أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 45














المزيد.....

سيرَة حارَة 45


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4704 - 2015 / 1 / 29 - 00:32
المحور: الادب والفن
    


1
ملجأ الحارة الكبير، يقع في مدخل الكيكية على جادة أسد الدين، ويشرف على نهر يزيد من ناحيته الجنوبية. هذا الملجأ، كان جاهزاً لاستقبال الناس لمرة وحيدة حَسْب؛ في حرب اكتوبر 1973. إذاك كنت وأصدقائي نعين الأهالي ونجلب حاجياتهم وطلباتهم، ونسهر الليل كله على أحاديث الحرب وتطوراتها.
أرض الملجأ، كانت ملعبنا حينما كنا صغاراً. آنذاك، كانت الأرض ما تزال خلاءً يسمى " خرابة أبو رسلان "؛ على اسم شخص مسن وعاجز، كان يقيم في حجرة رثة على طرفها المشرف على الجادة ويعيش على احسان الجيران. كم تداولنا أساطيرَ عن كون هذا الرجل المسكين " أميراً " في زمانه، قبل أن يتحوّل بقادرة القادر الى شبه شحاذ.
أبو رسلان، كان إذاً يعيش متوحّداً بلا امرأة أو أولاد. لم يكن له صديق سوى الحارس الليليّ، الدرزيّ الغريب عن الحارة. وقد شاءت أقدارهما أن يموتا بطريقة تراجيدية، وفي فترة متقاربة. ففي ليلة شتوية عاصفة، انهار الحائط الترابي للخرابة على كوخ الحارس فقتله في الحال. نحو السنة، على الأثر، ثم تجمع أهالي الحارة أمام حجرة أبي رسلان هذه المرة بعدما انتشرت منها رائحة الموت، المقيتة والكريهة. الرجل الوحيد، كان قد قبع ميتاً لعدة أيام دونما أن يشعر به أحد..

2
كم أشعر بالسعادة، حينما أرى البيوت القديمة في حارتي، التي ما زالت تتحدى الاسمنت المسلّح؛ وهيَ عزلاء إلا من أشجارها وعرائشها وأزاهيرها.
في زمن الطفولة، كانت جدران الحارة لوحاتنا، نرسمُ عليها أسماءنا. إلّا جدار منزل أبو توفيق هدلة ( وكان يعمل بخاخَ مبيدات )، المرقّش برسم شجرة تتساقط منها الحشرات صريعةً، وبهذه العبارة بخط كبير " كلّ ما عليها فان! ". شأن العديدين من رجال هذه الحارة، كان أبو توفيق شرّيباً وصاحب مزاج،. أما الشرّيب الأشهر، " صريع العرَق "، فلم يكن سوى أبو خبصة غزالة: الذي أضحى أسطورة في طفولتنا، حينما تحدّى نداماه في إحدى الليالي بشرب تنكة كاملة من العرق، فما أشرق عليه الصباح حتى سقط ميتاً، فخرجت له جنازة صاخبة في غمرة الاطلاقات النارية الكثيفة والهتافات " يا جنّة افتحي أبوابك، أبو خبصة من زوارك! ".
أبو عوض ( والد وصال فرحة )، كان هوَ نجمُ تلك السهرات. فيما أن والدتها، أم عوض، كانت تتميّز بشخصيتها القوية المتلائمة مع قوامها الفارع. وحسبما تناقلته ألسنة أمهاتنا، فإن أم عوض كانت تقدّم المساعدات لثوار الغوطة في زمن الانتداب، كما أنها قادت المظاهرات في عهود الانقلابات العسكرية. وقد اشتهر هتافها قدّام مدخل مجلس النواب في زمن الوحدة المصرية " كوريا للكوريين وسوريا للسوريين! "؛ وكان ذلك في وقت انشغال العالم بحرب القارة الكورية وابتلاء بلادنا بالديكتاتورية الناصرية. وأتذكّر صداقتي لحفيد أم عوض، برزان، وكيف كانت هيَ تناكد بنات الديركي المنتسبات لحزب البارتي، فتصرخ على الولد بالكردية وتشتمه مستخدمةً اسمه المستمدّ من اسم الزعيم ملا برزاني..!

3
قلنا، أنّ محلات الخضار في الحارة، كانت تقوم على جادّة أسد الدين. ولكن شهرة أحد المحلات تلك، انتسبت لشخصيّة مالكه، " برو شورو "، لا لجودة خضاره. كان رجلاً بسيطاً حدّ السذاجة، طويلاً ونحيلاً. وكان كسولاً، فوق ذلك؛ هوَ من يستيقظ متأخراً دوماً، فلا يصل السوق حتى يجده خالٍ إلا من سقط المتاع.
عمّي، كان يشفق على هذا البائع المسكين، وقد اعتاد أن يتسوّق من عنده. إلا أنّ ذلك، لم يكن يخلو من مخاطرة. ففي كلّ مرة يعود فيها العم إلى البيت، كان يسمع شكوى امرأته من الخضار المجلوبة. يقول لها عندئذٍ: " اذا لم أشترِ أنا ولم يشتري الآخر، فكيف سيعيش الرجل؟ ". فتجيبه الخالة كالعادة وهيَ مغتاظة: " وهل برو شورو صار بلاء على رأسي؟! ".
بدَوره، كان لذلك البائع مواجهة يومية مع امرأته؛ إنما لسبب آخر ولا ريب. " فاتو نسناسة "، هوَ لقب هذه المرأة. وقد كانت ذات خلق شرس، متماهٍ ببدن جسيم وقامة قصيرة. وربما أنها لم تكن كذلك، حينما سبق وخطبها برو شورو. واسطة الخير، كان جارهم " شمّو ". هذا الأخير، يبدو أنه لم يكن يصدّق وقتئذٍ المثلَ الشعبي المعروف " اطلع بجنازة، ولا تشترك بجوازة! ". إذ ما أن تنشب مشادة بين الزوجين، حتى كان شمّو ثالثهما. إذاك، كان برو شورو، الملول، يضعُ اللومَ على جاره: " أنت من ابتليتني بهذه المرأة، وعليك الآن أن تجد حلاً ". فلا يكون من شمّو إلا أن ينفخَ ساخطاً: " انقلع من وجهي! صارَ لديك عدة أولاد، وما زلتَ تذكّرني بخطبتك المنحوسة؟! "..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 44
- سيرَة حارَة 43
- سيرَة حارَة 42
- سيرَة حارَة 41
- سيرَة حارَة 40
- سيرَة حارَة 39
- سيرَة حارَة 38
- سيرَة حارَة 37
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 45