أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس علي العلي - عندما تتحول العقيدة الدينية إلى سياسة ميكافيلية















المزيد.....

عندما تتحول العقيدة الدينية إلى سياسة ميكافيلية


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4743 - 2015 / 3 / 9 - 13:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


السياسة والدين من أدوات التحكم داخل المجتمع البشري منذ القدم وبينهما وشائج الترابط أكثر من خلافات المبدأ ,نشأت السياسة من روح المجتمع المنتظم على قاعدة المصلحة المدنية ,كما نشأ الدين أيضا من ضمن مجموعة هذا النمط من التصرف الجمعي وأرتبطت الكثير من القيم بمجموعة محددات منها الأخلاق ومفاهيم الخير والشر والحق والباطل والحياة المستمرة بالدين والسياسة أو أستغلت هذه المفاهيم مرة للتسويق ومرة للتبرير وفي أحين كثيرة لبسط وجودها الأصلي .
حتى على الكثير من المتخصصين تصعبت اليوم القدرة على الفرز بين الدين والسياسة برغم التجربة المرة التي عانى منها الإنسان حين جعل الأثنين في سلة واحدة أو حين خلط بينهما دون أن يكون مخترا في أحيان كثيرة ومريدا لهذا الأختيار في أحيان أخرى ,هذا الخلط سبب له أن يثبر مجموعة من الإشكالات الفكرية والمصاعب بالتوفيق بين أخلاقيات الدين وبرغماتية السياسة ,هنا لم تعد للحدود بين البرير والتقرير مجال, ولم يعد من الممكن فصل الدين عن السياسة كون السياسي مستعد للمتاجرة بأي شيء لتحقيق هدف سياسي كلي أو جزئي .
في السياديني يتمدد المفهوم ويتحدد وفقا للمصلحة دون أن تحتفظ السياسة لبعض المفاهيم بحدود واضحة عكس الدين في مفهومه الأجتماعي الذي يعني القواعد الأخلاقية الملزمة بالرضا أو بالقهر , هذا التناقض لم يمنع السياسي من استغلال القواعد الدينية طالما يجد من بين المؤسسة الدينية من يسخر له الطبيعة الفكرية للدين كون قواعده تتداخل فيها أحيانا قواعد الإلزام بقواعد النصح والإرشاد فيستبدل هذه بتلك وتلك بغيرها حتى أصبح الدين السياسي اليوم مجموعة من الأفكار السياسية بثوب قس أو إمام أو كاهن.
لم تكن فكرة السياديني ملتصقة بالأديان الوضعية كما يتوهم الكثيرون بل هي تجربة إنسانية رافقت البشر مذ عرف الدين وعرف السياسة وحينما كانت الآلهة تتزاوج وتلد ملوك وساسة وقادة في كل الديانات القديمة , بل كانت بعض هذه الآلهة ساسة وبعض الساسة تحولوا ألهه ويكفينا أن نقرأ الأساطير القديمة من بابل وسومر مرورا بمصر إلى روما وأثنا وغيرها من عوالم الوجود القديم لنرى هذا التشارك بينهما متلاحم .
وحتى في المجتمعات الطوطمية والبدائية دوما الزعيم المتسلط هو جزء من مفهوم الرب جزء من حكاية الدين ,بل أن الدين يجري في عالم السياسة الأجتماعية مجرى الفلك نحو المركز ,هذا لا يعدو أن يكون أمرا طبيعيا في مجتمع مبني على الخشية من سطوة رب الدين وليس من سطوة السلطة فهو قادر على التمرد عليها بغياب الحس الديني , لذا نجح من وعى هذه الحقيقة في جعل الدين الدرع الأساسي الذي يحمي السياسة ويقود به رباط المجتمع من غير تكاليف باهظة طالما أن الرب هو من يتحمل الخطايا أخيرا .
بقيت المجتمعات تعاني من فساد الدين وفساد السياسة حتى أصبحت كل دعوة دينية لا تركن للترابط العضوي الذي صنعته حركة السياسة في فكر الدين وفي وعي الناس مجرد فترة لا تعد من التأريخ لضآلة ما تعيشه من عمر زمني لتتحول بفعل عوامل قوة وحدة حركة الأنا في ذات الإنسان المتسلط لتجر الدين إلى وحل الأنانية وإخراجه مهزوما أمام قوة الثابت التاريخي المختصر في عبارة ( لا سياسة قوية بدون دين ضعيف في مواجهتها ) .
هذه الخلاصة لا بد لنا أن نربطها بمحصلة أخرى أنتجها عصر التنوير في أوربا بتراكمات إنسانية شارك فيه الديني والفلسفي وتوصلت لنتيجة مهمة هي أن الدين (عامل عام ) واحد من أهم أسباب فشل الإنسان في التحرر من زيف السلطة وتحايلها على حق الإنسان بالحرية والمشاركة والمساواة وأن الحل يكمن بإبعاد الدين عن السياسة لتعرية الأخيرة من ثوب القداسة وبالتالي سلخ المبرر الذي تستتر به بمواجهة المجتمع .
كان شعار صيانة حرية المجتمع بتجريد السياسة الممثلة بمؤسسة السلطة من المبرر الديني الذي يمنحها التمجيد والمنعة بمواجهة أستحقاق الإنسان لحقة الطبيعي بالحرية هو الطريق الوحيد الذي يمر من خلال عزل الدين في عنوان ضيق ومنزو ومحاط بالشبهات والشك وعنوان لمرحلة تأريخية أمتدت لهذا اليوم تتصارع فيها فكرة الدين لله وفكرة الدين من الله دون أن تنجح أيا من الفكرتين في إعلان أنتصارها الحقيقي على أرض الواقع .
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ولا يجد على الدوام إجابة مقنعة هو ما هو سر التناقض المزعوم بين الدين والسياسة طالما أن كلاهما من أدوات الضبط الجماعي ومن وسائل الأنتظام المدني ومن العلاقات الطبيعية التي تتواءم مع كونية المجتمع البشري القائم على فكرة أن المدنية قيمة أصلية فيه وأن الإنحرافات السلوكية التي تنتج من ممارسة الدين والسياسة هي النقيض للطبيعي للتمدن؟ ,الحقيقة المرة أن السؤال هو جواب خفي وأن كثرة التساؤل لا تعني عدم القدرة على أنتاج إجابة محددة .
يفترض البعض أن الدين قيم وأن السياسة معالجات واقعية قد لا تكون في أحيان كثيرة صالحة لأن تمثل وتنبسط للقيم المثالية الدينية وبهذا فالواقع هو من يتحكم بالسياسة وليس القيم المثالية ,في حين أن الدين يفترض عالما خياليا خالي من الغير المتوقع ويعيش في واقع هو من يصوره ويصيغ شكلياته وبالتالي فالحلول التي يطرحها الدين غالبا ما تكون حلول خيالية , لذا فلا يمكن ربط الدين بالسياسة ولا يجب للسياسة أن تنصاع للمفردة الدينية .
الواقع الذي لا ينكر أن التنظير الفكري أحيانا هو الذي يصيغ عالم مثالي ويبسط مفرداته التأملية على واقع غير حقيقي ومن هنا فليس التنظير المجرد هو من يقرر الأصلحية وعدمها ,التجربة الحسية بقوانينها المجردة هي من تملك الحق في ذلك والتجربة الحقيقية التي تجعل من الدين ضابط للسياسة في فترات معدودة عندما كان الدين معافى من التداخل البشري تثبت أن نظرية التعارض مجرد خلط وتحريف وكان على دعاة الفصل بدل ذلك أن يهذبوا التعاطي السياسي بالحس الديني من خلال تقديم الأخلاقيات الإنسانية بدل فرض الواقع كمقياس للصحة , المنحرف في سيره والخاضع للتبدلات الأنانية لا يمكن أن يكون قانونا معياريا لقياس التوافق الصحيح .
الجواب المضمر في التساؤل هو أن العوامل الضابطة لحركة المجتمع والمنظمة لنشاطه بغض النظر عن مصدريتها يجب أن تتحول إلى منظومة تكامل تسعى وفق منهجية تتلمس الإصلاح الأجتماعي وتتقيد بمنطق أن المصلحة العامة والتي تتناسب مع وظيفة الإنسان في الوجود هي المقياس الذي نحتكم له في التعارضات العملية ,وليس الواقع المادي الراهن لأن الإنسان أساسا موجود بفلسفة تتمحور حول حريته في الحركة للأمام وبالتالي تقيده بالواقع ومتطلباته إنما يعني أننا نركن للإنحراف ونتعبد سواء بالسياسة أو بالدين لواقع الأنا المنحازة لذاتيتها التي صنعت هذا الواقع وجسدته كوحدة معيارية .
الخطأ ليس في الدين وليس في السياسة الخطيئة في وعي الإنسان وبدورهما في الحياة وتحديد مسارات هذا الوعي وتقييده بالضوابط العقلية ,الخطيئة عندما تخرق القيم بدواع المصلحة وليس بدواع الحق والخير والجمال ,الإنسان مكيف ومكون على
ان ينصاع لقوانين تؤمن له العيش المنتظم وتؤمن له حق الحرية التي تتفاعل مع وظيفته الأساسية لكنه أيضا سرعان ما يتمرد على هذه الكونية والكيفية ويحاول أن يبحث عن مبررات وهمية خارج طبيعة التكوين لأنه يعلم ويعي أنه على خطأ يلجأ لكل ما هو غير حقيقي وغير طبيعي ليستمر بمنحنى التزييف وليذهب في الأخر ضحية هذا المنهج الضال .
إن الوعي بمشكلة التعارض وفهم حقيقة الخلاف والأختلاف الناشئ من عدم جدية الإنسان في البحث عن حلول ممكنة تتراوح بين التنسيق بين الدين بأعتباره وعيا متقدما وعمليا خارج تدخل الإنسان في تغيير المراد القصدي الأساسي منه وبين السياسة كونها ترجمة لمجموعة الأفكار والرؤى التي تضبط إيقاع المجتمع بما لا يمنح للفوضى فرصة التغلغل في حقيقة تمدن المجتمع المنتظم بقانون البقاء لأجل الإصلاح والتطور والاستفادة من العامل الروحي الذي يمثله الدين في تعزيز أليات الأنتقال من الواقع اليومي إلى حالية التجدد الذي يمنح قدرا أكبر للإنسان من إشباع حاجات أساسية ورئيسية تتفرع من هرمية الحرية وتتغلغل إلى تفصيلات أدق وفق وعي شامل للحياة أنها تجربة إيجابية لا تتكرر .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر والشعراء
- من يمسك مفاتيح عالم الفلسفة المتجدد ح1
- من يمسك مفاتيح عالم الفلسفة المتجدد ح2
- وجدانيات ..... أخرى
- المشروع السياسي العراقي بين الإخفاق المستمر وضرورات التصحيح ...
- المشروع السياسي العراقي بين الإخفاق المستمر وضرورات التصحيح ...
- هل العقل قادر على ممارسة القيادة الوجودية
- أزمة فكر أم أزمة تفكير ؟.
- القراءة بوصفها هدف
- الإنسان والبصمة الأولى
- بين مفهومي الجنة والنار أو الخير والشر
- مذكرات إنسان في أخر الطريق
- ما نريد من الله ؟. ح1
- أنتصار العقل الإنساني
- مستقبل رأس المال ح2
- مادليون ...مدينة الريح والرماد ح1 .......قصة فصيرة
- مستقبل رأس المال
- المال من مصادر التغيير الأجتماعي ح2
- المال من مصادر التغيير الأجتماعي ح1
- فاكهة ممنوعة


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس علي العلي - عندما تتحول العقيدة الدينية إلى سياسة ميكافيلية