أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - عزاء مُعتبر














المزيد.....

عزاء مُعتبر


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 1129 - 2005 / 3 / 6 - 11:15
المحور: الادب والفن
    


ابني, ضناي الوحيد, المريض منذ أكثر من عامين, صرفْتُ عليه دم قلبي لكي أخلّصه من مرض السرطان اللعين.. يُخطف من بين يديّ..! يموت وأنا أضمّه على صدري..! ولا أخو قحبة يدق بابي ويقول لي: ( ريتها خاتمة الأحزان يا أبو مروان... الله يعوّضك بالأحسن.. مازلْتَ شاباً أنت وزوجتك.. ويمكنكما الإنجاب مستقبلاً..! الله يرحمه, ارتاح وريّح..)
لو جاءني فقط ثلاثة معزّين يجبرون بخاطري, لهانَ الأمر عليّ كثيراً. أما وأن يتجاهل كل سكان البناية مصيبتي !! فهذا أمرٌ لا يمكن تحمّله أبداً..
ألأنّني دخلْتُ السجن لأسبابٍ سياسية يتخوّفون منّي ويلعنون الساعة التي سكنتُ فيها البناية. ليس ذلك فقط, بل ويحجمون عن زيارتي ويتحاشون حتى من إلقاء التحية عليّ؟
مع أنني – الله وكيلكم - دخلتُ السجن ( بالغلط ) باعتراف فرع الأمن نفسه. فأنا لا علاقة لي بالسياسة, وأبتعد عن رائحتها مسافة ألف ميل.. ثم لنفترض أنني بالفعل من قوى المعارضة.. شو يعني؟ هل تمنع السلطات المواطنين, وتحديداً الجيران, من تقديم التعازي لبعضهم البعض؟
لا, والألعن من ذلك كله, تبريرات زوجتي الغشيمة: (كل شخص وله همومه ومشاكله يا أبو مروان.. الله لا يضرّ بني آدم.. الله لا يلوّع قلب أمّ على ابنها.. يمكن ما سمعوا.. من يدري, ربما لم يقرأوا ورقة النعي.. المدينة كبيرة وليس شرطاً أن يعرف الجار جاره... )
ولكْ فعلاً إنك علاّكة حكي!
هل أعلّق أوراق النعي على أبواب شقق كل سكان البناية؟
ألا يكفي ورقتي النعي على جانبي المدخل, وتلك الملصقة على باب بيتي؟
أم تريدين مني أن أدقٌ باب كل منهم وأقول له: يا جار! دخيل عينك, مات ابني الوحيد.. يرضى عليك شرّف لعندي وعزّيني.. وحْياة اللي كلّم موسى لا علاقة لي بكل أحزاب الأرض. وإذا لم تصدّقني اسأل كل فروع الأمن في المحافظة وتأكّد!؟
ولكن لا حياة لمن تنادي!
* * *

بعد مرور أسبوع على وفاة ابنه.. جالت في رأسه فكرة جهنمية, وقال في نفسه: (سأدقّ لسكان البناية خازوقاً لن ينسَونه طوال حياتهم). وتوجّه فوراً إلى المؤسسة العربية للإعلان. وتقدم بطلب نشر بطاقة شكر ومن الحجم الكبير في أهمّ الصحف الرسمية في البلاد تقول:
( شكر على تعزية: يتقدم فؤاد الرعديد بشكر جميع من واساه بوفاة فقيده الغالي ولده المرحوم مروان. ويخص بالذكر سيادة رئيس الجمهورية لقيامه شخصياً بتقديم أحرّ التعازي والتي كان لمواساته بالغ الأثر في تخفيف مصابه الأليم.. حفظه الله وأدامه ذخراً لهذا الوطن العظيم...)
وعاد إلى بيته معتقداً أنه بتصرفه هذا سيحدث ضجة كبيرة في المدينة. وسيتقاطر المعزّون إليه زرافاتٍ زرافات ومن كل حدبٍ وصوب للقيام بواجب تعزيته..
إلاّ أنه لم يحرّك أحدٌ ساكناً, لا من سكان البناية ولا من غيرها! وكأن قلوب الناس جميعاً قد قُدّت من حجر!
بعد ثلاثة أيام دُقّ بابه, فهرع لاستقبال المعزين!
فتح الباب وإذ بثلاثة أشخاص وخلفهم سيارة ستيشن بيضاء!
تقدّم منه أحدهم سائلاً:
- حضرتك أبو مروان؟
وكبدويّ قابعٍ في خيمته في عمق الصحراء ينتظر أيّ ضيفٍ قادمٍ ليقوم بتسليته ويبدد له وحشته.. سارع لملاقاتهم مرحباً:
- أي نعم, أهلا وسهلا.. تفضلوا... عظّم الله أجركم وشكر الله سعيكم.. إنه ابني الوحيد يا جماعة! لا أفجعكم الله بعزيز.. الله يرحمه ويرحم أمواتكم جميعاً.. كلنا على هذه الطريق.. بالله تفضلوا..!
- هلّق حضرتك قام السيد الرئيس بتعزيتك شخصياً؟
وحده السجين الذي بُلّغ قرار إخلاء سبيله فودّع زملاءه فرداً فرداً. ثم يأتيه السجّان مجدداً ويخبره بأنه كان يمزح معه...! أقول وحده السجين هذا, بوسعه إدراك ما أصاب أبا مروان من جرّاء هذا السؤال وما سبّبه له من خذلانٍ وخيبة وهلعٍ وقهر...!
غامت الدنيا في عينيه وشعر أن نياط قلبه قد تقطعت فتلعثم متأتئاً:
- أ... أنا.. أ..!!
- ألا تعلم أن تقديم بيان كاذب لجهة عامة عقوبته السجن من ستة أشهر إلى سنتين؟
تراجع أبو مروان خطوتين إلى الوراء وسط غيوم من الذعر والارتباك! وانكمش في ثيابه متجاهلاً الردّ على السؤال! واستطرد مرحباً كأرنبٍ محاصرٍ:
- يا جماعة تفضلوا والله ما حلوة وقفتكم على الباب هكذا..!
- لا يا سيد ما حذرت, تفضّل حضرتك معنا..
وبصوتٍ متهدّجٍ مكسور أردف:
- طيب.. بس..!
- يلّله بسرعة لشوف!
نظر أبو مروان باتجاه ورقة النعي الملصقة على بابه, وجد صورة ابنه تسيل منها الدموع...! اقترب من الصورة حتى التصقت شفتاه بها. قبّلها واختلطت دموعه بدموع ابنه. وسرعان ما دفشوه واقتادوه إلى جهة مجهولة!
ضيا اسكندر – اللاذقية



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - عيسى وخديجة -
- ..!تنفيس مسؤول
- الفحل
- تدشين
- عتاب رفاقي
- حرائق وغنائم
- ليلة رأس السنة
- !...سيناريو
- شكراً سيادة الرئيس
- تحرّي وانتقام
- - ... وإلاّ ! -
- مداخلة
- أمسية ...
- الموافقة الأمنية
- تحت التصرّف
- إعلانات
- شرشحة مدير عام
- دعوة للجنون
- !سبحان مغيّر الأحوال
- وصايا ...


المزيد.....




- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - عزاء مُعتبر