ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 1114 - 2005 / 2 / 19 - 10:25
المحور:
الادب والفن
منذ الصباح الباكر و( عيسى ) يفكر بما ستؤول إليه سهرة اليوم عند بيت ( أبو خديجة )...! كرر في ذهنه عشرات المرات المزايا التي يتحلى بها والتي قد تسهم في تحقيق أمله:
( " القرآن الكريم " وقد قرأته واستوعبته كالإنجيل تماماً..
أحاديث النبي محمد, حفظت أغلبها عن ظهر قلب..
سيرتي ولله الحمد, جيدة.. بشهادة أهل خديجة أنفسهم..
مهندس كهرباء, الأول على دفعتي من الخريجين..
والدي صديق والدها منذ عشرين عاماً.. شقيقها زميلي في الوظيفة.. نسكن البناية ذاتها.. والأهم من كل ذلك أنها تحبني كما أحبها وحبة مسك..!
تُرى, هل سيوافقون؟! )
ما قد ييسّر له هدفه, أن والديهما ينتميان إلى ذات الحزب, الذي يعتبره أعضاؤه أنه من أصدقائه المقربين.. يحضر كل احتفالاتهم وندواتهم.. مواظب على قراءة جريدتهم بانتظام.. صحيح أنه غير منتمٍ لأيّ حزب في البلاد, ولكن جميع أصدقائه لا يعترفون له بذلك ويتهمونه بالرفيق السري لهذا الحزب!
عندما اتصل بوالدها هاتفياً لتحديد موعد طلب يدها – وطبعاً دون أن يذكر له سبب الزيارة أجابه: ومتى كان بيننا مواعيد يا ابني! البيت بيتك, تفضلْ متى شئت!
حلق ذقنه بماكينة جديدة, وارتدى البزة التي اشتراها خصيصاً لهذه المناسبة. واختار أحد أعضاء قيادة الحزب في منطقته ليساعده في مهمته الصعبة, كون أهل عيسى غير موافقين على زواجه من خديجة... وتوجها إلى شقة حبيبته!
الاستقبال كان كالعادة, لا غبار عليه. تحدثوا في مواضيع شتى؛ عن العلاقات الاجتماعية والتخلف والعادات والتقاليد البالية... وكيف أن عقيدتهم ونضالهم وكفاحهم الدؤوب... كفيلة بالقضاء على مجمل الأمراض والآفات التي يعاني منها المجتمع.. فمنهجهم كلّي القدرة لأنه صحيح, ولا مناص في نهاية المطاف من الحتمية التاريخية التي ستقود البشرية إلى العدالة الاجتماعية.. وعندما لاحظ العضو القيادي أن التوافق بينهما في أوْجه، اغتنم هذه الفرصة وانخرط بالموضوع الذي حضر من أجله قائلاً:
- أي رفيق أبو خديجة..! نحن رفاق وأصدقاء منذ مدة طويلة... وأنت تعرف الأستاذ عيسى منذ يفاعته. وهو من خيرة الشباب كما تعلم. ويريد إكمال دينه - كما يقال – ويشرّفني أنه قام بتكليفي بطلب يد كريمتكم الآنسة خديجة له ...! وكلنا أملٌ بموافقتكم ومباركتكم.. فماذا تقول؟
( وكبذرةٍ سُمّدت بنوع غريب من الهرمونات المنشطة, فانبثقت من الأرض واشرأبّت إلى الأعلى كالسحر! تدافعت إلى رأس أبو خديجة جذور التعصب فجأة وأجابه كالملسوع ):
- رفيق! هل جننت؟؟!! ما هذا الكلام؟! كيف تسمح لنفسك بمثل هذا الطلب وأنت تعرف الجواب سلفاً؟ ماذا سيقول الناس عنا؟!
- ( بهدوء ورصانة ) كل خير يا رفيق! أين الغضاضة في ذلك؟ ما هي شروطكم يا أخي ؟ عيسى مستعدّ لتنفيذها...
- شرطي الوحيد أن تكفّ عن إحراجي بهذا الطلب الغريب والمعيب والعجيب! ... رفيق! أنت أدرى الناس بما ستلوكه الألسن! أصلاً أهل عيسى لا يمكن أن يوافقوا على زواجه من ابنتي... وإلاّ لكانوا برفقتك!
- دعنا الآن من أهل عيسى! نحن نطبق ما اعتنقناه يا أبو خديجة! الدين لله والوطن للجميع؛ إذا نحن العلمانيين لم نسعَ إلى وأد التفرقة الطائفية والعوائق الأخرى التي تشكل عقبة كأداء أمام التطور وإقامة المجتمع المدني... فعلى عاتق من سنترك هذه المهمة يا رفيق!؟!
- رفيق! أرجوك اطوِ هذا الموضوع ودعنا نتحدث بموضوع آخر, فلنتحدث عن الإمبريالية والصهيونية والرجعية.. عن القمع عن العولمة المتوحشة عن... عن أي موضوع آخر يا أخي...!
- يا أبو خديجة! يا رفيق! يا حبيبي! لماذا التهرب؟ عيسى وخديجة يحبان بعضهما, وهما متفاهمان ومنسجمان. فلنبارك لهما هذه العلاقة ونعطي أمثولة للغير بأننا لسنا فقط منظّرين, بل نحن نفعل ما نقول وما نؤمن به..
- رفيق! طفح الكيل... لا تطيّر لي مخّي منشان الملائكة! لا طاقة لي على سماع هذا الموضوع أبداً.. باختصار لن أزوّج ابنتي من هذا الشاب وأشذّ عن الطائفة! يرضى عليك كبّر عقلك شْويْ .. ! تخيّلْ لو كان الأمر معك, أكنتَ توافق؟
- بالتأكيد كنت سأوافق ومن دون تردد. أما ما يخص قولك بالشذوذ عن الطائفة, فإن عيسى يشذّ عن الطائفة أيضاً ويطلب القرب منكم! أم أن هذا الأمر ينطبق عليك وحدك ولا ينطبق عليه.. ما هذا الكلام يا أبو خديجة؟!
- شوف رفيق! لدينا مثل شعبي قديم لكنه صحيح جداً يقول: " من يأخذ من غير ملّته, يموت بعلّته " يا رفيق! الزواج من غير طائفة له محاذيره وعقابيله المدمرة.. وخاصة في حالتنا هذه! أم نسيت القانون؟! ألا تعلم أن زواج المسلمة من غير المسلم باطل؟!
- أعرف.. أعرف, ولكن كل مشكلة ولها حلّ يا رفيق! دعنا نفكر بالمنطق و ..
- ( مقاطعاً ) أخي! بلا منطق بلا بطيخ...! بالعربي الفصيح, طلبك مرفوض مرفوض مرفوض.. ارتحت!؟
- هذا آخر كلام؟
- أي نعم, آخر كلام!
- والله حرام عليك يا رجل! ما ذنبهما؟ انظر إليهما كم يليقان ببعضهما؟!
- لأ سيدي مو حرام!
- سأشكوك للحزب يا رفيق!
- لا ..؟! خوّفتني هاه!لا تنسى مجلس الأمن بطريقك!... حلو والله!
حامت فراشة باتجاه المصباح واصطدمت به بعنف..! لكنها استمرت بتكرار المحاولة للثم الضوء...!
نظر عيسى إلى حبيبته بانكسار, فانهمرت دمعة من عينه.. تلتها دمعتان من عيني خديجة.
نقل عينيه صوب الفراشة سارحاً متأملاً, ثم التفت نحو خديجة وهو يشتعل بالتحدّي. وظلّ مسمّراً عينيه عليها حتى قطف ابتسامة من عينيها الحالمتين.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟