أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 29















المزيد.....

سيرَة حارَة 29


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 5 - 01:11
المحور: الادب والفن
    


1
عميد آل " كرّي عيشة "؛ كان جارنا في الزقاق، وأحفاده من ابنه الكبير كانوا أقرب أصدقاء طفولتي. والد هؤلاء، كان رجلاً هادئاً ومتسامحاً مع شقاواتهم. أما الجدّ، فإنه كان صارماً، لا يغفر أيّ هفوةٍ. على ذلك، لم يكن بالغريب أن يحسدني أصدقائي لأنني لم أعرف جدّاً....!
من ناحيتي، كنتُ أشعر بالتهيّب في حضرة هذا الجدّ، إلا أنني لم أكن أراه مخيفاً. حينما كنت أسهر على التلفزيون في منزل أصدقائي، فقد كانوا يتعجبون من جرأتي في الانطلاق بالحديث بوجود جدّهم. هذا الرجل العجوز، الشبيه بأحد فرسان روايات المغامرة، كان يفاجئني من جهته عندما يطلب شهادتي في موضوعٍ يتعلق بشغب أحفاده أو عراكهم فيما بينهم. إذاك، كانت نظرته ترق فيما كان ينصت إليّ. فيما بعد، عرفتُ أن الرجلَ سبق ان خطبَ عمّتي لما طلق امرأته الثانية. كانت العمة قد ترملت باكراً، فرفض أشقاؤها الكبار أن تتزوج مجدداً. طلبوا منها أن تربي طفليها اليتيمين، بمقابل تعهدهم بتأمين معيشتها....!
زوجة كبير آل " كرّي عيشة " الثالثة، كانت من الحارة ولكنها متعرّبة اللسان. ويبدو أنها كانت تتعامل بطيبة مع أولاد رجلها؛ في البداية على الأقل. فما أن أنجبت ابنها ( وحيدها في الواقع )، حتى أضحت على منقلبٍ آخر. كان المنزل كبيراً، بيْدَ أنه كأمثاله في الحيّ، يتكوّن من حجرات قليلة. ففضلاً عن غرفة الضيوف، كان ثمة حجرتان يفصل بينهما الليوان، خصصت إحداها لابنها الصغير واستأثرت بالأخرى هيَ وزوجها. هذا الأخير، كان يعلم ولا شك أن أولاده الثلاثة ( صبي وابنتين ) ينامون في الليوان، المفتوح شتاءً على الريح والأمطار. ثمّ كبر الأولاد، وتزوجوا تباعاً وشغلوا بدَورهم مع أطفالهم. ابن الزوجة الأخيرة، أفسده دلالها المفرط فلم يكن باراً بها أو بأبيه. الأسوأ، أنه اقترن بقريبة له، طُبعت أخلاقها بجلافة جبل " يبرود "؛ التي ولدت ونشأت فيها. فما أن شاخ عميد آل " كرّي عيشة "، وتوفيت امرأته على الأثر، حتى بدأ رحلة عذابٍ وذلّ فيما بين بيتيّ ابنيه. فقد كان على الرجل العجوز، المحنيّ الظهر، أن يحمل بقجته ( صرّة الملابس ) ويتجه في نهاية كل شهر إلى منزل أحد ابنيه. كنته تلك، الجلفة، اعتادت عندئذٍ أن تخرج قدّام الباب صارخةً بوجهه وهيَ تطرده: " العمى! بقيَ يوم كامل لآخر الشهر؛ فلماذا أرسلوك إليّ الآن؟! ".

2
ليلة أمس، أعدتّ مشاهدة الجزء الثالث من فيلم " العرّاب "، الشهير. هذا الاسم، العراب، كان يطلق قديماً على رأس عائلة المافيا في أمريكا، وخصوصاً العائلات الايطالية. وكان بطل الفيلم قد دخل طور الشيخوخة، وقد ألحّ عليه عذاب الضمير؛ خصوصاً مسألة قتله لابن أمّه وأبيه، بسبب صراع النفوذ والمال....!
خلال مشاهدتي للفيلم، استعدّتُ حكايات حارتنا، المُشابهة لهذا الحدّ أو ذاك ما كان يحصل بمجتمع المهاجرين الطليان في نيويورك. مثلما أنّ حارتنا، من ناحية أخرى، اهتزت المرة تلو الأخرى بحوادث مفجعة عن قتل الأشقاء؛ كابن " شور تعزي "، وابن " لحّو ميقري " وابن " حج عبده "....!
أولاد حج عبده ( وهم ثلاثة أشقاء وأخت واحدة )، كانوا جيراننا الأقرب في الزقاق. هؤلاء، سبقَ أن تقاسموا منزل أبيهم الكبير في الفترة نفسها تقريباً، التي شهدت تقاسم أبي وأخوته لدار والدهم. الشقيق الأكبر لأولاد حج عبدو، ترمّل بدون أولاد، وكان يرتزق من محل سمانة يملكه. أما الأخت، فكانت آنذاك قد تزوجت من أحد وجهاء منطقة ساحة شمدين ( هيَ والدة البروفيسور والمناضل الكردي عصمت شريف وانلي ). الشقيقان الآخران، امتهنا خياطة الثياب الرجاليّة وبرعا فيها، وكان كلّ منهما يملك محلاً في مركز دمشق القديمة. الأكبر فيهما، كان شخصاً عصبيّ الخلق، تركت له زوجته الأولى لدى وفاتها عدة أولاد، فاقترن بأخرى من حيّ الصالحية، المجاور. هذه المرأة، هيَ من تحمّلت تربية أولادها وأولاد زوجها حينما سُجن لارتكابه جريمة قتل شقيقه الأصغر. كنتُ ما أزال أحبو، حينما سقط الجارُ مضرجاً بدمه قدّام جدار منزلنا، على أثر مشادة مع شقيقه بسبب الأطفال. أرملة القتيل ( كانت من أشهر خياطات الشام )، قامت بدَورها على رعاية أطفالها، الذين ما لبثوا أن صاروا من حملة الشهادات العالية. بعد خروج ذلك الشقيق من سجن القلعة، عاد إلى مزاولة مهنة الخياطة. إنّ خصلة خلقه، المعلومة، جعلته في خصام شبه دائم مع جيرانه بسبب مشاغبات الأطفال. امرأته المسكينة ( وكانت صديقة حميمة لوالدتي )، كانت تمضي بعد كل مشادةٍ إلى منازل الجيران لإصلاح الحال معهم. عندما توفيت زوجته، إثر معاناة مريرة من مرض عضال، كان جارنا قد صار جدّاً وتفرّق أولاده بعدما تحوّل بيتهم إلى بناية حديثة. لم يبقَ للرجل من يعينه، هوَ المُبتلى بأمراض السكر والضغط وغيرها. ذات شتاء، شهد الزقاق سقوطه على الأرض فاقداً الوعي بالقرب من منزلنا؛ بالقرب من ذلك الجدار ذاته، الذي سبق أن تضرّج بدم الجريمة.

3
"العبّارة "؛ هي النول اليدوي القديم، الذي كان يُشغل فيه النسيج الكردي، المتعدد الألوان، المعروف بالبتّة ( البروكار ). وكان كرد الشام قد اشتهروا بهذا النوع من النسيج، بعدما تعددت الأنوال في حيّهم وأقبل الكثير من شبابه على العمل فيها مخلفين وراءهم حياة الفوضى والعنف والنهب....!
عمّي الكبير، " سليمان "، كان لديه ثلاث عبّارات، واحدة منها كانت في زقاقنا ويشرف عليها بنفسه. وقد عمل والدي فيها منذ صغره، فأتقَنَ هذه الحرفة حتى صار معلّماً. في ذلك الوقت، كان بعض أولاد " علكي " يعملون عند العم، ثمّ ما لبثوا بدَورهم أن صاروا معلمين واستقلوا بالكار. كبيرهم، كان يميل لمناكدة العمّ وعماله عن طريق تدبير المواقف الطريفة. ذات مرة، ما أن قدِمَ أحد الشغيلة وهوَ يحمل طبق الغداء، الموصى عليه من المطعم، حتى بادر ابن علكي إلى تشممه: " ما هذا؟ الأكل محمّض! "، قالها ثم بصق في الصحن. عندئذٍ، خرج الآخرون من العبّارة لكي يتدبروا غداءهم بأنفسهم. فما أن عاد أحدهم بعد دقيقة لأمر ما، حتى وجد ابن علكي منهمكاً بأكل الوجبة نفسها وهوَ في غاية الرضى....!
" معمل مزنّر "، كان عليه أن ينافسَ العبارات، بما أن آلاته تشغل بالكهرباء. هذا المعمل، كان يقع في الحيّ المسيحي، باب توما. وقد استقطبَ عدداً ليسَ بالقليل من أولاد الحارة؛ ومنهم كان والدي. آنذاك، كانت الأفكار الشيوعية قد تغلغلت في حارتنا ووجدت صدىً طيباً بين العديد من ناسها البسطاء، وكان الوالد منهم. غير أن الدعاية المضادة كانت قوية، في المقابل، والتي تعهدها الشيوخ الموالون للأخوان المسلمين بشكل خاص. ذات يوم، وفيما كان والدي ينزل من مكانه خلف آلة النسيج، المرتفع بمسافة متر عن الأرض، إذا بالخيط المتين يلتف حول رقبته بشدّة. فما كان منه سوى الحشرجة بجملة " لا إله إلا الله! ". هرع رفاق العمل وتمكنوا فوراً من تخليص رقبته من الخيط. كان هؤلاء ما يزالون متحلقين حول الوالد، المضطجع على الأرض، حينما قال له أحدهم: " الآن صدقنا أن الشيوعيين يؤمنون بالله، بعدما سمعناك تنطق الشهادة! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
- سيرَة حارَة 17
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 29