أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 35















المزيد.....

سيرَة حارَة 35


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 13:11
المحور: الادب والفن
    


1
" الدكتور "؛ كانت كلمة كبيرة على لسان الناس، قديماً، صاحبُ هذا اللقب، كان يحيط به هالةٌ من الهيبة والرهبة والقداسة....!
حينما كنا أطفالاً، لم نعرف في الزقاق من تحوَّطَ بلقب " دكتور " سوى شخصاً واحداً، حَسْب. كان الرجلُ صيدلانياً بالخبرة؛ أي أنه لم يكن يحمل حتى شهادة جامعية. هيَ شقيقته، زوجة جدّ أصدقائنا من بيت " كرّي عيشة "، التي أشاعت هذا اللقب في عائلتهم. بدَورهن، اشتهرت بنات الصيدلاني في الحارة بالجمال، وخصوصاً كبراهن. هذه البنت، سرعان ما خطبت لابن العمة نفسها. كان الشاب يتمتع بالوسامة والنجابة، وبعض الغرور أيضاً. أرسله خاله ( حماه ) إلى القاهرة، كي يدرس في جامعاتها. فما أن عاد محملاً بشهادة الهندسة المعمارية، حتى ترك خطيبته واقترنَ بابنة خاله الآخر....!
لأنّ المهندس كان ابنها الوحيد، فقد قيل إنّ جارتنا أفسدت تربيته بالدلال الزائد. نزوته تلك، ترتب عليها لاحقاً تبعات كارثية. على عكس الخطيبة الأولى المُعَرَّفة بالفتنة والرّقة والرُقي، فإنّ زوجة المهندس كانت منفِّرة وجلفة وبدائية. على ذلك، لم يكن بالغريب أن تشتعل النارَ بين الحماة الطيبة وكنتها اللئيمة. ثمّ حلّت المشكلة، حينما انتقل الابن لشقة في الزقاق المجاور، الأعلى. إلا أن زيارات الباش مهندس أضحت نادرة لبيت والديه، وخصوصاً بعدما رزق بالولد تلو البنت. الأم الملولة، أعدّت ذات مرة طبخة مفضلة لدى وحيدها. حينما اتصلت بمنزله، فإن الكنة المحترمة أجابتها بأنّ الرقم غلط. هذه الأخيرة، بلغ بها الأمر أن تقنع أولادها بأنّ جدتهم ـ كذا ـ مخرفة وربما تكون خطرة على سلامتهم. جارتنا المسكينة، كانت آنذاك تزور الوالدة باستمرار، فتفضي لها بهمومها. أخيراً، لزمت هذه الأم فراشَ المرض. حينما استدعيَ ابنها الوحيد، وألحّ عليه جارهم الطبيب بضرورة نقلها حالاً للمستشفى، فإن هذا أجابه: " ضع لها السيرون، والشفاء على الله! ". بعد رحيل الأم بعقدٍ من الأعوام تقريباً، أصيب وحيدها بمرض عضال وما لبث أن توفيَ في بوخارست، حيث كان قد انتقل إليها للعمل. في اليوم الثاني للعزاء، علمت الأرملة أنه كان لدى رجلها الراحل امرأة رومانية. جنّ جنونها؛ فخلعت فوراً ثوبَ الحِداد، ثمّ دَعَت أولادها أن ينسوا بأنه كان لديهم أبّ في يوم من الأيام..

2
" بعض الناس يولد على صورة عجوز "؛ هذا القول، قرأته ذات مرة في كتاب عن حياة الفنان الشهير " فان كوخ ". لوحات البورتريه، التي صوّر فيها الفنان وجهه منذ فترة مبكرة من صباه، كانت توحي ولا شك بذلك القول....!
" أبو ياسين "، زميلنا في الصف السادس الابتدائي، كان فلسطينيّ الأصل. لقبه هذا، الذي شاع آنذاك في المدرسة، يُحيل إلى كنيته علاوةً على شعبيته بين التلاميذ. كان الأطول فينا قامةً، كما أن بشرته كانت غامقة أكثر من المعتاد. إحدى عينيه، كان يغشاها لونٌ شبيهٌ بالضباب أو الدخان. لم يكن زميلنا كسولاً أو بليداً، ولكنه كان يُضبط المرة تلو المرة وهوَ غافٍ على المقعد. في أحد الأيام، استجوبَ المعلم هذا التلميذ بصرامة عن سبب تكرار نومه في الفصل. فكم كانت دهشتنا عظيمة، حينما علمنا بأنّ زميلنا يذهب بعد الدوام المدرسي إلى محل لدباغة الجلود، كي يعمل فيه حتى ساعة متأخرة من الليل....!
" أبو ياسين "، اليتيم الأب، كان يقيم مع عائلته في قبو إحدى الأبنية، المطلة على شارع صلاح الدين. صداقتي معه، اتصلت في خارج الدوام أيضاً. ذات مساء، وكان يوم عطلة، دعينا كلانا إلى شقة أحد زملائنا. والد هذا الأخير، كان داعيةً اسلاميّ. حينما خرجنا من الشقة الأنيقة، كنا ما زلنا نتلمظ شفاهنا من أثر الكاتو اللذيذ، الذي قدّم لنا مع الشاي. " أبو ياسين "، لم يلبث في يوم جمعة تالية أن دعاني إلى بيته. ذهبتُ إليه مع زميلنا، ابن الداعية، الذي كان يسكن بالجوار. كانت تنبعث من القبو رائحة غريبة، تضافر من كآبته. أم صديقنا، جاءت ترحب بنا وهيَ تحمل صينية عليها أقداح الشاي. عندما خلا الجو، همسَ ابن الداعية في أذني: " يا حرام؛ إنها تعمل خادمة في بيوت الناس! ". ثمّ مضى ذاك العام الدراسي، وتفرّق الأصدقاء أبداً. بعد أعوام عديدة، التقيتُ مصادفةً مع أحد تلاميذ صفنا ( وكان أيضاً فلسطينياً ). فيما كنت أستعيد معه ذكريات المدرسة، إذا به يفاجئني بالقول: " أبو ياسين، أعطاك عمره. مسكين! توفيَ بمرض السل، عندما كان يُحَضّر لامتحان الشهادة الاعدادية ".

3
" عيشة "؛ هيَ كبرى عمتيّ، وكان ترتيبها الثاني بين أخوتها، وقد اشتهرت في العائلة بالبأس الشديد وقوة الشخصية. على الرغم من مرور نصف قرن على وفاتها، فإنها ما فتأت مضربَ المثل إلى اليوم. مثلما أن اسمها منقوشٌ أيضاً في سجل تاريخ الحيّ، كونها من النساء اللواتي ساعدن ثوار الغوطة....!
زوج العمّة، هوَ المجاهد المعروف " محمد خالد ايزولي "، وكان يقود احدى أهم عصابات الأكراد العاملة في ريف دمشق. إنها العصابة نفسها، التي وقعت في كمين محكم من قبل الجيش الفرنسي في قرية " معربا " عام 1927؛ وأسفر عن استشهاد أغلب أفرادها، بمن فيهم قائدها. في هذا الصدد، يقول المؤرخ أدهم آل جندي، أنّ معركة " معربا " كانت الضربة الأخيرة والقاصمة للثورة السورية الكبرى....!
عقب استشهاد زوجها، أصبحت " عيشة " مسؤولة عن بناتها الثلاث الصغيرات. قبلاً، كانت قد قبلت السكنى في المنزل، الذي اشتراه لها والدها على الطريق السلطاني ( حالياً جادة أسد الدين ). ولكنها من بعد رفضت أيّ منحة أخرى من أسرتها، وما لبثت أن شمرت عن ساعد الجدّ. هناك، في حوران، كان للعديد من أبناء الحيّ أراضٍ زراعية يستثمرونها بأنفسهم أو يوكلونها لضمانين. وهيَ ذي " عيشة "، تنتقل إلى تلك المنطقة الخصبة تاركةً البنات الصغيرات في عهدة والدتها. قبل ذهابها، تعلّقت صغرى البنات بذيل ثوبها وهيَ تعول مناشدةً إياها ألا تتركها. هذه الطفلة، التي كانت متعلقة بشدّة بالأم، ما عتمت أن امتنعت عن الطعام. الجدة الحنون، احتارت في الأمر ولم ترَ سبيلاً سوى ارسال خبر لوالدة الطفلة. حينما عادت " عيشة " إلى الشام، كانت الأسرة في حالة حِداد على موت ابنتها. فما كان من الأم المسكينة سوى أن هرعت نحو أحد أحواض أرض الديار، فراحت تهيل ترابه على رأسها وهيَ تصرخ بجنون: " من أجل هذا التراب، تركتُ ابنتي الحبيبة تمضي إلى التربة "..!
للحكاية بقية



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع


المزيد.....




- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 35