أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الركضُ تحت المطر














المزيد.....

الركضُ تحت المطر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 13:33
المحور: الادب والفن
    


"زهرتي/ كانت لطفلٍ/ ألقمتُه الحَبَّ من كفّي/ فشبَّ وطالَ سعفَ النخيلِ/ ثم تشتتَ في سمائي/ دُخانـًا/ وقصائدَ/ وأراجيحَ صغارٍ./ وهذي طفلتي/ فوق عتباتِها/ سيتناحرُ العشّاقُ بعد عام/ لكنني/ ألقيتُها في النيلِ غيداءَ شهيّةً/ قربانًا للمجرمين./ لا تسألوا مرآةَ الردهةِ/ كيف كنتُ أرقبُها/ عبر زجاجِها/ تدلفُ من غرفتِها نحو سور الحديقةِ/ ولا تسألوا خيوطَ التريكو الورديةَ/ كيف غزلتُ لطفولتِها/ مَعْبرًا ملوّنَ الدَرَج/ وتكعيبةً/ من ظلالِ الزيتونة التي جوار البيتْ/ كي تخطوَ صبيّةً/ نحو الربيع.”

طفلة صغيرة في صحبة أمّها تتسوقان من أحد فروع متاجر وول-مارت الأمريكية الشهيرة. ربما كانت في السادسة من عمرها، تلك الصغيرة ذات الشعر الأحمر والوجه البريء يكسوه النمشُ الطفوليُّ الآسر.
كان المطر ينهمر بالخارج. ذلك النوع من المطر الذي يجعل مزاريب الأمطار تضخُّ مياهها من أسطح البنايات ليضرب الأرض بعنف دون توقف. وقفنا جميعًا هناك، تحت السقيفة المظلّلة، تحت بوابة المتجر.
رحنا ننتظر، بعضنا في صبر وهدوء، والبقية في توتّر لأن فوضى الطبيعة أربكت يومَهم المشحونَ بالمشاوير.
دائمًا ما أُفتُن بالمطر. أتوه في سحر صوت خرير الماء ومشهد السماء وهي تغسل عن العالم غبارَه وأوساخَه. تنهمر الذكرياتُ الجميلة فوق رأسي فأتذكرني طفلةً نقية من المسؤوليات تركضُ تحت المطر فيرحب بها عقلي كفسحة تحرّر من مشاكل يومي وضغوط العمل.
جاء صوتها الطفولي العذب ليكسر سديم الصمت المخدّر الذي وقعنا جميعنا فيه.
قالت: “ماما، هيا نركضُ تحت المطر!” فسألتها الأمُّ: “لماذا؟"
كرّرت الطفلةُ مطلبها: “هيا نجري تحت المطر!”
“لا يا حبيبتي. سوف ننتظر حتى تهدأ السيول قليلا.” قالت الأم.
انتظرتِ الطفلةُ برهةً، ثم أعادت قولها: “ماما، هيا نركضُ في المطر...”
“سوف نغرق في البلل لو فعلنا!” قالت الأم.
“لا لن نبتلَّ يا ماما. ليس هذا ما قلتِه أنتِ هذا الصباح.” قالت الطفلة وهي تجذبُ ذراع أمها.
“هذا الصباح؟ متى قلتُ إن بوسعنا الركض تحت المطر دون أن نبتلّ؟"
“ألا تذكرين؟ حينما كنتِ تتحدثين إلى بابا عن سرطانه، قلتِ له: ’لو كان بوسع الله أن ينقذنا من هذا، سوف يكون بوسعه أن ينقذنا من أي شيء!”
غرق الحشدُ البشري المنتظر أن يصمت المطر، في بحر من الصمت... حتى ما عاد أحد يسمع غير صوت السيول. وقفنا ساكنين. وبهتت الأمُّ برهة وهي تفكر فيما عساها أن تقول.
الآن، بوسع البعض أن يضحك ويوبّخ الصغيرة على سخفِها. والبعض ربما يتجاهل ما قالته. لكنها كانت لحظة اليقين في حياة طفلة صغيرة. لحظة احتضان الثقة البريئة حتى يتبرعمَ أيمانُها.
“حبيبتي، أنت على حق تمامًا. هيا نركض تحت المطر. إذا جعلنا الُله نبتلّ، سوف نحتاج فقط أن نتحمّم.” قالت الأم.
ثم ركضتا معًا. وقفنا ننظر إليهما، ما بين مبتسم وضاحك، وهما تندفعان بين السيارات. وبالطبع، فوق بِرَك المياه الغزيرة، غرقتا في البلل.
تبعهما القليلُ منّا وهم يصرخون ويضحكون كالأطفال، متجهين إلى سياراتهم. وفعلتُ مثلهم. ركضتُ. غرقتُ في البلل. واحتجتُ فقط أن أستحمّ.
الظروفُ والناس بوسعها أن تسلبك مقتنياتك المادية. بوسعها أن تستلب أموالك، وصحتك. لكن أحدًا لا يقدر أن يسرق منك ذكرياتك الثمنية. لهذا، لا تنسَ أن تُهيء الوقتَ وتقتنص الفرصَ لكي تصنع ذكريات جديدة كل يوم. لكل شيء موسمٌ وثمة وقتٌ لكل غرض تحت السماء. لهذا فلا تنسوا أبدًا أن تجدوا الوقت لكي تعيشوا، والوقت لكي تركضوا تحت المطر.
(مما قرأتُ، وأحببتُ، وترجمتُ لكم).

***
* من قصيدة "إيزيس" | ديوان "قارورة صمغ" فاطمة ناعوت | دار "ميريت" 2008



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كأننا نتعلّم! (2) احتراق التلاميذ!
- -مؤشر السعادة- المصري
- كلمة الشاعر اللبناني شربل بعيني لتقديم الشاعرة فاطمة ناعوت ق ...
- يومٌ لجبران وفيروز
- كأننا نتعلّم! (3) الحاج -عبدة-
- لا تخاطر باسم الله
- احذروا حزب النور
- حربنا مع صهيون
- البُوق وال(بُقّ)
- قناة (مكملين) ايه بالظبط؟!
- نعلن الحبَّ عليكم
- العنصريّ في سلة القمامة
- رانيا وصاحبتها
- فتاوى تكسيح الأطفال
- كأننا نتعلّم (1)
- فاطمة ناعوت -كاتبةٌ صحفية وشاعرة ومترجمة مصرية - في حوار مفت ...
- أنا ابن مصر العظيم
- استلهموا هجرة الرسول
- أنا أعلق إذن أنا موجود
- ماذا نفعل بالإخوان؟


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الركضُ تحت المطر