أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاد محال - الذاكرة المطاط














المزيد.....

الذاكرة المطاط


معاد محال

الحوار المتمدن-العدد: 4626 - 2014 / 11 / 7 - 19:52
المحور: الادب والفن
    


خارت قوى ركبتاي وأنا أسير على جانب الوادي لبلوغ منزلنا الواقع قرب البئر. مفعول السجائر على المعدة الخاوية جعلني كقطعة ورق تقف في وجه الرياح. فكرة العودة كانت تطرق جمجمتي، لكن عن أي عودة أنا أبحث ؟ فأنا كلما تقدمت بقدمي خطوة إلى الأمام عادة ذاكرتي مائة خطوة إلى الخلف.

الآن أنا أقف على بعد بضع خطوات من المكان الذي قصدته. كان الستار متدليا على الباب. تصلني أصوات موسيقى جبلية ورائحة طاجين السمك. كل قطعة في جسدي ترتعش، زادت سرعة دقات قلبي، ماذا سأقول له عندما أراه ؟ أو ماذا سيقول لي عندما يراني ؟ هل سيتذكرني بعد كل هذه السنين ؟ تقدمت خطوتين فسمعت صوت سعاله فتسمرت في مكاني، سرت قشعريرة في جسدي، تخيلتني طفلا يعود من المدرسة مُتسخا بالوحل في يوم ماطر، ألصق أذني في الباب لأتأكد من عدم وجوده في المنزل. السعال إذن كان لغته، كان يسعل ليقول أنا هنا وكان يسعل ليقول ها أنا قد جئت، كان يتجنب لغة البشر، لم تكن تربطه بهم أية صلة حقيقية، أمي كانت تنعته طوال الوقت بالحيوان.

طرقت طرقتين على الباب وقلت السلام عليكم.
انقبضت عضلات وجهه وانحبس دخان الكيف في حنجرته، كاد يختنق من فرط السعال، وقع بصري على قنينة ماء فقدمتها له، شربها بسرعة وتعانقنا، رائحته لم تتغير، رائحة العرق ممزوجة برائحة دخان الكيف.

- لقد صرت رجلا يا عماد.
قال وعيناه تتغرغران بالدموع، حقدي الشديد عليه خيّلها لي دموعا مُصطنعة، لم أقل شيئا، فقدت قدرتي على الكلام.

- قالوا لي أنك قد تفوقت في دراستك عكس إخوتك.
قلت له : لو كانوا وجدوا ظروفا مناسبة لتفوقوا هم أيضا، وما كان حالهم هو الحال

فهم ما عنيته فعاد إلى صمته ، كان كلانا ينظر إلى الأرض، ولا أحد ينظر في وجه الآخر.

- ما به وجهك ؟
رفعت عيني فوجدته يتطلع إلي، فقلت :
- تعاركت مع أحدهم.

لم يسألني أكثر. نهض من مكانه واتجه نحو الموقد ليتفقد طاجينه، قال وهو يتذوق قطعة منه :

- مع الأسف يا عماد لقد جئت في وقت غير مناسب.

قلت في نفسي أنا دائما أجيء في الوقت الغير المناسب، أنا أصلا جئت إلى الدنيا في وقت غير مناسب، في أحد الأيام أخبرتني أختي أنه لم يُحتفل بولادتي.

سألني : مصطفى الشاوني الأصلع، هل تذكره ؟
أجبته : ذاك الذي سرق مالك.

أطلق ضحكة عالية وأردف : لقد سامحته. المهم هو الآن في سجن واد لو، والآن أنا ذاهب لزيارته وسآخذ هذا الطاجين له، فالطعام الذي يقدمونه لهم في السجن يشبه الخراء. وأنت عُد إلى تطوان وتعال في وقت لاحق.

حينما أكمل جملته امتقع وجهه وتصلبت ملامحه وجحظت عيناه وهو يتطلع إلى الباب، نظرت إلى حيث ينظر وإذا بمصطفى الشاوني الأصلع يقف على العتبة مُحملا بكيس كبير من قنينات الشراب.

سأله مرتبكا : متى أطلقوا سراحك ؟
رد عليه الشاوني في عدم فهم : من هم ؟
عاد يكرر السؤال : متى خرجت إلى السجن ؟
كان للشاوني من الذكاء وسرعة البديهة ما يكفي ليدرك نيته،
تجاهله والتفت إلي: عماد ؟ أنت عماد الصغير ؟

شعرت أنه يشفق علي، هززت رأسي بالإيجاب وانصرفت دون أية كلمة. حينما ابتعدت عن المنزل سمعتهما يتشاجران. كل النقود التي كانت بحوزتي نفذت، بعت هاتفي بربع ثمنه لأستطيع العودة إلى تطوان، قبلها كان علي قطع 7 كيلومترات لأصل إلى واد لو حيث يمكنني إيجاد وسيلة نقل. أدركني الليل وأنا أسير على الشاطئ، قوارب الصيادين في البحر بدت بقعا تخترق هيئة الظلام. القمر كان قد هجر السماء الليلة وترك للظلام السلطة المطلقة، الظلام هو سيد المجهول، وأنا قد سلمت أمري للمجهول ولسيده الظلام ولم يخدعني أي واحد منهما.
رميت عبء الغد وعبء الأحلام واخترت المجهول سكنا والظلام وطنا.



#معاد_محال (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدو الدنيا
- وسادة فوق التراب
- قصتان
- حينما كان الانتصار للإله الذكر
- التحرش الجنسي اضطهاد نمارسه ضد المرأة
- مفهوم الجريمة في ثقافة القبيلة
- هذيان
- على خلفية حبس الزعيم
- لن تعود
- ملعونة هذه الأرض
- حول هيمنة التفسير المجازي
- نظرتنا إلى المرأة لم تتغير منذ الجاهلية
- خير أمة أُخرجت للناس، وأوهام أخرى..
- هل نتجه نحو -عصور مظلمة- جديدة ؟
- أمام العرش
- ثورة الحفاة (4)
- شارع الحفاة (3)
- ثورة الحفاة (2)
- ثورة الحفاة (1)
- آلهة القرن الواحد والعشرين


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاد محال - الذاكرة المطاط