أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 51














المزيد.....

سيرَة حارَة 51


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4726 - 2015 / 2 / 20 - 11:56
المحور: الادب والفن
    


1
" نجمي "؛ كان رجلاً عجوزاً يشبه اسمه، ينجوميته ورفعته.. وعزلته أيضاً. كان الرجل لا يكاد يفارق منزله المنيف، القائم عند مدخل زقاق الآله رشية. وبما أنه ذو طبع موسوس وحذر، فإنه اعتادَ على حمل مسدسه بيد وكيس الزبالة بيد أخرى، حينما كان يتوجه ليلاً إلى حاوية القمامة، الموجودة على طرف ساحة مسجد سعيد باشا.
كان نجمي يهتمّ بالخيمياء، فأشيع في الحارة أنه يقوم في مختبر منزله بمحاولة ابتكار " حجر الفلاسفة "؛ أي تحويل النحاس إلى ذهب خالص. ولم تتعزز هذا الشائعة، إلا في عصر ذلك اليوم، الذي اهتز بصوت انفجار ما، أصدى من منزل نجمي. صاحبنا هذا، سرعان ما ظهرَ على الأثر محاطاً بولديه، وقد تلوّث وجهه بالدم والسخام الأسود، ثم ما لبث أن رافقهما بسيارة أجرة إلى المشفى.
رجلٌ بهذا الطبع، كان من الطبيعي أن يُدهشَ جيرانه حينما دعاهم إلى وليمة في منزله، قالَ أنها تحقيقاً لنذر قديم. " هل تمكّن نجمي من تحويل نحاسه الى ابريز ثمين؟ "، تساءل بعضهم بخبث وهم يمضون إلى العزيمة الكريمة. ثمّة، في حجرة السفرة الواسعة، قام أولاد المضيف بتوزيع الصحون والخبز. فرجّح أغلب الحاضرين أن الوليمة ستكون خروفاً مشوياً أو ربما فراريج جاهزة. بعد قليل، دخل أولئك الأولاد وهم يحملون طنجرة كبيرة نوعاً. فما أن فتحوها حتى فاح منها عبق الصفيحة ( اللحم بالعجين ) اللذيذة. هكذا تمّ وضع قرص واحد، صغير، في صحن كلّ من المدعوين وسط دهشتهم الشديدة. وكانوا هؤلاء صامتين حائرين، يتطلعون إلى صحونهم، عندما تنحنح نجمي في مكانه بصدر القاعة؛ فالتفتوا إليه في تلك اللحظة: وضع صاحب العزيمة قرصَ الصفيحة فوق رغيف الخبز ثمّ لفهما باتقان وشرع بالأكل، قبلَ أن يصيح بضيوفه " تفضلوووا !! "..

2
جدّي لأمي، كان منزله يقع مباشرةً بمقابل منزل أهل الفنان الكبير عبد الرحمن آله رشي. كان الجدّ معروفاً بالمرَح والطيبة، وهوَ من أوائل من امتلكوا سيارة خاصّة. وبما أن جيرانه كانوا بأكثرهم من الآله رشية، فقد اعتاد أن يجعلهم هدفاً لمقالبه.
في إحدى المرات، طلبت منه والدتي أن يقبل بركوب زميلتها معها في الطريق للمدرسة الابتدائية. هذه كانت ابنة " جروس "، وكان شخصاً قبيح الشكل وضئيل الجسم. فاشترط جدّي على ابنة جروس أن تنادي والدها بلقبه " العنزة "، حينما تمر السيارة بمجلسه قدّام دكان السمانة الذي يملكه. وهذا ما حصل، فلحق الرجل بالسيارة وهو يشتم ابنته ويتوعدها وسط ضحكات الناس.
ذات مرة، صادف جدّي جاره " شوقي "، وكان هذا عائداً من القنيطرة التي يخدم فيها بسلاح الدرك. في طريقهما من مركز الشام، سأل الرجل جدّي عن أحوال الحارة والأهل. فتصنع الحزن وقال له أنّ كل شيء على ما يرام، لولا قصة وفاة " علي بطه ". فهتف الرجلُ مصدوماً: " ابن عمي، علي، ماااات..؟! "، ثم ما لبث أن أجهش بالبكاء. وطوال الطريق كانا يستذكران سيرة كبير عشيرة الآله رشية هذا، الراحل. ما أن وصلت السيارة إلى مدخل الزقاق، وترجّل شوقي منها، حتى ميّز بين الواقفين هناك شخصَ " المرحوم " علي بطه بالذات؛ وهو بكامل قيافته ومهابته. عندئذٍ، حاول الرجل اللحاق بسيارة جدّي وهو يشتمه ويلعنه بأعلى صوت..

3
في مكان هذه الأبنية الحديثة، كانت تقوم منازل أيام زمان. وكان منها منزل الرجل المنعوت بلقب " ألتيكو "؛ على اسم ماركة من مادة الصمغ، القويّ الفعالية. هذا اللقبُ، ألصق بالرجل على أثر حكاية معروفة.
ذات عزاء، راح صاحبنا يفتخر بحادثة جرت معه خلال خدمته في سلاح الدَرَك: " عندما وقعت من فوق الفرَس، كانت اصبعي هذه ( صار يشير للحاضرين ببنصره ) مفصولة عن كفي. عندئذٍ، قمت بإلصاقها ثانية بوساطة رشة من بول فرسي؛ حيث عادت كما كانت مثلما ترون! ".
ذات يوم، سمع هذا الدركي المتقاعد بأن " أم زهير " تنوي شراء شقة في البناء الحديث، الذي نهض في مكان بيت أبيه العتيق. فراح يصرخ أمام أصحاب المحلات، بأنه لن يسمحَ لأشقائه ببيع شقة لهكذا امرأة سيئة السمعة. أم زهير، وكانت بالأصل من ريف الساحل، تناهى الى سمعها أن ألتيكو أبدى رفضه لسكنها في بنايته، فما كان منها سوى التوجه إليه في الحال لتتحداه بالقول: " نعم، أنا سأصبح جارة لك؛ فما رأيك؟ "
" ونِعْمَ الجار، ونعم الجار! يا أهلاً بك، بين أهلك وجيرانك!! "، أجابها الرجل بإحتفاء وترحيب..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 50
- سيرَة حارَة 49
- أربع حكايات
- سيرَة حارَة 48
- سيرَة حارَة 47
- سيرَة حارَة 46
- سيرَة حارَة 45
- سيرَة حارَة 44
- سيرَة حارَة 43
- سيرَة حارَة 42
- سيرَة حارَة 41
- سيرَة حارَة 40
- سيرَة حارَة 39
- سيرَة حارَة 38
- سيرَة حارَة 37
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32


المزيد.....




- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
- جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا ...
- من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 51