|
جمهوريات تكسير الأشياء الجميلة
عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4695 - 2015 / 1 / 20 - 04:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( إلى الشباب ، و " الأجيال " الشابة تحديداً : مُلاحظات.. بهدف البحث عن إمكانيّةٍ ما ، لـ " تغييرٍ " مُمكنٍ ، و إيجابيّ .. في العراق الراهن )
عشتُ سبعة وخمسين عاماً مع " دولة " عراقيّة ، بجمهوريّاتٍ ثلاث ( 1958 ، 1968 ، 2003 ) .. لا تُجيدُ غير " تكسير " كلّ شيءٍ جميلٍ ، وذي معنى ، في اولئكَ الذين لم يكونوا ، يوماً ما ، جزءاً منها . ومادامت الشروط التي انبثقتْ عنها " بُنْيَةُ " هذه الدولة قائمة ، ولم تتغير قط .. فأنّ ظهور " جمهوريات " جديدة ( أو ، ربما ، مجرد جمهوريّة رابعة إضافية ) ، سيبقى يدور في إطار تداول " قسري " للسلطة ، لم يصبح " سلميّا " ، في حقبة ما بعد العام 2003 ، إلاّ بفعل ضغط عاملٍ خارجيٍّ حاسم ، وحاكِم . وهكذا شهدنا هذا " التداول " ضمن ترتيبات " سلطوية " لحكومات متعاقبة ، تعمل على ادامتها " فئة " سياسية تابعة ، تفتقر إلى الحد الأدنى من الكفاءة ، وتدور في مسار مُحدّد لدولة فاشلة . ومنذ عام 1958 ، وإلى هذه اللحظة ، تم هدر الكثير من الموارد . الكثير من المال ، والوقت ، والدم ، والتعب ، والوجع العراقيّ الكثيف ، دون جدوى . ومع إدراكي بأنّني لستُ مؤهّلاً ، على نحو كافٍ ، لإسداء النصائح . وبأنّي لن أكون وصيّاً ، بأي شكل من الأشكال ، على قناعات الناس في هذا البلد .. غير أنّني أرى ( وقد أكون مُخطئاً في ذلك) ، بأن " التفاؤل " لوحده قد لا يُفضي إلاّ لمزيدٍ من الخراب . ويُقدّمُ مصيرُ الأجيال السابقة من العراقيين ، ( الذين كانوا اكثر تفاؤلاً من الأجيال الحالية بكثير ، بصدد نتائج " التغييرات " التي شهدوها طيلة خمسين عاماً من حياتهم المهدورة ) ، درساً ماثلا للعيان ، وقابلاً للتمحيص والدراسة ، واستخلاص العِبَر . إنّ جيلنا " القديم " مطعونٌ في نواياه ، ومشكوكٌ في دوافعه ، ومجروحُ في ولاءاته . ومع امتلاكه لقدراتٍ مهنيّة وعقلية جيدة ، وخبراتٍ تراكميّة رصينة ، فإنّهُ قد أصبح خارج التاريخ " الخاص " ، لـ " التشكيل الأجتماعي – الأقتصادي " – العراقي " الجديد " . ولهذا فإنّهُ لم يعد قادراً على ممارسة دورٍ فاعلٍ ومؤثِر لوقف هذا العبث ، ووضع حدٍّ لانسداد الأفق القائم . هذا يعني أن الشباب ، أو " الأجيال الشابّة " ، هي صاحبة المصلحة الحقيقية في " التغيير " . هي " الهِبَة " الديموغرافيّة التي بوسعها فعل ذلك . هي من عليها أن تحملَ في خلايا عقلها الجميل ، وعروق أذرعها الفتيّة ( قبل البنادق والعقائد وإرث الكراهية ) ، كلّ ما تستطيع حملهُ من معاول ، ومجارف ، وفؤوس ، ومكانس ، وجرادل ماء .. لتخليص الأرض التي يعيشون عليها ، وفيها ، من كلّ هذا السَبَخ .. وكلّ هذا السَخام .. وكلّ هذه الوساخة . لا أريدُ أن أقول لكم : أنّنا معكم . سأعترفُ لكم الآن بـ : أنّكُم وحدكم . قد يستطيع البعض منّا تقديم أشياء معينّة . أهمها ما نستطيع تقديمه في " صفوف " المدارس ، و " قاعات " الكليّات ، وصالات المؤتمرات .. ومكاتب الأجتماعات .. وأوراق الأستشارات .. ولكنها تبقى ، على أهميتها ، أشياء قليلة . أشياء لا تفي بالغرض المطلوب ، ولا يمكنُ أن تُقدّمَ دعماً حقيقياً ، بالقدر الضروري ، والكافي ، لأداء المهمة . يمكنُ أن نحشِدَ لكم ظاهرة " صوتيّة " هنا ، وظاهرة " كتابيّة " هناك .. ولا شيء آخر . وهذا لا يصنعُ فرْقاً مهماً في واقع الحال . الفرق الأهم .. تصنعونهُ أنتم . افعلوا ذلك .. الآن .. ولا تعيشوا " رُبْعَ " حياةٍ ، يُفتَرَضُ أنّها كلّها لكم .. بانتظار المصادفات السعيدة . خلاف ذلك ، فإنّ نصف قرنٍ من الخيبة سيكونُ من نصيبكم حتماً .. تماماً كما كان من نصيب آباءكم وأجدادكم . أولئكَ الذين قرّروا في يومٍ ما .. أمّا أن يفِرّوا من " لعنة " هذا البلد .. أو أن يعيشوا ( إلى هذه اللحظة ) على رعاية السماوات ، وجمهورياتها الثلاث ، داخل دروب العراق الطويلة ، المُغلَقة .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشباب في العراق : إشكالية الدور في المرحلة الأنتقالية
-
الغباء النسبي .. والغباء المطلق
-
ليس هذا زمن الرومانس . أخرجوا .. وانظروا السَخامَ في الشوارع
-
من التاريخ الأقتصادي والسياسي .. للعراق - المنكوب -
-
مدرسة القمل
-
في التاريخ الأقتصادي المُقارن للعراق : الموازنة العامة للعرا
...
-
لماذا تُتْعِبُ نفسَك ؟
-
هذه المدينة الباهتة
-
في نهاية كلّ عام
-
أمّي .. وقصة الحب في زمن الكوليرا
-
أنتَ تدنو من الصمت
-
هموم عراقية -2-
-
سينما غرناطة
-
في هذا الليل
-
ماذا سيحدثُ للحبيبات،عندما ينخفِضُ سعرُ النفطِ ، وتشِّحُ الم
...
-
البلد .. شارد الذهن
-
مساء النور سيدتي المضيئة
-
دبابيس .. من عالم الضجر ، والذهول العظيم
-
هموم عراقية
-
عن التجنيد الإلزامي - القديم - .. في العراق - الجديد -
المزيد.....
-
السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با
...
-
اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب
...
-
السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو
...
-
حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء
...
-
كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
-
مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس
...
-
عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف
...
-
الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي
...
-
بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة
...
-
ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|