أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - ملح الحياة














المزيد.....

ملح الحياة


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 1219 - 2005 / 6 / 5 - 11:34
المحور: كتابات ساخرة
    



ناقش العديد من السياسيين ورجال الدين ومن مختلف الانتماءات والمذاهب.. ولم يصل إلى نتيجة..! لم يبق أمامه سوى رجال العلم والمنطق... ( فلأضرب هذه الطينة بهذه العجينة, عساي أعثر على حلّ...! ) قال في نفسه وتوجه إلى عيادة مختصة بالأمراض النفسية!
استقبله الطبيب بابتسامة عذبة ومدّ يده مصافحاً وأشار له باليد الأخرى أن يجلس على الكرسي المجاور لطاولة المكتب وبادره مرحباً:
- أهلاً وسهلاً... خير إنشاء الله!
- الحقيقة دكتور! جئتك زائراً, وأرغب أن تعطيني من وقتك كما تعطيه لأيّ مريض, لاسيما وإني دفعت ما يترتب عليّ للسكرتيرة قبل دخولي إليك!
- ( مندهشاً ) لم أفهم ما تعنيه..! هل تقصد أنك لست مريضاً؟!
- نعم دكتور, لست مريضاً!
- ( ينزع نظارته الطبية عن عينيه وقد ازداد دهشة وحيرة ) ماذا تريد إذن؟!
- لديّ مجموعة من الأسئلة, سوف أطرحها عليك, وأرجو منك تحمّل فضولي.. هلاّ تكرّمت وقمت بتشغيل الموسيقى الكلاسيكية, واستلقيتَ على أريكة الفحص والمعاينة لنبدأ؟
- ( مذهولاً ) هل أنت طبيب... صحافي... رجل أمن.. ماذا..؟!!!
- ولا واحد منهم! أنا مواطن عادي, صادق, بل صادق جداً, وهذه الصفة أهم مشكلة عندي! عانيت منها الأمرّين.. أريد أن أوجه أسئلتي إليك لأستنير من حكمتك ورجاحة عقلك... إذ يفترض بك أن تكون رشيداً.. مثالاً يحتذى!
- ( ناهضاً من وراء مكتبه بغضب ) أرجوك يا سيد! لا وقت لديّ للمزاح والهذر! تفضّلْ من غير مطرود, ولا تنسى استرجاع قيمة المعاينة من السكرتيرة.. هيّا!
- دكتور! اسمع ما سأقوله لك: لن أتزحزح من هنا ما لم تمتثل لطلبي! يا أخي اعتبرْني مريضاً وخذْ ضعف أجرة المعاينة إذا أردت!
- يا حبيبي! لا وقت لديّ لأضيعه مع حضرتك! إذا ممكن تفضل من غير مطرود!
- دكتور! قلت لك لن أبرح مكاني... جرّبْ ولن تخسر شيئاً.. أرجوك!
- ( رافعاً نبرة صوته ) يا بني آدم! لا تجعلني أخرج عن طوري وأهتف للشرطة فيجرجرونك إلى بيت خالتك!
- دكتور! لقد اخترتك من بين عشرات الدكاترة في هذا البلد.. لما تتمتع به من صدر رحب وسمعة عطرة وخبرة فذة.. صدقني دكتور! قد تقدّم لي خدمة جليلة في حال موافقتك... أُدرك تماماً إنك لم تتعرض لمثل هذا الموقف من قبل, وقد لا تتعرض له في المستقبل أبداً... أرجوك دعْني أمارس دورك في استجواب المرضى, وفي كل الأحوال تعتبر تجربة ظريفة!
( فكر الطبيب قليلاً.. وبدأ يتمشى جيئة وذهابا وهو مطرق بالأرض, محاولاً تفسير شخصية هذا الرجل الغريب العجيب! إلى أن استقر موقفه على الموافقة.. فأدار جهاز التسجيل واستلقى على الأريكة منتظراً الأسئلة! )
أشعل الرجل لفافة تبغ ليهدّئ من توتره ويخفف من وطأة هذا الموقف الجديد عليه هو الآخر, وشرع بأسئلته:
- عمرك, وضعك العائلي, دخلك الشهري؟
- أربعون عاماً, متزوج ولي ولدان, دخلي جيد والحمد لله..
- ألديك سيارة؟
- نعم سيارة بيك آب..
- هل تضطر للكذب في حياتك؟
- أحياناً..
- هل تؤمن بالله؟
- طبعاً..
- ولكن الله يحضّ على الصدق وينهي عن الكذب؟
- هذا صحيح, ولكن المرء يضطر أحياناً للكذب لينجو من العقاب؛ فالمحظورات تبيحها الضرورات..
- يعني ذلك, أن الله يغفر للكاذب إذا كان مضطراً؟
- يعني..
- ولكن كل كاذب له مبرراته.. فهل يسوغ له الكذب دائماً؟
- لا طبعاً, هناك الكذب المؤذي, وهناك الكذب الذي يخدم القيم النبيلة..
- طيب, برأيك الموظف الذي يدوّن على مهمة إذن السفر, أنه مسافر إلى العاصمة بسيارة أجرة من خمس مقاعد, ولمدة ثلاثة أيام.. وهو عملياً يسافر بالهوب هوب ويعود في اليوم نفسه.. هو يكذب طبعاً من أجل تعويض نفقات السفر, فهل يعتبر الموظف هذا معذوراً؟
- بالتأكيد..
- طيب, كونك تملك سيارة, أنت اضطررتَ إلى الكذب حتى سُمح لك باقتنائها؟
- نعم, فقد أحضرتُ وثيقة من جمعية فلاحية تثبت أنني مربّي أبقار ولديّ خلايا نحل.. فالطبيب والمحامي و... لا يستطيع اقتناء سيارة زراعية إلا إذا كذب..
- إذا مارسْتَ الزنا مع إحداهن, هل تخبر زوجتك؟
- أولاً, أنا لا أخون زوجتي.. ثانياً, إذا حصل ذلك ولا بدّ, فمن المؤكد أنني لن أخبرها.. حرصاً على مشاعرها وتفادياً لمشكلة ستقع وأنا في غنى عنها..
- أي أنك تكذب عليها؟
- نعم..
- التاجر, كلما ازداد كذبه, ازداد ربحه؟
- هذا بدهي..
- المحامي كي يربح قضيته, يكذب؟
- نعم..
- وأنت دكتور! تكذب على المريض أحياناً لتخفف عنه؟
- هذا يحصل كثيراً..
- أتتابع نشرات الأخبار وتقرأ الصحف؟
- بالتأكيد..
- أغلب الزعماء العرب يجاهرون بعدائهم لأمريكا.. وهم غير ذلك في الحقيقة؟ .. هم كذابون أليس كذلك؟
- ( مبتسما ) نعم كذابون..
- أحد الوزراء قال في تصريح له عقب تسلّمه مفاتيح الوزارة, أنه سيجعل المواطن يحب وزارته.. لكننا لم نحبها..! هو يكذب طبعاً؟
- ...
- أحد كبار المسؤولين قال بأن الحد الأدنى للراتب في عام 2005 سيكون ( 18000 ) ليرة.. دبكْنا فرحاً ووزعنا حلواناً.. ويبدو أن هذا المسؤول كسلفه... يكذب؟
- ......
- هذا يعني أن الكذب ملح الحياة... ولهذا مجّدت " ميادة بسيليس " الكذب بأغنيتها ( كذبك حلو ).. أما الصدق, فهو..
- ( مقاطعاً بصوت من نفد صبره ) كفى... كفى! إلى أين تريد أن تستدرجني؟! إن غياب الصدق من حياتنا هو السبب الرئيس في تخلفنا وتقهقرنا ومصائبنا و فشلنا....
ران صمت قصير, ثم نهض عن الأريكة متثاقلاً وأصلح هندامه ومشى عدة خطوات حتى استعاد حالته.. فأغلق جهاز التسجيل ونظر إلى الرجل بابتسامة لا تخلو من التأنيب المحبب وقال له:
- الله يسامحك! أرجعتني عشرين سنة إلى الوراء عندما كنت متحزباً.. هل تحتاج أسئلتك البسيطة إلى كل هذا التحقيق؟! ألهذه الدرجة أنت غشيم بالحياة بشكل عام, وبالسياسة بشكل خاص؟!



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرهان
- استراتيجيا... ديماغوجيا
- يوميات معتقل سياسي بعد الإفراج عنه
- الكوز والجرّة
- إلى معلمتي... سابقًا
- إلى من يهمه الأمر
- أنا أسعد منه
- جمهورية الفرح الشعبية
- عزاء مُعتبر
- - عيسى وخديجة -
- ..!تنفيس مسؤول
- الفحل
- تدشين
- عتاب رفاقي
- حرائق وغنائم
- ليلة رأس السنة
- !...سيناريو
- شكراً سيادة الرئيس
- تحرّي وانتقام
- - ... وإلاّ ! -


المزيد.....




- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - ملح الحياة