أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - الطابق السابع














المزيد.....

الطابق السابع


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 1325 - 2005 / 9 / 22 - 07:58
المحور: الادب والفن
    


إلى روح شهيدة الحب هدى أبو عسلي

أغلقتْ الباب بهدوء كي لا توقظ ابنها الوحيد من نومه. بعد أن ودّعت زوجها الذاهب إلى عمله. بالرغم من أنه يوم جمعة... فقد اعتادت أن تقضي يوم العطلة الأسبوعية مع ابنها في غياب زوجها الذي – وبعد جهودٍ حثيثة – استطاع أن يجد عملاً آخر إلى جانب وظيفته في معمل الإسمنت؛ حيث بدأ ومنذ مطلع الشهر يعمل مع صديقٍ له في التمديدات الكهربائية بالشقق المبنية على الهيكل.
صحيح أنه يتعب كثيراً ولا يرى زوجته وابنه الذي احتفل بعيد ميلاده الثاني منذ يومين... إلا ليلاً. وصحيح أيضاً أنه وبسبب قلة خبرته مكلف بأحقر وأصعب مرحلة من مراحل عمله هذا, المتمثلة بتنقير الحيطان بواسطة الإزميل والمطرقة, وأن الغبار يلاحقه في كلا العملين, وأنه يأخذ أجره بالقطارة.. وأنه...!
ولكن لا بأس (فالبحصة تسند جرّة) كما كانت تردد لزوجها دائماً, مهونةً عليه الأمر عندما كان يبدي لها تذمره؛ إذ إنها وبعد حساباتٍ دقيقةٍ صارمة, لاحظتْ أنها سوف تستطيع شراء اللحمة والفواكه على الأقل مرتين في الشهر. وهذا دليلٌ واضحٌ على تحسّن مستوى معيشتهم المرتقب.
استلقت على السرير إلى جانبِ طفلها راغبةً باستئناف نومها, إلا أنها شعرتْ بانقباضٍ مفاجئ !! تسللتْ بحذر ودخلتْ المطبخ متشاغلةً عن شعورها, وبدأت بجلي عدة صحون وكأس شاي.. من مخلفات إفطار زوجها. فهي حريصة ألا يذهب زوجها إلى العمل دون أن يتناول ما يسدّ ريقه.
لم تستطع إكمال مهمتها الصباحية بالرغم من قلة الصحون... فقد تضاعف إحساسها بضيقٍ غريب! اتجهتْ إلى البراد وتناولتْ قنينة ماء باردة وكرعت جرعة قصيرة منها...
ترى, لمَ كل هذا التوتر والاضطراب؟!! سألت نفسها! ألأنّ الجوّ حارّ وينذر بعاصفة رملية؟ أم لأن زوجها يعمل في شقة ضمن الطابق السابع؟ أم ماذا؟
فكرت بالذهاب إليه بعد استيقاظ ابنها للإطمئنان عليه, فالبناء الذي يعمل فيه قريب جداً من مسكنها.. ولكن!
لا... يجب ألا أغوص في أوهامٍ لا مبرر لها... قالت ذلك بصوتٍ مسموع وقررت إعداد فنجان قهوة.. ولأول مرة في تاريخها يداهمها شعور بتدخين سيجارة... وقبل أن تصب القهوة تناهى إلى سمعها بكاء طفلها.. هرعت إليه وضمته بحنانٍ ولهفة, ولم تدرِ لمَ شعرت بنوبة بكاء..
تساقطت دموعها على خدّ طفلها وسط دهشته... فهو يبكي فقط ليعلن عن استيقاظه, فهذه عادته بعد كل نوم.
- ماما...؟!
- لا تخف يا حبيبي!
وبدأت بمسح دموعها. حملته واتجهت به لتجهيز زجاجة الحليب..
قرعات متلاحقة على الباب وصوت يناديها باستغاثة: يا أم سمير..! افتحي الباب بسرعة يا أم سمير!
تسمّرتْ في مكانها مذعورةًًً وشعرتْ بأن قلبها أصبح بين قدميها! بدأتْ تبلع ما تبقى من ريقها بصعوبة من يختنق! لكن القرع المستمر على الباب جعلها تتوفز بفضول ونفاد صبر لمعرفة الأمر..! فتحت الباب وإذ بأخت زوجها وقد ارتسم على محياها كل بؤس العالم:
- أبو سمير... يا أم سمير؟
- ما به؟!!!
- سقط من شرفة الطابق السابع..!
فتحت عينيها على اتساعهما غير مصدقة, حملقتْ بأخت زوجها بهلع مستجديةً أن تكذّب ما سمعته, إلا أن جحيم الرعب الذي تبدّى لها في وجه محدثتها جعلها توقن بوقوع الكارثة..! تخلخلت ساقاها.. زاغت عيناها.. أسبلت ذراعيها فوقع سمير على الأرض. صرخت.. ولولت.. تهالكت على ركبتيها.. نهضت.. خرجت.. ركضت حافية.. عاصفة من الغبار الساخن تلقفتها ولفتها.. الرؤية باتت شبه معدومة..
شيءٌ ما جعلها فجأة في فضاء الشارع. أحسّتْ بأنها تطير فوق الرصيف بعد أن صدمتها سيارة مسرعة.. رأت طيفاً عابساً معاتباً والغبار يغطيه كالخارج لتوّه من طاحونة بدائية. إنه زوجها.. حبيبها..!
همّت باحتضانه بلوعة, أشار لها بيده المغبرّة ألا تقترب وسمعته يقول لها: لماذا تركتِ سميراً وحيداً؟ يجب أن يبقى أحدنا أو نطير نحن الثلاثة.. حاولتْ الاقتراب منه إلا أنه ابتعد عنها وغاب في أمواج الرمل والغبار.
عشرات الخواطر بدأت تصفع رأسها؛ يا لشماتة أهلها وطائفتها... يا لقسوة العيش من بعد زوجها.. كيف ستدبر أمورها؟ نسب طفلها.. ديونها.. عمليتها الجراحية المؤجلة..!
أرادت العودة إلى بيتها بلهفة حارقة تلبية لنداء زوجها, لكنها لم تستطع! أحست بأنها خفيفة.. بطيئة.. ارتفعتْ رويداً رويداً.. حلّقتْ.... تسامت.. تلاشت... ثم اختفت وسط العجاج الكثيف..





#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو بحر
- على وشك الإحباط
- عمل ثانٍ
- الحلاّف
- سلحفاة المعلم
- !كان ... وما زال
- هايل أبو زيد
- السياسة والأسطورة
- الشغل... مو عيب
- هل أنا على صواب..؟
- حتى في الصحراء...؟
- ملح الحياة
- الرهان
- استراتيجيا... ديماغوجيا
- يوميات معتقل سياسي بعد الإفراج عنه
- الكوز والجرّة
- إلى معلمتي... سابقًا
- إلى من يهمه الأمر
- أنا أسعد منه
- جمهورية الفرح الشعبية


المزيد.....




- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - الطابق السابع