عزيز الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4742 - 2015 / 3 / 8 - 18:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قلت في الكثير من بحوثي و مقالاتي التي ملأت الخافقين منذ نصف قرن و إلى الآن بأنّ الوعي أو لنقل (الثقافة) المنتشرة في أمة العرب و العراق خصوصاً؛ هي ثقافة (ذوحدّين) أودت بحياة و سلامة و إستقامة المجتمع للحضيض بشكلٍ طبيعيّ مع مرور الزمن و توارث الحكومات و المرجعيات التقليدية؛
ألحدّ الأول : هي الثقافة القومية .. و من خلال كلّ القوميّات كآلعربية و الكردية(الكوردستانية) - لا أقصد الفيليين - و التركمانية و و غيرهم, تلك الثقافة القومية الضيّقة الخالية من كل بُعد فكريّ أو فلسفيّ أو مسحة إنسانيّة أو حضارية (علمية و مدنية), بل أكاد أجزم بأنها دعوات لتسلط القبائل و العشائر و النفس القومي البغيض الذي تميّز به كل قومية و طائفة منهم كواقع لا ينكره إلا جاهل أو متعصب!
الحد الثاني: هي الثقافة الدينية الضيّقة المحدودة التي صقلتها الطائفية و آلتعصب و التحجر الفقهي و الطقوسي و الأوهام و العادات و المراسيم التي ما أنزل الله بها من سلطان .. و يأتي هذا الحدّ(ألديني) الفاصل في ثقافة الأمة العربية و العراقية خصوصاً في سياق حديثنا بشكل أخصّ؛ بآلتوالي كرديف للثقافة القومية المنحطة المتدنية التي تجذّرت في الأمة العربية و العراق المختلط بقومياته و مذاهبه.
و عند تزواج هذين البعدين و بشكل غير مشروع ولدتْ لنا إنساناً – بل بعبارة أصلح و أدق – بشراً عجيباً غريباً تكاد تعرفهم حتى من ملامحهم و من مجرد إلقاء السلام أو نظرة عابرة بسيطة من تقاسيم وجوههم المكفهرة القترة, كدلالة على تلك الشخصية الحدية العنيفة المصطبغة بآلتدين, و قد ترى هذا البشر المولود الذي تربى في هذه البيئة ألمتناقضة قد صار مهندساً أو طبيباً أو إعلامياً أو رئيسا أو وزيراً أو حتى مرجعا و لكن تلك السمات لا تفارقه بل تبقى هي المحرك و المصمم لمواقفه و قراراته, و ربما تراه يعيش في قلب أوربا أو أمريكا لسنين طويلة؛ لكن ذلك الطابع هو الذي يميز هؤلاء الذين عاشوا في أحضان الوطن العربي و العراق خصوصا؛ ذلك الطابع المكنون بكل أنواع الخيانة و الذل و العمالة و النفاق و الشك و العنف الذي لا يفارق شخصيته و لهذا تراه أسداً على أهله و ملته و ذليلاً مع أعدائه!
ليس هذا الذي عرضناه هو أصل و هدف كلامنا من الموضوع الذي نريد الأشارة إليه في هذا المقال بشأن حقيقة (ألمليشا)؛ إنّما كانت تلك المقدمة مجرّد تمهيداً لطرح و تعريف حقيقة هذه الكلمة التي هي الأخرى يبدو أنّ هذه الأمة الضالة .. خصوصاً مثقفيها و إعلاميّها لا تفهمها و لا تعيها على حقيقتها و مضمونها كما المصطلحات و المفاهيم الفكرية الكبيرة الكثيرة الأخرى, بل تفهمها و تُحلّلها بحسب البُعدين أللاإنسانيين اللذين أشرنا لهما في المقدمة للأسف, و تلك هي أسّ و سبب كلّ مشاكل الفكر و الدّين و السياسة و آلأرهاب و آلظلم في الحياة المعاصرة في بلادنا و منها العراق الذي هو مركز الجهل و المتناقضات كبقية دول العربان!
معنى الـ (المليشيا) :
(Militia(مليشيا في الأصل ليست كلمة عربية, بل هي كلمة لاتينية(مليشين) و أول ما إشتهر إستخدامها في الأمة العربية كانت وسط اللبنانيين في نهاية السبعينات و الثمانينات حين تشكلت المجاميع الحزبية و الدينية للدفاع عن نفسها و عن حدود وجودها في البقاع اللبنانية خارج إرادة الحكومة المركزية و من دون التنسيق مع الجيش النظامي الحكومي للدفاع عن وجودها و كيانها ضد الأحتلال الصهيوني الذي تركز في الجنوب اللبناني المحاذي لحدود الكيان الصهيوني!
ثم إنتشر هذا المصطلح على الكيانات المسلحة التي قاتلت الحكومات المركزية في بعض الدول الأفريقية, و قبلها في أوربا و في البلدان التي كانت مستعمرة من قبل الألمان إبان الحرب العالمية الأولى و الثانية, حيث تكونت المليشيات المسلحة للدفاع عن نفسها ضد الحكومات التي كانت تتعاون مع المحتلين خارج سيطرة الحكومات المركزية في تلك البلدان!
و قد ورد تعريفاً مماثلاً لتعريفنا في موسوعة(الوكبيديا) على النحو التالي:
الميليشيا أو التنظيم المسلح أو الجماعة المسلحة، جيش تشكله عادة قوات غير نظامية-;- من مواطنين، يعملون عادة بأسلوب حرب العصابات، بعكس مقاتلي الجيوش النظامية (الجنود المحترفين).
سبب ظهور (ألمليشيا):
إبتلي العالم كما أمة العرب بأحزاب و حكومات و طوائف و مرجعيات ما سبّبت سوى التخلف و التعصب و الفساد و الجهل و العمالة و القتل و آلأرهاب في أوساطها و يمكننا إعتبار العراق .. النموذج الحيّ ألأبرز لهذا الواقع الأليم الذي ما زلنا نعيش نتائج تلك التراكمات الفكريّة و العقائديّة و التأريخيّة المرة القاسية و المكلفة مادّياً و بشريّاً و بآلعمق و لأجيال و أجيال قادمة بشكلٍ طبيعيّ بسبب تلك الثقافة القومية و المذهبية و العشائرية ألتي سادت فيها منذ بداية التأريخ!
هذا الواقع الأليم تسبّب حتى في ضمور و عدم بروز علماء و مفكريين حقيقيين عبر القرون إلّا ما ندر .. أو حتى مثقفين و إعلامين أمناء من الدّرجة المتوسطة و كما هو الحال في بقية بلدان العالم التي تطورت تكنولوجيا – أيّ مدنيّاً - على الأقل, بل أصبح "العالِم" و "السّياسيّ" و "الأعلاميّ" قومياً - طائفياً – إرهابياً - لا يُفرق بين ولاية الظالمين مثلا في آلغرب و ولاية الله في السّماوات العُلى, بل آلأتعس و الأنفق من هؤلاء, أؤلئك الذين رضوا عملياً و على أرض الواقع بولاية الظالمين الحاكمين الصهاينة في أمريكا و الغرب و لكنهم في نفس الوقت يدّعون عبر الأعلام بولاية الأسلام و آلدعوة للتطور و الأنفتاح؛ يعني بكلمة وجيزة؛ ضالّين و مُضلّين بعدما مزجوا ولاية الله مع ولاية الظالمين في منهجهم و تقريراتهم المُمّلة ألمكررة الخارجة عن المدار الأنسانيّ, لتكون حصيلة عمرهم و سعيهم هباء في هباء و فساد في فساد و ظلم في ظلم!
و هكذا وصل الحال بهم لِئَنْ لا يُفرّقوا بين لقمة الحلال و لقمة الحرام من أجل تأمين حياة ذليلة كئيبة و لقمة خبز حقيرة و مكتب و محطة صفراء لبث و تقرير المنتوجات الضالة ألمكررة ألمعبئة المنتهية صلاحيتها و المفروضة عليهم بغطاء و نبرة يخالف في هدفها و نتائجها أصل الولاء الحقيقيّ و منهج الوليّ الذي يحمل راية الأسلام و الأنسانية في هذا العالم المجنون المضطرب ألماكر الذي يتسيده الظالمين عبر أحلافهم و مرجعياتهم المنافقة بواسطة الأقتصاد (الدولار) الذي يتحكم به (المنظمة الأقتصادية العالمية)!
على كلّ حال .. يتبيّن للحاذق اللبيب؛ بأنّ سبب مأساة البشرية اليوم – كل البشرية - و كما قلنا مراراً بعد (المنظمة الأقتصادية العالمية)؛ هي ألمرجعيات ألدينية ألفاسدة ألمتخلفة التي نخرتها الطائفية و الجّهل و حب الدنيا بلباس و حبّ أهل البيت(ع) عند "الشيعة" .. و بالخلافة على منهاج النبوة عند "السُّنة" هؤلاء الفاسدين الذين ساروا في خط واحد عملياً مع المستكبرين و وقفوا بوجه الولاية الحقيقة التي أكدها الباري تعالى في القرآن الكريم كما بيّنا سابقا في سورة (الجمعة) و في سورة (محمد) و غيرها, لينتشروا بمواقفهم؛ الظلم و الفساد في كل مكان بعد ما مهدوا و باركوا لتسلط الفاسدين على الأمة, و من هالمال حمل جمال؛ يعني من هذا الواقع الفاسد إحمل و عدّد ما بدا لك من آلظلم و الفساد و الكلام المزوق؛ المكرر؛ المقرّر؛ ألمُقزّز؛ المًمّل؛ المُظل عبر الفتاوى و الأعلام!!
المليشيا العراقية: Iraqi Militia
بعد تلك المقدمات الواضحة, نريد بيان حقيقة "المليشات العراقية" و هل هي حقاً مليشيات كما يدعي المتآمرون لتقليل حجم و جهاد الشعب العراقي التائب الأبي!؟
نقول:
حين تكون الحكومة المركزية – بغض النظر الآن عن مدى إستقامتها – هي المساندة و المجهزة و الداعمة لتلك "القوات" و "الأحزاب" و "الحشود" و من مختلف التيارات و الكيانات و الواجهات التي تقاتل الأرهابيين؛
و حين تكون الحكومة المركزية هي التي تدعو تلك المجاميع و القوات و الحشود للقتال صفاً واحداً ضد الدخلاء و آلأجانب الأرهابيين؛
و حين تؤمن الحكومة المركزية رواتب و أسلحة و تعبئة و إسناد تلك القوات المتعددة؛
و حين يكون الجيش العراقي نفسه يقاتل صفاً واحداً مع تلك الصفوف المقاتلة؛
حين يكون كل هذا و إستناداً إلى التعريف ألذي قدّمناه لمصطلح (المليشيا) بآلمقابل؛
كيف يمكن أن نقول عنهم بعد كل هذا "مليشيات" إستناداً إلى التعريف المقدم أمامكم؟؟
أليست تلك القوات مجتمعة مع الجيش العراقي و القوات الأمنية هي مبعث للفخر و نقطة بداية للتحرير و الخلاص من آلمظالم و الأرهاب؟
أين اهل العقول و الأنصاف من كلّ هذا الحشد الشعبي الذي وصل لعدة ملايين و يشارك فيه الشباب و الرجال و الشيبة و حتى النساء المؤمنات بآلحياة في خلف لدعم الجبهات؟
أ ليس هؤلاء الذين تابوا و تحرّروا من أواصر القومية و الطائفية و الحزبية و العشائرية و (المليشياوية) ثم أصلحوا و تحشدوا معاً كشعب واحد تحت راية الولي الفقيه ليكونوا أهل الله و الموالين للحقّ المبين ضد تلك المجموعات الأرهابية الهمجية التي بيّضت وجوه التتر و المغول و مجرمي التأريخ – أ ليس هؤلاء توّابون و مطهرون و صالحون؟
[و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز] (الحج40) ..
عزيز الخزرجي
#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟