كأننا نتعلّم (4) رفاهية الرسوب

فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4656 - 2014 / 12 / 8 - 13:58
المحور: حقوق الانسان
    

فقط في مصر، أم العجايب، ليس النجاحُ في المدرسة هو المسألة، بل الرسوبُ هو الرفاهية المستحيلة. قد يُفهم من كلامي أن أحفاد الفراعنة الذين علّموا البشريةَ العلوم والفنون لا يعرفون للرسوب طريقًا، فالنجاح حليفهم، والإخفاق بعيد، ولكن دعني أصدمك عزيزي القارئ، وأخبرك بما يملأ قلبَك رعبًا.
ثمة عُرفٌ سائدٌ في مدارس مصر الحكومية، وربما قرار سياديّ لست أدري، أن جميع التلاميذ يجب أن ينجحوا ويصعدوا للفصل الدراسيّ التالي، دون النظر إلى مستواهم التعليمي وما حصّلوه خلال العام. لأن رسوب تلميذ وبقاءه في الفصل معناه أن الطفل الصاعد من الفصل الدراسي الأدنى لن يجد له مقعدًا بين الثمانين مقعدًا في الفصل الواحد! لهذا تجد تلميذًا في الثانوي لا يعرف الأبجدية ويخطئ في كتابة اسمه، مثل صديقنا "عبدة" بائع الزهور الكوميدي الذي كتبتُ عنه قبل أسبوعين. وكيف يتم هذا؟ يُملون على التلاميذ الإجابات في الامتحانات، ومَن يخفق في كتابة الإجابة؛ لأنها أُميّ،، يكتب المراقبون في ورقته بأنفسهم. فليس الهدف هو تعليم الصغار، بل انتقالهم من صفٍّ إلى صفٍّ لاستيفاء أوراق المدرسة التي تصعد للوزارة: “كلّه تمام يا فندم. نسبة النجاح 100٪-;-. لم يرسب أحد.” لكنهم ينسون أن يكملوا: ونسبة التعليم: لم يتعلّم أحد.” وتأتي شهادة التلميذ مكلّلة بالنجاح، ولا يعبأ الأبوان بالتفتيش في رأس طفلهما الفارغ من العلم.
تعالوا نقارن بين تلك الشهادة المصرية المكذوبة وبين شهادة طالب في الصف التاسع (الثالث الإعدادي) اسمه "جيسي بولس" بمدرسة شيري بروك الثانوية" بمدينة سيدني الأسترالية لهذا الفصل الدراسي.
الشهادة عبارة عن تقرير مفصّل من عشر صفحات يشرح كل صغيرة وكبيرة من سلوك التلميذ وانضباطه واهتمامه بالتعليم ومستوى تحصيله. في كل مادة هناك تقرير حول البروفايل الشخصي للطالب: إحضاره أدواته، إتمامه واجب الفصل وواجب المدرسة، تجاوبه وتهذّبه، دقّته وحرصه على المواعيد في الفصل. وينال الطالب علامة من علامات: دائمًا- غالبًا- أحيانا- نادرًا- مطلقًا. ثم قرير حول محصلة التعليم: في مادة اللغويات مثلا، كيف يشرح الطالب قطعة شعرية، كيف يصوغ أفكاره كتابة وقولا، كيف يرسم صورة شعرية، كيف يناقش ويحلل....، وفي الرياضيات والعلوم هناك شريط بياني يوضح بدقة مقدرة الطالب على تحليل المعادلات واستيعابه النظريات، وأداءه العملي. وفي الجغرافيا يحدد التقرير استيعاب الطالب لكل الحقائق الجغرافية والبيئية والمناخية. وصولا إلى أداء الطالب الجسماني والفنيّ في الرياضة والموسيقى وغيرها من المهارات؛ فينال درجته العلمية ما بين: فائق- متفوق- ممتاز- جيد- محدود- غير قادر.
يا وزير التعليم، هل أتاك خبرُ رفاهية الرسوب؟!

#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل