الثلاثية الفرنسية للأمن وللحماية .. خاطبَ نفسه كم هو مكلف محاربة الإرهاب .. أمطرت السماء فجأةً .. سار على الأقدام دون مظلة جاراً حقيبة أغراضه لبضعة دقائق حتى بلغَ محطة القطارات الشمالية في باريس .. والتي ينطلق منها القطار EuroStar المتوجه إلى لندن .. هناك فرق في التوقيت بين باريس ولندن ساعة من الزمن .. ساعة من الإرباك والحيرة ..

وصلَ المحطة .. أدهشته ضخامتها .. بحث عن مقهى ليتناول فيه "ساندويتش" وفنجان قهوة .. ثم قررَ بعدها الدخول مبكراً إلى صالة الانتظار .. حيث يتم التفتيش ورؤية بطاقة السفر والهوية الشخصية أو جواز السفر .. لم تتجاوز الساعة الثانية والثلث ظهراً .. ينطلق القطار الأول الساعة الثالثة أما قطاره فينطلق الساعة الرابعة ..

مئات المسافرين ينتظرون رحلة الساعة الثالثة في محطة القطار الشمالية في مدينة باريس .. لن يصل القطار في الموعد المحدد .. تم إعلامهم بوجود حادث في مدينة لندن .. أحد المعتوهين رمى بنفسه أمام القطار المسافر .. ولم تكن هي المرة الأولى التي يعيش فيها هذه الحالة .. تأخر الوقت واعترت المسافرين حالة التأفف والملل .. بدأ بعضهم مغادرة المحطة دون رجعة ..

جلسَ أرضاً يقرأ في مجلة أحضرها معه ويراقب الوجوه من حوله .. وجوهاً من كل بقاع العالم .. وجوهاً من مختلف الأعمار والتقاسيم .. بعضهم يمر من أمامه فيتبادل معهم نظرات حيادية .. والبعض الآخر يتجاهله ليس عمداً ..

لم يشعر بشيء غير عادي إلا حين نظرَ إلى إحداهن .. سمراء بشفاه متخمة وجسد "أعوج" جذّاب .. تجر خلفها حقيبتها الحمراء .. تحمي عيونها الجميلة بنظارة فوضوية كبيرة .. خاطبته تخمة الشفتين وأعجبه اعوجاج الجسد لديها .. شعرَ بأنها لا تشبه الآخرين كثيراً .. ابتسمتْ له وتابعت سيرها وحديثها التلفوني .. بعد قليل عادت .. ابتسمتْ له من جديد ثم تابعت السير وأهملته ..

مقابله تماماً جلستْ صبية في عمر الحب على بلاط بهو الانتظار .. تقرأ وتنتظر .. صبية جميلة ورقيقة .. طويلة ونحيفة .. شعرها جميل وشفاهها وردية .. وإذ أتعبها الانتظار نهضت من جلستها .. وراحت علانية تداعب/تدلك/تعجن فردتي مؤخرتها ..

أعجبته فعلتها .. نظرَ إلى عينيها .. تبادلا النظرات والابتسامات .. قالت شيئاً عطراً لم يفهمه بلغة غريبة لم يفهمها .. لَعنَ اللغات في سره .. هزّ رأسه وتابعَ سرقة النظرات إليها ..

بعد مضي قرابة أربعة ساعات .. تم الإعلان عن وصول القطار .. آخيراً وصل السيد "قطار" بهيبته .. صعدَ إليه وراح يمشي باحثاً عن مكان جلوسه المحجوز .. فوجئ إذْ رأى أنّ كل من جلسوا بدؤوا يتناولون الطعام والشراب .. وكأنهم في عزيمة .. رائحة الطعام تفوح في أرجاء عربات القطار .. تساءلَ ساخراً والجوع قد هاجمه .. ما الأمر؟ .. إنّهم أكثر نهماً من الألمان !.. حمل كل منهم علبة بين يديه وفيها علباً أصغر .. مليئة بالأطعمة .. كانت علب الاعتذار .. فالقطار قد تأخّر كثيراً ..

وصلَ إلى مقعده وهناك وجدَ علبةً بانتظاره .. كان جائعاً .. جلسَ وفتح علبته وبدأ بتناول طعامه .. بضعة دقائق وكان كل شيء على ما يرام .. وانطلق القطار من محطة القطار الشمالية في باريس في طريقه إلى محطة السكك الحديدية "سانت بانكراس" في لندن .. london st. pancras international station .. عابراً النفق الأوروبي الشهير ..

إنه نفق المانش أو نفق القناة "Channel Tunnel" الذي يربط الأراضي الفرنسية ببريطانيا .. يربط مدينة كوكيوليس "Coquelles" .. في شمال فرنسا مع مدينة .. "Folkestone" في مقاطعة "Kent" في جنوب شرق إنجلترا .. ممتداً على طول 50,5 كيلومتراً بعمق وسطي من 40 متر تحت البحر .. مسافة نفقية يقطعها القطار في 20 دقيقة .. بينما هو يعيش حالة "القلق النفقي" .. إنها المرة الأولى التي يسافر بها تحت البحر ..

آخيراً وصل القطار محطة "سانت بانكراس" .. نزل منه ومشى باحثاً عن المخرج .. صعدَ درجاً متحركاً .. وهبطَ درجاً متحركاً آخر .. ومشى طويلاً إلى أن وصلَ حاجز الخروج .. هناك قدموا له زجاجة ماء وكيس بطاطا "شيبس" .. فأولاد العاهة .. يعتذرون من جديد ..

أُغْلِقَ بابَ الخروج خلفه .. ليجد نفسه في الساحة الداخلية/الخارجية للمحطة .. كم هي نظيفة .. كم هي جميلة .. أحدهم يعزف على جهاز بيانو .. إحداهن تجر حقيبتها الحمراء خلفها .. وتمشي باتجاهٍ ما ساحبةً جسدها الأعوّج الجميل .. إنّها هي .. المرأة "العوجاء" ..

نظرَ إليها وقال مغازلاً مبتسماً .. "مرحبا يا الغزال الأعوح" .. نظرت إليّه وضحكتْ قائلة بلهجتها التي تعني: أتتكلم باللغة العربية؟
ارتبكَ وأجاب: نعم .. رأيتكِ قبل بضعة ساعات في محطة القطار في باريس .. وها نحن نلتقي في لندن .. أليست صدفة حلوة؟
ضحكتْ من قلبها مؤكدةً صحة ما قال لها ..

اقتربَ منها أكثر وبدأ معها حديثاً ودياً .. عَلِمَ من خلاله أنها تونسية وترعرعت في باريس ولندن .. تجيد اللغات الفرنسية والإنكليزية والعربية .. وعَلِمَ أنّها مغنية وممثلة .. وقد وصلت إلى لندن بهدف الغناء .. فجأةً بدأتْ الغناء في باحة المحطة بصوتها العميق .. "أنا مش سودا بس الليل سودني بجناحو" .. ثم تلتها بأغنية "آمان آمان يا الماني .." من التراث التونسي .. تبادلا العناق والأمنيات .. وذهب كل منهما في طريقه.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -8-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -7-
- دلعونا إمرأة من بسنادا
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -6-
- رسالة إلى سحر
- آزارو مرّ من بسنادا
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -5-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -4-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -3-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -2-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -1-
- جينات بسندلية -4-
- بماذا أخبرتني تلك اللوحة؟
- لِمنْ هذهِ الرائحة القادمة من لندن؟
- ما الذي تفكرُ به إمرأة؟
- انطباعات لندنية
- نبع معلّا في بسنادا
- رُعاف وقلم رصاص
- إيحاءات فيسبوكية مُشَتَّتة
- يا حبق ومنتور -2-


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي دريوسي - في الطريق من فرايبورغ إلى لندن