أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 36














المزيد.....

سيرَة حارَة 36


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4662 - 2014 / 12 / 14 - 20:26
المحور: الادب والفن
    


1
" عيشة "؛ العمّة الكبيرة، التي ترمّلت في مرحلة مبكرة من عمرها، ام يكن لها حظ وافر من الحُسْن كما كان الحال مع شقيقتها الأصغر. في المقابل، عُرفَ زوجُ " عيشة " الراحل بالوسامة والرجولة، فضلاً عن مغامراته النسائية. ويقال في هذا الشأن، أنّ العمة اعتادت أن تقول لرجلها قبيل مغادرته المنزل مساءً: " ضع في يدي مَجيديّة، ثمّ اذهبْ حيثما تحملكَ قدماك "....!
هيَ ذي " عيشة " ثكلى أيضاً، بعدما فقدتْ صغرى بناتها الثلاث خلال فترة غيابها القصيرة في حوران. على الرغم من كونها قوية الشكيمة، فإنّ موتَ الابنة أصابها في الصميم. تأنيبُ الذات، كان أكثر ما يعذبها آنئذٍ. إذ أنّ الطفلة لم تكن تشكو من أيّ علّة، باستثناء اللوعة على مفارقة الأم لها. ثمة أمرٌ آخر، شاءَ أن يُضافر من هموم " عيشة "؛ وهوَ أنّ والدها كان قد فارقَ الحياة في تلك الآونة. علاقتها مع أغلب الأخوة، لم تكن على ما يرام ، كانت تأخذ على هؤلاء، خصوصاً، اهمالهم لوالدتهم وشقيقتهم الأخرى، التي ترمّلت بدَورها مبكراً....!
في ذلك الوقت، كان والدنا غلاماً بعدُ. كان بالكاد قد أكمل دزينة من أعوام عمره، عند وفاة أبيه. عندئذٍ تركَ المدرسة والتحق بالعمل في مشغل النول اليدوي، الذي كان يملكه أحد أشقائه الكبار. الأخوة الآخرون، الثلاثة، وضعوا اهتمامهم في مهنةٍ كانت مألوفة لدى سكان الحيّ؛ وهيَ العمل في أراضي " الصالحية " الزراعية كنواطير أو ضمّانين أو وكلاء. الشقيق الأكبر لهؤلاء الأخوة، بدأ العمل أولاً لدى أقاربه من آل " نورا هللو "، الذين كانت لديهم أرض كبيرة. بعد ذلك، انتقل عمّنا هذا إلى خدمة آل " الايبش "، فأصبحَ وكيلاً لمصالحهم الزراعية بريف الشام. الابن الأكبر للعم، كان عندئذٍ قد أضحى في طور المراهقة. وإذاً، بدأ هذا الشاب يُبدي اهتمامه بأمر " كَولي "؛ ابنة عمته، وكانت تصغره ببضعة أعوام: إنها كبرى بنات " عيشة "، التي جاز المقدورُ أن تُفجعَ بها أيضاً، وهذه المرّة في حادثةٍ أليمة.
2
" كَولي "؛ هيَ ابنة العمة الكبيرة، واسمها يعني ( الوردة ) بلغتنا الكردية. هذا الاسم، طابقَ صورةَ صاحبته السمراء الحَسَنة الملامح، ومصيرها أيضاً....!
شأن بنات جيلها المراهقات، افتتنت " كَولي " بالفن الجديد، المُدهش، الطاريء على حياتها؛ ألا وهوَ السينما. ولكن، في تلك الفترة من أواسط الثلاثينات، كان من المحال على الفتاة في مجتمع دمشق، الشديد المحافظة، أن يطرأ لرأسها مجرّد فكرة حضور أحد الأفلام. الصالة السينمائية، كانت آنذاك هيَ المكان نفسه، المَشبوه، الذي يُلفظ على لسان الرجال بالاسم المَشنوع: " تاترو "....!
إلا أنّ جهاز المذياع عليه كان أن يحلّ المشكلة تلك، طالما أنه اعتاد بين آونة وأخرى على تقديم تسجيلٍ لأحد الأفلام المصرية، التي كان يغلب عليها المواضيع الرومانسية. إذاك، كانت " كَولي " تعيش مع شقيقتها الصغيرة في منزل جدّها لأمها. لقد تركتهما الأمّ في رعاية والدتها وشقيقتها الوحيدة، الأرملة، بسبب عملها في أرض زراعية كانت تمتلكها بمنطقة حوران. في هذا المنزل، الكبير، دأبت فتاتنا المراهقة على رفع عقيرة المذياع في كلّ مرةٍ كان يبث فيها أحد الأفلام السينمائية. كانت حبيسة الجدران، بيْدَ أنّ أفكارها كانت تحلّق بحريّة مثل الطيور في حديقة الدار. كانت " كَولي " تتخيّل نفسها مع فارس الأحلام، الشبيه بأبطال الأفلام تلك؛ كأنور وجدي وفريد الأطرش وعبد الوهاب ومحمد فوزي. خيالُ الفتاة ذهَبَ أبعد من ذلك، حينما صارت هيَ تختلق حكاية حبّ تجمعها بشخصٍ لم يكن موجوداً في الواقع. لسوء الحظ، فإنّ هذه الحكاية وصلت بشكل او بآخر إلى سَمَع ابن الخال الأكبر؛ الشاب شبه المجنون، الذي كان وقتئذٍ قد تطوع حديثاً في سلك الدرك.

3
" ديبو "؛ هوَ الابن البكر لكبير أعمامنا من زوجته الأولى. هذه المرأة، التي كانت ضعيفة العقل كما يقال، أنهت حياتها انتحاراً في بئر الدار....!
العم، كان قد تزوّجَ من امرأة ثانية ( عمّة والدتنا الوحيدة ) قبل وفاة الأولى بعقدٍ من الأعوام تقريباً. ولكنّ أولاد هذه الأخيرة، لم يكونوا على وفاقٍ أبداً مع امرأة أبيهم. فما عَتَمَ العمّ أن خطبَ لابنه " ديبو " كبرى خالاتي ( ابنة جدّتنا من رجلها الأول )، وكانت تصغره بحوالي ثلاث سنوات. هذه الخالة، المُعرَّفة بالحلاوة والظرف والطيبة، شاءَ قدَرُها أن تكون من نصيب شابّ فظ الطبع، صعب المعاشرة وشديد الأثرة....!
" كَولي "، ابنة العمّة، لم تلبث بدَورها أن وقعت بين براثن ذلك الشاب ذاته، شبه المجنون. فحينما تناهت إلى " ديبو " الأقاويلُ عن شرف الفتاة، فإنه راحَ يتحسّسُ جرابَ مسدس سلاح الدرك، الذي كان يخدم فيه. الأقاويل نفسها، أفادتْ أيضاً أنّ الشابّ المتهوّر فاتحَ عمَّه ( المماثلَ له في العمر ) في شأن التخلّص من هذا العار، المزعوم. فيما بعد، أقسَمَ العمّ على القرآن أمام شقيقته، بأنه لم يكن لديه علمٌ قط بأمر التخطيط لقتل ابنتها. وكانت " عيشة "، وقت وقوع الجريمة، ما تفتأ تلازمُ الأرضَ الزراعية، التي تمتلكها في حوران. وإذاً، قُدِّرَ لعمّتنا أن تفقدَ ابنةً أخرى أثناء غيابها في تلك البلاد، النائية: " كَولي " البريئة، ذات الأعوام الستة عشر، تمّ اصطحابها بالخدعة إلى قريةٍ في برّ الشام؛ أين كان ابن خالها يخدم كدركيّ. لقد أقنعها بأنها ستكون ضيفة على زوجته، التي تعيش متوحّدة هناك. إلا أنه ساقها إلى منزل آخر، مهجوز. كان الوقت ليلاً، حينما دفعها بالقوة إلى ذلك المكان المعتم والموحش. غيرَ أنه لم يقتلها في الحال، بل ولقد تركها حبيسةً عدة أيام. كان متردداً، على ما يبدو، في أمر تنفيذ جريمته. إنّ كلمات الفتاة، المرتعشة، كانت وقتئذٍ ترن في أذنه بقوّة: " أعلمُ لِمَ جئتَ بي إلى هنا، ولكنني أقسمُ لك أمام الله بأنني لم ألوّث شرفي بأيّ فعلٍ شائن "..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 36