أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 32















المزيد.....

سيرَة حارَة 32


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4647 - 2014 / 11 / 29 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


1
بشير؛ هوَ ابن العائلة الغريبة، المعروفة في الزقاق بـ " بيت الشامية ". ربّ هذه العائلة، كان أصله من حيّ الميدان وقد اشترى قسماً من منزل كبير أعمامي في زمن سبقَ ولادتي. اتسمَ والد بشير بالهدوء والطيبة، وكان يؤثر العزلة بعد انتهاء فترة عمله بدباغة الجلود. أما الوالدة، فإنها كانت شديدة الفسوة على أولادها، وفي المقابل، كانت لطيفة وكريمة ولبقة مع أصدقائهم الصغار....!
بشير، ذو الشخصية المجبولة على الطرافة وسِعَة الخيال، كان من عُمْر شقيقي الكبير. ولكنه كان صديقاً لي وللآخرين من جيلي. ذلك أنّ شقيقي، كما الآخرين من سنّه، كانت لديهم نظرة ازدراء للأغراب حدّ المُجاهرة بالعداء. وعلى أي حال، فإن بشير لم يكن يستطيع مشاركتنا في ألعابنا ومغامراتنا إلا في أيام الجُمَع. إذ أخرِجَ من المدرسة باكراً، لكي يلتحق بالعمل عند شقيقه الأكبر، الذي امتلك محلاً للحدادة في مركز المدينة. كان المسكين يعود من العمل مرهقاً، فلا يلبث أن يظهر عند عتبة منزله عند الغروب. عندئذٍ، كنا نهرع إليه للاستمتاع بحكاياتٍ عن الجن والأنس، يرويها بأسلوب شيّق وبلهجته الشامية، المتأصلة على لسانه....!
ابتليَ بشيرُ بسوء الفأل، وكما لو أنه اختطفَ امرأة جنيّ من حكاياته تلك، التي كان يرويها على أسماعنا عندما كنا صغاراً. تعلق قلبه بفتاة فاتنة حقاً، كانت تعمل متمرنة عند جارتنا الخياطة. إلا أن هذه لم تبادله عاطفته، ولم تكن ترد حتى على تحياته عندما كانت تمر من أمامه في طريقها لمنزل أسرتها، الكائن في حارةٍ مجاورة. ولن يقدّر لصديقنا أن يعرف الحب من بعد، ولا أن يتزوج وينشأ أسرة. ما أن طُلِبَ لخدمة الوطن، حتى انقلبت حياته رأساً على عقب. كان في مرحلة الاحتياط، حينما زجوا به في لبنان على أثر التدخل العسكري هناك في أوج الحرب الأهلية. ذات يوم، والمعارك على أشدها بين الجيش السوري وقوات الكتائب، إذا بالسيارة التي كان يستقلها بشير مع بعض أصدقائه تتيه عن الطريق وتدخل بالخطأ في منطقة معادية. تم أسرهم من قبل الكتائب، الذين أخضعوهم لسوء المعاملة. كانوا يخرجونهم كل مرةٍ، لكي ينفذوا بهم تمثيلية اعدام صوري. أخيراً، أطلق سراح صديقنا بعملية تبادل للأسرى. فما أن تسلمه الأمن العسكري، حتى بدأت مرحلة جديدة من العذاب أسوأ من الأولى. إذ اتهِمَ بنقل معلومات عسكرية للعدو (!)، ثم أحيل لقاضي الفرد العسكري لمواجهة حكم بالسجن لمدة عام بسبب فقدان سلاحه الفرديّ. عندما عادَ بشير من سجن تدمر، فإنني لم أتعرف عليه للوهلة الأولى. ثم مضت الأعوام، وصحة صديقنا النفسية تتدهور باضطراد حتى انهارت تماماً.

2
" أمّونة "؛ كانت ابنة جيراننا المعدمين، المقيمين في الزقاق المجاور، آله رشي. وقد بقيت تُرْمَز للبشاعة، بشكلها المُنفر وسوداوية سريرتها. في طفولتي، رافقتُ ذات ليلة شقيقاتي إلى منزل هؤلاء الجيران. والدا أمونة، ربما كانا مدعوين ليلتئذٍ لسهرة ما. فتوسلت هيَ لشقيقتي، التي تماثلها في العُمر، أن تزورها. في حجرة رثة، ذات سقف متداعٍ، قضيتُ بضع ساعات من الرعب مع أحاديث الجن والعفاريت، المتدفقة على لسان شبيهتهم....!
على ما يبدو، فإنّ أحداً من الحارة لم يطلب يدَ أمونة، إلى أن تطوّع للمهمة رجلٌ من عرب البادية. هذا الرجل، ذو البشرة الشديدة السمرة والموشومة، كان متطوعاً في سلاح الجمارك. كانت خدمته على الحدود اللبنانية، مما اضطره لأن يبيت غالب أيام الأسبوع بعيداً عن منزله. إنما ليجوز القول، بأنه لولا الخدمة في ذلك المكان الاستراتيجي، لما أمكن لزوج أمونة أن يشتري بيتاً بعد زواجهما بأعوام قليلة....!
ذاك البيت، الكائن في زقاقنا، كانت تقيم فيه ابنة " حسّو شكري "، قبل أن يباع على أثر انتقالها مع عائلتها إلى درعا. ولأن البيت فرغَ من تلك المرأة، المعروفة بمشاكلها ومشاداتها، فقد ارتاحَ بال الناس. إلا أنّ الجارة الجديدة، عليها كانت أن تخيّب أملهم. كان ثمة حجرة في الدور العلويّ من المنزل، تطل نافذته على الزقاق، سرعان ما جعلتها أمونة كبرج للمراقبة. أضحت تكمن نهاراً خلف النافذة، المواربة المصراعين، وهيَ تسجّل أنفاسَ نساء الحارة لكي تتعهد لاحقاً نشرَ الأقاويل الملفقة بحق بعضهن. ولم تكن لتكتفي ببرج المراقبة، بل كانت تظهر بين فينة وأخرى عند باب منزلها صارخةً بأولاد الجيران وحتى بأمهاتهن. أولادها الصغار، أخذوا لسوء الحظ من أخلاقها، المتناقضة مع أخلاق أبيهم المتسم بالهدوء والطيبة. بيْدَ أنّ سوء الحظ، من ناحية أخرى، قد أوقع هذه الجارة الشريرة مع ابن خالتنا العتيّ؛ " مصطي ". كانت شرفة منزله تطل أيضاً على الزقاق، وتقابل تماماً برج المراقبة. ذات مرة، ما أن بدأت أمونة في الصراخ على أولاده، حتى انتصب مصطي على الشرفة كالمارد وجعلها تتراجع مذعورة إلى داخل منزلها..!

3
قلنا، أنّ الزقاقَ امتُحِنَ ببلاءٍ جديد؛ اسمُهُ " أموّنة ". إنها ابنة جيراننا، الذين يطل بيتنا على بيتهم، الكائن في الزقاق المجاور. وها هيَ تقيم الآن مع زوجها وأولادها في زقاقنا، بعدما اشترت قسماً من منزل " حسّو شكري "، المفصول عن منزلنا ببضعة أمتار حَسْب. ونِعْمَ الجار....!
إنّ الخالق، من ناحيته، يخلق لبعض الناس قلباً بلون بشرتهم، الكالحة والكامدة. هذه المرأة، كانت كذلك وكما لو أنها كتلةٌ من العقد المأزومة. إذ ما أن استقرت في منزلها الجديد، حتى راحت تحاول الكيدَ لنساء الزقاق. فما أن تطل إحداهن من باب بيتها، لشأن ما، حتى تخرج لها أمونة فوراً بنظرة اتهام سوداء وكأنما تقول: " لقد كشفتكِ، يا هذه! ". الأسوأ في الأمر، هوَ تديّنها المشوّه والمستمدّ من كونها الشقيقة الكبرى للمدعو " أبي الفتوح "، وكان أحد مريدي الخطيب المفوّه، مروان شيخو. أمثال هؤلاء في الحارة، كانوا يعتقدون بأن الربّ خلقهم بين قوم ٍمن الملاحدة والمرتدين، وأنه يقع عليهم عبء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر....!
آنذاك، كانت البلد في أجواء المواجهة الدموية بين السلطة وتنظيم الأخوان. فما لبث ابن خال أمونة، وكان غلاماً صغيراً، أن قتل مع معلّمه في مطعم يملكه هذا في حيّ مساكن برزة، المجاور. ولأنّ المعلّم من ريف الساحل، وكان متقاعداً برتبة مساعد أول من المخابرات، فإنّ أمونة صارت تشتم العلويين في هذه المناسبة الحزينة وفي غيرها أيضاً. إلا أن أبا الفتوح ( الذي أصبح مستثمراً في المجال العقاري )، كان قد سبق وتوسّط لشقيقيه في الخدمة الالزامية بأجهزة المخابرات. كلاهما، كان قد أدخل تقليداً جديداً في عراضات أعراس الحارة، وهوَ ترديد هتافات تحيي " القائد أبو دريد " وفي غمرة من اطلاق الرصاص..!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 32