أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 48















المزيد.....

سيرَة حارَة 48


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4715 - 2015 / 2 / 9 - 23:53
المحور: الادب والفن
    


1
مع بداية الثمانينات، شهدت الحارة أولى بوادر التغيير في عمارتها وديموغرافيتها على حدّ سواء. فمعظم المنازل الأثرية، ذات الحدائق البديعة، أخلت المكان للأبنية الحديثة. كما أنّ أناس جدد، غرباء، راحوا يتملكون الشقق الأنيقة والباهظة الثمن.
إلا أن الحارة، بوجه عام، بقيت لأهلها الأصليين، واستمرت بالمحافظة على تقاليدها إلى هذا الحد أو ذاك. مثلما أن علاقة الكرد مع الأطياف الأخرى، لم تكن وليدة تلك الفترة، بل أقدم من ذلك بكثير. فأبناء هؤلاء الأغراب، وأحفادهم، أضحوا من الاندماج بعادات الحيّ حدّ أنهم تطبعوا أيضاً بالخلق الناريّ لسكانه.
" أبو عكاش "؛ كان حورانيّ الأصل، متزوّجاً من كريمة إحدى عائلات زقاق الآله رشي. ها هوَ يحدج شزراً جارَه " أبو عبدو " اللحام. هذا الأخير ( كان صالحانيّ الأب وكرديّ الأم )، يقابل تلك النظرة بتحدّ واستخفاف. سببُ النفور، أن اللحام قام بوضع بسطة لبيع سندويش المشاوي في مقابل محلّ الآخر، المترزق من بيع سندويش الفلافل. فجأة، تعالى صياح الرجلين وبدأ العراك. " أبو أحمد الكردي "، ابن صاحب محل الفلافل، أطل من شرفة منزله في الطابق الرابع. فما أن رأى والده المسكين بين يديّ ذلك الشاب العتيّ، حتى هُرع وبيده مسدس الشرطة العسكرية، التي يخدم فيها. نزل الدرجَ ملهوجاً وهوَ يصرخ: " يا بااااطل! ". ولكن، ما أن خرجَ من باب البناية واندفع خطوات قليلة إلى الأمام حتى تعثرَ وسقط على الأرض وفلت منه سلاحه. فأمسك به الحاضرون، فمنعوه عن خصمه. مساءً، كان البطل يطلّ كالعادة على دكان " ابن عزو "، جاره وصديقه. فقال له هذا بخبث: " الله سترك، يا أبو أحمد الكردي، عندما نزلتَ قفزاً على درجات أربع طوابق ولم تتعثر وتسقط!! "..

2
" ابن عزو "، كان لديه محل نوفوتيه مقابل زقاق آله رشي. اعتاد آنذاك أن يحتفي بفتىً طريف، هو " قربينة الصغير "؛ الذي عُرف باندفاعه لمساعدة الآخرين مقابل اكراميات بسيطة.
ذات صباح، منحَ ابنُ عزو قربينة الصغيرَ نقوداً لكي يشتري له صحن حمّص. عندما عاد، دعاه إلى مشاركته بالفطور، إلا أن هذا اعتذر بأنه سبقه. برهة أخرى، على الأثر، ومدّت امرأة صاحب المحل يدها من الباب الداخليّ، فناولت رجلها قرصاً كبيراً من الصفيحة ( لحم بالعجين ). عند ذلك، ما كان من قربينة الصغير سوى تلقّف القرصَ من على السفرة بلمحة قائلاً: " يلّا ما راح نخجلك..! "، ثمّ دفعه داخل فمه بلقمة واحدة.
في صباح يوم آخر، طلبَ ابن عزو من قربينة الصغير التوجه الى محل " أبو داوود " لكي يجلب له صحن حمّص. وتأكيداً، أوصاه بألا يشتري من محل " أبو عكاش "، المقابل للنوفوتيه. ويبدو أن الصبيّ قد وجدَ زحاماً لدى المحل المطلوب، فما عتمَ أن توجه إلى محل أبو عكاش. حينما عاد، أدرك ابن عزو من النظرة الأولى أن الحمّص مجلوبٌ من عند جاره اللدود. هذا الأخير، كان قد خرجَ في الأثناء الى مدخل دكانه كي يتشمّس. فرأى ابن عزو خارجاً من المحل وبيده صحن الحمّص، وما لبث أن قذف به إلى الأعلى. أبو عكاش، بقيَ إذاً يتابع الصحنَ الطائر وهو يتقلب في الهواء حتى سقط قرب أقدامه مباشرةً..

3
" حارة شيكاغو "؛ هكذا عُرفَ حيّ الأكراد على لسان جيرانه، من ساكني الأحياء الدمشقية الأخرى. منذ زمن العثمانيين، بل وربما من أيام صلاح الدين، قدِمَ الكردُ إلى الشام مع طبعهم الصعب، العسكريّ والعشائريّ، الميال للعصبوية والعنف.
في طفولتنا وفتوتنا، اشتهر العديد من زكَرتية الحارة، الذين كانت أخلاقهم تعبّر عن الشهامة والكرم والشجاعة. في المقابل، وُجد أيضاً أولئك الزرب من أفاقين ومنحرفين ومجرمين. " شوكت "، كان من هذه الفئة الأخيرة. وعلى الرغم من حقيقة، أنّ والده وأخاه الأكبر كانا من الشيوعيين، النشطين.
ها هيَ والدته، تخبره ذات يوم بأنّ أحدهم يطلبه أمام باب الدار. ما أن عاد إثر برهة إلى الحجرة، حتى رأى الأمّ تسحبُ أنفاساً من سيجارته " الملغومة " بالحشيش، التي كان قد تركها مشتعلة في المنفضة. قالت له وهيَ تلوّح بالسيجارة بين أصابعها: " هذا دخان لف، بس طعمه لذيذ! ". فردّ عليها بنبرَة متفكّهة: " تمااام.. بس لا تقولي بعدين دحيلك انقطعنا!! ".

4
قلنا، أنّ " شوكت " كان من قبضايات الحارة.
ذاتَ ظهيرة صيفية، أرسل هذا الرجل العتيّ صبياً لكي يشتري له سجائر من دكان " منّان "، الكائن في مدخل الكيكية. البائع، وهوَ بالأصل من " عفرين "، قال للمرسال بلهجته الصعبة: " بابا قل لمعلمك، قبل أن يطالب بالسجائر عليه أن يدفع ديونه للمحل! ". ما أن غادر الصبيّ المكان، حتى اشتعلت وساوس منّان فيما يخصّ ردّة فعل ذلك الرجل، المتهوّر. ولم يخب ظنه. فما هيَ إلا دقائق حتى اقتحم شوكت الدكان، قافزاً برشاقة من فوق حاجز مدخله الخشبيّ. إلا أنّ البائع، المحتاط سلفاً للأمر، انزلقَ من تحت الحاجز نفسه وأركنَ للفرار. عندئذٍ أفرغَ الرجلُ الغاضب، المهان الكرامة، غلّه في آنية المحل ومحتوياته بوساطة الدَبَسَة، التي اعتاد على حملها. هناك، في مكان غير بعيد عن محلّه، كان البائعُ يستقبل أولاً بأول أخبارَ الواقعة المفجعة من خلال أولاد الزقاق: " منان، لقد حطمَ لك كل القطرميزات! "، فيأخذ المسكين بالعويل وشدّ شعر رأسه. ثمّ يأتي فتىً آخر هاتفاً: " منان، جميع الخضار والفواكه أصبحت مرمية خارج المحل! ".
ثمّ مرت بضعة أيام. وإذا بالقبضاي العتيّ، ذي الهيئة الجَهْمة، يطلّ فجأةً على محلّ صاحبنا منان. إلا أنّ هذا الأخير سرعان ما سكنتْ مخاوفه، حينما تقدّم شوكت منه مصافحاً ومعتذراً: " هاكَ النقود، التي أنا مدين لك بها!! "، قال له وهوَ ينفحه أوراقاً مالية..
" حارة شيكاغو "؛ هكذا عُرفَ حيّ الأكراد على لسان جيرانه، من ساكني الأحياء الدمشقية الأخرى. منذ زمن العثمانيين، بل وربما من أيام صلاح الدين، قدِمَ الكردُ إلى الشام مع طبعهم الصعب، العسكريّ والعشائريّ، الميال للعصبوية والعنف.
في طفولتنا وفتوتنا، اشتهر العديد من زكَرتية الحارة، الذين كانت أخلاقهم تعبّر عن الشهامة والكرم والشجاعة. في المقابل، وُجد أيضاً أولئك الزرب من أفاقين ومنحرفين ومجرمين. " شوكت "، كان من هذه الفئة الأخيرة. وعلى الرغم من حقيقة، أنّ والده وأخاه الأكبر كانا من الشيوعيين، النشطين.
ها هيَ والدته، تخبره ذات يوم بأنّ أحدهم يطلبه أمام باب الدار. ما أن عاد إثر برهة إلى الحجرة، حتى رأى الأمّ تسحبُ أنفاساً من سيجارته " الملغومة " بالحشيش، التي كان قد تركها مشتعلة في المنفضة. قالت له وهيَ تلوّح بالسيجارة بين أصابعها: " هذا دخان لف، بس طعمه لذيذ! ". فردّ عليها بنبرَة متفكّهة: " تمااام.. بس لا تقولي بعدين دحيلك انقطعنا!! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 47
- سيرَة حارَة 46
- سيرَة حارَة 45
- سيرَة حارَة 44
- سيرَة حارَة 43
- سيرَة حارَة 42
- سيرَة حارَة 41
- سيرَة حارَة 40
- سيرَة حارَة 39
- سيرَة حارَة 38
- سيرَة حارَة 37
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 48